بينما لا يزال العالم يئن تحت وطأة أزمات متلاحقة، تثير ظاهرة تغير المناخ القلق، ليس فقط للبلدان في العالم العربي، لكن أيضًا لجميع البلدان في جميع أنحاء العالم، لكن اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ تتوقع أن تكون المنطقة العربية واحدةً من أكثر مناطق العالم تضررًا من تغير المناخ في القرن الحادي والعشرين، لا سيما بسبب ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، وهو أمر عقدت من أجله الأمم المتحدة عشرات القمم الخاصة بالمناخ، وستعقد قمة أخرى في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
في عين الإعصار
شهدت دول عربية عدة في الآونة الأخيرة موجات صقيع أدَّت إلى شل حركة السير وتعطيل الحياة اليومية، كما أودت بحياة بعض الأطفال السوريين في مخيمات اللجوء بالشمال السوري ودول الجوار التي شهدت ظروفًا قاسيةً بسبب غرق الخيام ومحاصرتها بالثلوج وقلة مواد التدفئة، ما أدى إلى وفاة بعض الأطفال اللاجئين بسبب البرد.
آخر هذه العواصف هي “ياسمين” التي تسببت في تغطية مناطق مختلفة من الشرق الأوسط بالثلوج، ففي لبنان وصلت سرعة الرياح إلى أكثر من 80 كم/ساعة، ما أدى إلى إغلاق عدة طرق وتضرر شبكات الكهرباء التي تعاني أصلًا، وتجاوز ارتفاع الثلوج في الأردن أكثر من 30 سنتيمترًا، ما أدى إلى تعطيل حركة المرور وإغلاق طرق في العاصمة عمَّان.
في مصر، لم يعد الخطر يتهدد المحاصيل الزراعية فقط، بل كذلك الأهرامات التي باتت تحت خطر التضرر بسبب ظروف الطقس المتطرف
العراق عاش أيضًا على وقع عواصف رملية متكررة تسببت في خنق المدن عدة مرات خلال هذا العام، وفي مصر، كان الشتاء الماضي الأبرد منذ عقود، حيث شهدت انخفاضًا شديدًا في درجة الحرارة، وتأثرت بشدة المدن الساحلية، أبرزها الإسكندرية، وتسبب الأمر في إغلاق المدراس وتساقط غير مسبوق للثلوج، كما تعاني مصر أيضًا من ارتفاع ملوحة التربة في دلتا النيل ما تسبب في تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المهمة.
العديد من الخبراء يعزون الظروف المناخية القاسية التي يشهدها العالم العربي من حر أو برد شديدين إلى التغير المناخي، وتقول المنظمة العالمية للأرصادر الجوية في تقرير جديد أصدرته إن الطوارئ المناخية المتطرفة بما في ذلك موجات الحر الشديدة والفيضانات المدمرة باتت القاعدة الجديدة على كوكبنا.
لا يزال العلماء يبحثون في كيفية تأثير تغير المناخ على الطقس الشتوي، وهم يزدادون ثقة أن ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي ينتج عنه عواصف شتوية أقسى، ولعل هذا ما يفسر العواصف الثلجية ودرجات الحراة المتدنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والكثير من الدول العربية في السنوات الأخيرة.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرًا عن مخاطر التغير المناخي على 193 دولة عبر العالم كانت منها العديد من الدول العربية، ففي المغرب مثلاً، ذكر التقرير أن ثلثي الواحات اختفت خلال القرن الماضي، أما الكويت فقد اختفت إحدى مناطقها، وهي النويصيب، في درجة حرارة قُدرت بـ53.1 درجة مئوية، وهي من الأعلى في العالم، وفي السعودية، وعلى غير العادة، ظهرت وديان صغيرة من الثلج المذاب في جنوب المملكة.
أما في السودان، فمعاناة العديد من المناطق مع العواصف الرملية اشتدث مؤخرًا، واجتاحت الأمطار والسيول مناطق في دارفور إلى أن وصلت إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، وفي موريتانيا، ازدادت الحرارة بين عامي 1901 و2020 بمقدار سنوي قدره 16% درجة مئوية، وغمرت مياه الأمطار أحياء وساحات وشوارع رئيسية في نواكشوط، وضرب الجفاف كينيا، وأَّدى إلى المجاعة ونفوق الحيوانات، فيما تعاني دول شمال إفريقيا خلال الفترة الحاليّة من حرائق غابات أتت على آلاف الهكتارات.
في مصر، لم يعد الخطر يتهدد فقط المحاصيل الزراعية، بل كذلك الأهرامات التي باتت تحت خطر التضرر بسبب ظروف الطقس المتطرف، ويكرر خبراء تحذيراتهم من احتمال غرق مدينة الإسكندرية الساحلية، كما حذَّر رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، وكذلك أجزاء واسعة من دلتا النيل بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر المتوسط بفعل التغير المناخي.
تؤكد دراسة جديدة نشرتها إدارة التغيير المناخي العلمية أن لبنان، البلد العربي الذي كان يعتبر من البلدان الغنية بالموارد المائية، لم يعد كذلك، إذ تأثرت موارده بالتغيرات المناخية خلال السنوات الماضية، بعد تراجع نسبة هطول الأمطار مقابل ارتفاع الطلب بسبب زيادة عدد السكان وسوء إدارة هذه الموارد، ما زاد الوضع تعقيدًا.
ويعيش الأردن حالة من الفقر المائي المدقع، فقد تراجع نصيب الفرد فيه من المياه إلى أقل من مئة متر مكعب سنويًا مقارنة بـ3400 متر مكعب عام 1946، وهو ما يؤثر على مستقبل الزراعة ليس في الأردن فحسب بل في العالم العربي عامة، وهو ما ينعكس سلبًا على الأمن المائي والغذائي.
وفي تونس الخضراء، تتفاقم أزمة توفير المياه، حيث تشير آخر المعطيات الرسمية إلى أن التغيرات المناخية غير المسبوقة تجر البلاد نحو فقر مائي حاد، إذ يقدَّر نصيب الفرد بـ400 متر مربع سنويًا، وهذه النسبة مرشحة للانخفاض خلال السوات القليلة المقبلة لتصل إلى 50 مترًا مربعًا، أي أقل بـ50% من الكمية التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
يقود البحث عن أسباب الفقر البيئي في تونس إلى نقص الأمطار وقرب نضوب مخزونات السدود، وهي المصدر الأول لمياه الشرب، وفوق هذا وذاك، ارتفاع درجات الحرارة واستفحال التغييرات المناخية، وهو ما دفع شركة المياه الحكومية إلى قطع المياه في مناطق عديدة، وبالتوازي مع ذلك، تفاقمت الأوضاع في القطاع الزراعي الذي يعتبر أحد أعمدة الاقتصاد في تونس، والنتيجة توجه المزراعين لحفر الآبار العشوائية، التي ارتفعت لأكثر من 20 ألف.
سيناريوهات صادمة
لطالما شكَّل الجفاف مشكلةً في المنطقة، لكن تغير المناخ أصبح يزيد من حدة هذه المشكلة، فمواسم الجفاف أصبحت أطول، وموجات الحراة أصبحت أكثر سخونة، وبحسب وكالة ناسا، شهد شرق البحر المتوسط أسوأ موجة جفاف منذ 900 عام، ويمثل هذا ضربة قوية لدول مثل سوريا ولبنان، إذ تعتمد هذه الدول في زراعتها على هطول الأمطار، خاصة أن الزراعة تستخدم 85% من المياه في المنطقة.
بحسب منظمة اليونسيف، تعاني 17 دولة في العالم من الإجهاد المائي، منها 11 في المنطقة العربية، ويعيش نحو ثلثي سكانها في مناطق تفتقر إلى موارد مياه متجددة كافية، و9 من بين كل 10 أفراد يعيشون في مناطق تعاني إجهادًا مائيًا، ووصل متوسط توافر المياه إلى 1200 متر مكعب سنويًا فقط، ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على صحتهم ونموهم، لكن الأخطر أن هذه المشكلة تزداد سوءًا مع الوقت.
يؤكد العلماء أن خطر الانقراض يهدد 60% من أنواع البن البالغ عددها 124 نوعًا، بسبب الاحتباس الحراري وإزالة الغابات
تواجه مدن مثل البصرة في العراق تهديدًا حقيقيًا للوصول إلى “اليوم صفر” حسب تقرير للبنك الدولي، قد يكون هذا بداية لفرض قيود استخدام المياه من المستوى السابع، في هذا المستوى يتم إغلاق معظم الإمدادات البلدية وإجبار السكان على الوقوف في طوابير للحصول على حصتهم اليومية من المياه.
يمكن أن يتسبب انعدام الأمن المائي هذا في مضاعفة مخاطر الصراع بين الدول في المستقبل، ففي السنوات الأخيرة شهدت الكثير من دول المنطقة مثل السودان والعراق واليمن احتجاجات بخصوص نقص المياه، وتتنازع كل من مصر والسودان مع إثيوبيا على كمية المياه التي يمكنهم الوصول إليها.
يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم حالات انعدام الأمن الغذائي الذي يشكل خطرًا على النظام الغذائي بأكمله، بدءًا من الإنتاج إلى التوزيع ثم الاستهلاك، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المنطقة الوحيدة في العالم التي تعاني من انخفاض مستوى الأمن الغذائي، وتعتمد بشكل كبير على الوارادت الغذائية، ما يجعلها عرضة لصدمات الأسعار في الأسواق العالمية وشح الأسواق في باقي مناطق العالم، ويمكن لارتفاع أسعار الغذاء أن يؤجج في نهاية المطاف الصراعات الكامنة ويدفع إلى الهجرة.
بحلول عام 2030، ستتأثر الأنشطة الزراعية لمنتجي الأغذية بسبب تغير المناخ، لا سيما في المناطق النائية التي تعتمد على الزراعة المطرية، ما سيؤدي إلى الابتعاد عن هذا النوع من الزراعة، وإذا استمرت المعدلات الحاليّة لتدهور الأراضي، فسيتم فقدان 8.3 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول نهاية هذا العقد.
مع ازدياد حرارة المنطقة وجفافها الشديد والمتكرر والأطول والأكثر شدة، حذرت الأمم المتحدة من أن إنتاج المحاصيل في الشرق الأوسط قد ينخفض بنسبة 30% بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ، فتخيلوا بلدان شمال إفريقيا التي تعتمد أكثر من 80% من المحاصيل فيها على هطول الأمطار بشكل ثابت، وقد أصبحت معرضة بشدة لانخفاض نسبة هطول الأمطار.
على ما يبدو، هناك زراعات ستختفي وأخرى معرضة للانقراض بسبب التغير المناخ، ففي جنوب إفريقيا، أدَّى انخفاض إنتاج البطاطس إلى انخفاض المخزون لدى صانعي رقائق البطاطا الرئيسيين، وواجهت صناعة البطاطس هذا العام الكثير من التحديات بما في ذلك التغيرات المناخية القاسية كالصقيع والأمطار الغزيرة التي تسببت في دمار المحاصيل.
بالإضافة إلى ذلك فإن مشروب القهوة في خطر، فالعلماء يؤكدون أن خطر الانقراض يهدد 60% من أنواع البن البالغ عددها 124 نوعًا، بسبب الاحتباس الحراري وإزالة الغابات، كما يرى علماء أن الشاي في طريقه للاختفاء أيضًا.
من المتوقع أن تشهد هذه المنطقة انخفاضًا في معدلات نموها بنسبة تصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050 بسبب التأثيرات المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة والدخل وفقًا لتقرير البنك الدولي، وحيثما يتأثر النمو الاقتصادي بهطول الأمطار، تسببت فترات الجفاف والفيضانات في حدوث موجات من الهجرة وتصاعد العنف داخل البلدان.
تكلفة باهظة
“تغير المناخ يحصد أرواح أكثر من 300 ألف شخص سنويًا”، هذا ما أكدته أول دراسة شاملة عن التأثير البشري للاحتباس الحراري، وتتوقع أن تكون موجات الحر والفيضانات والعواصف وحرائق الغابات الشديدة بشكل متزايد مسؤولة عن ما يصل إلى نصف مليون حالة وفاة سنويًا بحلول عام 2030، ما يجعلها أكبر تحد إنساني يواجهه العالم.
ليس هذا كل شيء، فبحسب الدراسة، تتجاوز الخسائر الاقتصادية 125 مليار دولار في العام، وبحلول عام 2030، قد يكلف تغير المناخ 600 مليار دولار سنويًا، وهذا سيؤدي إلى زيادة المساعدات المقدمة من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة لتبلغ 340 مليار دولار سنويًا.
وفي المستقبل القريب، عندما نرغب في حجز تذكرة سفر بالطائرة قبل عام من الموعد المحدد للسفر، قد يكون الأمر شبه مستحيل بسبب عدم قدرة شركات الطيران على التنبؤ بالأحوال الجوية على المدى البعيد.
وفقًا لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الإداراية “ماكينزي” عام 2020، تعطل الحرارة الشديدة بالفعل السفر الجوي العالمي، ما أدى إلى توقف نحو 4000 إلى 8000 مسافر سنويًا اليوم، وبحلول عام 2050، قد يتأثر ما يصل إلى 185 ألف مسافر سنويًا بالحرارة الشديدة (48 درجة مئوية)، أي ما يقرب من 23 ضعفًا مما نراه اليوم.
في العام 2040، لن يكون باستطاعة المسلمين أداء فريضة الحج، فالبقاء من 20 إلى 30 ساعة تحت أشعة الشمس سيعرض الحجاج لخطر شديد
الخطورة أن تأثير درجات الحرارة العالية والرطوبة سيكون قاتلًا للجسم الذي سيصبح غير قادر على تبريد نفسه عن طريق التعرق، كما سيكون استخدام التكييف والمبردات الهوائية غير متاح بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي الناتج عن العواصف والأعاصير والحرارة والحرائق المصاحبة لتغير المناخ، فمن عام 2000 إلى 2021، ارتفعت معدلات انقطاع الكهرباء المرتبط بالطقس بنسبة 78%.
كما ظهرت وستظهر الكثير من الأمراض والأوبئة بسبب تغير تركيبة أجهزة المناعة للإنسان والحيوان معًا كنتيجة للتغير البيئي والمناخي، لذلك انتقلت وستنتقل الكثير من الأمراض من الحيوان إلى الإنسان التي كان آخرها فيروس كورونا، وسبقها فيروس إنفلونزا الطيور والخنازير وسارس وزيكا وغيرهم.
لا تتوافر أرقام مؤكدة بشأن تزايد أعداد الوفيات خلال موجات الطقس المتطرف الأخيرة، والفئات الضعيفة كالمسنين وذوي الأمراض المزمنة هم الأكثر عرضة بشكل خاص، ويشير الباحثون إلى أن تغير المناخ يقوض الصحة العقلية أيضًا، فارتفاع درجات الحرارة يسهم في زيادة معدلات الانتحار، ويرتبط أيضًا بتدهور الصحة النفسية وارتفاع معدلات الاكتئاب.
من المتوقع أن تزداد الأزمات الإنسانية الناجمة عن الهجرة واللجوء والمرض عندما ستصبح كثير من المناطق غير صالحة للسكن، وتشير التقديرات إلى أنه ما بين 7 و10 ملايين شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيضطرون إلى مغادرة أوطانهم بسبب تغير المناخ، ففي عام 2015 مثلًا، أُجبر المئات من سكان مدينة الإسكندرية على مغادرة منازلهم، بسبب الفيضانات الشديدة الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر.
ويُعتقد أنه بحلول عام 2100، ستصبح بلدان الخليج غير صالحة للعيش، أمَّا في العام 2040، فلن يكون باستطاعة المسلمين أداء فريضة الحج، فالبقاء من 20 إلى 30 ساعة تحت أشعة الشمس سيعرض الحجاج لخطر شديد.
رغم أن المنطقة العربية تساهم بنسبة لا تصل إلى 5% من الانبعاثات التي تسبب الاحترار العالمي، فإنها تدفع الثمن الأكبر الناتج عن تغير المناخ
ووفقًا لدراسة جديدة أجراها باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كاليفورنيا، بسبب تغير المناخ، هناك خطر متزايد من أن تسوء ظروف الحرارة والرطوبة في مناطق المملكة العربية السعودية التي يؤدي فيها الملايين فريضة الحج في السنوات القادمة، التي ستكون من عام 2047 إلى 2052 ومن 2079 إلى 2086.
سيحدث هذا حتى إذا تم اتخاذ تدابير جوهرية للحد من تأثير تغير المناخ، ودون تلك التدابير، فإن الأخطار ستكون أكبر، وبشكل عام، حتى لو حدث ارتفاع إضافي في مستوى سطح البحر بمقدار 10 سنتيمترات فقط بحلول عام 2100، فهذا من شأنه أن يمحو سبل عيش الملايين، مقارنة بـ1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي، وهو الهدف المنصوص عليه في اتفاق باريس، فإن درجتين مئويتين ستعرِّض 420 مليون شخص لموجات حر شديدة.
وبحسب مسودة تقرير أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المتوقع أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تقليل قدرة البشر على العمل، وبحلول سنة 2100، ستفقد الكثير من المناطق في إفريقيا وجنوب آسيا وأجزاء من أمريكا الوسطى والجنوبية ما يصل إلى 250 يوم عمل كل عام.
الزاوية الأكثر قتامة تشير إلى أن أفقر المجتمعات في العالم هي أول من يتأثر بتغير المناخ، ومع ذلك، فإن دورها أقل ما يكون في التسبب بهذه المشكلة، فالدول النامية تتحمل أكثر من تسعة أعشار العبء الإنساني والاقتصادي لتغير المناخ، بينما الدول الخمسون الأكثر فقرًا في العالم تساهم بأقل من 1% من انبعاثات الكربون، التي تؤدي إلى زيادة حرارة الأرض، فيما لم تتجاوز التمويلات الدولية التي جرى التعهد بها لمساعدة الدول النامية أكثر من 400 مليون دولار رغم أن الحاجة الفعلية تناهز مئة مليار في العالم.
ورغم أن المنطقة العربية تساهم بنسبة لا تصل إلى 5% من الانبعاثات التي تسبب الاحترار العالمي، فإنها تدفع الثمن الأكبر الناتج عن تغير المناخ، فبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، سيكون تكييف الاقتصادات لمواجهة الضرر مكلفًا للغاية، ما يعادل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة كل عام على مدى السنوات العشرة المقبلة.
سيناريوهات مخيفة يواجهها العالم، وهو ما استدعى الدول لعقد مؤتمرات عدة لإيجاد الحلول ومواجهة التغير المناخي، وآخرها كان مؤتمر “جلاسكو” للمناخ العام الماضي، الذي حضره 120 من قادة العالم، وأكثر من 40 ألف مشارك، وتم من خلاله الاعتراف بحالة الطواري وتسريع العمل، إذ يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% للوصول إلى صاف صفري في منتصف القرن تقريبًا وتقديم مئة مليار دولار سنوي للبلدان النامية.
سبق هذا مؤتمر للمناخ في باريس عام 2015، ووقعت كل دول العالم تقريبًا على أهداف اتفاق باريس للمناخ، لكن بشائر ذلك الاتفاق لم تدم طويلًا، فقد انسحبت منه الولايات المتحدة في فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، قبل أن تعود إليه لاحقًا بمجيء جو بايدن الذي أعلن تخصيص أكثر من ملياري دولار لبناء منشآت مقاومة لتغيرات المناخ، لكن ليس بمقدور كثير من دول العالم توفير مثل هذه المخصصات لتشييد بنى تحتية تصمد أمام الحرارة الشديدة والكوارث الطبيعية، ما يعني أن هناك أثمانًا ستظل تُدفع ضريبةً لما فعل الإنسان في الأرض، وما فعلت الأرض في المناخ.