ترجمة حفصة جودة
في هونغ كونغ عام 2019-2020، خرج ملايين الناس في الشوارع لمعارضة الأفعال القمعية للنظام الاستبدادي، لكن أصواتهم أُسكتت في النهاية وسُجن قادتهم وانتزعت الصين حقوقهم الديمقراطية، بينما ينظر إليهم قادة الغرب في صمت وهم يعتصرون أيديهم.
وفي بيلاروسيا، اندلعت احتجاجات وطنية واسعة عندما سرق الديكتاتور الوحشي الانتخابات عام 2020، قالت الأمم المتحدة حينها إن مئات الناس تعرضوا للانتهاك والتعذيب والاغتصاب، لكن الديكتاتور ألكسندر لوكاشنكو – المدعوم من صديقه البغيض في موسكو – ما زال في السلطة.
في ميانمار، شن الجيش انقلابًا عسكريًا العام الماضي ليحل المجلس العسكري محل السياسيين المنتخبين، يقف رئيس المجلس العسكري الجنرال مين أونج هلانج متهمًا بالإشراف على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لأقلية الروهينغا، لكنه ما زال حرًا حتى الآن.
إنهم نمط متكرر بشكل مرعب حول العالم، انظر إلى ثورات الربيع العربي في مصر وسوريا، فالناس انتفضوا ثم سُحقوا، بينما وقفت الديمقراطيات الغربية تبكي ثم قبلت بالواقع الجديد القديم في النهاية.
هل سيكون ذلك مصير شابات إيران اللاتي يقدن الاحتجاجات بشجاعة ضد النظام الفاسد أخلاقيًا في طهران؟ مثل كل البلاد، اندلعت ثورة في طهران عام 1979 للتخلص من الطاغية، فقط لتأتي بطاغية آخر.
شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، هو شعار يشير إلى التزام جماعي بحقوق الإنسان وحرية التعبير وحق تقرير المصير الديمقراطي، فلا عجب في أن هذا النظام الحقير لا يفهم ذلك
لكن احتجاجات اليوم واسعة النطاق التي تتحدى القمع، مختلفة من عدة نواح، إذ يقود معظمها شابات وطالبات مدارس يدعمهن الشباب من مختلف الأعمار والجماعات العرقية والطبقات الاجتماعية.
هذه الاحتجاجات ليس لها قادة أو منظمة مسؤولة أو بيان إلا شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، وهو شعار يشير إلى التزام جماعي بحقوق الإنسان وحرية التعبير وحق تقرير المصير الديمقراطي، فلا عجب في أن هذا النظام الحقير لا يفهم ذلك.
الأكثر إثارة للعجب، عدم خوف النساء، إنهن يرفضن التخفي والترويع، هذا الجيل القوي من الشباب لا يعبأ بتاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد لـ43 عامًا من الخطط الكبرى والوعود المنكوثة والحروب الدموية، فهو بالنسبة لهم طاغية فاسد عفا عليه الزمن.
هذه الاحتجاجات أيضًا ليس لها علاقة بالمؤامرات الأجنبية، ذلك العذر الذي يستخدمه النظام لفشله، لكنها على علاقة بالتعليم العالي والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وعولمة الثقافة وإنكار الحريات الشخصية والمهنية التي تعد الوضع الطبيعي المقبول في أي مكان آخر.
وسواء أدرك الملالى ذلك أم لا، فهؤلاء الشابات الشجاعات هن مستقبل إيران، ولم يعد ممكنًا إسكاتهن وعزلهن عن العالم، لقد عاصرن زمن “#MeToo” و”Black Lives Matter” ويعرفن ذلك جيدًا ويحتفلن به.
ستأتي الثورة الإيرانية الثانية بعد أسبوع أو بعد عام، قريبًا أو بعيدًا، وستدور العجلة، وبمرور الوقت، لن يتمكن القتل والاعتقال والمراقبة والتهديدات وفضح النساء من إيقاف تلك الثورة
بعد سنوات من التخبط والبدايات المؤلمة الخاطئة، وصلت السياسات القائمة على المواطنة إلى إيران، وهي تعدّ أجندة التغيير، ولا يمكن إعادة هذا الجنيّ إلى الزجاجة، وبالنسبة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي فالرسالة واضحة: افسحوا الطريق وإلا تخسروا.
ستأتي الثورة الإيرانية الثانية بعد أسبوع أو بعد عام، قريبًا أو بعيدًا، وستدور العجلة، وبمرور الوقت، لن يتمكن القتل والاعتقال والمراقبة والتهديدات وفضح النساء من إيقاف تلك الثورة.
لن تتقبل الأولغارشية الشيعية تلك الحقيقة الواضحة بصدر رحب، ستقاومها قدر الإمكان، فضحاياها مثل المحامية البطلة نسرين سوتوده يعلمون جيدًا كيف يتمسك هذا النظام بمعتقداته وتحيزاته وسلطته بكل عنف.
وكما لاحظت شيرين عبادي – إحدى قاضيات إيران الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 – فإن المعركة ليست ضد الإسلام، لكنها ضد هؤلاء الذين يشوهونه ويستغلونه لتحقيق مصالحهم، رجال مثل الديكتاتور مؤسس الجهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني.
تقول عبادي في كتابها “صحوة إيران” الصادر عام 2006: “تأويل الإسلام المتناغم مع المساواة والديمقراطية هو التعبير الحقيقي عن الإيمان، فليس الدين ما يقمع النساء، بل الأوامر الانتقائية لمن يرغبون في عزلهن”.
ماذا سيفعل الغرب؟ كما ناقشنا سابقًا قالتاريخ يقول: ليس الكثير، بعض كلمات التوبيخ هنا، وبعض العقوبات هناك، ثم تمضي القافلة العالمية قُدمًا
تأتي ثورة نساء إيران وسط تدقيق متزايد لانتهاكات النساء في الدول الإسلامية، فقد تعرضت الحكومة السعودية لهجوم شنيع في أغسطس/آب نتيجة حكمها بالسجن 34 عامًا على طالبة جامعة ليدز سلمى الشهاب لاستخدامها تويتر.
وفي أفغانستان، لم تتمكن طالبان من أن تحظى بالقبول الدولي نتيجة انتهاكها لحقوق النساء مثل إغلاق مدارس الفتيات، فالكابوس العالمي في كابول بالتسعينيات الذي كتب عنه خالد حسيني في روايته “ألف شمس ساطعة” يعود مع الرغبة في الانتقام.
ومع ذلك، فهناك أمثلة إيجابية لسيدات مسلمات تولين زمام الأمور، فقد رأيت بنفسي شركة لتجارة السلطعون تملكها سيدات في خليج البنغال في بنغلاديش، وجمعية زراعية في ميندناوا بالفلبين وجمعية تدعم ضحايا العنف المنزلي في كوالالامبور في ماليزيا.
في إدلب – شمال غرب سوريا – أدت النساء دورًا بارزًا في توفير التعليم والرعاية الصحية وتوزيع الطعام للاجئين، إنه تحول ثقافي ضخم ويبدو أنه سيكون دائمًا.
في هذا السياق المتفائل، يبدو أن سيدات إيران لسن وحدهن في تحدي العادات القديمة للمجتمعات ذات الهيمنة الذكورية، وثورات اليوم تكشف عن السياق المتصل لذلك، لقد تغيرت إيران بشدة عن أول مرة زرتها عام 1977، عملية التحرر بطيئة ومتفاوتة لكنها لا تسير في الاتجاه العكسي مطلقًا.
بالتأكيد لن يرحل النظام الإيراني سريعًا وفي هدوء، لذا ماذا سيفعل الغرب؟ كما ناقشنا سابقًا قالتاريخ يقول: ليس الكثير، بعض كلمات التوبيخ هنا، وبعض العقوبات هناك، ثم تمضي القافلة العالمية قُدمًا.
هذا الأمر ليس مفاجئًا، وهذه هي الحقيقة المرة، تملك إيران الكثير من الأصدقاء والأحباب في الخارج الذين سيقدمون لها ما باستطاعتهم، لكن لكي تنجح ثورتهم الثانية، يحتاج الإيرانيون أولًا للاعتماد على أنفسهم.
المصدر: الغارديان