ترجمة وتحرير: نون بوست
شغل موقع “يوتيوب” حيزًا كبيرًا في أيامي لأكثر من عقد من الزمان. عندما كنت مراهقًا، استخدمت منصة بث الفيديو لإشباع تعطشي للمعرفة من خلال مشاهدة محاضرات مجانية حول كل شيء بداية من الجبر إلى الأدب الحديث. والآن انتقلت إلى استعمال تطبيق يوتيوب على التلفاز لمشاهدة الأخبار في معظم الصباح. كما أقوم بمشاهدة مقاطع فيديو التدريب، واستمع للموسيقى، وأشاهد المشاهير وهم يقومون بجولات في قصورهم الفخمة. وأحيانًا أقضي ساعات على هذا الموقع حيث أضيع في متاهة الميمات وأفكار العشاء وكل أنواع الإلهاء.
لكن هذا السلوك ليس فريدًا من نوعه ذلك أنه – وفقًا للشركة – يُسجل الموقع دخول أكثر من ملياري مستخدم شهريًا، وفي في غضون 24 يتم بث أكثر من مليار ساعة من الفيديوهات، وتحميل حوالي 500 ساعة من الفيديوهات كل دقيقة. ساعد هذا التدفق المستمر للمحتوى على المنصة في إنشاء أشكال جديدة من الترفيه مثل مقاطع “فتح الكرتون” المعروفة باسم “أنبوكسنغ” وآخر صيحة في المحتوى هي مقاطع “عرض الأكل” المعروفة بـ “موكبانغ“.
يُصنّف يوتيوب على أنه شبكة اجتماعية، لكنه أكثر من ذلك؛ إنها مكتبة ومنصة لبث الموسيقى وخدمة مجالسة أطفال، كما يستضيف أكبر مجموعة في العالم من مقاطع الفيديو التعليمية. وإذا كنت ترغب في إصلاح جرار أو خرطوش الصرف الصحي أو تقطيع البصل، فإن كل ما عليك فعله هو مشاهدة كيفية القيام بذلك على يوتيوب. وبالطبع، هذه ليست الأشياء الوحيدة التي يمكنك تعلمها. هناك مقاطع لمناهضي اللقاحات، والمتحدثين عن أحداث 9/11، وأعمال العنف الجماعي التي تبثّ مباشرةً – جميعها متاحةٌ على يوتيوب أيضًا.
كتب مارك بيرغن في بداية كتابه بعنوان “إعجاب، تعليق، اشتراك“، وهو يعرض تاريخًا مفصلا للموقع بدءًا من سنة 2005، السنة التي تأسس فيها يوتيوب وحتى الوقت الحاضر: “لم تعمل أي شركة على إنشاء اقتصاد الاهتمام عبر الإنترنت الذي نعيش فيه جميعًا اليوم مثلما فعلت يوتيوب”. ومن بين عمالقة التواصل الاجتماعي، يتم التغاضي عن موقع يوتيوب أحيانًا ولم يجذب الكثير من الإشادة أو اللوم أو التنظير أو التدقيق مثل منافسيه فيسبوك وتويتر، ناهيك عن أن مؤسسيه ليسوا من الشخصيات العامة مثل مارك زوكربيرغ أو جاك دورسي. ولم يكتب آرون سوركين سيناريو فيلم عن يوتيوب.
يدفع يوتيوب المال لـ “صنّاع المحتوى” منذ سنة 2007، أي بعد سنتين فقط من إطلاقه وبعد سنة واحدة فقط من استحواذ “غوغل” على الشركة
مع ذلك، يجادل بيرغن بأن يوتيوب “مهّد الطريق لمنصات التواصل الاجتماعي الحديثة، باتخاذ قرارات على مدار تاريخه شكّلت كيفية عمل الاهتمام والمال والأيديولوجيا وكل شيء آخر على الإنترنت”. إن جذب الانتباه على الإنترنت شيء، وتحويل هذا الانتباه إلى أموال شيء آخر، وهذه هي الميزة التي يتفرّد بها يوتيوب. يقول بيرغن إن الموقع كان “يدفع للناس لإنشاء مقاطع فيديو عندما كان فيسبوك لا يزال موقعًا للمغازلة في غرف النوم، وعندما كان تويتر بدعة تقنية، وقبل عقد من تصميم تيك توك”. قد يؤدي نشر المحتوى على فيسبوك أو تويتر إلى كسب رأس مال اجتماعي أو جمهور أو حتى صفقة محتوى مرتبط بعلامة تجارية، لكن فوائد تحميل مقاطع الفيديو على يوتيوب كانت ملموسة أكثر: يمكن لمستخدميها الحصول على جزء من أرباح الشركة.
يدفع يوتيوب المال لـ “صنّاع المحتوى” منذ سنة 2007، أي بعد سنتين فقط من إطلاقه وبعد سنة واحدة فقط من استحواذ “غوغل” على الشركة في صفقة بقيمة 1.65 مليار دولار. يقسّم يوتيوب عائداته الإعلانية بنسبة 55 بالمئة إلى 45 بالمئة لصالح صنّاع المحتوى – وهي إحدى أفضل الصفقات المتاحة لأي شخص يأمل في الحصول على أموال مقابل وقته على الإنترنت. ومنذ سنة 2018، تمثلت المتطلبات الأساسية التي يحتاجها صانع المحتوى لتحقيق الدخل من مقاطع الفيديو الخاصة به في استقطاب ما لا يقل عن ألف مشترك وأربعة آلاف “ساعة مشاهدة” في غضون 12 شهرًا الماضية.
مطورو الوصفات، ورواد البث المباشر لألعاب الفيديو، وصانعو البث الصوتي، والمتصيدون في سن المراهقة، والأطفال الذين يمارسون الألعاب، ورجال الأعمال الطموحين الذين يروّجون لمخططات الثراء السريع، وصانعو المقالب، وشبكات التلفزيون الكبرى جميعهم أعضاء في الطبقة البارونية لصانعي الأموال على يوتيوب. قال مدون الفيديوهات المخضرم في مجال العلوم والتعليم هانك غرين في مقابلة أجريت معه مؤخرًا إن الموقع قدّم شروطًا مواتية لدرجة أن فكرة “الابتعاد” عن يوتيوب ستكون مثل مغادرة أمريكا: “هناك أشياء لا أحبها كثيرًا حول هذا الموضوع، لكني أشعر أنني مواطن إلى حد ما، لذلك سيكون قرارًا مصيريًا”.
يسرد بيرغن، مراسل بلومبيرغ نيوز وبزنس ويك، أطوار صعود منصة يوتيوب والمليارات (من المستخدمين والدولارات وساعات من الفيديوهات) التي يتحكم فيها بنبرة تتسم بالانهزامية والحماسة والاشمئزاز في نفس الوقت. القصة التي يرويها كتابه هي قصة ربح مذهل وعثرات حمقاء وعنف وجشع وتشويش مشترك، ثم استقرار مفاجئ: ويرى بيرغن أن موقع يوتيوب هو “العملاق النائم لمنصات التواصل الاجتماعي”.
ومع أن تيك توك أصبح ضخمًا وفقدت الشبكات الاجتماعية الأخرى اتصالها بالشباب، احتفظ يوتيوب بجمهوره. وأظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو أن 95 بالمئة من المراهقين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة يستخدمون يوتيوب، مقارنة بـ 67 بالمئة لتيك توك. كما قال أحد موظفيها لبيرغن “هل بمقدورك الاستغناء عن الكهرباء؟”.
يوتيوب من اختراع ثلاثة موظفين سابقين في “باي بال”: مصمم غرافيك يدعى تشاد هيرلي، ومبرمجان أحدهما يدعى ستيف تشين والآخر جويد كريم. كان لدى هيرلي طموح شعبوي غامض في تقديم خدمة لما أسماه “المستخدمون العاديون” لشبكة الجيل الثاني من الويب، أولئك المدوّنون على الإنترنت الذين توافدوا على “لايف جورنال” و”ووردبريس”. مستوحى من مواقع التواصل الاجتماعي المبكرة مثل “فريندستر” والأكثر إثارة مثل موقع تصنيف الجاذبية “هوت أور نوت”، كان الثلاثي يأمل في إنشاء منصة ممتعة وشائعة وربما مثيرة أيضًا.
في وقت مبكر من سنة 2007، كان القتلة الجماعيون يلجأون إلى يوتيوب للتعبير عن معتقداتهم ومشاركة خططهم
كانت المواعدة أحد الدوافع المبكرة لإنشاء الموقع: كتب كريم في مذكرة أرسلها إلى مؤسسيه المشاركين ما يلي: “إن موقع الفيديو الذي يركز على المواعدة سوف يجذب انتباهًا أكثر بكثير من مقاطع الفيديو الغبية. لماذا؟ لأن المواعدة والعثور على شريك هو ما ينشغل به معظم الأشخاص غير المتزوجين في المقام الأول”. (هذه الفرضية التي تغذيها الهرمونات، بالطبع، تروي قصة تأسيس فيس بوك أيضًا).
تتمثل إحدى رؤى الكتاب في أنه لا توجد طريقة لفصل القوة الاقتصادية لموقع يوتيوب عن ارتباطاته العاطفية والنفسية – التلصص هو ما ألهمه في المقام الأول. ومن هذا المنظور، فإن رغبة هيرلي في تلبية احتياجات “الأشخاص العاديين” للإنترنت يمكن فهمها بشكل أفضل على أنها إحساس مستبصر بأنه يمكن للمرء تحويل الرغبة السلبية في المشاهدة واكتساب متابعين إلى ربح. مع نموه، تبنى موقع يوتيوب هذا الفهم لصالحه. يدعي مقطع فيديو يعود لسنة 2017 يوجز مهمة العلامة التجارية للشركة أن الغرض من الموقع هو اكتشاف “الصورة الأكثر نقاءً وعدم تصفية من نحن كأفراد”. أدى الدافع إلى زيادة المحتوى الذي يجذب الانتباه إلى طرح سؤال صعب باستمرار على الموقع: ما الذي ترغب في القيام به لجذب الانتباه؟
دائمًا ما تكون أي منصة تعتمد على المحتوى الذي ينشئه المستخدم في حالة حرب مع مستخدميه الأكثر إزعاجًا – لا يقوم هؤلاء بتحميل المواد المقرصنة فحسب، بل أيضًا المواد ذات التنوع الصادم والبغيض من الناحية الأخلاقية. كان مشرفو المحتوى جزءًا أساسيًا من فريق عمل يوتيوب الأوائل. والتحدي الذي واجهوه لم يكن حجب المحتوى الإباحي أو المحتوى الذي يخالف قواعد حقوق الطبع والنشر فقط، بل أيضا مقاطع فظيعة لا تتوقف – “مقاطع لنساء بكعب يدسن على كائنات حية، وقطط تُسلق حيّة” – ومشاهد مزعجةً للغاية لدرجة أن أحد الوسطاء السابقين بالكاد وصف لبيرغن ما رأته عينه.
كانت انتهاكات المحتوى الأخرى أكثر دقة. وقد دعا كتيب مبكر فريق الإشراف إلى “استخدام حكمهم الخاص!” فوق زوج من المشاهد. وأظهر مقطع، وفقًا لبيرغن، “امرأة تضع موزة في فمها بطريقة فيها إيحاء” كان يجب حجبه، على الرغم من أن مقطعا آخر لامرأة تأكل السجق بشكل طبيعي لم يتم حجبه. وقد تساءل أحد المحامين الذين ساعدوا في تحديد سياسة يوتيوب في تلك الأيام “ما نوع صندوق بندورا الذي فتحناه؟” ويرى بيرغن أن المحتوى الجماعي الجامح والمثري للموقع جعل حوكمة الإنترنت شبه مستحيلة.
في وقت مبكر من سنة 2007، كان القتلة الجماعيون يلجأون إلى يوتيوب للتعبير عن معتقداتهم ومشاركة خططهم. مشرفو الموقع وأنظمة التنبيه الأخرى (يمكن للمشاهدين المتأثرين الإبلاغ عن مقاطع الفيديو، لتدخل بلاغاتهم في قائمة انتظار طويلة) لا يمكنهم الاستجابة بسرعة دائمًا. قبل سنة، هددت الحكومة التايلاندية بحظر الموقع لاستضافته مقاطع فيديو تسيء إلى الملك، وهي جريمة جنائية في البلاد، مما دفع محامي غوغل إلى حث مكتب يوتيوب على المغادرة في أقرب وقت ممكن. في نفس الوقت تقريبًا، قصف المسؤولون الألمان الشركة بطلبات لإزالة مقاطع الفيديو التي تحتوي على صور نازية. ونظرًا لأن يوتيوب لم يكن لديه في ذلك الوقت مكتب في ألمانيا، قررت الشركة أنها يمكن أن تفلت من تجاهل الطلبات؛ وضع أحد أعضاء الفريق السياسي لافتة على مكتبه كتب عليها “لا ترضي الألمان”. مع تراكم المحتوى وتحول يوتيوب إلى منصة عالمية، أصبح هناك شيء واحد واضح تمامًا وهو أن مناشدة شخص ما استخدام حكمه هو نموذج واهٍ لأفضل الممارسات.
مقاطع الفيديو التي تم تحميلها من قبل النازيين الجدد وأنصار داعش كانت تستفيد من وضع الإعلانات
استخدمت الشركة تقنية غوغل لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي لمسح اللقطات بحثًا عن انتهاكات واضحة للمحتوى، مما يسمح بإزالة رموز الكراهية الواضحة والمحتوى الجنسي الصريح واللقطات المنسوخة. وقد كافح من أجل توضيح سبب منطقي متسق للقرارات الأخرى – تم التعامل مع المحتوى المسيء بطرق قد تبدو مبتذلة ومذعورة وتخدم مصالح المنصة الذاتية. أزال موقع يوتيوب بعض مقاطع الفيديو التي اعتُبرت مسيئة (على سبيل المثال، المجموعة الأكثر عنفًا من مقاطع إعدام صدام حسين) وترك بعضها الآخر (إعلان تشويقي لفيلم معادي للإسلام أدى إلى احتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط).
عند انتقادها، تحوّلت الشركة إلى ما أصبح دفاعًا قياسيًا بين عمالقة التواصل الاجتماعي، لقد كانت مجرد منصة وليست ناشرًا. لكن يوتيوب، كما يوضح كتاب بيرغن، لم يكن أبدًا حكمًا محايدًا – فقد اتخذت الشركة قرارات أثرت في الأفكار التي نجحت. وأوضحت سلسلة من التغييرات التي تم إجراؤها على خوارزمية التوصيات، بدءًا من سنة 2012، تفضيلًا واضحًا لأنواع معينة من المحتوى، حيث تم تفضيل “وقت المشاهدة” على “المشاهدات”، مما يعني أن مقاطع الفيديو التي تحافظ على تفاعل المشاهدين لفترة أطول حظيت بمعاملة تفضيلية، و”المقاطع الدارجة” التي حاولت تحقيق المشاهدات وحدها تم تخفيض تصنيفها.
أثرت التغييرات الخوارزمية، أو على الأقل في تصورها، على نوع مقاطع الفيديو التي تم نشرها على الموقع، مثل مقاطع كلاب على ألواح التزلج. وفي مقاطع الفيديو التي بدا محرك التوصيات أكثر عرضة للظهور فيها كان “المحتوى طويلا وجذابا حول شيء يستحق النشر”، وفقًا لبيرغن. وشمل ذلك مقاطع فيديو لأشخاص يتحدثون بشكل سيء، مثل القومي الكندي الأبيض ستيفان مولينو والناشط البريطاني في مجال حقوق الرجال المعروف باسم سارجون العقاد، الذي توسع في العلوم العرقية ومعاداة النسوية – وهي موضوعات تجذب نوعية مخصصة من المشاهدين.
لكن المستفيد الأكبر من تحول الخوارزمية كان لاعب الفيديو السويدي فيليكس كيلبيرغ، المعروف باسم “بيو دي بي”. وقد كانت فعالياته المباشرة التي استمرت لساعات وتعليقاته المضادة مناسبة تمامًا لخوارزمية تكافئ مقل العيون على الشاشة. وبحلول أوائل العشرينات، أصبح أكبر نجم على اليوتيوب. ومع نمو شخصيته بشكل أكثر تطرفًا، أصبح أحد أكبر مشاكل الشركة، حيث جذب الانتباه المستمر للأعمال المثيرة الاستفزازية. ويبدو أن موقع يوتيوب تعامل معه لسبب بسيط – لقد كان عمله مربحًا. كتب بيرغن أنه من سنة 2012 إلى سنة 2019، استهلكت البشرية 130322387624 دقيقة من مقاطع فيديو “بيو دي بي”. وأكسبته الإعلانات التي ظهرت خلال هذه الفيديوهات أكثر من ستة وثلاثين مليون دولار وجنى منها يوتيوب نفسه حوالي 32 مليون دولار.
لعدة سنوات، تسامح يوتيوب مع شخصيات متعصبة وتآمرية مثل مولينو وريتشارد سبنسر وأليكس جونز. ومعظمهم، حسب بيرغن، “كانوا أيضًا على فيسبوك وتويتر على أي حال”. وجد تحقيق أجرته صحيفة “تايمز أوف لندن” سنة 2017 أن مقاطع الفيديو التي تم تحميلها من قبل النازيين الجدد وأنصار داعش كانت تستفيد من وضع الإعلانات، ما دفع شركات مثل جونسون أند جونسون وأ تي أند تي إلى التهديد بمقاطعة المنصة. وبدأ يوتيوب، جنبًا إلى جنب مع عمالقة التواصل الاجتماعي الآخرين، في حظر أمثال جونز ومولينو، وشيطنة القضايا الجدلية حيث قام بمراجعة سياسات “خطاب الكراهية” مرة أخرى.
لكن الصناعة المنزلية للفنانين تستمر في الازدهار. في ربيع هذه السنة، تمكن منشئو المحتوى الذين علقوا (أو سخروا) من محاكمة تشهير آمبر هيرد وجوني ديب على اكتساب شهرة وجني الأرباح. (على الرغم من أن بعض الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الخوارزمية ربما لم تدعم هامش اليوتيوب بقدر ما فعلت أساسيات المنصة من حيث الحجم الشامل والاقتصاد.)
طالما أن المنصة هي المكان الذي يذهب إليه الجميع على الإنترنت سواء لأداء واجباتهم المدرسية أو إصلاح السباكة الخاصة بهم، فإنه سيظل أحد المواقع التي لا غنى عنها على الإنترنت
مع ذلك، رغم التدفق المستمر للفضائح والكوارث، خرج يوتيوب من الجدل الذي تعرض له دون أن يلحق به أذى نسبي. كن المنصة ليست محصنة من الضغط العام أو تهديد التنظيم – دفعت غوغل ويوتيوب 170 مليون دولار في تسوية مع “أف تي سي” وولاية نيويورك بسبب مزاعم انتهاكها لقوانين خصوصية الأطفال على الإنترنت. (وافقت المحكمة العليا هذا الشهر على الاستماع إلى قضية قد تكون بالغة الأهمية، نتيجة قضية غونزاليس. ستقرر غوغل ما إذا كان يوتيوب مسؤولاً بشكل أكبر عن المحتوى الذي يتيحه لمستخدميه.) لكن يوتيوب ليس لديه السمعة الضخمة التي اكتسبها فيسبوك وتويتر كأشرار عامين ومدمرين للديمقراطية ومسببين للاضطرابات بشكل عام. فكيف أفلتت المنصة من نفس التوصيف؟
يقدّم بيرغن العديد من الإجابات على هذا السؤال. ويقترح أنه نظرًا لأن مقاطع الفيديو الأكثر شيوعًا على اليوتيوب هي الموسيقى وبث ألعاب الفيديو وترفيه الأطفال، فقد جذب المحتوى السياسي اهتمامًا أقل مقارنة بما ينشر على فيسبوك. ويشير أيضًا إلى أن المنصة كانت “في وضع أفضل لتجنب حرب المعلومات” مقارنة بفيسبوك أو تويتر لأن الشركة تشارك “بيانات قليلة نسبيًا مع الغرباء”، وبالتالي لعبت دورًا أقل بروزًا في المناقشات حول المعلومات المضللة.
وبشكل حاسم، لم يكن دونالد ترامب مشهورًا أو نشطًا على اليوتيوب أيضًا، مما سمح للمنصة بتجنب تدقيق المنصات الأخرى التي كانت بمثابة منبر بالنسبة له. لكن السبب الأكثر إقناعًا لتجنّب تحول يوتيوب إلى كيس ملاكمة عام مثل منافسه سيء السمعة فيسبوك هو أنه ببساطة مفيد للغاية وشائع جدًا بحيث لا يمكن أن يفشل. وطالما أن المنصة هي المكان الذي يذهب إليه الجميع على الإنترنت سواء لأداء واجباتهم المدرسية أو إصلاح السباكة الخاصة بهم، فإنه سيظل أحد المواقع التي لا غنى عنها على الإنترنت – وهو نظام بيئي مستدام ذاتيًا يحفز على إنشاء المزيد والمزيد من المحتوى. أما ما يفعله هذا المحتوى بمشاهديه، فذلك سؤال آخر. وكما قال أحد موظفي يوتيوب في رسالة إخبارية شخصية في نهاية سنة 2014، “مع مشاهدة أكثر من 72 مليار ساعة من مقاطع الفيديو على يوتيوب هذه السنة – معظمها أجزاء قذرة من الثقافة الشعبية – فمن الممكن أننا نشهد الكثير”.
المصدر: نيويوركو