ترجمة وتحرير: نون بوست
يدرس الرئيس جو بايدن وغيره من الديمقراطيين مجموعة من الإجراءات لتخفيف وطأة آثار قرار أوبك بتخفيض إنتاج النفط، لكن أيًّا من خياراتهم لا يبدو جذابًا؛ حيث يهدد تحرك كارتيل النفط (حيث تعتبر الإدارة الأمريكية دول منظمة أوبك كمنظمات المخدرات التي تعرف باسم الكارتيل) هذا الأسبوع لخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا برفع أسعار البنزين الأمريكية، مما يقوض التواصل الدبلوماسي المحفوف بالمخاطر الذي أجراه بايدن مع المملكة العربية السعودية في أيار/يوليو الماضي، فضلًا عن تفاخره بأنه ساعد في خفض الأسعار في المضخة لمدة ثلاثة أشهر على التوالي هذا الصيف.
والآن يبحث البيت الأبيض وقادة الكونجرس في العديد من الاستجابات لحماية المستهلكين الأمريكيين، بدءًا من محاولة انتزاع السيطرة على السوق بعيدًا عن أوبك، والحد من صادرات الشركات الأمريكية من الطاقة، وحتى تخفيف العقوبات على الدول غير الصديقة المنتجة للنفط، وكل منها يحمل سلبيات خطيرة محتملة للمصالح الأمريكية؛ حيث قال بايدن للصحفيين يوم الخميس: “هناك الكثير من البدائل ولم نحسم رأينا بعد”.
أما في الوقت الحالي، فيقوم البيت الأبيض بالعمل مع الكونغرس على مشروع قانون للسماح للولايات المتحدة بمقاضاة كارتلات النفط بسبب انتهاكات مكافحة الاحتكار، وهي خطوة سبق أن هدد بها المشرعون من كلا الجانبين لكن إدارة بايدن كانت حذرة من اتخاذها.
وقال كيفين بوك، العضو المنتدب لشركة الأبحاث “كليرفيو إنيرجي بارتنرز”: “إنها حقًا المرة الأولى التي يكون لدينا فيها رئيس يدعم هذا المشروع مع دعم مرجح من الكونغرس أيضًا”، ويضيف قائلًا: “ما لم يكن من الممكن تصوره في السابق لم يعد بعيد المنال”.
قال بعض المحللين إنه قد يكون من الأفضل أن يتعامل بايدن مع الأمر بشكل هادئ عندما يتعلق الأمر بأوبك، وأن يبرز الإيجابيات عندما يتعلق الأمر بتقليل نصيب البلاد من النفط
كما يزن الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الإجراءات التي يمكن اتخاذها أيضًا، فقد قال زعيم الأغلبية تشاك شومر في بيان له: “نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروع والأناني للغاية”.
ويقول محللو السوق لـ”بوليتيكو” إن بقية قائمة الخيارات التي قيد المناقشة تتراوح بين غير الكاملة إلى الكارثية، وتتفق آراؤهم على أن تدابير السياسة التي من شأنها خفض أسعار البنزين بالفعل تتطلب تخطيطًا طويل الأجل، لذا فإن أفضل ما يمكن للمشرعين فعله لأسواق الطاقة الآن هو أن يصمتوا.
من الناحية النظرية؛ لا تزال أسعار النفط أقل من 90 دولارًا للبرميل، انخفاضًا من 122 دولارًا في حزيران/يونيو الماضي، ورغم ارتفاع أسعار البنزين لتبلغ في المتوسط الوطني 3.891 دولارًا للغالون اعتبارًا من يوم الجمعة، لكنها فيما يبدو لا تسبب هذا النوع من غضب الناخبين الواسع النطاق الذي شوهد في وقت سابق من الصيف.
وقال بعض المحللين إنه قد يكون من الأفضل أن يتعامل بايدن مع الأمر بشكل هادئ عندما يتعلق الأمر بأوبك، وأن يبرز الإيجابيات عندما يتعلق الأمر بتقليل نصيب البلاد من النفط.
وقالت راشيل زيمبا، الزميلة المساعدة في مركز الأبحاث للأمن الأمريكي الجديد، في مقابلة لها: “في غياب الإجراءات الجيدة، أعتقد أنه قد يكون من الأفضل عدم قول الكثير”، وأضافت أنه بدلًا من ذلك؛ يجب على الديمقراطيين التركيز على ما فعلوه لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط من خلال قانون البنية التحتية الذي أيده الحزبان العام الماضي وقانون خفض التضخم الذي وقعه بايدن هذا العام.
وقالت زيمبا قبل اجتماع أوبك+ يوم الأربعاء الماضي: “كان الكثير من الناس يرفعون التوقعات بشأن مدى دراماتيكية تخفيضات النفط، وإذا كان هذا قد أدي إلى أي شيء، فقد يكون قد أدى إلى المبالغة في تأثير التخفيضات”.
وفي غياب ما يُسكت الأفواه؛ كانت هذه هي الخطوات التي طرحها بايدن وغيره من الديمقراطيين كأفكار محتملة حتى الآن للرد أوبك:
1. فرض قانون “نوبك”
تعهد البيت الأبيض يوم الخميس “بالتشاور مع الكونجرس بشأن أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار الطاقة”، في إشارة واضحة إلى مشروع قانون قدمه المشرعون من كلا الحزبين عدة مرات في السنوات الأخيرة.
وسيغير مشروع قانون “نوبك” – الذي يعني لا لكارتلات إنتاج وتصدير النفط – قوانين مكافحة الاحتكار للسماح لوزارة العدل بمقاضاة الدول التي تقيد التجارة في النفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي.
وتمت الموافقة على مشروع القانون رقم (S. 977 (117)، بسهولة من قبل الحزبين أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ في أيار/مايو الماضي، لكن شومر لم يقل بعد ما إذا كان الإجراء سيُنفذ على الأرض، وسط قائمة مهام مزدحمة عند عودة مجلس الشيوخ بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
وردد رئيس السلطة القضائية ديك دوربين (ديمقراطي عن ولاية إلينوي) دعوة السيناتور الجمهوري في اللجنة العليا تشاك غراسلي من ولاية أيوا، للكونجرس لتمرير الإجراء قبل نهاية العام.
قال محللون إن تهديد “نوبك” وتشريعات مماثلة قد تكون بمثابة أداة سريعة لصد أوبك في بعض الأحيان، لكن تشريعه وإطلاق العنان لدعاوى قضائية ضد أعضاء أوبك من شأنه أن يؤدي إلى مستوى جديد من العداء بين الولايات المتحدة والمنظمة
وقال دوربين في بيان له: “حان الوقت لسياستنا الخارجية أن تتخيل عالمًا دون التحالف مع هؤلاء الملكيين الخونة”.
على الرغم من ذلك؛ ما يزال من غير الواضح ما إذا كان الجمهوريون سيكونون متحمسين لمساعدة الديمقراطيين على معالجة مشكلة أوبك في الوقت الذي يتهم فيه الحزب الجمهوري سياسات بايدن بالتسبب في ارتفاع أسعار الوقود عن طريق الحد من التنقيب عن النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية.
واستهزأ بعض الجمهوريين بتعهد بايدن بالتشاور مع الكونجرس بشأن الرد على أوبك، قائلين إن الديمقراطيين بحاجة إلى إظهار استعدادهم لزيادة التنقيب في الداخل.
وقال دان كونسمان، رئيس موظفي السيناتور جون باراسو من وايومنغ، العضو الجمهوري الأعلى في لجنة الطاقة والموارد الطبيعية: “ما لم تتضمن مشاوراتهم الانفتاح على مستوى معين من زيادة الإنتاج المحلي، فهذه مجرد كلمات”.
وقال محللون إن تهديد “نوبك” وتشريعات مماثلة قد تكون بمثابة أداة سريعة لصد أوبك في بعض الأحيان، لكن تشريعه وإطلاق العنان لدعاوى قضائية ضد أعضاء أوبك من شأنه أن يؤدي إلى مستوى جديد من العداء بين الولايات المتحدة والمنظمة، مما قد يفزع أسواق النفط؛ وقال محللون إن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى خفض أسعار النفط في أي وقت قريب.
2. تقليص شحنات البنزين الأمريكية
تنافست وزارة الطاقة مع شركات النفط لعدة أشهر حول فكرة الحد مؤقتا من كمية الوقود التي تُصدِّرها الولايات المتحدة، والتي تبلغ الآن حوالي 4 ملايين برميل يوميا؛ حيث تجادل وزارة الطاقة بأنه من الممكن استخدام الوقود بشكل أفضل لملء المخزونات الإقليمية داخل الولايات المتحدة، والتي تقل سعتها عن المتوسط الموسمي. ويشرف أموس هوشستين، كبير مستشاري وزارة الخارجية لأمن الطاقة، على مراجعة هذا الخيار، وفقا لتصريحات أدلى بها أفراد مطلعون لصحيفة بوليتيكو.
تتمثّل مشكلة تلك الفكرة في أن صناعة التكرير في الولايات المتحدة تعمل بقدرة منخفضة حيث عانت المصانع القديمة التي كانت تعمل بكثافة لعدة أشهر من انقطاعات في الإنتاج، واستوجب الأمر صيانة العديد منها. مع استمرار الطلب القوي، تتجه كل قطرة وقود إلى المستهلكين، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في الدول الحليفة الذين شهدوا ارتفاع الأسعار المحلية مع ابتعادهم عن الإمدادات الروسية، وإخراج هذا الوقود من السوق العالمية سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار وغضب أوروبا، التي تمثّل وجهة لنسبة كبيرة من الديزل الأمريكي.
وقال بوب رايان، كبير المحللين الإستراتيجيين للسلع والطاقة في شركة بي سي آي، عبر البريد الإلكتروني: “يمكن للولايات المتحدة أن توقف تصدير المنتجات المكررة، مثلما كان مقترحًا أو يمكنها حتى أن تقلص أو توقف صادرات النفط الخام وتجعلها غير قانونية مرة أخرى. وأي من هذين القرارين سيكون مدمرًّا للغاية لأسواق الطاقة العالمية”.
3. فتح احتياطي وقود إستراتيجي
تملك الولايات المتحدة احتياطي إستراتيجي للنفط الخام، وقد أطلق منه بايدن أكثر من 170 مليون برميل هذا العام، لكنها لا تحتوي لا على مخزون من البنزين أو من وقود الديزل. وتكمن المشكلة في أن عمر البنزين أقصر بكثير من النفط، ويجب استخدامه عادةً في غضون ستة أشهر قبل أن تبدأ جودته في التدهور، مما يعني أن أي احتياطي سيتطلب عمليّة تبديل مستمرة للوقود للتأكد من بقائه في حالة جيّدة، كما يجب أن يأخذ الاحتياطي أيضا بعين الاعتبار أنواع البنزين المختلفة المباعة في مناطق مختلفة.
وقال روري جونستون، مؤسس شركة التحليلات كوموديتي كونتاكس، إنه لهذه الأسباب، فإن احتياطي الوقود الإستراتيجي سيكون بمثابة “آلة روب غولدبيرغ” و”من المستبعد جدًا أن تحصل منها على المنتجات المناسبة للتخزين طويل المدى.
4. تخفيف العقوبات عن إيران وفنزويلا
من المحتمل أن تكون هذه إحدى الخطوات الأكثر خطورة من الناحية السياسية هي الأكثر احتمالية لخفض أسعار النفط الخام؛ حيث قال الخبراء إن رفع العقوبات الاقتصادية التي تمنع فنزويلا وإيران من تصدير النفط من شأنه أن يجلب المزيد من الإمدادات إلى السوق ويخفف الضغط على الإمدادات. ورغم أن الإدارة قد بذلت جهودًا للتفاوض مع تلك الأنظمة، خاصةً عند ارتفاع أسعار الوقود المحلية، إلا أن التوصل إلى أي نوع من الاتفاق الذي يكون مقبولا كسياسة عامة ومن وجهة نظر سياسية سيستغرق وقتا.
وقال كريستوف بارود، كبير الاقتصاديين في شركة أبحاث الاستثمار العالمية “ماركت سيكيوريتيز”، عبر البريد الإلكتروني: “أعتقد أن هناك الآن حافز واضح يدفع إلى تخفيف العقوبات على العديد من منتجي النفط مثل فنزويلا. وسيتم النظر مرّة أخرى في مسألة الاتفاق النووي الإيراني، لذا من المحتمل أن تكون المفاوضات المؤقتة الجديدة محل تركيز في الأسابيع المقبلة”.
5. إنتاج المزيد من الوقود في أمريكا
يستخدم الجمهوريون إعلان أوبك لسحق سياسات الطاقة الخاصة بإدارة بايدن، بحجّة أن البلاد كانت “مستقلة في مجال الطاقة” في عهد الرئيس دونالد ترامب. ولا يعدّ هذا الوصف دقيقا تمامًا؛ على الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت مُصدِّرًا صافيا للبترول في عهد ترامب ولا تزال كذلك تحت حكم بايدن، وتشحن المزيد من المنتجات الخام والمكررة أكثر مما تستورد. يتم تحديد أسعار النفط، وهي العامل الأكبر الذي يحدد تكاليف البنزين والديزل، في السوق العالمية، لذا فإن أي اضطرابات من شأنها أن تؤثر على الأسعار في أي مكان يتم فيه استهلاك الوقود.
وقال النائب الديمقراطي شون كاستن في مقابلة: “إن الفكرة القائلة بأن زيادة إنتاج النفط وصادراته بسعر أعلى ستحمينا من سوق النفط الذي حدده ميزان العرض والطلب العالميين، ستمثّل فشلًا كبيرًا”.
وأصدرت إدارة بايدن، التي تثير استياء الجماعات البيئية، بشكل مطرد تصاريح للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي العامة، وقوبلت دعوات الجماعات البيئيّة لوقف عمليات الحفر الجديدة في الأراضي العامة بالرفض من قبل المحاكم والكونغرس. وقال جونستون من كوموديتي كونتاكست إنه نظرا إلى ذلك، لا يمكن للإدارة أن تنجز الكثير من خلال لوائح إنتاج النفط المحلية لتعويض تخفيضات أوبك.
وأضاف جونستون: “ستلجأ الصناعة الأمريكية إلى استعمال مصطلحات مثل تخفيضات ضريبية أو تسهيلات تنظيمية أو أي شيء آخر”، لكن في النهاية: “ليست السياسة الفيدرالية هي الحل لتحريك مسار الإنتاج الأمريكي”.
6. سحب الدعم العسكري من السعودية
وتعهد الديمقراطيون الغاضبون بشكل خاص باللجوء إلى ما هو أقوى من الطاقة في الرد على أوبك؛ حيث يقترح النائب توم مالينوفسكي (ديمقراطي من نيوجيرسي) تشريعًا لسحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع من المملكة العربية السعودية، التي تمثّل أكبر مصدّر في أوبك والأكثر نفوذا. ومع ذلك، من شأن هذه الخطوة أن تجلب نتائج سلبية، لأنها ستمثل تغييرًا استراتيجيًّا دراماتيكيًاّ في جهاز الأمن الأمريكي في المنطقة.
وقال النائب رو خانا (ديمقراطي من كاليفورنيا) في مقابلة: “يجب أن تكون هناك إجراءات محددة ضد المملكة العربية السعودية. أنا منفتح على مقترحات الإدارة بشأن الإجراءات التي يمكن أن تضعف أوبك، لكننا نحتاج لأكثر من ذلك. لطالما قدمنا مساعدات كبيرة للعديد من السعوديين لكنهم لا يستطيعون مساعدتنا أثناء أزمة الطاقة؟ إنه لأمر سخيف ومهين حقا للشعب الأمريكي”.
المصدر: بوليتيكو