نفذت السلطات السعودية حكم الإعدام بحق 3 أشخاص من أبناء قبيلة الحويطات في 2 أكتوبر/تشرين الحاليّ، لمعارضتهم إجلاء عشيرتهم وترحيلهم من أماكنهم تمهيدًا لإنشاء مدينة نيوم الكبرى غرب المملكة، وهو المشروع الذي أعلنه ولي العهد، محمد بن سلمان، في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 2017 الذي يفترض أن يقام على مساحة تتجاوز 26 ألف كيلومتر مربع، وباستثمارات تبلغ 500 مليار دولار أمريكي، وذلك بحسب منظمة “القسط” الحقوقية المستقلة.
وتفيد المنظمة التي تتخذ من لندن مقرًا لها أن المعتقلين الثلاث المنفذ بحقهم الإعدام وهم علي الشاذلي وعطا الله وإبراهيم الحويطي قد ألقي القبض عليهم في عام 2020، فيما قُتل شادلي الحويطي، شقيق عبد الرحيم الحويطي (43 عامًا) الذي تمت تصفيته على أيدي قوات الأمن السعودية في أبريل/نيسان 2020، بسبب احتجاجه على أوامر الإخلاء الحكومية.
لم يكن تنفيذ الإعدام بحق مواطنين ليس لهم جريرة إلا التمسك بحقهم القانوني والدستوري في البقاء بمناطقهم التي ولدوا وعاشوا فيها، هو الانتهاك الوحيد الذي مارسته السلطات السعودية في الآونة الأخيرة التي شهدت موجة جديدة من الاستهداف الممنهج رغم المناشدات الإنسانية من جانب، والانتقادات الحقوقية الدولية من جانب آخر.
وبينما كان يتوقع البعض أن يغلق ابن سلمان صنبور الجرائم المرتكبة بحق معارضيه، استجابة للضغوط الدولية والانتقادات التي يتعرض لها بشخصه، إذ به يواصل السير في الدرب ذاته، يقينًا منه أنه الأقصر نحو تحقيق حلم السلطة الذي لن يكون إلا بالإطاحة بكل المعارضين وإسكات أصواتهم بالقوة، ومن يتجاوز فلا مصير له إلا القتل أو الزج به في غياهب السجون.
قضية الحويطات.. العار الذي سيلاحق ابن سلمان
لم يفق ابن سلمان بعد من فضيحة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهي الفضيحة التي تلاحقه وستظل مهما طوتها أغلفة المصالح والحسابات الخاصة مرحليًا، حتى استيقظ على كارثة جديدة ووصمة عار من طراز مختلف، كان بطلها هذه المرة “قبيلة الحويطات”.
لم تكن تلك القبيلة على رادارات الإعلام حتى بدايات 2020، وربما قبل ذلك بقليل حين تم الإعلان عن مكان مشروع نيوم الذي ينتوي ابن سلمان إقامته غرب البلاد بالتشارك مع الأردن ومصر ودولة الاحتلال، لكن سرعان ما تحولت إلى حدث يفرض نفسه على الجميع، في الداخل والخارج.
مع الكشف عن تفاصيل المشروع الترويجي لولي العهد في نيوم، والمكان المقرر إقامته فيه، بدأ أهالي الحويطات في تدشين أوسمة على منصات التواصل الاجتماعي يناشدون فيها الحكومة بعدم إخراجهم من ديارهم وترحيلهم بعيدًا عنها، لكنها المناشدات التي لم تجد صدى لها، فهناك إصرار واضح على هذه الخطوة نظير إغراءات مالية للأهالي.
وفي خضم اللقاءات المكوكية التي تمت بين شيوخ القبيلة والسلطات التنفيذية التي تدير المنطقة، خرج عبد الرحيم الحويطي، أحد أبناء القبيلة، ليفجر قنبلة من العيار الثقيل، بتلميحه إلى تعرضه لضغوط وتهديدات من الأمن، وصلت إلى حد نشر فيديو له لا يستبعد فيه تصفيته بسبب رفضه ترك منزله، وقد تحقق حدس الرجل وتم قتله بالفعل بصرف النظر عن الدعاوى التي ساقتها التحقيقات السعودية التي تأخرت لمدة يومين كاملين قبل الإعلان عنها.
فجرت تصفية عبد الرحيم موجة غضب عارمة إزاء الانتهاكات التي تمارسها المملكة بحق مواطنيها، ليزداد الوضع تأزمًا مع إصرار أبناء القبيلة على عدم التنازل عن حقهم في منازلهم، لتنهال موجات النقد والتوبيخ والاعتراض على تلك السياسات العنصرية التي تتبعها البلاد ضد أبنائها، تلبية لطموحات أميرها الحالم بالسلطة.
وأمام تلك الأمواج الهادرة من الانتقادات والمعارضة لم تكن السلطات السعودية إلا سوط الإخراس العمدي عن طريق السجن والاعتقال وأحكام الإعدام والحبس القاسية، التي تحولت مع مرور الوقت إلى سبة في جبين ولي العهد وزيت شائب يزيد صورة المملكة تشويهًا على المستوى الخارجي.
وهكذا تحول مشروع نيوم الذي كان يسعى ابن سلمان لأن يكون بوابته الكبرى لغسل سمعته وتقديم أوراق اعتماده للداخل والخارج، إلى نافذة جديدة للتشويه وتلطيخ الصورة المشوهة بطبيعة الحال، بعدما باتت أحلام الأمير الشاب لا تتحقق إلا على أشلاء وجثث ودماء مواطني بلاده.
عهد جديد من الانتهاكات
الأشهر القليلة الماضية شهدت الحكم على معارضين داخل السعودية بأحكام وصلت في بعضها إلى 50 عامًا، كانت التهمة الرئيسية انتقاد المملكة وسياستها أو التقليل من شأن مشروعات يتبناها ولي العهد في رؤيته “2030” التي يقدمها كأوراق اعتماد له في المنطقة.
ففي 9 أغسطس/آب الماضي حُكم على الناشطة والأكاديمية السعودية، سلمى الشهاب بالسجن 34 سنةً ومنعها من السفر مدة مماثلة، تلاه حكم آخر على نورة القحطاني بالسجن مدة 45 سنةً ومثلها منع من السفر، وذلك بدعوى نشرهما تغريدات عبر حسابات وهمية على تويتر تنتقد المملكة.
وقبل ذلك بأيام أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة جملة أحكام على بعض المواطنين بسبب آرائهم أبرزهم عبد الله الحويطي وقريبه عبد الله دُخيل الحويطي بالسجن 50 عامًا والمنع من السفر نفس المدة، ومن بعدهما المترجم والمبرمج أسامة خالد، المعتقل منذ 2020، حيث صدر بحقه حكمًا نهائيًا بالسجن لمدة 32 سنةً، على خلفية دعاوى معنية بالحق في التعبير عن الرأي.
يتوقع كثيرون أن المرحلة المقبلة ربما تشهد امتدادًا لعهد الديكتاتورية السليمانية والانتهاكات الحقوقية المتواصلة دون أي اعتبارات أو قلق من مساءلات في الداخل والخارج
كما تواصل السلطات السعودية الإبقاء على المعتقلين داخل سجونهم رغم انتهاء محكومايتهم وفق ما وثقت “القسط” ومن بينهم الحقوقي محمد الربيعة القابع خلف القضبان منذ 15 مايو/أيار 2018 رغم إنهائه فترة حكمه التي كانت 6 سنوات ونصف، منها اثنتان مع إيقاف التنفيذ، كذلك المسؤول الفلسطيني السابق محمد الخضري، الذي انتهت فترة حبسه بناء على الحكم الصادر بحقه في أبريل/نيسان 2019 ، كذلك الصحفي أحمد الصويان، المعتقل ضمن موجة اعتقالات سبتمبر/أيلول 2017، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات على خلفية دعاوى معنية بحرية التعبير.
كما رصدت المنظمات الحقوقية جرائم تعذيب واغتيالات ممنهجة داخل السجون لعدد من النشطاء والحقوقيين، منهم الإصلاحي عبد الله الحامد الذي غيبه الموت في أبريل/نيسان 2020 نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، كذلك موسى القرني الذي تعرض لاعتداءات وحشية داخل السجن أدت إلى وفاته إثر نزيف استمر لساعات دون تدخل الأجهزة الطبية أو إدارة السجن، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
الإصلاح.. صرح من خيال فهوى
من حسن حظ ابن سلمان أن المستجدات التي فرضت نفسها على الساحة الآن حالت دون تضييق الخناق عليه من الدول التي طالما وجهت سهام نقدها له حقوقيًا، وطالبت بمحاكمته على تورطه في جرائم ضد الإنسانية، بعضها موثق بالصوت والصورة لدى بعض الحكومات، فحين تصدرت البرغماتية المشهد سحبت البساط من تحت أقدام الشعارات الأخلاقية والمبادئ التي كثيرًا ما تم العزف عليها.
وبدلًا من شعارات “السعودية الدولة المنبوذة” التي كان يرفعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، إذ به يخطب ود الأمير الذي رفض مهاتفته قبل ذلك، ويزور بلاده في يوليو/تموز الماضي، وهي الزيارة التي عاد منها بخفي حنين بعدما رفضت المملكة طلباته الخاصة بزيادة إنتاج المملكة من النفط لتعويض الإمدادت الروسية المتراجعة.
الوضع ذاته على المسار التركي، فبينما أكدت جهات التحقيق تورط ابن سلمان في جريمة قتل خاشقجي، فضلًا عن تقارير الانتهاكات المستمرة بشأن الملف اليمني، إذ بالأمور تسير في اتجاه معاكس، تقارب ملحوظ، كانت كلمة البدء فيه لأنقرة التي تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه للخروج من مأزقها الاقتصادي ولو كان ذلك على حساب مواقفها السياسية في توجه برغماتي بحت فرض نفسه على الجميع خلال الآونة الأخيرة.
وساهمت تلك الأجواء والمستجدات الأخيرة في ترسيخ ابن سلمان لأركان حكمه، مستقويًا بسلاح النفط الذي حوله إلى سلاح شخصي للدفاع عن حلمه الخاص في الحكم، وفي المقابل تراجعت حساباته بشأن موقف المجتمع الدولي إزاء سياساته ومناهضته للمعارضة واستهدافه للمناوئين له.
وعليه يتوقع كثيرون أن تكون المرحلة المقبلة امتدادًا لعهد الديكتاتورية السليمانية والانتهاكات الحقوقية المتواصلة دون أي اعتبارات أو قلق من مساءلات في الداخل والخارج، فالثروة النفطية الغارقة فيها السعودية حولتها إلى قبلة لقوى العالم الكبرى التي لا تجد حرجًا على الإطلاق في طي كل الصفحات الحقوقية والسياسية نظير مكاسبها الاقتصادية ووقايتها من التجمد بما لذلك من تبعات سياسية ربما تطيح بأنظمة وحكومات بأكملها.
في ضوء ما سبق فإن كان الحديث عن الإصلاح السعودي بالأمس ينطوي على هامش من التفاؤل ولو كان ضئيلًا، فإنه اليوم وفي ظل التطورات الأخيرة قد يتحول إلى خيال بعيد المنال، وعلى العكس من ذلك ربما تعود المملكة خطوات بعيدة إلى الوراء في هذا الملف ليرسخ ابن سلمان معادلته الجديدة، إما أن تكون داعمًا لي على طول الخط وإما الخلاك سجنًا أو قتلًا.