ترجمة حفصة جودة
يبدو الأمر كأنه حلم مستحيل، لقاح للسرطان يحمي الأصحاء المعرضين بشكل كبير لخطر الإصابة بالسرطان، سيتمكن الجهاز المناعي من إزالة أي خلايا خبيثة أولية، الأمر لا يختلف كثيرًا عن طريقة حماية اللقاحات المختلفة ضد الأمراض المعدية.
ومع ذلك، فعلى عكس لقاحات الأمراض المعدية، وقفت وعود لقاحات السرطان في وجه الباحثين رغم الجهود المضنية، ورغم ذلك يأمل الكثيرون الآن في تحقيق بعض النجاح في سعيهم لتحصين الناس ضد السرطان.
يتضمن اللقاح الأول الأشخاص المعرضين بنسب مخيفة لتطور سرطان البنكرياس الذي يعد من أصعب أنواع السرطان في علاجه، بينما تشمل دراسات لقاحات السرطان الأخرى أشخاصًا معرضين بنسبة عالية لخطر الإصابة بسرطان القولون والثدي.
بالطبع، هذا البحث ما زال في بدايته وربما تفشل جهود اللقاح، لكن بيانات الحيوانات مشجعة، وكذلك بعد الدراسات التمهيدية على المرضى البشر، ويشعر الباحثون بالأمل نتيجة هذا الاكتشاف الجديد.
يقول ساشيت شوكلا، مدير برنامج لقاح السرطان في مركز “MD Anderson” للسرطان: “لا سبب يمنع نجاح لقاح السرطان عند إعطائه في المراحل المبكرة، إن فكرة لقاحات السرطان قد حان وقتها”.
العديد من الأكياس السابقة للسرطان لا تتطور إلى سرطان إذا تُركت وشأنها، لكنها إذا تحولت إلى سرطان وحتى مع اكتشافه في مراحله الأولى فإن الوضع يكون قاتمًا
هذه النظرة بعيدة كل البعد عما كان عليه المجال قبل عقد، عندما يئس الباحثون من الوصول إلى أي حل، والدراسات التي كانت حلمًا بعيدًا أصبحت واقعًا الآن، تقول الدكتورة سوزان دومشك، الباحثة الرئيسية في دراسة لقاح سرطان الثدي بجامعة بنسلفانيا: “كان الناس يقولون هذا جنون”.
الآن تتوقع دومشك والآخرون أن يأتي وقت يستطيع فيه أي شخص معرض للإصابة بالسرطان أو لديه استعداد جيني للسرطان أن يحصل على اللقاح، تقول دومشك: “إنه أمر ملهم للغاية، لكننا بحاجة للتفكير بشكل واسع”.
توقعات أقل سوءًا
تعلم مارلين دوكر أن شجرة عائلتها تضم العديد من الأقارب الذي أُصيبوا بالسرطان، لذا عندما عرض عليها المستشار الجيني إجراء اختبار لاكتشاف إذا ما كانت تحمل أي من الـ30 تغيرًا جينيًا المسببين للسرطان، وافقت على الفور.
وجد الاختبار تحولًا في جين “CDKN2A” الذي يجعل المصابين به أكثر عرضة لسرطان البنكرياس، تقول دوكر التي تعمل مديرة تنفيذية في شركة معيشة كبيرة وتعيش في مدينة بيكسيفيل بولاية ميرلاند: “اتصلوا بي وأخبروني أنني أحمل هذا الجين المتحول، وأنه لا يوجد أي شيء نفعله.”
بدأت دوكر في إجراء فحوصات بالأشعة ومناظير داخلية منتظمة لفحص البنكرياس، حتى اكتشفوا كيسًا، لم يتغير الكيس منذ عدة سنوات، لكن إذا تطور إلى سرطان فإن العلاج سيفشل.
تقول الدكتورة إليزابيث جافي، نائب مدير مركز “Sidney Kimmel” الشامل للسرطان بجامعة جونز هوبكينز، إن المرضى مثل السيدة دوكر ليس لديهم الكثير من الخيارات، يمكن للمرضي الذين يحملون عددًا من الأكياس المتطورة تجنب السرطان بإزالة البنكرياس، لكن هذا الإجراء يتسبب في إصابتهم بمرض السكري الحاد ومشاكل هضمية.
هذه الجراحة القاسية قد تكون ذات فائدة إذا أنقذت حياتهم، لكن العديد من الأكياس السابقة للسرطان لا تتطور إلى سرطان إذا تُركت وشأنها، لكنها إذا تحولت إلى سرطان وحتى مع اكتشافه في مراحله الأولى فإن الوضع يكون قاتمًا، لكنه يوفر فرصة كذلك لصنع واختبار اللقاح.
تقول جافي: “في سرطان البنكرياس يحدث أول تغير في الخلايات الطبيعية لتصبح خلايا خبيثة نتيجة تحول جيني معروف باسم “KRAS“، يتبع ذلك تحولات أخرى حيث تتحول 6 جينات مؤدية إلى نمو سرطان البنكرياس في غالبية المرضى”.
هذه الرؤية والمعرفة مكّنت باحثو هوبكينز من اختراع لقاح يدرّب الخلايا التائية “T cells” – خلايا الدم البيضاء في الجهاز المناعي – للتعرف على الخلايا المتحولة وقتلها.
كانت تجربتهم الأولى – لدراسة السلامة – على 12 مريضًا في المراحل الأولى من سرطان البنكرياس، وقد عُولجوا بالفعل عن طريق الجراحة، ورغم علاج سرطانهم في وقت مبكر بعد ظهوره، فإن مرضى سرطان البنكرياس معرضون بنسبة 70 إلى 80% إلى الإصابة به مرة أخرى في خلال سنوات، وعندما يعود سرطان البنكرياس يكون قاتلًا.
بعد عامين، لم يُصب هؤلاء المرضى مرة أخرى، والآن حصلت السيدة دوكر ومرضى آخرون على اللقاح لمحاولة منع الورم من الحدوث في المقام الأول، تقول دوكر: “إنني متحمسة بشدة لهذه الفرصة”.
باستثناء داء الكلب، فإن لا أحد يحصل على لقاح ضد مرض هو مصاب به بالفعل
يبدو أن اللقاح آمن، وقد آثار استجابة مناعية ضد التحولات الشائعة في هذا السرطان، تقول جافي: “الوضع جيد جدًا حتى الآن”، لكن الوقت فقط هو ما سيخبرنا إذا كان ناجحًا.
يجب أن نبحث عن مرضى آخرين
بدأ البحث عن لقاحات السرطان مع الدكتورة أوليفرا فين الأستاذة البارزة في أقسام المناعة والجراحة بكلية بيتسبرج للطب، بدأت فين عام 1993 بلقاح موجه للجزيء “muc1“، في الخلايا الطبيعية يكون هذا الجزيء غير ظاهر للجهاز المناعي لأنه مُغطى بشجيرة من جزيئات السكر، لكن في سرطان القولون والثدي والبنكرياس، يصبح ظاهرًا للجهاز المناعي، ما يجعله هدفًا مثاليًا للقاح لأنه سيسمح للجهاز المناعي بمهاجمة الخلايا السرطانية فقط.
تقول فين: “أجرينا التجربة على 63 مريضة في المرحلة الرابعة من السرطان، وفشلت معهم جميع العلاجات”، كانت المريضة الأولى مصابة بسرطان الثدي واستأصلت كلاهما، لكن السرطان عاد مرة أخرى، تقول فين: “كان الورم في صدرها سميكًا وأحمر اللون، كان لديها مضختان إحداهما لإفراغ السوائل من رئتيها والأخرى لإفراغ السوائل من بطنها”.
في دراساتهم الأولية، أصبح واضحًا للدكتورة فين وزملائها أن السرطان متقدم للغاية لينجح معه العلاج المناعي، وبعد ذلك لاحظت أنه باستثناء داء الكلب، فإنه لا أحد يحصل على لقاح ضد مرض هو مصاب به بالفعل.
وهكذا قالت فين: “أخبرتهم أنني لن أقوم بذلك مرة أخرى، المشكلة ليست في اللقاح، إننا بحاجة إلى مرضى آخرين”.
الآن تحاول فين وزميلها الدكتور روبرت شون أستاذ أمراض الجهاز الهضمي منع أورام القولون بلقاح، لكن منع السرطان قد يكون مخادعًا، ركز الطبيبان على أشخاص اكتشفوا في أثناء منظار القولون أن لديهم زوائد لحمية يمكنها أن تنمو في القولون وقليل منها يتحول إلى سرطان، الهدف من ذلك كما يقول الدكتور شون أن يعمل اللقاح على تحفيز الجهاز المناعي لمنع تكون زوائد جديدة، نجح الأمر مع الفئران، وقال دكتو شون: “إنه شيء عظيم”.
لكن دراسة انتهت حديثًا أُجريت على 102 شخص في 6 مراكز طبية وقعوا على تلقي لقاح وقائي أو وهمي كانت ذات نتائج مختلفة، كان جميع الأشخاص مصابين بزوائد لحمية متقدمة في القولون مما يجعلهم أكثر عرضة 3 مرات للإصابة بالسرطان خلال 15 عامًا مقارنة بالأشخاص غير المصابين بتلك الزوائد.
طور ربع الحاصلين على اللقاح فقط استجابة مناعية، ولم يكن هناك تناقص واضح في معدل نمو الزوائد في المجموعة الحاصلة على اللقاح، يقول دكتور شون: “يجب أن نعمل على الحصول على لقاح أفضل”.
استباق السرطان
أرادت الدكتور ماري ديزيز، مدير معهد لقاح السرطان بجامعة واشنطن أن تمنع الإصابة بسرطان الثدي لدى السيدات ذات التحولات الجينية المختلفة التي تجعلهن عرضة بنسبة كبيرة لخطر الإصابة، لكن آمالها الأولية كانت متواضعة.
تقاوم الخلايا الجذعية العلاج الكيميائي والإشعاع ويمكنها الانتشار، وهي السبب في عودة سرطان الثدي مرة أخرى
كان هدفها الأولى مساعدة السيدات المصابات بخلايا غير طبيعية يسميها الأطباء “ما قبل السرطان”، في تلك الحالة تكون الجراحة هي العلاج القياسي، لكن بعض السيدات يخضعن للعلاج الكيميائي والإشعاعي لحماية أنفسهن من تطور سرطان اجتياحي، تقول ديزيز: “بشكل مثالي، سيحل اللقاح محل هذه العلاجات”.
بدأت ديزيز بالبحث في الخلايا الجذعية لسرطان الثدي، هذه الخلايا – الموجودة في بدايات السرطان – تقاوم العلاج الكيميائي والإشعاع ويمكنها الانتشار، وهي السبب في عودة سرطان الثدي مرة أخرى.
وجدت ديزيز وزملاؤها عددًا من البروتينات في تلك الخلايا الجذعية التي كانت طبيعية لكنها تُنتَج بمستوى أعلى في الخلايا السرطانية عن الخلايا غير السرطانية، منحهم ذلك فرصة لاختبار اللقاح الذي يُنتج بعض هذه البروتينات.
اختُبر اللقاح على سيدات مصابات بسرطانات متقدمة وثابتة، لم يعالج اللقاح السرطان، لكنه كشف أنه يستطيع توفير نوع من الاستجابة المناعية التي قد تساعد في وقت مبكر من المرض.
تخطط ديزيز لتجربة تحصين المرضى المصابين بخلايا ما قبل السرطان أو أي حالات أخرى سابقة للسرطان، تمتلك مجموعة دكتورة ديزيز لقاحًا طوروه لاستهداف 3 بروتينات تُنتَح بكميات كبيرة في تلك الخلايا المتضررة.
تأمل ديزيز أن تنكمش تلك الخلايا أو تختفى قبل أن تضطر النساء للخضوع إلى جراحة لإزالتهم، وتقول: “سيثبت ذلك أن اللقاح له تأثير مطهر، إذا نجح اللقاح ستشعر النساء بالراحة لعدم حاجتهن إلى العلاج الكيميائي أو الجراحي”.
لنرسم مستقبلًا عظيمًا
تقول الدكتورة ديزيز: “أتوقع أن نرى لقاحات مُتفق عليها للتداول في الخمس سنوات القادمة”، وتتوقع أن يكون أولها ذلك المستخدم لمنع عودة المرض لدى المرضى الذين نجح علاجهم من السرطان.
وتضيف “أعتقد أننا سننتقل سريعًا إلى الوقاية الأولية، بإعطاء اللقاح للأصحاء الأكثر عرضة للإصابة بالسرطان”.
يشعر الآخرون بالتفاؤل أيضًا، تقول الدكتورة شيزوكو سي، المسؤول الطبي عن مجموعة أبحاث تطوير العوامل الكيميائية الوقائية بالمعهد الوطني للسرطان: “على الأقل أصبحنا نعرف خريطة الطريق، قد يختلف الناس مع ذلك، لكن الإجابة في تلك المرحلة: نعم، الأمر ممكن، أن نصنع لقاحات ونمنع السرطان”.
تقول الدكتور دومشك إنها تستطيع أن تتخيل مستقبلًا يجري فيه الناس اختبارات دم لاكتشاف الخلايا السرطانية مبكرًا والتي لا تظهر في الأشعة أو الاختبارات الاعتيادية، وتضيف “لنرسم مستقبلًا عظيمًا، إذا تمكنا من معرفة الاختبارات التي تتنبأ بالسرطان، يمكننا أن نقول ببساطة: هذا لقاحك”.
المصدر: نيويورك تايمز