توصلت الفصائل الفلسطينية المجتمعة في الجزائر إلى اتفاق من شأنه إنهاء الانقسام المستمر منذ صيف 2007 وذلك بعد يومين من الاجتماعات المكثفة بمشاركة قطرية عُمانية، ومن المتوقع الإعلان عن الاتفاق بشكل رسمي اليوم الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 بقصر الأمم بمنطقة سطاوالي غرب الجزائر، من داخل القاعة التي شهدت إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين في نوفمبر/تشرين الثاني 1988.
شارك في تلك اللقاءات التي رعتها الجزائر على مدار يومين (الثلاثاء والأربعاء11 و12 أكتوبر/تشرين الأول 2022) بدعوة خاصة من الرئيس عبد المجيد تبون، 14 فصيلًا فلسطينيًا على رأسهم حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي، وشهدت أجواءً إيجابيةً ولقاءات ثنائية بين قادة وزعماء الفصائل المتنازعة لأكثر من 15 عامًا.
المسودة الأولية الخاصة بالاتفاق تضمنت 9 بنود أساسية تدور في معظمها حول استعادة الوحدة وانتخاب مؤسسات برلمانية موحدة وتدشين سلطة تنفيذية مشتركة تمثل الدولة الفلسطينية كوحدة واحدة، وهي في مجملها تصلح لبناء أرضية مشتركة لإنهاء الانقسام، غير أنها من المرجح أن تصطدم بتحديات وعراقيل تجعل التنفيذ أمرًا ليس سهلًا.
الإعلان.. أرضية جيدة لإنهاء الانقسام
استهلت الوثيقة بنودها بالتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية أساسًا للصمود والتصدي لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، كذلك الحث على ضرورة اتخاذ الخطوات العملية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية مع مختلف القوى الوطنية الفلسطينية عن طريق الانتخابات وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات السياسية القادمة.
هذا بجانب التشديد على ضرورة تعزيز دور منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ومكوناته ولا بديل عنها، مع مراعاة انتخاب المجلس الوطني وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية في أقرب الآجال، وتعرب الجزائر عن استعدادها لاحتضان هذا الاستحقاق الفلسطيني والقيام بما يلزم، وهو ما لقي تقدير جميع الفصائل.
كما طالبت الوثيقة بضرورة الإسراع في إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في جميع المناطق الفلسطينية بما فيها القدس عاصمة فلسطين، وفق القوانين المعتمدة، يعقبها تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية وتحظى بدعم مختلف الفصائل وتكون مهمتها الأساسية تنفيذ إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة الاحتلال، والأخذ بعين الاعتبار التطورات الخطيرة على الساحتين الإقليمية والدولية وتداعياتها على مستقبل القضية الفلسطينية.
أبرز ما ميز هذا الاتفاق تلك الأجواء الإيجابية التي خيمت على المشهد والتصريحات التفاؤلية الصادرة عن قادة الحركات والفصائل الفلسطينية
وفي السياق ذاته ضرورة توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال، مع تفعيل آلية العمل للأمناء العامين للفصائل لتسهيل عمل حكومة الوحدة على طريق إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة والشراكة السياسية لمتابعة الانتخابات الفلسطينية.
واختتم الاتفاق بنوده بتشكيل فريق عمل جزائري فلسطيني برئاسة الجزائر وبمشاركة عربية من أجل الإشراف على الاتفاق والمتابعة على تنفيذ بنوده بما يضمن ترجمته إلى إجراءات وممارسات ملموسة، ودون الخروج عن السياق العام الذي تم فيه الإعلان من إبداء حسن النوايا وتذويب الخلافات بين الفصائل الفلسطينية.
أجواء إيجابية
أبرز ما ميز هذا الاتفاق تلك الأجواء الإيجابية التي خيمت على المشهد والتصريحات التفاؤلية الصادرة عن قادة الحركات والفصائل الفلسطينية، فقد أعرب عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رمزي رباح، عن تفاؤله بشأن الوثيقة الختامية التي تتضمن انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني خلال سنة على أساس قوانين ونظام التمثيل النسبي الكامل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون سنة على أساس برنامج متفق عليه.
كما أشار رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية إلى أن توقيع وثيقة الوفاق الوطني بين الفصائل الفلسطينية نتاج جهد جزائري دام قرابة سنة، مضيفًا “هذا اللقاء فاتحة خير، والحركة تعبر عن ارتياحها لنتائجه بعدما خيّمت أجواء من الإيجابية والسلاسة، وعدم التدخل في فرض أي رؤية”.
فيما أرجع رئيس وفد حركة التحرير الفلسطيني (فتح) عزام الأحمد، ضعف القضية الفلسطينية إلى حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية طيلة السنوات الماضية، ما ألحق الضرر بها، مضيفًا في تصريحاته للتليفزيون الجزائري “ليس جديدًا علينا عندما تضيق بنا الدنيا لا نجد إلا الشقيقة الكبيرة الجزائر تفتح لنا أبوابها”.
من جانبه ثمّن رئيس تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة في فلسطين والشتات، ياسر الوادية، عضو الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الجهود الجزائرية المبذولة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام، لافتًا إلى أن هذه الخطوة تأتي في “ظل ظروف بالغة التعقيد تمر بها قضيتنا الفلسطينية، وشعبنا الفلسطيني الذي يواجه أعتى قوة طاغية في التاريخ، والجرائم البشعة التي يرتكبها الاحتلال ضد شعبنا”، داعيًا الفصائل المتحاورة في الجزائر إلى استثمار ما أسماه “الفرصة الذهبية” لتوحيد الصف الفلسطيني وعدم مغادرة الجزائر إلا بعد حل جميع الملفات الخلافية ووضع آليات عاجلة لتفتيت القضايا التي تسببت في تعميق الانقسام طيلة السنوات الماضية.
ليست بالجديدة
من الملاحظ أن البنود التسع بأكملها التي تضمنها الاتفاق الجزائري لا يوجد بينها بند واحد جديد، فجميعها تم التطرق إليه، إما تطابقًا في الصياغة أو المضمون، خلال اتفاقيات المصالحة التي تمت بين حركتي فتح وحماس طيلة السنوات الماضية ولم يترجم منها اتفاق واحد.
وخلال الـ15 عامًا التي شهدت انقسامًا بين الحركتين، طُرحت 6 اتفاقيات رسمية ومثلها وأكثر من المبادرات التي لم تكتمل، البداية كانت “اتفاق مكة” في 8 فبراير/شباط 2007 برعاية العاهل السعودي آنذاك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود، حين وقعت الحركتان هذا الاتفاق الذي يقضي بإيقاف أعمال الاقتتال الداخلي في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، في مدينة مكة المكرمة بمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والنائب محمد دحلان، ومن حركة حماس رئيس الوزراء حينها إسماعيل هنية ورئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل.
وبعد عامين على هذا الاتفاق قدمت القاهرة ما سُمي بـ”الورقة المصرية” وذلك بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008، تضمنت رؤية لإنهاء الانقسام وتقريب وجهات النظر بين حركات المقاومة والسلطة الفلسطينية وكان ذلك في سبتمبر/أيلول 2009، وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2011 شاركت حماس وفتح في سلسلة لقاءات بالقاهرة لبحث آليات تنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقعت عليها الفصائل بالقاهرة في 4 مايو/أيار 2011، وكانت تضم تشكيل لجان رئيسية لإتمام مقتضيات المصالحة، وهي: الانتخابات والمصالحة المجتمعية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والحريات العامة وبناء الثقة وتفعيل المجلس التشريعي وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتدخل فيها الفصائل غير الممثلة فيها، لا سيما حماس والجهاد الإسلامي.
الاتفاقيات الستة التي شهدتها سنوات الانقسام الـ15 دارت في ذات الإطار الخاص بتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات عامة وتوفير مناخ من التناغم والتعاون بين الحركات وتذويب الخلافات على أرضية مشتركة من التفاهمات، لكن لم يحدث منها أي شيء حتى اليوم
الجهود ذاتها تكررت في الدوحة حين اتفقت حركتا فتح وحماس في العاصمة القطرية على إبرام اتفاق للمصالحة في 6 فبراير/شباط 2012، وقعه الرئيس الفلسطيني عباس – نيابة عن حركة فتح – وخالد مشعل – نيابة عن حركة حماس -، ونص على “تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة عباس”.
ثم جاء “اتفاق الشاطئ” أبريل/نيسان 2014 حين التقى وفد من حركتي حماس وفتح في منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، ويعد أحد أبرز الاتفاقيات التي تمت بين الفصائل، ونص على ضرورة تشكيل حكومة توافق فلسطينية، على أن يعقبها بستة أشهر إجراء انتخابات.
كما انطلقت يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2017 جولة جديدة من المباحثات واللقاءات بين الفصائل في العاصمة المصرية القاهرة، أسفرت عن اتفاق جديد في الثاني عشر من الشهر ذاته يقضي بـ”تمكين حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله من تولي كل المسؤوليات في قطاع غزة، وأن يتولى الحرس الرئاسي الإشراف على المعابر ومعبر رفح الحدودي مع مصر”.
الاتفاقيات الستة التي شهدتها سنوات الانقسام دارت في ذات الإطار الخاص بتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات عامة وتوفير مناخ من التناغم والتعاون بين الحركات وتذويب الخلافات على أرضية مشتركة من التفاهمات، لكن لم يحدث منها أي شيء حتى اليوم، في الوقت الذي يعول عليه البعض في أن يكون إعلان الجزائر الاستثناء الذي ربما يحرك المياه الراكدة في هذا الملف، لكن التحديات المتوقع أن يصطدم بها هذا الاتفاق تثير التخوفات بشأن أن يكون رقمًا في قائمة الاتفاقات المبرمة التي لم تتجاوز الحبر الذي كتبت به.
عثرات في طريق التنفيذ
كما أشير سابقًا فإن المبادرة لم تأت بالجديد، وإنما تكرر ما جاء في الاتفاقيات السابقة، لكن يحسب لها تعزيز لغة الحوار بين الفصائل والتمهيد لإمكانية استكمال المسار بحسب ما ذهب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، أيمن يوسف، الذي أشار إلى أن إعلان الجزائر جاء في وقت وسياق مهم وملائم لإنهاء الانقسام لكنه من المتوقع أن يواجه حزمة من التحديات الداخلية والخارجية.
وأوضح الخبير السياسي أن أبزر التحديات المتوقعة عدم وجود آلية للتطبيق ولا إطار زمني، وهو ما يترك الأمر في إطار مفتوح وعام وغير واضح، ما يهدد بإجهاض المبادرة قبل بدايتها، وهو ما حدث مع الاتفاقيات السابقة، بحسب تصريحاته لـ”وكالة الأناضول“، هذا بخلاف عدم وجود الضمانات الكافية لتنفيذ الاتفاق، وهو ما يقلل بطبيعة الحال من جديته.
ويتفق معه في الرأي مدير مركز “يبوس” للدراسات السياسية، سليمان بشارات الذي قال: “العبرة في المبادرة الجزائرية الجيدة (تكمن) في آليات التنفيذ”، منوهًا أنه رغم تلبية الاتفاق لرغبات وطموح الفصائل الفلسطينية من حيث الأهداف والخطوات الخاصة بإنهاء الانقسام لكنه في النهاية تنظير أقرب منه إلى إجراءات وخطوات ملموسة على أرض الواقع، قائلًا: “الورقة لم تقدم جدولًا زمنيًا مفصلًا، ولا كيفية تنفيذ البنود”، واختتم حديثه متسائلًا: “لو بقيت الخطة دون جدول زمني فقد يكون هذا الأمر مدخلًا لإضعافها وليس لتعزيزها، كذلك الجهة المشرفة هل تمتلك إمكانية لفرض الاتفاق؟”.
المبادرة في صيغتها الحاليّة وفي هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به الساحة الدولية عمومًا والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص تعد اختبارًا حقيقيًا للفصائل الفلسطينية بشأن رغبتها ونيتها الجادة في إنهاء الانقسام لصالح القضية والشعب الفلسطيني
كما أن التغريد الجزائري بمعزل عن القوى الإقليمية ذات الثقل والحضور التاريخي في مسار المصالحة الفلسطينية وعلى رأسها مصر والسعودية وتركيا، ربما يضعف الاتفاق ويفقده الثقل المناسب لوضعه على خريطة الترجمة والتنفيذ، حتى لو تم عرضه على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في الجزائر، فإن ما حدث ربما يثير حفيظة القاهرة تحديدًا التي ترى في أي تحرك بشأن القضية الفلسطينية بعيدًا عنها خروجًا عن المألوف وتجاهلًا لدورها الإقليمي، الأمر كذلك مع الرياض التي ترغب في استعادة نفوذها فلسطينيًا بعد سنوات من التراجع لحساب طهران.
غياب القوى الإقليمية المؤثرة عن الاتفاق سيكون مدخلًا جيدًا للكيانات الرافضة للمصالحة الفلسطينية والمستفيدة من حالة الانقسام تلك، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفاؤهما في المنطقة، من أجل إجهاضه من مضمونه عبر إثارة الفتن بين الفصائل وتعميق الخلافات بين الجزئر الراعية وبقية قوى المنطقة ذات التماس المشترك مع القضية الفلسطينية، بما يُفضي في نهاية المطاف نحو تحويل الاتفاق إلى رقم بجوار الأرقام الأخرى السابقة على مدار السنوات الـ15 الأخيرة.
ثم يأتي التحدي الأكبر والأكثر حسمًا لأي مسار مصالحة المتعلق بمدى توافر الرغبة الحقيقية لدى الفصائل الفلسطينية في إنهاء الانقسام بشكل جذري، خاصة في ظل تعدد مسارات التباين في وجهات النظر إزاء عشرات المسائل التي لم تحسم بعد، وتخضع في النهاية إلى استقتال كل من الحركتين، فتح وحماس، من أجل توسعة دائرة سلطتها ورفض التراجع قيد أنملة عن نفوذها الحاليّ، ولو كان على حساب القضية الفلسطينية ودماء وأرواح ومستقبل الشعب الفلسطيني.
ومع أن البنود التي تضمنها إعلان الجزائر شاملة وتغطي كل القضايا والمحاور، ويمكنها أن تكون أرضيةً جيدةً للبناء عليها من أجل الوصول إلى الوحدة وإنهاء الانقسام، لكن أمام الجزائر تحديًا دبلوماسيًا كبيرًا في تمرير الاتفاق عربيًا وإقليميًا – إن كان لديها بالفعل النية لذلك – من خلال تكثيف مباحثاتها مع القوى المؤثرة في المنطقة، وألا يكتفى دورها عند رعاية واستقبال الوفود المشاركة والتوصل لاتفاق مكتوب وفقط تحقق من خلاله الجزائر مكاسب سياسية أكبر مما تحققه أطراف القضية ذاتها.
المبادرة في صيغتها الحاليّة وفي هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به الساحة الدولية عمومًا والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص تعد اختبارًا حقيقيًا للفصائل الفلسطينية بشأن رغبتها ونيتها الجادة في إنهاء الانقسام لصالح القضية والشعب الفلسطيني، فهل تنجح في الاختبار أم سيلقى هذا الإعلان مصير المبادرات الستة السابقة؟