بعد عام من أزمة سياسية ألمّت بالعراق، أصبح للبلد رئيس جديد للجمهورية ورئيس مكلف بتشكيل الحكومة، بعدما انتخب البرلمان مرشح التسوية عبد اللطيف رشيد (78 عامًا) رئيسًا للجمهورية، الذي كلّف مباشرةً محمد شياع السوداني (52 عامًا) بتشكيل حكومة، وسيكون أمامه 30 يومًا لتشكيل الحكومة بحسب الدستور، لكنه أعرب عن أمله بتشكيلها “بأقرب وقت”.
ورُشِّح السوداني لهذا المنصب من قبل الإطار التنسيقي، الذي يضمّ عدّة كتل، من بينها دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح برئاسة هادي العامري، ويسعى الإطار -الذي يملك أكبر عدد من النواب في البرلمان- إلى انتشال النظام السياسي بعد عام من الشلل والانقسام.
يعدّ السوداني من قيادات الصف الثاني من بين الساسة العراقيين، وينظر إليه الإطار التنسيقي على أنه من أكثر الشخصيات التي تتمتع بالخبرة في العمل التنفيذي، بحكم توليه وزارات ومسؤوليات عديدة بين عامَي 2003 و2022، منها مناصب وزير حقوق الإنسان، وزير الزراعة، وزير العمل والشؤون الاجتماعية، وزير المالية ووزير الصناعة، خلال الفترة نفسها.
من هو السوداني؟
ولد محمد شياع السوداني ببغداد عام 1970، متزوّج ولديه 4 أبناء، حصل على درجات علمية منها البكالوريوس من كلية الزراعة بجامعة بغداد عام 1992، والماجستير في إدارة المشاريع عام 1997.
ينتمي رئيس الوزراء المكلف إلى “حزب الدعوة – تنظيم الداخل”، وشارك عام 1991 مع الأحزاب الشيعية في الهجوم على مقارّ المؤسسات الحكومية والسيطرة عليها قبل أن تستعيدها السلطات، وبعد عام 2003 شغل السوداني مناصب حكومية مهمة كثيرة، فاُنتخب عضوًا في مجلس محافظة ميسان عن قائمة حزب الدعوة الإسلامية عام 2005 وأُعيد انتخابه عام 2009، وفي أبريل/ نيسان من العام نفسه اختير محافظًا لميسان، كما اُنتخب لعضوية مجلس النواب عن ائتلاف “دولة القانون” برئاسة نوري المالكي لـ 3 دورات متتالية أعوام 2014 و2018 و2021.
عمل السوداني وزيرًا في عديد من الحكومات، إذ عُيِّن وزيرًا لحقوق الإنسان بعد تشكيل حكومة نوري المالكي الثانية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، وعام 2014 شغل منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي حتى عام 2018.
كما شغل منصب الوكيل لوزارات المالية عام 2014، ووزارة الهجرة والمهجرين عام 2014، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 2014، ووزارة التجارة عام 2015، ووزارة الصناعة عام 2016، وتولّى منصب رئيس الهيئة العليا للمساءلة والعدالة بالوكالة عام 2011، ثم رئيسًا لمؤسسة السجناء السياسيين بالوكالة عام 2014.
وفي مناصبه خارج العراق، اُنتخب رئيسًا لمجلس إدارة منظمة العمل العربية بالإجماع في القاهرة بين عامَي 2017 و2018، وفي نهاية عام 2019 أعلن استقالته من حزب الدعوة وأسّس “تيار الفراتين” الذي يرأس أمانته العامة، وله 3 مقاعد من أصل 329 في برلمان العراق الخامس (الحالي).
كما سبق أن طُرح اسم السوداني بين الأسماء المرشحة لخلافة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي استقال في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 تحت ضغط احتجاجات شعبية، لكنه يحظى اليوم بتأييد من قوى الإطار التنسيقي، بالإضافة إلى قوى سنّية وكردية أهّلته لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.
أمام محمد شياع السوداني مهمة لا يستهان بها؛ إذ على الرجل المنبثق من الطبقة السياسية التقليدية، أن يدير الدفّة وسط انقسام حاد وأن يحظى بقبول منتقديه.
يتوقع الخبراء أن تمرَّر كابينة السوداني الوزارية في مجلس النواب من دون عقبات تُذكر، في ظل غياب نواب الكتلة الصدرية الـ 73 الذين أعلنوا استقالتهم من المجلس في 12 يونيو/ حزيران الماضي، والتوافق السياسي الذي شهدته جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة.
ومنذ الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لم تتمكن الأطراف السياسية النافذة من الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية وتعيين رئيس جديد للحكومة، رغم مفاوضات عديدة فيما بينها، وكان ترشيح الإطار التنسيقي لمحمد شياع السوداني في الصيف، شرارة أشعلت التوتر بين الإطار والتيار الصدري الذي اعتصم مناصروه أمام البرلمان نحو شهر، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرَح فيها اسمه لرئاسة الوزراء، فقد رُشّح عام 2018 ثم عام 2019، في خضّم احتجاجات تشرين ضدّ الطبقة السياسية، لكن اسمه قوبل حينها برفض المتظاهرين.
أما في عيون الصدريين، فإن السوداني يبدو كأنه من معسكر المالكي، الخصم التاريخي للصدر، وهذه مشكلة؛ نظرًا إلى عدم ثقتهم بالمالكي ومحيطه، ورغم كل ذلك نجح السوداني برسم صورة مغايرة لنفسه، حيث ترك دولة القانون وفاز بمقعد في البرلمان منفردًا، بعد 4 سنوات كان فيها نائبًا نشطًا.
كل ذلك أسهمَ في تسميته لرئاسة الوزراء، رغم أن الدعوات التي خرجت ضدّ ترشيحه لم تكن شخصية، إنما مرتبطة بظرف كونه مرشح الإطار التنسيقي، فهو يتمتّع بعلاقات جيدة مع غالبية الأحزاب السياسية التي أعطته الضوء الأخضر ومنحته الثقة في تشكيل الحكومة المقبلة.
بتكليف السوداني وانتخاب رئيس جديد للبلاد تطوي القوى السياسية أزمة استمرت عامًا كاملًا، ورغم كل ذلك فإن أمام محمد شياع السوداني مهمة لا يستهان بها؛ إذ على الرجل المنبثق من الطبقة السياسية التقليدية، أن يدير الدفّة وسط انقسام حاد وأن يحظى بقبول منتقديه.
أول كلمة للرأي العام
لم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى خرج السوداني بكلمة إلى الرأي العام، يحث فيها القوى السياسية على “فتح باب الحوار الحقيقي والهادف لبدء صفحة جديدة في العمل، وبذل جهوده لتأليف حكومة قوية”، فيما رسم ملامح حكومته المقبلة وأهدافها قائلًا: “سأبذل قصارى جهدي لتأليف حكومة قوية وعازمة على تنفيذ أهدافها وبرنامجها من خلال تآزر القوى السياسية، بترشيح شخصيات كفوءة ومهنية ونزيهة، قادرة على إنجاز مسؤولياتها”، مشيرًا إلى سعيه “لإجراء انتخابات محلية ونيابية في أجواء حرة ونزيهة وفي ظل نظام انتخابي شفاف يطمئن كل المتنافسين”.