سلسلة من حملات الاعتقال نفذتها الأجهزة الأمنية الأردنية في الفترة الأخيرة، طالت ما يقارب 26 شخصًا بعضهم من النشطاء السياسيين أو الحزبيين، وأغلب من تبقى هم إما نقابيون أو طلابًا جامعيون أو مُعلّمون أو من ليس لديهم أية نشاطات سياسية ظاهرة تذكر للعيان، هذه الاعتقالات أثارت التساؤلات وعلامات الاستفهام لدى الكثيرين، ما هي أسبابها؟ ولماذا في هذا التوقيت؟
وهنا لو بحثنا قليلاً لوجدنا أن أغلب الذين تم اعتقالهم من ناشطين ونقابيين ومعلمين وطلاب لا يوجد بينهم عامل مشترك، سوى أنهم اُعتقلوا بطرق متشابهة وفي أيام قليلة متتالية وبفترة زمنية واحدة، وبعد البحث حول سيرهم الذاتية، يتضح أنه يغلب عليهم الطابع الإسلامي، فهم إمّا اسلاميون أو مقرّبون من الفكر الإسلامي أو لنقل “الإخواني” على وجه التحديد، لكن الذي لم ينتبه إليه الكثيرون هو أن أغلب من اُعتقلوا مؤخرًا هم من حملة ما يعرف بالكارت الأصفر والأخضر، فهم إما فلسطينيون من أبناء الضفة الغربية ويحملون بطاقات خضراء تسمح لهم بالدخول للأردن وزيارتها والإقامة والدراسة فيها، أو مقيمون في الأردن ولكن تعود أصولهم إلى الضفة الغربية، أي من يحملون البطاقات الصفراء، وهذه يستخدمونها عندما يزورون أهلهم أو أقاربهم في الضفة الغربية، يضاف إليهم أيضًا بعض المعتقلين ممن كانوا أسرى لدى الاحتلال وتم الإفراج عنهم وترحيلهم إلى الأردن في سنوات سابقة.
هذا الربط، دفع بعض المتابعين لقضية اعتقال هؤلاء الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن يتساءلوا ..؟ هل هناك تنسيقًا أمنيًا بين الاحتلال الإسرائيلي والأردن في اعتقال هؤلاء الناشطين؟
سنعرف ذلك لاحقًا بعد عرضنا لبعض الوقائع والمعلومات الحصرية التي حصلنا عليها، في هذا التقرير.
تفاصيل الحكاية من البداية
لنعد قليلاً إلى الوراء .. فقبل نحو ثلاثة أشهر ادعى جهاز المخابرات الإسرائيلي “الشاباك ” اعتقال خلية عسكرية تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة الغربية المحتلة، تضم نحو 30 شخصًا، بزعم أنها كانت تخطط لتنفيذ عمليات ضد الكيان الإسرائيلي، من بين هؤلاء الثلاثين كان هناك أردنيون، عرف منهم ثلاثة أسماء فقط، وهم:
– المهندس مناف جبارة (عضو بنقابة المهندسين الأردنيين).
– المهندس عبد الله الزيتاوي “العَلَمي” (عضو بنقابة المهندسين الأردنيين).
– محمد الشوربجي (مُعلّم في مدارس الرضوان الإسلامية بعمّان).
وبحسب المعلومات التي كشفها الشاباك قبل نحو أسبوع، فقد ضمت الخلية 30 ناشطًا عسكريًا في حماس، زاعمًا توجيههم عبر قيادة الحركة في تركيا وتحديدًا من القيادي والأسير المحرر “صالح العاروري” المقيم هناك، وذلك لتنفيذ هذه العمليات.
وذكرت صحيفة “معاريف” حينها أن عددًا من أعضاء الخلية تلقوا تدريبًا عسكريًا في الأردن عام 2012، قبل البدء بالتدفق لمناطق الضفة منذ بداية العام الحالي، وبدأوا بإجراء لقاءات مع نشطاء آخرين وجمع معلومات عن أهداف عسكرية وتابعة للمستوطنين.
اعتقالات الضفة الغربية يقابلها مثلها في الشرقية
لنعد إلى الأردن .. اعتقالات الأجهزة الأمنية الأردنية في الأشهر الأخيرة طالت ما يقارب 26 شخصًا، أصبحوا الآن يعرفون بأنهم “معتقلون سياسيون”، بعضهم بشأن قضايا تتعلق بالحراك الأردني وتم توجيه تهم لهم كـ “تقويض النظام” وما إلى ذلك من تهم مشابهة، وانضم إليهم عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين الدكتور “محمد سعيد بكر” الذي اُعتقل قبل نحو شهرين، ونائب المراقب العام للإخوان “زكي بني ارشيد” قبل نحو ثلاثة أسابيع.
لكن هناك 18 شخصًا منهم اُعتقلوا بطرق متشابهة، وفي فترة متقاربة جدًا مؤخرًا، ولم توجه لبعضهم تهم بعد، وهم لايزالون قيد التحقيق في دائرة المخابرات العامة، وهم ما نريد أن نركز عليهم هنا، وتاليًا قائمة بأسمائهم:
_ م. غسان دوعر
_ نجله : البراء دوعر
_ م. مازن نافع – (أسير محرر)
_ م. مصعب جابر
_ م. محمد عبد الفتاح علي
_ وشقيقه: أنس عبد الفتاح علي
_ م. حمزة شاهين
_ م. بشير الحسن
_ وشقيقه: عبد الرحمن الحسن
_ م. أنس عواد
_ م. وصفي الحباب
_ خالد الدعوم (إعلامي ومنتج للأفلام الوثائقية)
_ أحمد أبو خضير (أسير محرر)
_ ادريس الرفاتي
_ محمد قنديل
_ فرج حنني
_ تامر الحاج علي
_ محمد القرنة
عندما بحثنا في سير هؤلاء المعتقلين الثمانية عشر، اتضح أن أغلبهم إما أنه زار ويُسمح له بدخول الضفة الغربية، أي من حملة (الكارت الأصفر)، أو العكس، حيث إن 3 منهم من أبناء الضفة الغربية، أي من حملة ما يعرف (بالكارت الأخضر)، وهم طلاب يقيمون في الأردن بهدف الدراسة، هم آخر ثلاثة أسماء في القائمة السابقة، نعيد نشر أسمائهم هنا تفصيلاً:
-
الطالب “فرج حنني”، وهو من منطقة (بيت فوريك) بنابلس، ويحمل شهادة الماجستير بالفنون الجميلة، اعتقلته أجهزة المخابرات الأردنية في مطار الملكة علياء أثناء سفره إلى ماليزيا لإكمال شهادة الدكتوراة منذ أكثر من شهر.
-
الطالب “تامر الحاج علي”، من منطقة (جمّاعين) بنابلس، كان يدرس في جامعة “جدارا” تخصص نظم المعلومات الحاسوبية، اعتقلته أجهزة المخابرات الأردنية قبل نحو شهر من مكان عمله (سوبر ماركت) في محافظة إربد شمال الأردن.
-
الطالب “محمد القرنة”، من منطقة بيت لحم، ويدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا، قالت عائلته ومقربون منه أنه اختفي أثره منذ أسبوعين في الأردن، حيث أكد بعض رفاقه أنه معتقل في دائرة المخابرات، وهي من قامت باستدراجه واعتقاله، ولكن دائرة المخابرات بدورها نفت لهم ولمحاميهم أن يكون القرنة لديها؛ وهو ما جعل عائلة القرنة تخشى أن يكون تم تسليم ابنها إلى المخابرات الإسرائيلية، على يد نظيرتها الأردنية.
وبحسب مصدر خاص لـ “نون بوست” – والذي فضل عدم الكشف عن اسمه – فإن دائرة المخابرات الأردنية تقوم بالتحقيق مع هؤلاء المعتقلين السبعة عشر بتهمة “المشاركة في دعم المقاومة الفلسطينية ماديًا وإعلاميًا ولوجستيًا للتخطيط لعمليات ضد دولة إسرائيل، وتشكيل تنظيم عسكري سري داخل الأردن”.
وبحسب التسريبات التي حصلنا عليها فإن المخابرات الأردنية تدعي أن هناك علاقة بين هؤلاء المعتقلين وبين أعضاء الخلية التي اعتقلتها “الشاباك” قبل نحو 3 أشهر في الضفة الغربية، حيث تتهم المخابرات الأردنية الإعلامي المعتقل “خالد الدعوم” بدعم هذه الخلية ونقل المعلومات المطلوبة إليها، كما تتهم المهندس “حمزة شاهين” بنقل أموال ومعلومات من أخيه المقيم في تركيا، والذي تعتبره المخابرات بأنه قيادي في “حماس”.
التسريبات تشير أيضًا إلى أن أغلب المعتقلين لدى المخابرات الأردنية لم يعطوا أية اعترافات بأن لديهم أي نشاط يتعلق بأعمال عسكرية داخل أو خارج الأردن حتى اللحظة.
إلا أن بعض المعتقلين أدلوا باعترافات بالفعل حول قيامهم بتدريب شباب وتمويلهم، والتخطيط معهم للقيام بعمليات من شأنها دعم المقاومة داخل فلسطين المحتلة، وبناء على هذه الاعترافات تجددت حملة الاعتقلات قبل 3 أيام، لتطال كل من:
- الأسير المحرر أحمد أبو خضير
- الطالب محمد قنديل
- المُعلم ادريس الرفاتي
المصدر نفسه توقع بأن تتوسع دائرة الاعتقالات خلال الأيام القادمة، حيث أكد لنا أن هناك أسماءً أخرى تم الاعتراف عليها بالفعل خلال التحقيق مع المعتقلين، لكن المصدر رفض إعطائنا إياها أو الكشف عنها، كون أن أصحابها لم يتم اعتقالهم إلى الآن، لكن اكتفى بالقول: “ربما يتم اعتقالهم قريبًا، وقريبًا جدًا”.
تنسيق أمني متبادل
بحسب المصادر المتعددة التي تحدثت لـ “نون بوست”، فقد بات من المؤكد أن كل التحقيقات الجارية في دائرة المخابرات الأردنية مع هؤلاء الذين تم اعتقالهم مؤخرًا هو حول “دعم المقاومة في فلسطين”، وأن هذه الاعتقالات قائمة على تعاون وتنسيق أمني مع المخابرات الإسرائيلية على مستوى رفيع، فعلى سبيل المثال، في نفس اليوم الذي اعتقل فيه “الشاباك” بالضفة الغربية المهندس الأردني “عبد الله الزيتاوي”، قامت الأجهزة الأمنية الأردنية بمداهمة بيته غير المأهول في منطقة (طبربور) بعمّان وتفتيشه ومصادرة بعض الحاجيات منه، في الوقت الذي كانت المخابرات الإسرائيلية تقوم بالتحقيق معه في “تل أبيب”، وهذه صورة من منزل الزيتاوي بعد اقتحامه من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية:
إلى أين تتجه القضية؟
بحسب مصدر في جماعة الإخوان المسلمين – فضّل عدم الكشف عن اسمه – فإن لدى الجماعة معلومات شبه مؤكدة أن المخابرات الأردنية ستتجه للصق تهم بظهرها، من خلال اتهامها بتشكيل “جناح عسكري سري” داخل الجماعة يهدد أمن المملكة ويعرضها للخطر، وبالتالي التصعيد ضدها واعتقال قياداتها وتوجيه تهم تتعلق “بالإرهاب” لهم بعد تقديمهم لمحاكم عسكرية، وهنا يكون مخرجًا للدولة بإقصاء الجماعة عن المشهد السياسي في الأردن، لكن الجماعة تتوقع أيضًا – بحسب المصدر نفسه – أن تتجه القضية نحو سيناريو آخر “أقل ضررًا”، وهو أن يتم محاكمة جميع من تم اعتقالهم وحصر القضية بهم، دون التعرض للجماعة بشكل مباشر وصريح.
وهذا ما يتوافق مع تصريح القيادي الإسلامي “مراد العضايلة “في تقرير صحفي لموقع “الجزيرة نت” نشر قبل أيام، والذي قال فيه تعقيبًا على معلومات نشرتها بعض المواقع بأن الدولة ستتجه لإقصاء الجماعة والصاق تهم بها، حيث قال العضايلة: “إن من يريد تجريم الإخوان باتهامهم بالإرهاب وتشكيل خلايا مسلحة، لا يدرك خطورة إثارته للمجتمع والرأي العام، وكل ذلك من أجل إقناع صاحب القرار بضرورة وصم الإخوان في الأردن بالإرهاب بناء على صناعة تنظيمات موهومة”، بحسب وصفه.
دعم المقاومة “جريمة”
عائلات المعتقلين في هذه القضية تنفي تمامًا أن يكون لأبنائها ضلع في أية أعمال عسكرية وما شابهها داخل أو خارج الأردن، ولكن بعضها تساءل، إن كانت هذه التهم صحيحة وثبتت بالفعل، هل أصبح دعم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي “جريمة” تؤدي بهؤلاء إلى الاعتقال وتوجيه تهم لهم تتعلق “بالارهاب” في دولة عربية هي أقرب ما يكون لفلسطين المحتلة وطنيًا وتاريخيًا وجغرافيًا؟!
وكيف أصبحت مقاومة الاحتلال “إرهابًا” وقد كفلت كل المعاهدات والمواثيق الدولية، حق الدولة المحتلة الدفاع عن نفسها بشتى الطرق والوسائل الممكنة؟!
وهل هذه القضية ستفتح أبوابًا جديدة من التنسيق والتعاون الأمني عالي المستوى بين المخابرات الأردنية ونظيرتها الإسرائيلية وعلى العلن، سنشهدها خلال الفترة المقبلة؟