وقّعت الفصائل الفلسطينية، على رأسها فتح وحماس و12 فصيلًا آخر، اتفاقًا جديدًا للمصالحة برعاية جزائرية، خلافًا للمرّات السابقة التي كانت فيها الوساطة منحصرة في النظام المصري أو دولة قطر أو لحوارات داخلية.
ورغم إعلان الفصائل التوقيع الرسمي للاتفاق في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إلا أن الشارع الفلسطيني يبدو غير مهتم بالاتفاق، نظرًا إلى حالة اليأس التي تسللت إلى نفوس الفلسطينيين كنتيجة لتاريخ الاتفاقيات بين الحركتَين منذ عام 2005.
ومن العوامل التي تجعل الفلسطينيين غير مهتمين كثيرًا بالاتفاق الجديد، تزامنه مع تصاعد العمليات في الضفة الغربية المحتلة والقدس، وحالة الحشد الشعبي المتصاعدة وغير المسبوقة منذ هبّة عام 2015، التي يرى فيها البعض بمثابة شعلة الانتفاضة. وإلى جانب هذا الأمر، فإن ما تسرّب من حوارات الجزائر وعلمته “نون بوست”، ثمة خلاف مركزي وقع بين الفصائل الفلسطينية وتحديدًا فتح وحماس، تمثل فيما يخص حكومة الوحدة الوطنية التي ستتشكّل بموجب الاتفاق.
ويشترط رئيس السلطة محمود عباس، بحسب المعلومات، أن توافق حركة حماس على اعتراف هذه الحكومة بشروط الرباعية الدولية، وهو ما ترفضه الأخيرة كليًّا على اعتبار أنه اعتراف ضمني منها بـ”إسرائيل” كدولة، فضلًا عن فصائل أخرى ترفض هذا الأمر.
ويظهر للفلسطينيين أن الحوارات التي بدأت هادئة وانتهت هادئة دون ضجيج، جاءت لإرضاء الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون قبيل انعقاد القمة العربية، إلى جانب رغبة الأطراف الفلسطينية في عدم إغضاب الجزائر باعتبارها صاحبة موقف إيجابي تجاه القضية الفلسطينية.
ويسلّط “نون بوست” خلال هذه المادة الضوء على تاريخ اتفاقيات المصالحة التي أُبرمت منذ عام 2005 حتى اتفاق الجزائر، وأبرز ملامحها وبنودها، وأسباب تعطل تنفيذها في الكثير من الأحيان، وعدم نجاح كل محاولات إنهاء الانقسام.
إعلان القاهرة
في 19 مارس/ آذار 2005 وقّعت مجموعة واسعة من الفصائل الفلسطينية، بما فيها فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على إعلان القاهرة الفلسطيني، وكانت هذه أول محاولة للاتفاق السياسي بهدف توحيد الفصائل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية.
كان أحد أهداف إعلان القاهرة هو إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل جميع القوى والفصائل الفلسطينية، لأن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بما يضمّ حركتَي حماس والجهاد الإسلامي.
ورغم أن الاتفاق لم ينجح بشكلٍ كبير، إلا أن وصول حركة حماس إلى سدّة الحكم بفعل الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير/ كانون الثاني 2006، كان أحد الأسباب للاتفاق على وثيقة جديدة “سياسية” من أجل الوصول لحلّ للمشهد السياسي.
وثيقة الأسرى 2006
في مايو/ أيار 2006 وقّع قادة 5 فصائل فلسطينية من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وثيقة حملت اسم “وثيقة الوفاق الوطني”، هم مروان البرغوثي عن حركة فتح وعبد الخالق النتشة عن حركة حماس والشيخ بسام السعدي عن حركة الجهاد الإسلامي، وأيضًا عبد الرحيم ملوح عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومصطفى بدارنة عن الجبهة الديمقراطية.
أيّد رئيس السلطة عباس على الفور الوثيقة التي تعترف ضمنًا بـ”إسرائيل”، مطالبًا بأن توافق حماس صراحة على ذلك وهدّد بإجراء استفتاء وطني بشأن الوثيقة، وفي نهاية المطاف أيّدت الفصائل نسخة منقّحة من وثيقة الأسرى، إلا أن حماس رفضت الاعتراف صراحة بـ”إسرائيل” وتخليها عن المقاومة المسلحة داخل الأراضي المحتلة.
في 11 سبتمبر/ أيلول 2006، توصّل عباس ورئيس الوزراء آنذاك إسماعيل هنية إلى اتفاق مبدئي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث اتفقا على أن الحكومة الجديدة يجب أن تقوم على وثيقة الوفاق الوطني “الأسرى”.
في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2006 أصدر عباس من جانب واحد نداء لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكّرة، ما أدى إلى استياء حماس، في الوقت ذاته كانت الأمور ميدانيًّا قد تطورت بشكل كبير بين الحركتَين حيث تصاعدت الاشتباكات بشكل كبير.
تدخُّل سعودي
في فبراير/ شباط 2007 دخلت الرياض على خط الأزمة الفلسطينية الداخلية، حيث تم التوقيع على اتفاقية فتح وحماس في مكة المكرمة في 8 فبراير/ شباط 2007 بعد 8 أيام من المحادثات، ووافقت على وقف الاشتباكات العسكرية في قطاع غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ونصَّ الاتفاق في حينه على تحريم دم الفلسطيني، واتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون إراقته، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني والتصدي للاحتلال، وتحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وأيضًا الاتفاق وبصورة نهائية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفَين، والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتشكيلها، والمضيّ قدمًا في إجراءات تفعيل وتطوير وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وتسريع إجراءات عمل اللجنة التحضيرية، استنادًا إلى تفاهمات القاهرة ودمشق.
ورغم ذلك، فإن الاتفاق لم يصمد إلا 4 أشهر فقط، حيث تواجهت فتح وحماس في قطاع غزة، ونجحت الأخيرة في إحكام سيطرتها على القطاع كليًّا وبسط نفوذها وتشكيل حكومة برئاسة إسماعيل هنية، القيادي في حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي حاليًّا.
اليمن على خط المصالحة
في 23 مارس/ آذار 2008 وقّعت حماس وفتح إعلانًا في صنعاء عاصمة اليمن الذي يعتبر اتفاقًا للمصالحة، دعا إلى عودة قطاع غزة إلى حالة ما قبل يونيو/ حزيران 2007، ظهر الخلاف حول التفسير على الفور، حيث قالت فتح لحماس أن تتخلى عن حصتها في غزة أولًا، وطالبت حماس بإعادة حكومة الوحدة بقيادة حماس أيضًا.
القاهرة من جديد
في 27 أبريل/ نيسان 2011 أعلن ممثلو الفصيلَين اتفاقًا بوساطة من مصر لتشكيل حكومة مؤقتة مشتركة مع إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2012، وفي 4 مايو/ أيار 2011 في حفل أقيم في القاهرة وقّع الاتفاق رسميًّا رئيس السلطة محمود عباس وزعيم حماس حينها خالد مشعل.
وفّر الاتفاق أساسًا لتشكيل حكومة انتقالية تحضّر للانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الوطنية الفلسطينية في سنة واحدة، كما سمح بدخول حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات لهيئة صنع القرار التابعة للمجلس الوطني الفلسطيني.
كانت السلطة الوطنية الفلسطينية ستواصل التعامل مع الأمن في الضفة الغربية، كما تفعل حماس في قطاع غزة، فيما كان سيتم تشكيل لجنة أمنية مشتركة للبتّ بالترتيبات الأمنية المستقبلية.
وفي يونيو/ حزيران 2011 تمَّ تعليق المفاوضات المتعلقة بتشكيل حكومة وحدة بسبب الخلافات حول من سيكون رئيس الوزراء، حيث أصرّت فتح على استمرار سلام فياض الذي كان غير مقبول بالنسبة إلى حماس، التي أرادت أن يكون رئيس الوزراء من غزة.
من القاهرة إلى قطر
وُصف إعلان الدوحة الذي وقّعه محمود عباس وخالد مشعل في فبراير/ شباط 2012 بأنه خطوة إلى الأمام، في التنفيذ المتوقف لاتفاق المصالحة الفلسطينية الذي وقّع في القاهرة في أبريل/ نيسان 2011، وفي مارس/ آذار 2012 ذكر محمود عباس أنه لم تكن هناك خلافات سياسية بين حماس وفتح، حيث توصّلتا إلى اتفاق على منصة سياسية مشتركة وعلى هدنة مع الاحتلال.
في 1 أبريل/ نيسان وُصف تنفيذ المصالحة بأنه متعثر مع عدم إحراز أي تقدم في مخطط الانتخابات المشتركة، بالإضافة إلى ذلك ألقت فتح باللوم على حماس بأن قواتها الأمنية أقامت حواجز على الطرق، واعتقلت عشرات من أعضاء فتح وأفراد في غزة اتُّهموا بنشر الشائعات.
وفي مايو/ أيار 2012 وقّعت حماس وفتح اتفاقًا آخر في القاهرة لحكومة الوحدة الجديدة، وتنفيذ الانتخابات الفلسطينية بعد 3 أشهر ونصف من إعلان الدوحة، واتخذ اتفاق القاهرة الجديد خطوات أساسية لتنفيذ إعلان الدوحة السابق، لا سيما تسجيل الناخبين الجدد في قطاع غزة وتشكيل حكومة مؤقتة.
اتفاقيتا غزة والقاهرة 2014
في 23 أبريل/ نيسان 2014 وقّعت فتح وحماس اتفاقًا جديدًا للمصالحة في مخيم الشاطئ للاجئين، وتحديدًا في منزل إسماعيل هنية، يتمّ بموجبه تشكيل حكومة وحدة في غضون 5 أسابيع تليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 6 أشهر، وفي 2 يونيو/ حزيران 2014 أقسم رامي الحمد الله اليمين الدستوري كرئيس وزراء للحكومة.
بعدها بأسابيع قليلة نُفّذت عملية اختطاف لـ 3 مستوطنين في الخليل، ليكتشَف معها أن حركة حماس هي من تقف وراء العملية لتتابع الأحداث ويشنّ الاحتلال حربًا جديدة على القطاع عام 2014، بعد ذلك وقّع الطرفان في القاهرة في 25 سبتمبر/ أيلول 2014 اتفاقًا حدّد مهام ومسؤوليات الحكومة الجديدة.
ومع فشل الحكومة في أداء مهامها على أرض الواقع، ودمج الأجهزة الأمنية وتحقيق الوحدة الوطنية، بقيت السيطرة عمليًّا لحركة حماس على الأرض في غزة والسلطة في الضفة الغربية دون تقدُّم، وباءت كل المحاولات بالفشل.
اتفاق القاهرة 2017
تمَّ التوقيع عليه بين فتح وحماس في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بمشاركة رئيس وفد فتح عزام الأحمد، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.
وكالعادة، واعتبارًا من يناير/ كانون الثاني 2018، فشلت الأطراف في تنفيذ الاتفاق بحجّة تفسير تفاصيله والمواعيد النهائية المفقودة التي حددها، والمسألة الأكثر إثارة للخلاف بين حماس وفتح هي مستقبل أسلحة الفصائل في غزة.
قالت حماس في حينه إنها لن تقبل بنزع أسلحة المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنه سيوافق فقط على سيناريو تسيطر فيه قوات الأمن الفلسطينية على جميع الأسلحة في غزة.
في مارس/ آذار 2018 كان من المقرر أن يصل وفد أمني مصري إلى غزة لمتابعة جهود المصالحة المتوقفة، بحيث يتمّ تسليم السلطة وإدارة المعابر للسلطة بدلًا من سيطرة حركة حماس، غير أنه تمَّ تأجيل ذلك إلى 10 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.
ونصَّ الاتفاق على أن تمنح حماس السيطرة المدنية الكاملة على قطاع غزة لفتح، مقابل تخفيف الحصار الاقتصادي عن غزة، إلى جانب وضع 3 آلاف ضابط شرطة بالسلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
حوارات إسطنبول 2020
جاءت حوارات إسطنبول هذه المرة بشكلٍ مفاجئ ودون وساطات أو تدخل من أحد، حيث عقدت الحركتان اجتماعًا ثنائيًّا في تركيا انتهى بإعلانهما الاتفاق على “رؤية مشتركة”، حيث أصدرت كلا الحركتَين بيانًا مشتركًا بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2020.
بموجب هذه الرؤية تمَّ التوافق بين وفدَي الحركتَين على إجراء الانتخابات العامة في الضفة الغربية وقطاع غزّة على قاعدة التمثيل النسبي الكامل في غضون 6 أشهر، حيث سيصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا بذلك.
وفي أبريل/ نيسان عام 2021، ومع انطلاق الاستعدادات لإجراء الانتخابات، أصدر رئيس السلطة مرسومًا جديدًا بتأجيل الانتخابات بذريعة عدم وجود موافقة إسرائيلية لإجراء الانتخابات في القدس، في خطوة وصفتها حماس وبعض الفصائل بالتهرُّب من الاستحقاق الانتخابي.
وبالتالي إن السجلّ الطويل لحوارات المصالحة الفلسطينية الذي بدأ بالقاهرة وانتهى بالجزائر، يعكس أن الخلل لم يكن في الوسيط يومًا، بل في التفسيرات الخاطئة التي تتمّ للحوارات والاتفاقيات التي توقّع بين الأطراف، ما يجعل التنفيذ يفشل على الأرض.
ويبدو أن اتفاق الجزائر سيكون مصيره مصير بقية الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها سابقًا، دون أن ترى النور من ناحية التنفيذ الواقعي على الأرض نتيجة اختلاف الرؤى والأفكار بين الفصائل، خصوصًا فتح وحماس التي يمتلك كل منهما خطًّا سياسيًّا مختلفًا عن الآخر.