بقي منصب المبعوث الأممي الخاص بليبيا شاغرًا لأكثر من سنة، فقد استقال المبعوث السابق يان كوبيش في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعد نحو سنتين قضاها في هذا المنصب دون أن يحقق آمال الليبيين في إنهاء الانقسام والانطلاق في تأسيس الدولة المدنية.
هذا الشغور ملأه المبعوث الأممي الجديد الذي بدأ أمس الجمعة مهام عمله رسميًا، مباشرة إثر وصوله إلى العاصمة طرابلس، لكن هل سينجح عبد الله باتيلي فيما فشل فيه غيره، خاصة أن التركة ثقيلة والمطبات أمامه كثيرة.
من هو المبعوث الجديد؟
قبل الإجابة عن السؤال المطروح، دعونا في البداية نتعرف على المبعوث الأممي الجديد الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، السنغالي عبد الله باتيلي الذي سيكون أيضًا رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل).
تزيد خبرة السنغالي على 40 عامًا، فقد شغل العديد من المناصب الحكومية في بلاده، لا سيما منصب وزير أول في مكتب الرئيس المسؤول عن الشؤون الإفريقية ووزير الطاقة والهيدروليكا ووزير البيئة وحماية الطبيعة، كما انتخب لعضوية الجمعية الوطنية في عام 1998، وشغل منصب نائب رئيسها من 2001 إلى 2006.
عمل عبد الله باتيلي أيضًا في الكثير من المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظمة الأمم المتحدة، وشغل في أحدث مهامه مع الأمم المتحدة عام 2021 منصب الخبير المستقل للمراجعة الإستراتيجية لبعثة أونسميل.
الانقسام الحاصل لا يقتصر على حكومتي الدبيبة وباشاغا فقط، إنما بين مجلسي النواب والدولة أيضًا
بين عامي 2013-2014، شغل باتيلي منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد (مينوسما)، وبين 2014 و2016 شغل منصب الممثل الخاص للأمين العام في وسط إفريقيا ورئيس مكتب الأمم المتحدة الإقليمي في وسط إفريقيا بالغابون.
بعدها بعامين تم تعيينه مستشارًا خاصًا للأمين العام بشأن مدغشقر، وفي عام 2019 عمل كخبير مستقل للمراجعة الإستراتيجية لمكتب الأمم المتحدة لغرب إفريقيا، كما انتخب عضوًا في المجموعة الاقتصادية لبرلمان دول غرب إفريقيا بين 2002 و2006.
فضلًا عن كل هذه المناصب، درّس المبعوث الأممي الجديد في ليبيا التاريخ لأكثر من 30 سنة في جامعة “الشيخ أنتا ديوب” بالسنغال، كما حاضر في العديد من الجامعات حول العالم، ودرس في جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة وجامعة الشيخ أنتا ديوب.
تحديات كبرى
أبرز التحديات التي ستواجه عبد الله باتيلي في عمله الجديد، الدفع نحو إنجاز الانتخابات، خاصة أن استقالة كوبيش المفاجئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كانت قبيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول.
لأهمية هذا الملف، خصّه باتيلي بأول بيان له على رأس البعثة الأممية، فقال في بيان نشرته البعثة الأممية على موقعها الإلكتروني، إن استعادة العملية الانتخابية “كفيلة بتعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار وتجديد شرعية المؤسسات في البلاد”.
وأوضح أن أولويته تتمثل في “تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة بالاستناد إلى إطار دستوري متين”، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة “ملتزمة بدعمها لليبيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة”، مؤكدًا أنه “لا بد من احترام إرادة الملايين من الليبيين” الذين سجلوا للتصويت في الانتخابات.
#عاجل| المبعوث الأممي الجديد السنغالي عبدالله باثيلي يصل طرابلس في أول زيارة له #الساعة24 #ليبيا pic.twitter.com/fWMAXcabdQ
— الساعة 24 (@alsaaa24) October 14, 2022
لا يبدو أن مهمة باتيلي في هذا الخصوص ستكون سهلة ويسيرة، فالعديد من العقبات أمامه، ذلك أن الإشكاليات المتعلقة بالانتخابات زادت حدتها وكلّ طرف متمسك برأيه، ولا توجد بوادر حل في الأفق القريب، حتى إن هناك اختلافًا بين قوى عديدة بين من يرى ضرورة التوجه إلى انتخابات لإنهاء المرحلة الانتقالية الحاليّة ويدعم هذا الرأي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ومن يرى أهمية تغير الحكومة الحاليّة دون الذهاب إلى انتخابات أي مرحلة انتقالية جديدة ويدفع رئيس البرلمان عقيلة صالح بهذا الرأي.
فضلًا عن الانتخابات، سيكون أمام باتيلي مهمة توحيد مؤسسات الحكم، ذلك أنه سيجد أمامه حكومتين: واحدة في الغرب ترى أن الشرعية لها، فالأمم المتحدة والمجتمع الدولي يعترفان بها، وأخرى في الشرق تدعي الشرعية، ذلك أن البرلمان هو من عيّنها.
مهمة باتيلي تقتضي أن تكون هناك حكومة واحدة تحضّر للانتخابات القادمة، وبما أن الأمم المتحدة تعترف فقط بحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة، فكيف سيكون تعامل المبعوث الأممي مع حكومة باشاغا المدعومة من البرلمان؟
في بيانه الأول، قال باتيلي إنه سيتواصل مع الجميع دون استثناء، يعني أنه سيتواصل مع الدبيبة وباشاغا، لكن هل سيتمكن من إقناعهما بضرورة تجاوز الانقسام الحاصل وتوحيد المؤسسات؟ يبدو الأمر صعبًا بعض الشيء.
المبعوث الأممي إلى #ليبيا: أولويتي تحديد مسار توافقي يفضي إلى انتخابات شاملة تستند إلى إطار دستوري متين
— سالم محمد 2 (@L1JmG9xosh7fgo1) October 14, 2022
الانقسام الحاصل لا يقتصر على حكومتي الدبيبة وباشاغا فقط، وإنما بين مجلسي النواب والدولة أيضًا، حيث فشلت كل جهود التقريب بين المؤسستين التنفيذيتين في البلاد، ما جعل الاتفاق على القاعدة الدستورية، صعب المنال.
هذا إلى جانب الانقسام العسكري الموجود على الأرض، فكل منطقة تحكمها جهة ومجموعة عسكرية تغير ولاءها بين الحين والآخر، فضلًا عن معضلة التدخل الخارجي الذي ساهم في مزيد تأزيم الوضع في ليبيا فكل دولة تريد مصلحتها دون النظر لمصلحة الليبيين.
مهمة صعبة
لا يعتقد الصحفي الليبي طه الشوماني أن “يحقق ثامن مبعوث أممي الكثير في ظل حالة الصراع الليبي حاليًّا وانقسام مجلس الأمن على نفسه في خضم صراع كسر العظام بسبب أزمة الطاقة والحرب الأوكرانية”.
يرى الشوماني في حديثه لنون بوست أن “مهمة باتيلي ستكون صعبة للغاية في تقريب وجهات النظر بين هذه الدول بشأن الملف الليبي، فالصراع الليبي معقد والأمم المتحدة لم تحاول تفكيك الصراع عبر 7 مبعوثين سابقين بل تماهت معه وحاولت إدارته فقط لا أكثر”.
يتابع محدثنا بالقول “لا أتوقع حلولًا على الأرض، ديناميكية الصراع الليبي تشير إلى جولة مواجهة جديدة قد تدفع الأطراف نحو المفاوضات مجددًا”، وعرفت ليبيا في الأشهر الأخيرة اشتباكات متفرقة بين مجموعات مسلحة مختلفة.
تبقى فرص النجاح قائمة إن أحسن المبعوث استثمار بعض الخصائص
يوافق المحلل السياسي الليبية عصام الزبير، طه الشوماني في رأيه، إذ يؤكد هو الآخر أن “مهمة المبعوث الأممي الجديد صعبة، خاصة أنه تحدث عن انتخابات رئاسية وبرلمانية جامعة، وهو ما تعارضه الكثير من الأطراف الليبية”.
وأشار الزبير في حديثه لنون بوست إلى أن “المبعوث لا يتحرك وفق رؤيته الخاصة وبرنامجه وإنما طبقًا لبرامج ورؤى وأفكار الدول الكبرى المتدخلة في الشأن الليبي، ذلك أنه يجلس مع هذه القوى ويسمع أفكارها وتصوراتها، ومن ثم ينقلها إلى الأطراف الليبية الداخلية”.
يتابع “تتلخص مهمة المبعوث في نقل أفكار القوى الكبرى إلى الأطراف الليبية، وهو ما يصعب مهمته الأساسية التي عُيّن من أجلها في هذا المنصب وهي الدفع بمسار السلام نحو الأمام وإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات”.
فرص النجاح قائمة
مع ذلك، تبقى فرص النجاح قائمة، لكن ذلك يتطلب بعض الشروط وفق عصام الزبير، فعلى المبعوث الأممي أن يكون “مؤثرًا في المشهد الليبي، وأن يُبادر لا أن يترك الكرة عند الأطراف الخارجية، فكل دولة تبحث عن مصالحها، لذلك تتعارض المصالح الوطنية مع المصالح الخارجية”.
على المبعوث الأممي أيضًا وفق الزبير أن “يدرس نقاط ضعف المبعوثين الذين مروا على هذا المنصب قبله، واستخلاص النتائج للوصول إلى توافق بين مختلف الأطراف الداخلية والخارجية التي تمتلك حل الأزمة الليبية”.
ـ المبعوث الأممي الجديد السنغالي عبدالله باثيلي يصل طرابلس في أول زيارة له ..!!!??
الوضع فى ليبيا محتاج شعب يقول كلمته لان ما يحدث فى ليبيا الأن يدل على أن ارض ليبيا صحراء خاوية بلا شعب وهذا ينبئ بكارثة على خيرات ليبيا وسباية نسائها . pic.twitter.com/EzcogViE5f
— karim katsho (@TkaTsho2022) October 14, 2022
وأضاف “لو أراد المبعوث الأممي النجاح لذهب مباشرة إلى تجفيف التدخل الأجنبي ثم الدفع بجلوس المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب للاتفاق بشأن القاعدة الدستورية التي تنظم الانتخابات دون التعرض للدستور”.
“بعد ذلك عليه الدفع نحو انتخابات برلمانية، حتى يحقق ما يريده الليبيون، ثم الذهاب نحو الاستفتاء على الدستور والدخول في الانتخابات الرئاسية بعد إصدار التشريعات التي تحدد شروط الترشح وغيرها من الصفات التي يجب أن تتوافر فيه”.
بالنظر إلى هذه النقاط والمؤشرات على أرض الواقع، نرى أن مهمة المبعوث الأممي الجديد صعبة، مع ذلك يبقى الأمل قائمًا في توصل مختلف الفاعلين في الملف الليبي إلى حل للأزمة المتواصلة في هذا البلد العربي.