ترجمة وتحرير: نون بوست
كان رئيس الكهنة واضحًا بشأن ما يجب فعله في قوله: “أريد أن أمحو المسلمين والإسلام من على وجه الأرض”، بينما كان أتباعه يصغون إليه مبتهجين. ألقى هذا الخطاب الكاهن ياتي نارسينغاناند رئيس معبد داسنا ديفي في ولاية أوتار براديش شمال الهند في تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2019، وتم تصويره ونشر مقاطع له على فيسبوك حازت على أكثر من 32 مليون مشاهدة قبل أن يحذفها فيسبوك.
أوضح هذا الكاهن رؤيته بشكل أكثر وضوحًا في خطاب نُشر على فيسبوك في الشهر نفسه وحصد أكثر من 59 مليون مشاهدة، حيث وعد أتباعه قائلا: “ما دمت على قيد الحياة، سأستخدم الأسلحة. وأقول لكل مسلم، إن الإسلام سيُمحى من البلاد ذات يوم”. ولا يزال من الممكن مشاهدة هذا الخطاب على فيسبوك حتى بعد مرور ثلاث سنوات من نشره، ولم يوضح فيسبوك سبب عدم حذفه عندما سأله موقع “ميدل إيست آي” عن ذلك.
يقول الخبراء إن هذه هي لغة الإبادة الجماعية. في آذار/ مارس 2021، اندلع الجدل في الهند بعد أن دخل صبي مسلم يبلغ من العمر 14 سنة معبد نارسينغاناند لشرب الماء وتعرض لهجوم وحشي من قبل أتباعه. في أعقاب الضجة العامة، ذكرت “ذا لندن ستوري”، وهي منظمة مقرها هولندا تكافح المعلومات المضللة وخطاب الكراهية، أن التفاعلات على صفحات المعجبين بهذا الكاهن قد ارتفعت بشكل حاد.
يمتلك فيسبوك ما يقارب 350 مليون مستخدم في الهند التي تعتبر أكبر سوق للمنصة، كما هو الحال بالنسبة لإنستغرام
لم يبذل معبد نارسينغاناند جهدا لتقديم نفسه على أنه مسالم ومتسامح، ذلك أن الصور العنيفة والشوفينية أساسية لعلامته التجارية، كما هو الحال بالنسبة للكثيرين الذين يشاركونه وجهات نظره. وقد ظهر في صور على فيسبوك في كانون الأول/ ديسمبر 2019 هو وأتباعه يلوحون بالمناجل والسيوف. كما أن أهدافه ليست موضع شك وهي استهداف أكثر من 200 مليون مسلم في الهند.
خطاب الكراهية تجاه المسلمين
أصبح خطاب الكراهية الموجه إلى الأقليات الدينية سمة روتينية للحياة العامة في الهند. من سنة 2009 إلى سنة 2014، سُجلت 19 حالة خطاب عدائي تجاه الأقليات من قبل سياسيين رفيعي المستوى. ولكن منذ سنة 2014، عندما وصل حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا إلى السلطة، وحتى بداية سنة 2022، سُجّلت 348 حالة من هذا القبيل – بزيادة قدرها 1130 في المئة.
ويتحدث بعض خبراء الإبادة الجماعية اليوم عن إبادة جماعية محتملة ضد مسلمي الهند. وفي هذا المقال، سوف نعاين كيف أصبحت “ميتا”، إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم، منصة لخطاب الكراهية الذي يحرض على الإبادة الجماعية عبر الفيسبوك، مع عواقب وخيمة محتملة.
يمتلك فيسبوك ما يقارب 350 مليون مستخدم في الهند التي تعتبر أكبر سوق للمنصة، كما هو الحال بالنسبة لإنستغرام وواتساب، المملوكين أيضًا لشركة ميتا. وقبل انتخابات جمعية كارناتاكا لسنة 2018، على سبيل المثال، أنشأ حزب بهاراتيا جاناتا ما بين 23000 و25000 مجموعة واتساب لنشر الدعاية السياسية.
تقول منظمة “ذا لندن ستوري” إن فيسبوك منبر للتعبئة السياسية والدينية على نطاق لم يسبق له مثيل.
في حديثه مع “ميدل إيست آي”، قال فزيل أحمد الأيوبي، المحامي الذي يعمل في المحكمة العليا الهندية والذي عمل على قضايا رفيعة المستوى تتعلق بالكراهية، عن كيفية قيام منصات التواصل الاجتماعي بتسميم السياسة: “تكلفة الإنترنت رخيصة جدًا، وتكاد تكون مجانية، والهواتف الذكية رخيصة أيضًا. في السابق، كان الضرر الذي يمكن أن يحدثه خطاب الكراهية محدودًا. ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن تصل إلى البلد بأكمله. فيسبوك ليس مجرد وسيلة لخطاب الكراهية، إنه منبر لها”.
ردّت شركة ميتا على هذا النقد بنفي هذه المزاعم وقالت لموقع “ميدل إيست آي”: “نحن لا نتسامح مطلقًا مع خطاب الكراهية على فيسبوك وإنستغرام، ونقوم بازالته عندما نكون على علم به”.
لكن من المفيد دراسة دور فيسبوك في أحداث عنف الهند في شباط/ فبراير 2020، عندما اقتحم حشد الأحياء ذات الأغلبية المسلمة في شمال شرق دلهي وقام بتخريب المساجد والمتاجر والمنازل والسيارات، وقتل 53 شخصًا، 40 منهم من المسلمين، وفقد الكثيرون منازلهم وأعمالهم.
في الأشهر التي سبقت المذبحة، أطلق الكاهن نارسينغاناند سلسلة من الخطابات المعادية للمسلمين على نحو متزايد، والتي ظهر عدد منها على لفيسبوك. وكان الكاهن قد صرح، قبل أقل من شهرين من المذبحة، بأن المسلمين الذين يحتجون ضد قوانين المواطنة التمييزية التي تهدد بحرمان ملايين الأشخاص من حقوقهم “يجب أن يكتشفوا ما سيحدث لهم يوم خروجنا”.
سمعة الكاهن نارسينغاناند السيئة على منصات التواصل الاجتماعي جعلته من المشاهير. وهو أكثر من مجرد داعية للكراهية – فقد حرض صراحة على العنف ضد المسلمين.
لدى فيسبوك سجل مخجل فيما يتعلق باستخدام المنصة ضد الأقليات في البيئات السياسية الحساسة
في كانون الأول/ ديسمبر 2021، في تجمع بمدينة هاريدوار الشمالية، خاطب نارسينغاناند حشدا من الناس قائلا: “طوروا أسلحتكم…… المزيد والمزيد من النسل وأفضل الأسلحة، هذا هو الشيء الوحيد القادر على حمايتكم”. وفي نفس الحدث، أعلن أحد زملائه: “حتى لو أصبح مئة منا جنودًا وقتلوا مليوني شخص منهم، سيكون النصر حليفنا”. شاهد الآلاف لقطات فيديو لهذا الخطاب على فيسبوك قبل حذفها.
اُلقي القبض على نارسينغاناند بتهمة خطاب الكراهية بعد الحدث، قبل إطلاق سراحه بكفالة. لكن موقع فيسبوك استمر في السماح بمشاهدة لقطات من خطبه على منصته.
بعد أعمال العنف في دلهي سنة 2020، خضع فيسبوك للتدقيق. ونظرت لجنة جمعية دلهي للسلام والوئام، التي عينتها الجمعية التشريعية في دلهي لحل المشكلات بين الجماعات الدينية والاجتماعية، في تورط فيسبوك في أعمال العنف. لكن فيسبوك رفض المثول أمام اللجنة، وقال أجيت موهان، رئيس شركة فيسبوك في الهند، إنه لا ينبغي أن تتدخل الجمعية في قضية تتعلق بالقانون والنظام.
كان رد فعل راغاف شادها، رئيس اللجنة، فاترًا واتهم موهان بمحاولة إخفاء الحقائق الحاسمة فيما يتعلق بدور فيسبوك في العنف الطائفي في دلهي في شباط/ فبراير 2020″، واتهم فيسبوك نفسه بالهروب من التدقيق. وفي أيلول/ سبتمبر 2020، وجدت اللجنة للوهلة الأولى أن فيسبوك متواطئ في أعمال الشغب، مشيرة إلى أن الشركة تحمي المحتوى المسيء والكراهية على منصتها.
لدى فيسبوك سجل مخجل فيما يتعلق باستخدام المنصة ضد الأقليات في البيئات السياسية الحساسة. ففي سنة 2017، بدأ ما يقارب مليون مسلم من الروهينغا الفرار من ولاية راخين في ميانمار بعد تعرضهم لحملة من العنف الجماعي والاغتصاب. وفي أواخر سنة 2021، رفع لاجئون من الروهينغا دعوى على فيسبوك مقابل 150 مليار دولار، متهمين إياه بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد خطاب الكراهية. وقد اعترفت الشركة نفسها أنها كانت بطيئة للغاية في منع التضليل والكراهية في ميانمار.
قال متحدث باسم شركة ميتا لموقع “ميدل إيست آي” إن الشركة بذلت جهودًا كبيرة لتحسين الوضع في ميانمار: “ميتا تقف مع المجتمع الدولي وتدعم الجهود المبذولة لتحقيق المساءلة لمرتكبي هذه الجرائم ضد الروهينغا. وعلى مرّ السنين، أنشأنا فريقًا مخصصًا من المتحدثين البورميين، وحظرنا حسابات تاتما داو [القوات المسلحة في ميانمار]، وعطلنا الشبكات التي تحاول التلاعب بالنقاش العام، واستثمرنا في تكنولوجيا اللغة البورمية للمساعدة في الحد من انتشار المحتوى الضار”.
تنبأ غريغوري ستانتون، رئيس منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، بالإبادة الجماعية في رواندا سنة 1994 قبل خمس سنوات من وقوعها. في وقت سابق من هذه السنة، قال ستانتون إن “علامات الإنذار المبكر للإبادة الجماعية موجودة في الهند”. كما سلط الضوء على أوجه التشابه بين الوضع في الهند والمناخ في ميانمار قبل عمليات القتل.
يخشى العديد من المسلمين الهنود على مستقبلهم. وقد كتب الصحفي عاصم علي في نيسان/ أبريل معبرًا عن قلقه من أن الحكومة “تتنازل عن غير قصد عن احتكارها للعنف” إلى “الحراس اليمينيين”، الذين أصبحوا على نحو متزايد “مراكز قوة مستقلة”. ويُظهر التاريخ الهندي أن الديماغوجيين قادرون على إثارة الحشود وإطلاق العنان للعنف تحت أنظار السلطات المحلية والشرطة اليائسة.
البقاء على فيسبوك حتى بعد حظر المحكمة العليا
إن منظمة التطوع الوطنية هي منظمة شبه عسكرية تضم رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ويقدر عدد أعضائها بحوالي 600000. تأسست سنة 1925 على غرار الحركات الفاشية الأوروبية، وهي المؤيد الرئيسي لما يوصف على نطاق واسع بالسياسة الهندوسية أو القومية الهندوسية. وينظر أتباعها إلى المسلمين والمسيحيين في الهند على أنهم أجانب ويرفضون التنوع الديني في البلاد الذي دافع عنه مؤسسو الدولة الهندية الحديثة.
كان فيناياك دامودار سافاركار أحد أوائل منظريها، والذي سأله صحفي أمريكي سنة 1944 قبل استقلال الهند بثلاث سنوات: “كيف تخطط لمعاملة المسلمين؟”، فأجاب: “كأقلية، مثل الزنوج عندكم”.
عندما يتم إنشاء نظريات المؤامرة ضد الأغلبية أو الأمة، لا بد أن تصبح قضايا مثيرة. وتجعلها منصات مثل فيسبوك في كل مكان في البلاد في القرى الصغيرة والمدن الكبيرة. بمجرد أن يتقبل الكثير من المستخدمين هذه الروايات الكاذبة كمؤامرة، تصبح مشكلة خطيرة للنسيج الاجتماعي
أيّد مادهاف ساداشيفراو جولوالكار، وهو مفكر آخر بارز في منظمة التطوع الوطنية، هتلر حيث كتب سنة 1939 أن “تطهير ألمانيا من العرق السامي -اليهود- كان درسًا جيدًا لنا في هندوستان (الهند) لنتعلم ونستفيد منه”. ويُعتبر كل من سافاركار وجولوالكر من الشخصيات الموقرة على نطاق واسع بين متابعي منظمة التطوع الوطنية. وكذلك الحال بالنسبة ناتهورام جودسي، الذي اغتال المهاتما غاندي في كانون الثاني/يناير 1948، والذي كان في وقت من الأوقات عضوًا في منظمة التطوع الوطنية وتلميذا لسافاركار.
أصبحت منظمة التطوع الوطنية اليوم أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى – ويسمح فيسبوك لمنظريها الأكثر تشددًا بنشر أفكارهم بشكل أكبر مما يمكنهم فعله بطرق أخرى. سوريش شافانكه عضو في المنظمة والمدير الإداري لقناة “سودارشان” للأخبار الهندية. وقد تم حظر حلقتين من برنامجه “بينداس بول” على التلفزيون والإنترنت من قبل المحكمة العليا في الهند لاستهدافه المسلمين. لكن يمكن لشافانك أن ينشر رسالته بطريقة أخرى، على فيسبوك. وأقسم في مقطع فيديو على صفحته الرسمية على فيسبوك، حصد أكثر من 200000 مشاهدة قبل حذفه، أمام حشد من الناس: “نتعهد حتى يوم موتنا بجعل هذه الدولة أمة – راشترا – هندوسية. سنقاتل، ونموت وإذا لزم الأمر، سنَقتُل. ولم يحذف فيسبوك الصفحة الرسمية لشافانكه.
في ذروة الجدل حول تعرض مراهق مسلم للضرب في معبد نارسينغاناند، بث معجبو قناة سودارشان الإخبارية مقطع فيديو مباشر على فيسبوك يُظهر دعم تشافانك لنارسينغاناند. وأخبر شافانك الحشد أنه “مع وجود هذا العدد الكبير من الهندوس حولنا، حان الوقت لتحديد استراتيجية الحرب”. ثم يصبح الحدث مروعًا بشكل متزايد، حيث صرخت سيدة وسط الحشد: “أنا مستعدة للتضحية بحياتي وإنهاء الأرواح”. وقدمت سيْفين لتشافانك ونارسينغاناند بينما يهتف الحشد بالموافقة.
بوشبيندرا كولشريستا، صحفي بارز وشخصية إعلامية أخرى في منظمة التطوع الوطنية، ينخرط في خطاب كراهية معاد للمسلمين. وفي وقت النشر، كان لا يزال يمتلك صفحة موثقة على فيسبوك والعديد من صفحات المعجبين. ويستخدم كولشريستا نفوذه لتعزيز نظريات المؤامرة المعادية للمسلمين. يقول في أحد خطاباته التي حصدت أربعة ملايين مشاهدة على فيسبوك: “إن هؤلاء المسلمين الذين تعتبرونهم مجرد مالكي محلات تصليح الإطارات الصغيرة لديهم أجندة عمرها 1000 سنة عندما قرروا إنشاء متاجرهم على الطرق السريعة الوطنية”. في وقت النشر، كان هذا الخطاب، بالإضافة إلى صفحته الموثقة التي تم التحقق منها والعديد من صفحات المعجبين، لا تزال متاحًة على فيسبوك.
في تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، قال محمد رأفت شمشاد، محامي المحكمة العليا الذي عمل على قضايا رفيعة المستوى تتعلق بالمسلمين وخطاب الكراهية: “عندما يتم إنشاء نظريات المؤامرة ضد الأغلبية أو الأمة، لا بد أن تصبح قضايا مثيرة. وتجعلها منصات مثل فيسبوك في كل مكان في البلاد في القرى الصغيرة والمدن الكبيرة. بمجرد أن يتقبل الكثير من المستخدمين هذه الروايات الكاذبة كمؤامرة، تصبح مشكلة خطيرة للنسيج الاجتماعي”.
أوضح شمشاد أن هذا يرجع جزئيًا إلى أن العديد من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي غير قادرين على تمييز ما إذا كان المحتوى صحيحًا أم خاطئًا، “بالنظر إلى الجودة المتدنية للتعليم المتاح لكثير من الناس، فإن الشيء الذي يراه الأشخاص على الإنترنت قد يبدو بالنسبة لهم حقيقة مقدسة”.
يعتمد فيسبوك إلى حد كبير في متابعة المحتوى على الذكاء الاصطناعي، والذي اُعتبر غير فعال من قبل بعض الموظفين السابقين
وهو يعتقد أن تضخيم فيسبوك لنظريات المؤامرة ليس مشكلة صغيرة لأنه “عندما يتم إثارة شغف الشباب من خلال هذه العملية، تتأثر سياسات الدولة بأكملها – وهذا يهيئ الناس لتوحيد بنوك التصويت“.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم إرسال انتقادات شمشاد إلى ميتا ضمن أسئلة أخرى، ولكن لم تقم بالرد.
الضمانات “غير كافية”
إذن لماذا تقوم ميتا، وهي أكبر شركة وسائط اجتماعية في العالم، بإتاحة المنصة لهذا الخطاب؟
يجب التأكيد على أن خطاب الكراهية يتعارض مع قواعد فيسبوك. تعرّفه ميتا على أنه هجوم على الأشخاص بناءً على “الخصائص المحمية”، بما في ذلك العرق والانتماء الديني والطائفة. لا يُسمح بالانخراط في خطاب الكراهية على فيسبوك: “تتطلب حرية التعبير أمن الجسد والحماية من عدم التمييز والخصوصية”، وفقًا لتقرير ميتا العام لحقوق الإنسان الذي نُشر في تموز/يوليو 2022.
جزء من المشكلة هو الفشل المستمر في تحديد الخطاب الإجرامي على المنصة. يعتمد فيسبوك إلى حد كبير في متابعة المحتوى على الذكاء الاصطناعي، والذي اُعتبر غير فعال من قبل بعض الموظفين السابقين. وتحديد خطاب الكراهية عبر مجموعة من اللغات واللهجات الهندية الإقليمية يجعل هذه المهمة أكثر صعوبة.
في أيار/ مايو 2021، أخبرت ميتا لجنة الولايات المتحدة للطاقة والتجارة أن الشركة لديها أكثر من 80 شركة لتقصي الحقائق تابعة لجهات خارجية على مستوى العالم، وتعمل بأكثر من 60 لغة. أخبرت ميتا موقع “ميدل إيست آي” أنه يتم مراجعة المحتوى بـ 20 لغة هندية: “لدينا شبكة من 11 مدققًا للحقائق في البلاد لديهم القدرة على التحقق من المعلومات بـ 15 لغة هندية بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية”.
في سنة 2021، قال فرانسيس هوغن، مدير الإنتاج السابق في فيسبوك الذي أصبح من المبلغين عن المخالفات، إنن موارد الشركة غير كافية عمليًا: خطاب الكراهية – خاصة في اللغات الهندية الإقليمية – لا يرصده الذكاء الاصطناعي في فيسبوك ويمر بشكل منتظم من الرقابة.
قامت ريتامبرا مانوفي، كبيرة الباحثين في مجموعة الأمان والتكنولوجيا والخصوصية الإلكترونية بجامعة جرونينجن، والمدير التنفيذي لـ “ذا لندن ستوري”، بتحليل استخدام فيسبوك للذكاء الاصطناعي للإشراف على المحتوى. ووجدت أن التقنية غير قادرة على اكتشاف المحتوى المبطن في سياقه وبيئته: “معظم ما تمت إزالته عبارة عن ألفاظ نابية ورسائل غير مرغوب فيها”.
قام موقع “ميدل إيست آي” بعرض هذا الادعاء على ميتا، لكنه لم يتلق أي رد
مشكلة الاعتدال أعمق من أي مشاكل تقنية مزعومة. يجعل نموذج الأعمال الخاص بفيسبوك المنصة مواتيةً بطبيعتها لخطاب الكراهية. إنه يعمل على زيادة مشاركة المستخدم، مما يزيد من عائدات الإعلانات. هذا يعني أن خوارزميات فيسبوك تفضل المحتوى الذي يثير التعليقات والإعجابات وردود الفعل الأخرى. غالبًا ما يكون هذا المحتوى مثيرًا للجدل ومثيرًا للفتنة والبغضاء.
لقد عرف موقع فيسبوك منذ فترة طويلة المشكلة: فقد وجد عرض تقديمي داخلي في سنة 2016 أن “64 بالمئة من جميع الجماعات المتطرفة التي انضمت جذبتها أدوات التوصية لدينا”.
في سنة 2018، وجدت فرقة عمل على فيسبوك علاقة بين تعظيم مشاركة المستخدم وزيادة الاستقطاب السياسي. اقترح فريق العمل عدة إجراءات لمعالجة الاستقطاب السياسي، بما في ذلك تغيير خوارزميات التوصية بحيث يتم توجيه مستخدمي فيسبوك نحو مجموعة أكثر تنوعًا. لكنها أقرت أيضًا بأن هذه الاستراتيجية ستضر بنمو فيسبوك. وفي النهاية، لم يتم اعتماد معظم المقترحات.
منذ سنة 2019، يبدو أن فيسبوك قد تعامل مع قضية عدم التمييز بجدية أكبر، مما يضمن عدم ظهور إعلانات معينة لمستخدميه بسبب خلفيتهم العرقية، فضلاً عن مواجهة مزاعم التحيز المناهض للمحافظين في الولايات المتحدة. لكن النقاد يقولون إنه عرغم هذه الإصلاحات، لا تزال خوارزميات فيسبوك تشجع على التعامل مع خطاب الكراهية ونظريات المؤامرة.
طرح موقع “ميدل إيست آي” على ميتا تساؤلًا عما إذا كان فيسبوك يروج لخطاب الكراهية. أشارت الشركة إلى التعليقات التي أدلى بها المؤسس والرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عندما قال إن الحوافز الأخلاقية والتجارية والمنتجات تشير جميعها إلى عكس ذلك. وقال زوكربيرغ: “إن الحجة القائلة إننا نروج عمداً للمحتوى الذي يجعل الناس غاضبين من أجل الربح هي حجة غير منطقية. إننا نجني الأموال من الإعلانات، ويخبرنا المعلنون باستمرار أنهم لا يريدون إعلاناتهم بجانب المحتوى الضار أو الغاضب”.
فيسبوك حظرت مجموعة كراهية معادية للمسلمين تضم قرابة ثلاثة ملايين متابع، لكنها تركت صفحاتها على الإنترنت لعدة أشهر
لكن ميتا كانت في السابق بطيئة في التحرك ضد الإسلاموفوبيا على منصاتها. في سنة 2021، اتصلت مجلة تايم بفيسبوك بخصوص مقطع فيديو دعا فيه واعظ هندوسي لقتل المسلمين. تمت إزالته بعد ذلك – ولكن بحلول ذلك الوقت كان قد حاز بالفعل على 1.4 مليون مشاهدة. وعلى عكس تجربة مانوفي وفريقها، لقد قاموا بمراقبة فيسبوك في الهند، وأبلغوا عن أكثر من 600 صفحة تنشر الكراهية باستمرار تمت إزالة 16 صفحة منها فقط. ولم تستجب ميتا لطلب “ميدل إيست آي” للرد على هذه النتائج.
في مناسبة أخرى، ذكرت تايم أن فيسبوك حظرت مجموعة كراهية معادية للمسلمين تضم قرابة ثلاثة ملايين متابع، لكنها تركت صفحاتها على الإنترنت لعدة أشهر. بعض هؤلاء يصورون المسلمين على أنهم وحوش بأظافر طويلة وأشكال مخيفة.
صرحت ميتا لموقع “ميدل إيست آي”: “بينما نعلم أن لدينا المزيد من العمل الذي يتعين علينا إنجازه، فإننا نحقق تقدمًا حقيقيًا. لقد أزلنا 10 أضعاف خطاب الكراهية على فيسبوك كما فعلنا في سنة 2017، وانخفضت كمية الحديث الذي يحث على الكراهية على خدماتنا بنسبة تزيد عن 50 بالمئة في السنتين الماضيتين”. لكن الوثائق الداخلية المسربة في سنة 2021 أظهرت أن فيسبوك كان يحذف أقل من خمسة بالمئة من خطاب الكراهية المنشور على منصته.
كيف يُسمح بحدوث هذا؟
في أيلول/ سبتمبر 2021، قدم هاوجين دليلًا إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على أن “فيسبوك اختارت عن قصد السماح بالتضليل السياسي بالإضافة إلى المحتوى/المجموعات العنيفة” لحماية مصالحها التجارية. وأوضحت أنه في الواقع كان على الشركة التكيف مع البيئة السياسية في الهند من أجل تعظيم أرباحها.
لطالما أبدى رئيس الوزراء مودي اهتمامًا بفيسبوك والعكس صحيح. استضافه زوكربيرغ في مقر فيسبوك في كاليفورنيا في أيلول/ سبتمبر 2015، وقدم مودي لوالديه وحتى غير صورة ملفه الشخصي لدعم برنامج الهند الرقمي في نيودلهي لزيادة الوصول إلى الإنترنت على الصعيد الوطني.
خلال السنوات القليلة الماضية، تعززت العلاقة بين حزب بهاراتيا جاناتا وميتا. وفي سنة 2020، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” استنتاج فريق الأمان في فيسبوك أن باجرانج دال، وهي جماعة قومية هندوسية، دعمت الهجمات على الأقليات. جاء ذلك في أعقاب حادثة وقعت في حزيران/يونيو من تلك السنة عندما تم اقتحام كنيسة خمسينية بالقرب من نيودلهي ومهاجمت قسها. وأعلنت باجرانغ دال مسؤوليتها في مقطع فيديو حصد ما يقارب 250 ألف مشاهدة على فيسبوك.
لكن ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن فريق الأمن في فيسبوك عارض حظر المجموعة من المنصة، محذرًا من أن الموظفين في الهند قد يواجهون عنفًا من باجرانغ دال إذا حدث ذلك. بينما أعد موقع “ميدل إيست آي” هذا المقال للنشر، ظلت صفحة المجموعة معروضة على فيسبوك. وبشكل ملحوظ، حذر الفريق الأمني أيضًا من أن حظر الجماعة المتشددة قد يضر بأعمال فيسبوك من خلال استفزاز السياسيين في حزب بهاراتيا جاناتا.
سأل موقع “ميدل إيست آي” شركة ميتا عن سبب عدم حظرها لـ باجرانغ دال. ولم يتلق أي رد.
في أيلول/سبتمبر 2020، عقب تقارير في صحيفة “وول ستريت جورنال” ومجلة “تايم” حول خطاب الكراهية على فيسبوك، كتب وزير التقنية والمعلومات الهندي، رافي شانكار براساد، إلى زوكربيرغ انتقد فيها “تواطؤ مجموعة من موظفي فيسبوك مع وسائل إعلام دولية”، واصفاً إياه بـ “غير المقبول” وأن “التحيز السياسي للأفراد يمس بحرية التعبير لملايين الأشخاص”. بدت الرسالة واضحة: لا تتصرفوا ضد مصالح حزب بهاراتيا جاناتا.
بعد أقل من شهر، تم استجواب أجيت موهان، رئيس فيسبوك في الهند، من قبل لجنة برلمانية. خلال الجلسة، انتقد سياسيون معارضون فيسبوك لفشله في إزالة المحتوى التحريضي الذي نشرته حسابات مرتبطة بالحزب.
منذ ذلك الحين، ظهرت أدلة أخرى على العلاقة الوثيقة بين فيسبوك وحزب بهاراتيا جاناتا. في آذار/ مارس 2022، على سبيل المثال، خلص تحليل مشترك أجرته ذي ريبورترس كوليكتيف وآد واتش لـ 536.070 إعلانًا سياسيًا في الهند إلى أنه بين شباط/ فبراير 2019 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2020، فرض فيسبوك على حزب بهاراتيا جاناتا رسومًا أقل للإعلانات الانتخابية مقارنة بالأحزاب السياسية الأخرى. في المتوسط، دفع حزب المؤتمر، أكبر حزب معارض في الهند، ما يقارب 29 في بالمئة لعرض إعلان مليون مرة أكثر مما دفعه حزب بهاراتيا جاناتا.
فيسبوك قد حظر مجموعة واحدة فقط من مجموعات الهندوتفا على مستوى العالم، على عكس مئات الجماعات الإسلامية
وذكر التقرير أيضًا أن فيسبوك سمح للمعلنين البديلين بالترويج لحزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات – بينما حظر تقريبًا جميع المعلنين البديلين لحزب المؤتمر المنافس.
سأل موقع “ميدل إيست آي” شركة ميتا عما إذا كانت تلعب دورًا حزبيًا في السياسة الهندية. وردت ميتا: “نحن نطبق سياساتنا بشكل موحد بغض النظر عن المواقف السياسية لأي شخص أو انتماءاته الحزبية. لا يمكن اتخاذ القرارات بشأن أعمال النزاهة أو تصعيد المحتوى ولا يتم اتخاذها من جانب واحد فقط من قبل شخص واحد؛ بدلاً من ذلك، فهي شاملة لوجهات نظر مختلفة من جميع أنحاء الشركة، وهي عملية ضرورية للتأكد من أننا نأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية والعالمية ونفهمها ونراعيها”.
الهندوتفا ونظريات المؤامرة
أظهر تحقيق أجرته “ذي إنترسبت” السنة الماضية أن فيسبوك قد حظر مجموعة واحدة فقط من مجموعات الهندوتفا على مستوى العالم، على عكس مئات الجماعات الإسلامية. تروج صفحات برو-آر إس إس على فيسبوك بانتظام لنظرية المؤامرة المتزايدة لجهاد الحب، والتي تدعي أن الرجال المسلمين يقومون بإغواء النساء الهندوسيات كجزء من مؤامرة إسلامية.
في سنة 2021، أبلغت تايم عن عرض تقديمي داخلي على فيسبوك أقر بأن خدمة آر إس إس تشارك روايات ترويع وعداء للمسلمين “تستهدف” السكان المؤيدين للهندوس بمحتوى [عنف وتحريض]”. مثل هذا السلوك يتعارض مع قواعد فيسبوك – ولكن لم يتم حظر خدمة آر إس إس من فيسبوك.
وفقًا لمجلة تايم، فإن “فيسبوك” يدرك مى خطورة وانتشار نظرية مؤامرة “جهاد الحب” على منصته، لكنه لم يفعل شيئًا يذكر للتعامل معها، وذلك وفقًا لوثائق فيسبوك داخلية اطلعت عليها مجلة تايم، فضلاً عن مقابلات مع موظفين سابقين. وتشير الوثائق إلى أن “الحساسيات السياسية” هي جزء من سبب اختيار الشركة عدم حظر الجماعات القومية الهندوسية المقربة من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند”.
وفي تصريح لموقع “ميدل إيست آي”، عارضت ميتا اتهامها بأنها تطبق قواعدها بشكل انتقائي، قائلة: “نحن نحظر الأفراد أو الكيانات بعد اتباع عملية دقيقة وصارمة ومتعددة التخصصات. نحن نفرض سياسة المنظمات والأفراد الخطرة على الصعيد العالمي بغض النظر عن الموقف السياسي أو الانتماء الحزبي”.
لكن هذا البيان يتناقض مع تقرير وول ستريت جورنال في أيلول/ سبتمبر 2021؛ والذي زعم أن الشركة تعفي الملايين من مستخدميها البارزين من قواعدها المعتادة من خلال برنامج يُعرف باسم “إكس شيك”؛ حيث يسيء العديد من هؤلاء المستخدمين – بما في ذلك الشخصيات السياسية والإعلامية – “استخدام الامتياز، وينشرون مواد بما في ذلك المضايقات والتحريض على العنف التي من شأنها أن تؤدي عادة إلى فرض عقوبات”؛ حسبما ذكر تقرير وول ستريت جورنال.
وكشفت وول ستريت جورنال أيضًا أن أنخي داس، مدير السياسة العامة في فيسبوك لجنوب ووسط آسيا؛ عارض حظر السياسي تي راجا سينغ من المنصة، على الرغم من أنه وصف المسلمين بالخيانة وهدد بهدم المساجد، وقال داس للموظفين إن تطبيق قواعد خطاب الكراهية على السياسيين المقربين من حزب بهاراتيا جاناتا “سيضر بآفاق أعمال الشركة في البلاد”. وبعد احتجاج؛ حظر فيسبوك سينغ واستقال داس.
وفي عام 2019؛ قام فيسبوك بإجراء تقييم لأثر حقوق الإنسان في الهند، وقد أُجري التقييم من قبل “فولي هوغ إل إل بي”، وهي شركة محاماة مقرها الولايات المتحدة. وفي كانون الأول/ يناير من هذا العام؛ دعت أكثر من 20 منظمة حقوقية ميتا إلى إصدار التقرير الكامل، ولكن لم يتم نشره بعد.
في تموز/ يوليو من هذا العام؛ أصدرت ميتا تقريرها العام الأول لحقوق الإنسان، والذي تضمن ملخصًا قصيرًا عن تقييم الأثر على حقوق الإنسان، وقالت لـ”هيومن رايتس ووتش” إنها “ليس لديها خطط لنشر أي شيء آخر عن تقرير حقوق الإنسان في الهند”.
وردت “هيومن رايتس ووتش” في بيان بأن الملخص “لا يجعلنا أقرب إلى فهم مسؤولية ميتا، وبالتالي التزامها بمعالجة انتشار المحتوى الضار في الهند”.
ووصفت مانوفي من “ذا لندن ستوري” الملخص بأنه “تغطية لخطوط الصدع الحادة في الهند”، والتي أظهرت أن “التزام ميتا بحقوق الإنسان محدود نوعا ما”. وبالمثل، كانت الناشطة المؤيدة للديمقراطية ألفيا زياب غير متأثرة؛ حيث قالت: “لم أقرأ أبدا الكثير من ذلك الهراء الموجود في أربع صفحات قصيرة”.
خطاب الكراهية المتطرف في الهند في عهد مودي أصبح جزءًا من الخطاب السياسي العادي
وقال متحدث باسم ميتا في بيان: “نحن نوازن بين الحاجة إلى نشر هذه التقارير مع مراعاة المخاوف الأمنية المشروعة. وعلى الرغم من أننا لا نتفق مع كل نتيجة؛ إلا أننا نعتقد أن هذه التقارير توجه ميتا لتحديد ومعالجة أبرز المشكلات المتعلقة بالمنصة”.
درسنا تقرير ميتا العام لحقوق الإنسان بعناية؛ حيث قال إن تقييم تأثير حقوق الإنسان وجد أن ميتا قامت “باستثمارات كبيرة في موارد جديدة لكشف وتخفيف الخطاب البغيض والتمييزي”، لكن التقرير العام أشار إلى أن “المخاطر البشرية” يمكن أن تنشأ من قبل مستخدمي فيسبوك في الهند، وأن “ميتا واجهت انتقادات ومخاطر محتملة على السمعة” نتيجة لذلك. ومن اللافت للنظر أن التقرير أشار إلى أن تقرير حقوق الإنسان “لم يقيم” أي “ادعاءات بالتحيز في الاعتدال في المحتوى”، وقال التقرير إنه “في 2020-2022؛ زادت ميتا بشكل كبير من القوى العاملة في مجال الإشراف على المحتوى المرتبط بالهند ودعم اللغة”، بحيث أصبح لديها الآن مراجعين “عبر 21 لغة هندية” (يعترف الدستور بـ 22 لغة، على الرغم من وجود متحدثين بالعديد من اللغات الأخرى).
كل هذا يشير إلى أنه يجب تحديد المزيد من خطاب الكراهية على فيسبوك، ولكنه لا يقول شيئًا عن الفشل في إزالة خطاب الكراهية بمجرد تحديده؛ أو حالات المستخدمين المعفيين من القواعد.
ويقول تقرير ميتا لحقوق الإنسان أيضًا إن الشركة “ستوسع المشاركة في مبادرة المرونة الخاصة بنا، والتي تُمكِّن المجتمعات المحلية من خلال الأدوات الرقمية لمكافحة الكراهية والعنف والصراع”.
ونظرنا إلى مبادرة المرونة؛ حيث يبدو أنها تهدف إلى تثقيف المستخدم حول الانخراط عن غير قصد في خطاب الكراهية، حيث يتساءل دليلها الترويجي لوسائل التواصل الاجتماعي، قائلًا: “هل تعتمد على الصور النمطية الشائعة أو الافتراضات غير الدقيقة؟”، محذرًا من أن هذا “يمكن أن يعزز الحواجز بدلًا من كسرها”.
ويتم تشجيع المستخدمين أيضًا على سؤال أنفسهم: “كيف سيستجيب جمهورك لهذه الرسالة؟”، و”إذا كنت غير متأكد؛ قم باختبارها!”؛ هذا التوجيه – بالطبع – ليس له صلة بأي شخص مصمم على نشر الكراهية تجاه الأقليات. في الواقع؛ يعتمد تأثير أمثال نارسينغاناند على تحدي السياسة.
ويَعِدُ التقرير العام لحقوق الإنسان بتوسيع نطاق “برنامج إعادة توجيه البحث” التابع لشركة ميتا، والذي يقول إنه مبادرة لـ”مكافحة التطرف العنيف” التي توجه مصطلحات البحث المتعلقة بالكراهية والعنف نحو “الموارد والتعليم ومجموعات التوعية التي يمكن أن تساعد”.
وتكمن المشكلة في أن خطاب الكراهية المتطرف في الهند في عهد مودي أصبح جزءًا من الخطاب السياسي العادي، ولهذا لا يمكن لأي من وعود ميتا أن تقترب من وقف الانتشار المتزايد للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية.
أدانت المحكمة تأثير فيسبوك في الهند؛ حيث قالت إن “عمليات الانتخابات والتصويت، وهي أساس الحكومة الديمقراطية، مهددة بالتلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي
وتعتقد هاوجن أنه على الرغم من ادعاءاتها بإجراء تحسينات؛ لا تزال هناك مشاكل خطيرة في سياسات الشركة، وفي حديثها في ندوة عبر الإنترنت استضافتها العديد من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الأمريكية حول التقرير العام لحقوق الإنسان؛ قالت: “يشير تقرير فيسبوك إلى أن لديهم مجلس إشراف يمكن للناس أن يناشدوه، وأنهم شفافون بشأن ما يقومون بنشره، لكن الحقيقة هي أنهم لن يقدموا لنا حتى بيانات أساسية جدًّا حول أنظمة الإشراف على المحتوى الموجودة في أي اللغات ، و(على) أداء تلك الأنظمة”.
وقال متحدث باسم شركة ميتا لـ”ميدل إيست آي”: “نستثمر مليارات الدولارات كل عام في الأشخاص والتكنولوجيا للحفاظ على منصاتنا آمنة. لقد ضاعفنا عدد الأشخاص الذين يعملون في مجال السلامة والأمن أربع مرات – إلى أكثر من 40,000 -، ونحن رواد في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لإزالة المحتوى البغيض على نطاق واسع”.
تهديد للديمقراطية
تخضع ميتا الآن لمزيد من التدقيق في الهند أكثر من أي وقت مضى، فقد أدانت الجمعية التشريعية في دلهي الشركة بعد عمليات القتل في دلهي عام 2020؛ حيث رفض أجيت موهان، رئيس فيسبوك في الهند، المثول أمام الجمعية، وقال انه قدم التماسا إلى المحكمة العليا للطعن في الاستدعاء.
وبخ حكم المحكمة فيسبوك، وذلك في تموز/ يوليو 2021، بعد عام من أعمال الشغب؛ حيث إن الهند لديها “تاريخ ما يُسمى الآن عادة بـ”الوحدة في التنوع””، كما لاحظت أنه “لا يمكن تعطيل هذا بأي ثمن أو تحت أي حرية معلنة من قبل عملاق مثل فيسبوك يدعي الجهل أو عدم وجود أي دور محوري”.
كما أدانت المحكمة تأثير فيسبوك في الهند؛ حيث قالت إن “عمليات الانتخابات والتصويت، وهي أساس الحكومة الديمقراطية، مهددة بالتلاعب في وسائل التواصل الاجتماعي”.
وعندما استجوبت الجمعية التشريعية في دلهي أخيرا شيفناث ثوكرال، مدير السياسة العامة في فيسبوك في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021؛ رفض الإجابة عما إذا كان فيسبوك قد اتخذ إجراء فوريًّا بشأن محتوى الكراهية خلال أعمال العنف في عام 2020؛ متمسكًا بتصريح واحد بأن الاستعلام يتعلق بقضية القانون والنظام، فيما قال رئيس اللجنة له: “من خلال عرقلة أسئلتي، أو من خلال الاحتفاظ بحقك في الرد، فإنك تحبط هدف هذه اللجنة”.
ونقلت “ميدل إيست آي” كلًّا من التصريحات التي أدلت بها المحكمة العليا ورئيس لجنة الجمعية التشريعية في دلهي إلى شركت ميتا، لكنها لم تتلق أي رد.
ويحظر القانون الهندي “الكلمات المنطوقة أو المكتوبة” التي تسبب “مشاعر العداء أو الكراهية أو سوء النية” بين المجتمعات الدينية (وغيرها)؛ لذلك يجادل العديد من الخبراء القانونيين بأن مشكلة خطاب الكراهية ضد المسلمين هي عدم تطبيق القوانين الحالية، وهذا يشير إلى أن ميتا وفيسبوك لن يتغيرا إلا إذا قرر عملاق وسائل التواصل الاجتماعي القيام بذلك بنفسه.
وسألنا فزيل أحمد الأيوبي؛ المحامي بالمحكمة العليا الذي عمل في قضايا تتعلق بخطاب الكراهية؛ عما يجب فعله؛ حيث قال: “مطلبي ليس أن يخضع فيسبوك لمزيد من القوانين، فداخليًّا [يعني داخل ميتا] يجب أن تكون هناك آلية لرعاية هذه القضية. ويجب أن يكون هناك المزيد من الاحتياطات لوقف سوء استخدام الوسيط، مشكلتنا هي حيث نية الفيسبوك المعنية”.
ويعتقد محمد رأفت شمشاد، وهو أيضًا محامٍ في المحكمة العليا؛ أنه “إذا تم تطبيق القانون الحالي بالتساوي؛ فمن المحتمل أن تتحسن الأمور؛ حيث إن التطبيق التمييزي للقانون يمثل مشكلة كبيرة”، ومثل الأيوبي؛ يجادل شمشاد بأن مشكلة فيسبوك هي نيتها وليس اختصاصها؛ حيث قال: “يمكن لفيسبوك إنشاء آلية يمكنهم من خلالها تحديد المجموعات التي تنشر الكراهية ووضع ماسح ضوئي عليها، وإذا شاركت مجموعة أو فردًا في خلق خطاب الكراهية؛ لماذا لا يمكنك حظرها؟”.
ووفقًا له؛ فإن القيام بذلك ليس على قائمة أعلى الأولويات لدى فيسبوك؛ حيث يقول: “إذا كانت الإيرادات المتولدة عالية جدًّا، فقد لا يكون من المهم أن يوقف فيسبوك خطاب الكراهية.
وبعبارة أخرى؛ فإن خطر فيسبوك هو الضرر المحتمل لأعماله إذا قام بمحاولات جادة لإزالة خطاب الكراهية، ولهذا فكل هذا معقد بسبب كيف أصبح خطاب الكراهية الآن جزءًا من المحادثة اليومية في السياسة الهندية. وعلى الرغم من أصولها المستوحاة من الفاشية؛ فقد أصبحت منظمة التطوع الوطنية منتشرة في الهند بقدر ما يمكن أن تكون، وهي تروج لخطاب الكراهية ضد المسلمين والمعلومات المضللة، ولكنها تقوم أيضًا بتعليم ملايين الشباب الهنود في مدارسها؛ ولديها نقابات عمالية خاصة بها؛ وافتتحت مدرسة تدريب للأشخاص الذين يرغبون في الانضمام إلى الجيش، ويعتبرحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم هو جناحها السياسي فعليًّا، فكيف يمكن لـفيسبوك حظره على أنه “منظمة خطيرة” وأن تتوقع تحقيق أقصى قدر من أرباحها في الهند؟.
إذا تصاعدت الكراهية والعنف تجاه المسلمين في الهند خلال الأشهر والسنوات المقبلة؛ فقد يتم إلقاء اللوم على فيسبوك وميتا في تمكين مناخ من الكراهية
وقمنا بسؤال شركة ميتا عن انتقادات الأيوبي وشمشاد، ولكنها لم ترد مباشرة على هذه الانتقادات.
وسألنا شمشاد عن رأيه حول المخاطر التي يواجهها المسلمون الهنود، فهو – بعد كل شيء ح محام هندي مسلم بارز يواجه عواقب تصعيد السياسة المعادية للإسلام، فقال: “هناك احتمال أنه في أعمال شغب متفرقة، قد يًقتل عدد كبير من الناس في مناطق مختلفة من البلاد، فهذا الخطر موجود باستمرار”.
وعندما سألناه: هل يمكن أن تحدث هناك إبادة جماعية؟؛ قال: “الإبادة الجماعية في جميع أنحاء البلاد ليست خطرًا وشيكًا في الوقت الحالي. لكن هذه المنصات [وسائل التواصل الاجتماعي] تساهم في إضعاف المعايير الديمقراطية، فهم يزيدون الكراهية بين المجتمعات. وإذا استمر هذا، فإن الأمور ستزداد سوءًا”.
إذا تصاعدت الكراهية والعنف تجاه المسلمين في الهند خلال الأشهر والسنوات المقبلة؛ فقد يتم إلقاء اللوم على فيسبوك وميتا في تمكين مناخ من الكراهية في بلد له تراث موثق جيدًا من العنف الطائفي المروع.
المصدر: ميدل إيست آي