الصين وأمريكا هما أغنى دولتَين في العالم، فماذا عن الدولة الثالثة؟ ربما تكون دولة أوروبية أو آسيوية، لكن ثالث أغنى دولة ليست كذلك بالفعل، في الواقع ليست دولة من الأساس، بل شركة، ولو كانت دولة لاحتلت المرتبة الثالثة عالميًّا.
وما تسمعه عن شركات مثل تسلا وأمازون وآبل من أرقام فلكية لا يأتي شيئًا أمام شركة أخرى تعادل أصولها ميزانية قارّة بأكملها، فما هي هذه الشركة؟ ولماذا لا يريد قادة العالم أن تعرفَ عن أمرها شيئًا؟ وكيف نواصل منحها المزيد من القوة التي تتيح لها التحكم بنا؟
كيف بنت “بلاك روك” نفوذها؟
بالنظر إلى ضخامة الأموال التي تسيطر عليها “بلاك روك” (BlackRock)، قد تظن أنها تأسّست حتى قبل الولايات المتحدة، لكن المفاجأة أنها شركة حديثة لم يتجاوز عمرها 35 عامًا، تأسست عام 1988، ويقع مقرّها في نيويورك، وتمَّ تأسيسها بواسطة روب كابيتو، وهو رئيس الشركة، ولورانس فينك، أو “لاري فينك”، يهودي الأصل الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة مقابل أجر وصل إلى 36 مليون دولار.
في ذاك العام، شارك فينك في تأسيس مجموعة بلاك ستون (The Blackstone Group) مع الملياردير الشهير ستيف شوارزمان، بدأ الشريكان بقرض بقيمة 5 ملايين دولار، وبحلول عام 1993 أصبحت لديهما أكثر من 20 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة، ومع ذلك قرر الاثنان الفراق، ليؤسّس فينك بعد ذلك شركة “بلاك روك” التي طُرحت للاكتتاب العامّ عام 1999 بمبلغ 75 مليون دولار.
مجموع ما تشرف عليه وتديره شركة “بلاك روك” من أصول يعادل 10 تريليونات دولار، اعتبارًا من 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
في عام 2004، اندمجت “بلاك روك” مع شركة ميريل لينش (Merrill Lynch) التي كانت تشرف على إدارة الثروات في “بنك أوف أمريكا”، ما أضاف 500 مليار أمريكي إلى الشركة، وبرزت بعد أزمة الرهن العقاري عام 2007، وظهر حينذاك مديرها العام لاري فينك في صورة المحامي المدافع عن الرأسمالية الجديدة، ومن هناك بدأت مشوارها التصاعدي لتصبح ما هي عليه الآن.
من الناحية المثالية، يمكن وصف فينك بـ”الرجل الذي أراد أكثر ممّا لديه”، فهو يفهم في مجال المال والأعمال بشكل لا مثيل له، لكن بعد أن صنع لنفسه اسمًا، تكبّد خسارة قدرها 100 مليون دولار أثناء تداولاته في الأسواق المالية، قبل أن يصل إلى المستوى الذي هو عليه اليوم.
بعد تخرّجه في جامعة كاليفورنيا في مجال العلوم السياسية، ودخوله القطاع المالي والاستثماري في “وول ستريت” في سن الـ 23 عامًا فقط، انتهز فينك الفرصة لتعلم خصوصيات وعموميات قطاع المال والأعمال، وفي أقل من عقد أصبح أسطورة في وول ستريت من خلال إطلاق “توريق الديون“؛ أي تحويل أحد الأصول، وخاصة القروض، إلى أوراق مالية قابلة للتداول، وعادة ما تُباع بعد ذلك لمستثمرين آخرين.
قرر فينك الاستفادة من هذا النظام المالي للحصول على جميع القروض الممكنة، بدءًا من قروض الرهن العقاري وصولًا إلى قروض بطاقات الائتمان وبيعها إلى مستثمرين آخرين، وهو ما تسبّب في تحرير كبير للأموال، وكان سببًا رئيسيًّا في الأزمة المالية العالمية عام 2008، فقد ابتكر لاري فينك نظامًا خلفيًّا أدّى إلى انهيار الأسواق المالية.
مع ذلك، قررت وزارة الخزانة الأمريكية توظيف فينك لإعادة ترتيب الفوضى التي تسبّبها، وبحلول ذلك الوقت كانت شركته تعمل بالفعل جنبًا إلى جنب مع حكومة الولايات المتحدة، فقد اختارتها إدارة أوباما للتنظيف بعد الانهيار المالي عام 2008، بشراء ما يُعرف بـ”الأصول السامة” التي لم يُسمح قانونًا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بشرائها.
كان المسؤولون التنفيذيون في شركة “بلاك روك” هم الذين اقترحوا إعادة التعيين الاقتصادي التي دخلت حيّز التنفيذ في مارس/ آذار 2020، عندما تخلّى البنك المركزي عن استقلاله التاريخي، ووافق على ضمّ السياسة النقدية إلى السياسة المالية.
اقترحت “بلاك روك” هذا في عام 2019، لكن جائحة كورونا خلقت فرصة مثالية: حالة طوارئ يمكن من أجلها تعيين “خبير مستقل” من قبل البنك المركزي لتجنُّب الأزمة المالية، وتمَّ تعيين “بلاك روك” كخبير مستقل للمساعدة في استقرار السوق المالية الأمريكية، ما دفع النقاد إلى تسميتها “الذراع الرابعة للحكومة الأمريكية”.
كيف تجني “بلاك روك” أموالها؟
في عام 2010، حصلت “بلاك روك” على لقب المؤسسة المالية الأكثر نفوذًا في العالم، وفي عام 2014 كانت هذه الشركة تدير أصولًا بـ 5 تريليونات دولار، ما جعلها أكبر مدير للأصول في العالم، وعلى سبيل المقارنة كان لدى البنك الصناعي والتجاري الصيني “ICBC”، أكبر بنك في العالم، أصول بقيمة 3 تريليونات دولار فقط في ذلك الوقت.
تقدم الشركة مجموعة متنوعة من الصناديق والمحافظ الاستثمارية التي تستثمَر في أدوات مثل الأسهم وأدوات سوق المال والدخل الثابت، ويتطلع العملاء إلى “بلاك روك” للوصول إلى الصناديق المشتركة، والاستثمارات التي تركز على الأهداف المتعلقة بدخل التقاعد ومدخرات الكلية، والصناديق المتداولة في البورصة.
ما يقارب الـ 60% من إجمالي أصولها الخاضعة للإدارة مخصصة للمستثمرين المؤسّسين، ومعظمها منتجات مرتبطة بأسواق الأوراق المالية، ليكون مجموع ما تشرف عليه وتديره الشركة من أصول يعادل 10 تريليونات دولار، اعتبارًا من 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وما زالت في ارتفاع مستمر، حيث تتوقع الشركة نمو سوق الصناديق المتداولة في البورصة بأكثر من الضعف بحلول نهاية عام 2023، ليبلغ 12 تريليون دولار.
هذا الرقم أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة في العالم باستثناء الولايات المتحدة والصين، وهو رقم يعادل ميزانية قارّة بأكملها، ولو كانت دولة لكانت صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ما يجعلها أغنى شركة على الإطلاق وأكبر شركة لإدارة الاستثمار في جميع أنحاء العالم، ما دعا وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، للتساؤل في جلسة استماع في مارس/ آذار 2021: “إذا فشلت هذه الشركة، فهل من المحتمل أن يكون لذلك تأثير كبير على اقتصادنا؟”.
بصفتها شركة رئيسية مدرجة في البورصة برأسمال سوقي يبلغ حوالي 112.3 مليار دولار، توفّر “بلاك روك” خدمات الاستثمار والتكنولوجيا للعملاء من المؤسسات والأفراد في جميع أنحاء العالم، وتقدم المشورة للبنوك المركزية ووزراء المالية في العالم، ولديها اتصالات مع الكثير من رؤساء الدول، ويُستقبل رئيسها التنفيذي من رؤساء الدول الراغبين في تطوير سياستهم الاقتصادية والاستماع إلى تحليلاته.
تجني “بلاك روك” معظم إيراداتها من الاستشارات الاستثمارية والرسوم الإدارية المفروضة على عملائها الخارجيين، وتستند عادةً إلى النِّسَب المئوية المحددة مسبقًا من الأصول المُدارة، ومعظم عملائها مؤسسات مثل خطط التقاعد العامة والأوقاف والمؤسسات على اختلاف أنواعها، وتعتبر من أكبر بنوك الظل في العالم نظرًا إلى حجمها المذهل وقوتها الهائلة وحقيقة أنها تعمل بالكامل بعيدًا عن أنظار الجمهور.
تتضمن فئة الاستشارات الاستثمارية من أعمال “بلاك روك” الرسوم المتعلقة بحقوق ملكية الشركة والدخل الثابت والبديل متعدد الأصول وخدمات إدارة النقد، ومثلت هذه الفئة في الربع الرابع من السنة المالية 2021، 4 مليارات دولار من الإيرادات، أو حوالي 78% من إجمالي الإيرادات، كان هذا زيادة بنسبة 16.9% مقارنة بالربع المالي نفسه من العام الماضي، بحسب بيانات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.
كما تقدم بلاك روك مجموعة من أنظمة تكنولوجيا إدارة الاستثمار وخدمات إدارة المخاطر وإدارة الثروات وأدوات التوزيع الرقمية، للعديد من عملاء شركات التأمين والبنوك وصناديق التقاعد ومديري الأصل، وشكّلت خدمات التكنولوجيا 339 مليون دولار من الإيرادات للربع الرابع من العام المالي 2021، أو حوالي 7% من الإجمالي.
إذا كنت تملك حسابًا مصرفيًّا أو تتعامل مع أي مؤسسة مالية كيفما كانت، فإن أموالك تشق طريقها بالتأكيد نحو بلاك روك بطريقة أو بأخرى.
تفرض بلاك روك رسومًا مرتبطة بتوزيع وخدمة منتجاتها المختلفة، بالإضافة إلى خدمات الدعم المتعلقة بالمحافظ الاستثمارية، في الربع الرابع من السنة المالية 2021 شكَّلت هذه الفئة 411 مليون دولار من الإيرادات، أو حوالي 8% من إجمالي الإيرادات لهذا العام، ارتفع هذا بنسبة 30.9% مقارنة بالربع الرابع من العام المالي 2020.
في مارس/ آذار 2022، قالت “بلاك روك” إنها أوقفت مشترياتها من جميع الأوراق المالية الروسية في كل من الصناديق النشطة والمؤشرات وسط الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا، وتشكّل الأوراق المالية الروسية أقل من 0.01٪ من أصول عملاء الشركة.
وبحلول عام 2010، أصبحت البرامج الإلكترونية مصدر دخل حيوي لـ “بلاك روك”، فقد شهدت وحدة التكنولوجيا التابعة لها، التي أصبح برنامج يُدعى “علاء الدين” أو “Aladdin” محورها الرئيسي، نموًّا سنويًّا مركّبًا نسبته 12% على مدار السنوات الخمس الماضية، ولا تزال تمثل هذه الميزة التكنولوجية 5% فقط من إجمالي إيرادات “بلاك روك”، لكن لاري فينك يطمح في أن تشهد الوحدة نموًّا نسبته 30% بحلول نهاية عام 2022، بحسب تقرير لـ”بزنس ويك“.
كيف تدير بلاك روك العالم سرًّا؟
بالبحث عمّا تملكه هذه الشركة من أصول وشركات حول العالم، نجدُ أنها في الحقيقة تملك معظم العالم، وهي من كبار المساهمين في أفضل الشركات حول العالم في قطاعات مثل الطيران والنفط وشركات التعدين ومصانع الصلب وشركات بطاقات الائتمان والتأمين، وأيضًا الطاقة المتجددة والتبغ ومواقع التجارة الإلكترونية وعمالقة السيارات ومصنّعي الأسلحة، ولها شركات كبرى في جميع أنحاء العالم.
تسيطر “بلاك روك” أيضًا بشكل كامل على سوق الأدوية في الولايات المتحدة، فقد استحوذ المستثمرون فيها على غالبية الأسهم في أكبر 3 شركات أدوية: فايزر وجونسون أن جونسون وميرك، وتجني كل عام مليارات الدولارات من استثماراتها الصيدلانية، وهذا ما يفسّر سبب أسعار الأدوية الآخذة بالارتفاع.
تملك “بلاك روك” شركات كثيرة، هذه الشركات تملك بدورها أكبر حصة في الأسهم في الشركات العملاقة مثل تسلا وماكدونالدز وكوكاكولا وبيبسي وأيرباص وبوينغ، وتعتبر من المشاركين في حركة الدمار المستعرة في الكثير من دول العالم من خلال تجارة الأسلحة.
ببساطة، توصف “بلاك روك” بأنها الشركة التي تدير العالم سرًّا بعيدًا عن أعين الصحافة والإعلام، فهي تملك حصصًا في كل شيء تقريبًا، على سبيل المثال تعتبَر من كبار المساهمين في كل من آبل وفيسبوك ومايكروسوفت وأمازون، وفي العديد من البنوك حول العالم مثل دويتشه بنك (Deutsche Bank) الذي تستحوذ على قرابة 5% من أسهمه.
لذلك إذا كنت تملك حسابًا مصرفيًّا أو تتعامل مع أي مؤسسة مالية كيفما كانت، فإن أموالك تشق طريقها بالتأكيد نحو “بلاك روك” بطريقة أو بأخرى، على سبيل المثال إذا كنت تعمل في وظيفة معينة، وخصصت جزءًا من راتبك لصندوق تقاعدك، فإن صندوق التقاعد الخاص بك يأخذ الأموال من أجل استثمارها في قطاعات أخرى لتحقيق الأرباح، وتستثمر شركات التأمين هي الأخرى أموالها في “بلاك روك”.
ليس هناك شك في أن هؤلاء الرجال موجودون في كل مكان، ومن الممكن أن نقول إنهم يحكمون العالم، وفي ظل امتلاكهم للعديد من الشراكات في مجالات الطاقة والنفط والغذاء والنقل والتمويل، هناك العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها حول هذه الشركة، لكن هناك شيء واحد يجب الإشارة إليه، وهو أن الشركة تتبع نهج التحكم من كلا الجانبَين.
في الواقع، تمكّنت “بلاك روك” ومجموعة “فانغارد”، التي يبلغ إجمالي أصولها 8 تريليونات دولار، طيلة العقود الماضية من إقناع العالم بأن كليهما يحفظانه بينما يدمّرانه في الوقت نفسه، على سبيل المثال لنلقي نظرة على شركتَي كوكاكولا وبيبسي، وهما من أكبر شركات المشروبات الغازية في العالم، وتتصارعان لتحديد من هو الأفضل منذ فترة طويلة.
هذه الميزات التكنولوجيا والتكتلات الإعلامية التي تسيطر عليها لا تسمح لشركة بلاك روك بالبقاء بعيدًا عن الأنظار فحسب، وإنما تسمح لها أيضًا بالتحكم في نوعية الأخبار.
وعادة ما يكون من الخطأ أن يكون كبار المستثمرين من كبار المساهمين في كلتا الشركتَين، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة إلى شركة “بلاك روك”، فهذه الشركة لا تلتزم بالقواعد، فهي تمتلك، إلى جانب فانغارد، ما يقرب من ثلث الأسهم في كل من كوكاكولا ومنافستها الأساسية بيبسي على حد سواء، وهما أيضًا أكبر المستثمرين في شركتَي الطيران المتنافستَين بوينغ وإيرباص، وهذا يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه الشركات متنافسة حقًّا.
السبب وراء عدم وجود تضارب في المصالح هو أن “بلاك روك” تعمل بما يعرَف بـ”الملكية الدائرية”، حيث تمتلك قدرًا كبيرًا من الأسهم في شركات الأخرى، وتملك هذه الشركات أيضًا أسهمًا في شركة “بلاك روك”.
على سبيل المثال، تعدّ “بلاك روك” المساهم الرئيسي في مجموعة “فانغارد” بفضل حيازتها على 3.451% من أسهم الأخيرة، في حين تعدّ “فانغارد” مساهِمة رئيسية في “بلاك روك” من خلال حيازتها 8% من أسهم الأخيرة، هذا يجعل من الصعب والمربك معرفة مَنْ يملك مَنْ، ومع ذلك ينبغي الإشارة إلى أن هذه الطريقة التي تمكّنت بها “بلاك روك” من التحكم في العديد من العلامات التجارية دون تضارب في المصالح.
الشركة اللغز.. لماذا لم نسمع عنها من قبل؟
رغم سيطرة الكثير من المؤسسات المالية والبنوك، مثل “جي بي مورغان” و”سيتي غروب” و”ولز فارغو”، على أموال أقل، إلا أنها تشغل حيزًا من الأخبار يتجاوز بكثير بلاك روك التي لم يسمع عنها الكثير، ويعود ذلك في جزء منه إلى امتلاكها استثمارات ضخمة في المؤسسات الإعلامية الكبرى التي يُفترض أن تبلغك بأسرارها، فهي تمتلك -مع مجموعة “فانغارد”- ما بين 10% و18% من التكتلات الإعلامية الدولية التي تمتلك منافذ إعلامية عديدة تعمل تحتها، مثل “سي إن إن” و”نيويورك تايمز” و”سي بي إس” و”فوكس نيوز” و”إن بي سي”.
كما تمتلك حصصًا كبيرة في مجموعات مثل “كامكاست سكاي” و”غراهام ميديا غروب” التي تمتلك مجلتَي “سلايت” و”فورين بوليسي”، وتملك أيضًا أسهمًا في الشبكات الاجتماعية الكبرى مثل فيسبوك وتويتر وسناب شات.
إضافة إلى، ديزني وتايم وارنر وكومكاست ونيوز كورب، مع العلم أن هذه الشركات الأربع تعتبر من ضمن الشركات الستة الكبرى التي تهيمن على نحو 90% من قطاع الإعلام في الولايات المتحدة، وبالتالي يتيح هذا النفوذ لهذه الشركة نقل أي رسالة في العالم في أي وقت تريده.
هذه الشركات الإعلامية عبارة عن تكتلات دولية تمتلك العديد من المنافذ الإعلامية تحتها، على سبيل المثال تمتلك ديزني شبكة “إيه بي سي”، وموقع استطلاع الرأي الشهير “ثيرتي فايف إيت”، بالإضافة إلى ذلك تمتلك شركة غانيت للخدمات الإعلامية أكثر من 250 صحيفة، وتمتلك “بلاك روك” حصة كبيرة في سينكلار برودكاست غروب التي تسيطر بدورها على 72% من القنوات المحلية في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تتمثل الطريقة التي تمتلكك بها “بلاك روك” في حيازتها لبرنامج “علاء الدين”، الذي يدير شبكة تتألّف من 5 آلاف حاسوب، ويسمح لها بتحليل ملايين الصفقات في محافظ عملائها على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع، ما يسمح لها باتخاذ أفضل القرارات أثناء التداول، بما في ذلك تأثير الانهيارات الشبيهة بأزمة عام 2008 على حيازات العميل اليومية.
ينتشر برنامج “علاء الدين” على نطاق واسع لدرجة أنه أصبح الجهاز العصبي المركزي لكل مؤسسة مالية تتواجد تحت مظلة “بلاك روك”، ومن بين مستخدمي هذا النظام صناديق التقاعد وشركات التأمين، لكن لكي تستفيد هذه المؤسسات من البرنامج تحتاج لمنح “بلاك روك” إمكانية الوصول الكامل لبيانات عملائها، بما في ذلك نحن، وبالتأكيد تحلل “بلاك روك” هذه البيانات لهندسة أسعار السلع والخدمات، ويتعين علينا قبول هذه الأسعار كيفما كانت، لأنه لا خيار أمامنا.
في مقال بصحيفة “ذي أتلانتيك“، ذكرت آني لوري، مؤلفة كتاب “Give People Money”، أنه يتم الآن استثمار حوالي 11 تريليون دولار في صناديق المؤشرات (صناديق استثمارية مفتوحة)، بارتفاع بقيمة 2 تريليون دولار قبل عقد من الزمن، واعتبارًا من عام 2019 يتم استثمار المزيد من الأموال في الصناديق السلبية مقارنة بالصناديق النشطة في الولايات المتحدة، وقد أدّى ذلك إلى نقل البلاد نحو نوع خاص من الأوليغارشية المالية، ما أدّى إلى انخفاض المنافسة لأن مديري الأصول الضخمة يسيطرون على حصص كبيرة في العديد من المنافسين في الصناعة نفسها، كما هو الحال في وسائل الإعلام.
هذه الميزات التكنولوجيا والتكتلات الإعلامية التي تسيطر عليها لا تسمح لشركة “بلاك روك” بالبقاء بعيدًا عن الأنظار فحسب، وإنما تسمح لها أيضًا بالتحكم في نوعية الأخبار، ومن غير المستغرَب أن يظل الشخص الذي يلفّ يده حول العديد من المنابر الإعلامية التي نشاهدها كل يوم بعيدًا عن أنظار الجميع.
في النهاية، يبقى نشاط “بلاك روك” السلبي بعيدًا عن المراقبة والانتقادات رغم حجمها الخيالي، ويصعب إيقاف أنشطتها، فهي لها حضور عالمي في أكثر من 100 دولة، وتثير أنشطتها فيها الجدل كما في الولايات المتحدة، وتدخل في صداقة مع حكومة البلد ليكون لها اليد العليا في المنافسة والتمدد في مختلف الأسواق والقطاعات.