فور استلامه للسلطة في مايو/ أيار الماضي، تعهّد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بتطهير البلاد من حركة الشباب المتطرفة التي تُعدّ الفرع الأقوى في تنظيم القاعدة، والمهدّد الأول لأمن الصومال ومنطقة شرق أفريقيا ككُلّ، وبالفعل هاجم الجيش الحكومي، مدعومًا بميليشيات عشائرية تُعرف باسم “معاويسلي”، مواقع الحركة في محافظة هيران جنوب وسط الصومال، وبدعم كذلك من الحكومة الفيدرالية الصومالية الجديدة، حيث هاجمت الميليشيات المحلية مواقع مقاتلي التنظيم في محافظة جلجدود وسط البلاد، ومحافظة باي في الجنوب.
في هيران وسط الصومال، قُتل 200 مسلح من حركة الشباب خلال العملية العسكرية للجيش، وفق ما أعلنت “وكالة الأنباء الصومالية الرسمية”، حيث أفادت نقلًا عن مصادر أمنية بأن “وحدات من الجيش، بالتعاون مع العشائر المسلحة، شنّت هجومًا مباغتًا على عناصر من مقاتلي الشباب قرب بلدة جعيبو في الإقليم”.
أضافت الوكالة أن “العملية العسكرية جاءت بعدما تلقّت وحدات من الجيش معلومات بشأن تسلُّل عناصر من الشباب إلى البلدة، ما أدّى إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين عناصر الحركة وأفراد الجيش”، موضّحة أن “المواجهات استمرت أكثر من 10 ساعات، تمكّن خلالها الجيش بالتعاون مع العشائر المسلحة خلال المواجهات من تصفية الخلية الإرهابية وتحييد 200 من عناصرها”.
كذلك يخوض الجيش الصومالي والعشائر المتحالفة معه معارك واسعة ضد حركة الشباب في أقاليم هيرشبيلي وغلمدغ وجنوب الغرب، ويخطط الجيش لتوسيع العمليات لتشمل إقليم جوبالاند، خاصةً جوبا الوسطى، الذي يقع تحت سيطرة الحركة.
صُنّفت العملية العسكرية التي شنتها القوات الحكومية الصومالية أخيرًا -مدعومة بمقاتلي العشائر وضربات الطيران المسيّر الأمريكي- على أنها الحرب الأشمل والأقوى ضد حركة الشباب المجاهدين، ما أعاد إلى أذهان المراقبين تعبير الرئيس حسن شيخ محمود، “حرب شاملة” توعّد بشنها على حركة الشباب، التي وصفها بالعدو الأول للبلاد.
ولكن هل سينجح الرئيس شيخ محمود في القضاء على حركة الشباب أو تقليص نفوذها على الأقل كما تعهّد؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا التقرير.
تغلغُل حركة الشباب
في واقع الأمر، إن مسلحي الشباب ما زالوا يسيطرون على نحو 20% من أرجاء الصومال، خاصة المناطق الريفية في الجنوب والغرب، إذ تتغلغل الحركة تمامًا في مناحي الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية هناك، وتفرض رسوم مرور على سيارات النقل والمسافرين من خلال الحواجز العسكرية التي تقيمها على الطرق الرئيسية، التي تستخدم لنقل البضائع والمنتجات الزراعية ما بين الريف ومدن الجنوب.
كما تجمع الحركة الضرائب من كل مناطق الجنوب، حيث تحصّلت على 288 مليون دولار، وفق مركز هيرال للدراسات الأمنية، وتفيد تقارير ميدانية بأن العديد من الصوماليين أصبحوا يلجأون إلى محاكم حركة الشباب في فضّ النزاعات، لتجنُّب الإجراءات البيروقراطية الطويلة.
التحدي الآخر لا يهدد التنظيم المتطرف الصومال فحسب، ففي يوليو/ تموز الماضي تمكّنت حركة الشباب المجاهدين الصومالية من اختراق إقليم الصومال الإثيوبي “أوغادين” الذي يقع تحت سيطرة إثيوبيا حاليًّا، حيث مثّل الهجوم تطورًا خطيرًا للأوضاع في المنطقة لا تقف حدوده عند إثيوبيا، بل يتعداها لدول الجوار مثل كينيا والسودان.
كان البعض يرى أن الرئيس شيخ محمود قد يختار المسار السلمي “لترويض” الحركة وقادتها.
ورغم إعلان الجيش الإثيوبي أنه كبّد الحركة خسائر فادحة في الأرواح والمعدّات، وقتلَ ما يزيد عن الـ 100 من عناصرها وأسر 70 آخرين ودمّر آلياتها العسكرية، إلا أن هجمات حركة شباب المجاهدين الصومالية حملت العديد من المؤشرات، من بينها بداية تنفيذ استراتيجية التوسع على الأرض والانتقال من المحلية إلى مربع تأسيس منظومة عسكرية لها امتدادات إقليمية وخارجية، تهدف إلى بناء تشكيلات مسلحة (فروع) في كل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا.
ولذلك عندما زحفت الشباب الصومالية باتجاه الإقليم الصومالي في إثيوبيا لم يكن هدفها الأول تعويض خسائرها في الصومال كما قيل، بل كان الهدف الأرجح هو تنفيذ استراتيجية القاعدة وخططها نحو التوسع في إثيوبيا المجاورة التي تعاني من إنهاك جيشها بفعل الحرب المستمرة منذ عامَين في الشمال، إلى جانب الصراعات الإثنية وانتشار السلاح.
الهجوم الكبير الذي شنّه مسلحو الحركة على إثيوبيا وصفه دبلوماسيون أجانب بأنه غيّر قواعد اللعبة، حيث استغرق التخطيط له ما لا يقلّ عن 18 شهرًا وشارك فيه ما يقدَّر بنحو 1200 مقاتل، وقال قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا آنذاك، الجنرال ستيفن تاونسند، إن المسلحين توغّلوا داخل إثيوبيا لمسافة 150 كيلومترًا.
استراتيجية الرئيس الصومالي
كان البعض يرى أن الرئيس شيخ محمود قد يختار المسار السلمي “لترويض” الحركة وقادتها، وزاد هذا الاحتمال ترجيحًا قيام رئيس الوزراء الصومالي بتعيين القيادي السابق في حركة الشباب، الشيخ مختار روبو أبو منصور، وزيرًا للأوقاف والشؤون الدينية.
وقتها رأى محللون للشأن الصومالي أن أسباب تعيين أبو منصور وزيرًا، تدور حول إمكانية أن يضرب الرجل الجذور العقائدية والفكرية لحركة الشباب وأيديولوجيتها، وأن يساهم في الحملة العسكرية الحكومية لإنهاء حركة الشباب أو إضعافها، باعتباره من منظّريها السابقين والمؤسسين الكبار.
لكنّ الحركة ردّت على تعيين أبو منصور بتكثيف هجماتها على المسؤولين الحكوميين وقادة العشائر وحتى المنشآت المدنية، خلال شهرَي أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيَين، ما دفع الرئيس شيخ محمود إلى اتخاذ قرار مواجهتها عسكريًّا، شجّعه على ذلك انفتاح العالم نحو حكومته، فقد حظيت مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي باهتمام واسع، إذ أجرى مباحثات مع وزيرَي الخارجية والدفاع الأمريكيَّين، كما دُعي إلى حضور حفل الاستقبال السنوي الذي يقيمه الرئيس الأمريكي لزعماء العالم المشاركين في أعمال الجمعية العامة.
كيف تسير العملية العسكرية الحالية؟
يعتقد الباحث في العلوم السياسية، عبد العزيز جوليد، أن الحرب الحالية ضد حركة الشباب تختلف عن سابقاتها بشكل كبير جدًّا في عدة نقاط، منها وجود استراتيجية وخطة واضحة للحكومة الحالية، حيث إن نهج الجيش والإدارة العسكرية في العمليات الحالية يعتمد على تحرير الأرض، وإيصال الخدمات الحكومية لسكان المنطقة المحررة، وعدم مغادرة قطاعات الجيش للمنطقة.
وأضاف: “في السابق كانت القوات الحكومية تغادر بعد أشهر من المناطق المحررة، لتسقط مرة أخرى بيد حركة الشباب، لكن ما نلحظه هو نهج مختلف هذه المرة، حيث تنوي الحكومة إبقاء الأمن والجيش بشكل دائم”، مشيرًا إلى أنه تمَّ تحرير أكثر من 40 منطقة وقرية في غضون أشهر قليلة شمال ووسط البلاد، موضّحًا أن هذه المناطق تعتبر البوابة الشمالية للعاصمة، حيث تنطلق منها هجمات الحركة على العاصمة، وتحريرها سيشكّل ضربةً قاسيةً للتنظيم.
ويعتقد مراقبون للعملية العسكرية أن مشاركة الميليشيات القَبَلية والمقاتلين العشائريين في العمليات الحالية ضد حركة الشباب، عززت القوات الحكومية، نظرًا إلى ما تمتلكه قوات العشائر من خبرات ميدانية واسعة في قتال الحركة، حيث كان لهذه القوات الفضل في إنزال كبريات الهزائم بالحركة في مناطق واسعة، في جنوب ووسط البلاد.
تعهُّد الرئيس الصومالي بالقضاء على حركة الشباب وإطلاقه للعملية العسكرية يضع البلاد أمام تحدٍّ خطير، رغم الانتصارات التي حققها الجيش والعشائر المتحالفة معه.
جاءت المشاركة الواسعة للعشائر في القتال ضدّ الحركة بعد الاغتيالات التي طالت شخصيات عشائرية رفيعة المستوى، إلى جانب عمليات النهب والتخريب والتفجيرات الإرهابية التي عانت منها قرى ومناطق وسط الصومال، التي تشهد موجة جفاف شديدة، وزاد غضب العشائر تجاه الحركة بعد استهدافها للقوافل الإغاثية.
كذلك لعبت غارات الطيران الأمريكي المسيّر على مواقع التنظيم دورًا كبيرًا في تحييد مقاتلي الحركة واستهداف قياداتها، إلى جانب تقديم القوات الأمريكية معلومات استخباراتية للجانب الصومالي، إذ نفّذ الجيش الصومالي قبل أيام عملية عسكرية في ضاحية مدينة جنالي بولاية جنوب الغرب الإقليمية، أدّت إلى مقتل قيادي بارز في حركة الشباب يُدعى محمد نور شري، إلى جانب 13 عنصرًا إرهابيًّا.
أخيرًا، يمكن القول إن الحرب الشاملة التي أطلقها الرئيس الصومالي المنتخَب، حسن شيخ محمود، بهدف القضاء على حركة الشباب أو إضعافها وتقليص نفوذها “على الأقل”، ليست حربًا سهلة على الإطلاق بسبب التكتيكات التي يتّبعها التنظيم مثل حرب العصابات والتفجيرات الإرهابية وأسلوب الخلايا النائمة، رغم أن عدد مقاتلي الحركة لا يتجاوز 5 إلى 7 آلاف شخص فقط مقابل 20 ألف جندي يخدمون في الجيش الصومالي، هذا بخلاف مقاتلي العشائر المتحالفين مع الجيش النظامي.
كما أن تعهُّد الرئيس الصومالي بالقضاء على حركة الشباب وإطلاقه للعملية العسكرية يضع البلاد أمام تحدٍّ خطير رغم الانتصارات التي حققها الجيش والعشائر المتحالفة معه، فتحقيق الهدف النهائي يتطلب تكاتف كل الجهود المحلية والإقليمية والدولية للقضاء على العدو الأول للشعب الصومالي، كما وصفها الرئيس حسن شيخ محمود.