شارك آلاف السوريين خلال اليومَين الماضيَين في مظاهرات حاشدة شهدتها كبرى المدن في منطقة “درع الفرات”، احتجاجًا على دخول هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) إلى مناطقهم وسيطرتها على مدينة عفرين، فيما أعلن قياديون في المعارضة المسلحة وناشطون أنْ “لا للتعايش” مع هيئة تحرير الشام، وسط دعوات مستمرة للخروج في مظاهرات في عموم المدن والبلدات في المناطق المحررة وتحديدًا في شمالي وشرقي حلب.
وقال نشطاء إن مدن وبلدات أعزاز، الباب، قباسين، مارع، جرابلس، صوران، أخترين، سجو، الغندورة وكلجبرين، بريف حلب الشمالي والشرقي، شهدت خلال اليومَين الماضيَين مظاهرات حاشدة وقطعًا للطرقات، رفضًا لمرور رتل عسكري يتبع لهيئة تحرير الشام صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، كما أشعلوا الإطارات رفضًا لمرور رتل عسكري استعراضي للهيئة، ما اعتبره الأهالي “استفزازًا لهم”.
من جهته، قال الناشط الإعلامي عبد القادر محمد، وهو أحد أبناء مدينة أعزاز شمالي حلب ومشارك في المظاهرات، إن ما يدور في مدن وبلدات شمال حلب هو ثورة شعب رافضة بشكل قطعي تدخل تحرير الشام في المنطقة، فتحرير الشام في منظور أهالي المنطقة هي شقّ من تنظيم “داعش”.
وأضاف محمد أن أهالي مدينة أعزاز والراعي وأخترين وباقي المناطق من صغيرهم حتى كبيرهم تجمهروا في ساحات المدينة، وعلى مداخل مدنهم وبلداتهم، ومنهم من ناموا على الطرقات تعبيرًا عن رفضهم لأي تدخل لتحرير الشام في المنطقة، على حدّ وصفه.
وتأتي الاحتجاجات آنفة الذكر بعد توترات أمنية واقتتال شهدته المنطقة بقي مستمرًّا لـ 5 أيام، وانتهى باتفاق حمل عدة بنود للتهدئة، إلا أن بند مرور الرتل العسكري لتحرير الشام لم يكن ضمن الاتفاق.
وأدّت الاشتباكات التي بدأت منذ مساء 10 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي حتى الاتفاق في 15 من الشهر نفسه، إلى أضرار لحقت بسكان مناطق ريفَي حلب الشمالي والشرقي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي والصحفي أحمد مظهر سعدو أن أهالي الشمال السوري لا يريدون الهيمنة عليهم من قبل هيئة تحرير الشام، ويتخوفون من احتمالات ضمّ مناطقهم إلى حكومة الإنقاذ، منوّهًا أن استمرار المظاهرات الشعبية في شمال حلب يؤكد أنه لا إمكانية أبدًا لتحمُّل السيطرة على المدن والبلدات، حتى لو جرى التوقيع على الصفقات مع الفصائل الأخرى.
واعتبر سعدو أن المظاهرات في شمال حلب يمكن أن تمنع مسلحي تحرير الشام من دخول المدن، إذا لم توافق فصائل الشمال على ذلك، وإن تمَّ عكس ذلك فللأسف لا يمكن للأهالي منع العسكر من الوصول إلى البلدات وتقاسم النفوذ بين الفصائل، كما أشار إلى أن السكان في شمال سوريا من حقهم أن يعبّروا عن رفضهم وتأييدهم لأي فكرة، فهو نابع عن وعي مدني ديمقراطي اكتسبوه من سنوات الثورة السورية.
وأكّد المحلل السياسي سعدو أن سكان ريف حلب الشمالي يرفضون فكر تحرير الشام، لأنهم يرون أنه ينتمي إلى فكر تنظيم القاعدة بشكل من الأشكال، وهو الأكثر تشددًا والأكثر قمعًا، بينما يجدون في الجيش الوطني أنه الاكثر انفتاحًا مدنيًّا.
إلى ذلك، قال العميد الركن المنشق، أحمد رحال، وهو أحد رموز المعارضة السورية، إن ما يدور في الشمال السوري من مظاهرات رافضة لتحرير الشام هو “شيء طبيعي”، لأن الشعب السوري يرفض كافة أنواع التطرف وخاصةً في شمال حلب، فالشعب السوري بشكل عام هو شعب “وسطي” ويكره فكرة التشدد الإسلامي.
وأضاف أن الجرائم التي ارتكبتها هيئة تحرير الشام هي مشابهة للجرائم التي نفّذها تنظيم “داعش” مسبقًا، وأكبر دليل على ذلك أن سيناريو دخلوهم المناطق في شمال حلب يشبه إلى حدٍّ كبير سيناريو دخول “داعش” إلى أرياف حلب، حينما أقدم التنظيم على حرق دائرة السجلّ المدني في مدينة الباب.
واسترسل رحال قائلًا: “إن تحرير الشام هي نابعة في الحقيقة من جبهة النصرة، وأبو محمد الجولاني الذي يتزعّم التنظيم كان أحد أعضاء تنظيم “داعش” مسبقًا، فـ”تغيير الأفعى لجلدها لا يفقدها سمّها القاتل”، وهذا هو الشيء الأهم الذي يرفضه سكان ريف حلب”.
وفي ردّه على سؤال وُجّه له، تضمّن: “هل ستجدي نفعًا المظاهرات في شمال حلب؟”، أجاب رحال: “بالتأكيد ستجدي نفعًا، فمشروع تحرير الشام لن يتم تطبيقه على مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، فأهالي تلك المنطقتين لا يمكن أن يتعايشوا مع تحرير الشام بشكل مطلق”.
ورأى رحال أن الحل الوحيد في شمال سوريا هو بناء مؤسسات جديدة، وإعادة هيكلة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة القضاء، وبناء مؤسسات حقيقية للنهوض بدولة عادلة تحقق ما يريده الشعب السوري الثائر.
اتفاق غير راضٍ عنه
توصلت هيئة تحرير الشام، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى اتفاق يحمل 10 بنود مع الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني السوري ينهي القتال الدائر في منطقة عفرين، ونصَّ الاتفاق على وقف إطلاق نار شامل وإنهاء الخلاف الحاصل بين الطرفَين، بالإضافة إلى إطلاق سراح الموقوفين في الأحداث الأخيرة من جميع الأطراف.
وتضمّن الاتفاق أيضًا استعادة قوات الفيلق الثالث مقرّاته وثكناته، وإنهاء الاستنفار العسكري الحاصل من جانب هيئة تحرير الشام، ونصَّ أيضًا على عدم التعرض لمقرّات وسلاح وعتاد وممتلكات الفيلق الثالث وعناصره، كما يتركّز نشاط الفيلق الثالث في المجال العسكري فقط.
ونصَّ البندان الثامن والتاسع على عدم ملاحقة أي أحد بناءً على خلافات فصائلية وسياسية، والتعاون على البر والتقوى في محاربة الفساد ورد المظالم، كما اتفق الفريقان على استمرار التشاور والمداولات لترتيب وإصلاح المؤسسات المدنية في المرحلة القادمة.
وتعليقًا على الاتفاق الأخير، قال الباحث في مركز جسور للدراسات، الأستاذ وائل علوان، إن ما يشهده ريف حلب من مظاهرات هو انعكاس لمشهد عنوانه أن الطرفَين (الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام) غير راضيَين عن الاتفاق، وفي الوقت نفسه لن يعلن أي طرف منهما خرقه، بل سيعمل على استفزاز الطرف الآخر لخرقه، وسيتركز الاستفزاز بشكل أكبر من الهيئة.
وأكّد على أن المدنيين في مناطق شمال حلب لديهم تخوّف حقيقي من آثار دخول الهيئة وسيطرتها، والمظاهرات التي تحصل لا يمكن اعتبارها تحريضًا من الفصائل، بل هناك تحرك شعبي حقيقي لدوافع أهمها القصف الروسي الأخير على منطقة قطمة بريف أعزاز في أكتوبر/ تشرين الأول، والذي أسفر عن سقوط قتلى من الجيش الوطني.
وتابع قائلًا: “إن الناشطين والإعلاميين يتخوّفون من أمنية هيئة تحرير الشام”، وأشار إلى أن الفيلق الثالث يعلم تمامًا أن الاتفاق يعطي امتيازات أمنية واقتصادية واسعة للهيئة في مناطق شمال حلب وليس فقط في عفرين، ويتوقع الفيلق الثالث أن نجاحه في منع هيئة تحرير الشام بالتقدم على محور كفرجنة سيرفع من رصيده في المفاوضات، كما أن هيئة تحرير الشام تعتقد أن اختراق محور كفرجنة سيزيد من مكاسبها في التفاوض النهائي.
وصباح الاثنين، 17 أكتوبر/ تشرين الأول، تجدّدت الاشتباكات بين فصيلَي هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث في منطقتَي مريمين وكفرجنة شمالي حلب، وسط قصف صاروخي متبادل، إذ بدأت عناصر تحرير الشام باقتحام بلدتَي مريمين وكفرجنة الواقعتَين بريف منطقة عفرين شمالي حلب، بيد أن عناصر الفيلق الثالث يحاولون التصدي وإفشال محاولات دخول المنطقتَين.
أحصى فريق “منسقو استجابة سوريا” مقتل 5 مدنيين وإصابة 38 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال.
ترافقت تلك الاشتباكات مع قصف مدفعي وصاروخي متبادل بين الطرفَين، في وقت قصفت تحرير الشام بقذائف مدفعية حي الأشرفية في مدينة عفرين، كما قصفت مخيم البركة للنازحين الواقع على أطراف مدينة عفرين، ما أسفر عن أضرار في المخيم دون تسجيل إصابات، وهو ما أكّدته صور ومقاطع فيديو تُظهر القصف المدفعي الذي تعرّض له مخيم البركة وبلدة كفرجنة.
يذكر أن هيئة تحرير الشام تدخلت إلى جانب فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه، على خلفية اشتباكات بدأت في مدينة الباب، وتوسعت إلى مناطق أخرى عقب ثبوت ضلوع فرقة الحمزة، باغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته الحامل.
واتهم كل طرف الطرف الآخر بـ”البغي” وتفريق الصفوف والرغبة في إثبات نفسه كقوة تحارب الفساد والفاسدين، ولا توجد إحصائية دقيقة للخسائر، في حين أحصى فريق “منسقو استجابة سوريا” مقتل 5 مدنيين وإصابة 38 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والاستهداف العشوائي.