ترجمة وتحرير: نون بوست
تحدث مسؤولون يونانيون عن توتر العلاقات مع تركيا قبل الانتخابات التي تُجزى في كلا البلدين في حزيران/ يونيو المقبل، لدرجة قد تؤدي لوقوع حادث عسكري في بحر إيجة أو شرق البحر المتوسط مما يزيد من النزاع؛ حيث يشكك اليونانيون في أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى خلق أزمة أمن قومي من شأنها تعزيز شعبيته بعد 20 سنة في الحكم.
وفي آب/أغسطس؛ قال أردوغان إنه قد يأمر بالهبوط على الجزر اليونانية: “قد نأتي فجأة ذات ليلة… إذا تماديتم أيها اليونانيون، فسيكون الثمن باهظًا.”
وقد صرح الأدميرال اليوناني المتقاعد الكسندروس دياكوبولوس لقناة الجزيرة قائلًا: “لطالما أيدت عدم وجود فرصة لحدوث حرب حتى أعوام 2019 و2020 و2021″، مضيفًا: “لم يعد بإمكاني قول ذلك”.
وعقب دياكوبولوس، وهو مستشار سابق للأمن القومي لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، إن “خطاب تركيا يُصعِّد نحو هجوم”.
وقد وافق السفير التركي بوراك أوزوجرجين في أثينا على وجود توتر، لكنه يرى أنه تتم إدارته، قائلًا لقناة الجزيرة “بصفتنا السفارة، لدينا حوار معقول مع زملائنا اليونانيين – لا تصدق ما تقرأه في الصحف!”.
وتابع قائلًا: “نبذل قصارى جهدنا لتجنب وقوع حوادث. والأمور ليست بنفس سوء صيف 2020، لكن يجب أن نكون على يقظة فقد يسوء الوضع بشدة وبسرعة كبيرة”.
“أزمات متوازية”
ويوافق أنجيلوس سيريغوس، أستاذ القانون الدولي بجامعة بانتيون ونائب وزير التعليم والشؤون الدينية، على توتر العلاقات، وقد قال للجزيرة: “نحن في حالة ديفكون ١ الآن”؛ مشيرًا إلى أقصى درجة في نظام قياس الاستعداد الدفاعي. وقال: “أعتقد أن تركيا ستحاول خلق العديد من الأزمات المتوازية”، متصورًا أزمة لاجئين، يليها وجود سفن مسح للنفط والغاز وحفر في ما تعتبره اليونان مجالها البحري.
واستمر التوتر في العلاقات منذ أن كاد الحليفان في الناتو أن يصلا لمرحلة الصراع قبل عامين؛ حيث ظل الأسطولان اليوناني والتركي يلاحقان بعضهما البعض في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط طوال فترة الصيف، بعد أن أرسلت تركيا سفينة مسح للبحث عن النفط والغاز تحت البحر في المياه التي تدعي اليونان أنها مجالها البحري بموجب القانون الدولي.
وقالت تركيا إنها لن تتوانى عن أنشطة الاستكشاف في هذه المنطقة، وتسعى لمتابعة عمليات المسح التصويري الزلزالي بالحفر الاستكشافي.
ويقول دياكوبولوس: “بالنظر إلى إستراتيجية تركيا في 2019-2021؛ فقد كانوا يحاولون دفعنا لاستخدام القوة أولاً. الآن تدرك تركيا أن ذلك لن يحدث… لذا فهم يبحثون البدء باستخدام القوة أولًا والتي يمكن تبريرها بتصوير اليونان على أنها تحتل جزر شرق بحر إيجة “.
وبدأت تركيا في النزاع على الجزر اليونانية غير المأهولة في سنة 1996، لكن بدأت السنة الماضي في النزاع علانية على السيادة اليونانية لجزرها المأهولة في شرق بحر إيجة.
وطالب أردوغان اليونان في حزيران/ يونيو بوقف تسليح جزر بحر إيجه التي لها وضع غير عسكري والملتزمة بالاتفاقيات الدولية. ثم اقترح في آب/ أغسطس أنه قد يأمر بالهبوط عليها.
وقال أردوغان أمام حشد في مدينة كوتاهيا التركية في آب/ أغسطس الماضي: “الجزر التي تحتلها غير ملزمة لنا، سنفعل ما يتطلبه الأمر عندما يحين الوقت”.
ووقف زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، الشريك الأصغر لأردوغان في الائتلاف، بجوار خريطة تظهر جميع جزر بحر إيجة الشرقية في اليونان كأراضي تركية، بما في ذلك دوديكانيز وكريت.
وقال بهجلي الشهر الماضي: “الجزر التي تشغلها [اليونان] بشكل غير قانوني وغير عادل هي حقٌ لنا”، مضيفًا: “[اليونانيون] يجب ألا يختبروا صبرنا. إذا كانوا يريدون أن يساقوا إلى البحر مرة أخرى، فليخبرونا وسنلقي بهم جميعًا بإذن الله “.
حرب 1919-1922
كان بهجلي يشير إلى الحرب اليونانية التركية 1919-1922؛ حيث هزمت الجيوش التركية محاولة يونانية للمطالبة بغرب الأناضول.
ومنحت معاهدة لوزان في سنة 1923 اليونان جزر شرق بحر إيجة وفرضت قيودًا على البنية التحتية العسكرية هناك؛ حيث تقول تركيا إن اليونان تجاوزت هذه الحدود، وبالتالي يجب عليها التنازل عن الجزر، في حين ترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن سيادة اليونان على الجزر لا جدال فيها.
وأدى تصريح لميتسوتاكيس في جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي في أيار/ مايو الماضي لتراجعت العلاقات الثنائية، حين قال إن تركيا ستستخدم الطائرات المقاتلة من طراز ف-16 التي طلبتها لانتهاك المجال الجوي اليوناني، ومع ذلك فقد سجلت اليونان أكثر من 7000 انتهاك هذه السنة.
وقال ميتسوتاكيس أيضًا “آخر شيء يحتاجه الناتو في وقت ينصب فيه تركيزنا على مساعدة أوكرانيا لهزيمة العدوان الروسي، هو مصدر آخر للاضطرابات في الجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو. وأطلب منكم أخذ هذا في الاعتبار عند اتخاذ قرارات صفقات عسكرية تتعلق بشرق البحر المتوسط”، وقد دفع ذلك أردوغان للتصريح بأنه لن يجتمع مع ميتسوتاكيس مرة أخرى.
المياه الإقليمية
والتقى وزيرا الدفاع اليوناني والتركي لمدة 40 دقيقة على هامش قمة الناتو في 13 أكتوبر، ويقال إن لديهما علاقة عمل جيدة، لكن هذه القنوات مصممة لنزع فتيل التوتر وليس لحل الخلافات العميقة التي تفصل اليونان وتركيا.
وهناك قضيتان رئيسيتان بين البلدين؛ أولهما المياه الإقليمية، فبموجب اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺒﺤﺎر: “لكل دولة الحق في تحديد عرض بحرها الإقليمي بما لا يتجاوز 12 ميلًا بحريًا (22 كم)، وتقاس بدءًا من الخطوط الأساسية المحددة وفقًا لهذه الاتفاقية”، وهذا يعني أنه بإمكان اليونان أن تدعي السيادة المباشرة على 72٪ من بحر إيجه.
ولا تجادل تركيا في حقوق الجزر في المياه الإقليمية، لكنها تعترض على مسافة 12 ميلًا بحريًا (22 كم)، وقد هددت اليونان بإجراء عسكري إذا مارست حقوقها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
وتطالب كل من اليونان وتركيا حاليًا بـ 6 أميال بحرية (11 كم) من المياه الإقليمية في بحر إيجه، ولكن تطالب بـ 12 ميلًا بحريًا (22 كم) قبالة شواطئها الأخرى.
المشتقات النفطية البحرية
والقضية الثانية تتعلق بالحقوق السيادية في استغلال المشتقات النفطية الموجودة تحت سطح البحر خارج المياه الإقليمية، وهي منطقة تُعرف باسم المنطقة الاقتصادية المخالصة، وتمنح قواعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار اليونان 500,000 كيلومتر مربع (193,000 ميل مربع) من المنطقة الاقتصادية الخالصة في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط.
ويذكر أن تركيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولم توافق على أحكامها المتعلقة بالجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر، كما وقعت تركيا في سنة 2019 على اتفاقية بحرية مع ليبيا تقطع ممرًا عبر هذه المنطقة.
وقد ندد الاتحاد الأوروبي بهذه الاتفاقية ووصفها بـ “غير قانونية”، ولكن قامت تركيا في وقت سابق من الشهر الحالي بتوقيع اتفاقية “استكشاف وحفر” مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس داخل الممر، مشيرة إلى أنها سترسل سفن مسح إلى هناك.
اقترحت اليونان التحكيم في نزاع المنطقة الاقتصادية الخالصة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، لكنها ترفض مناقشة حقوقها الإقليمية في المياه تحت تهديد الحرب.
وقال اأوزوجرجين لقناة الجزيرة: “إذا تم تمديد حدود المياه الإقليمية من قبل اليونان في بحر إيجة، فلن يتبقى لدينا الكثير من أعالي البحار للحديث عنها، مما يجعل الذهاب إلى المحكمة بلا معنى تقريبًا”، وأضاف: “تركيا مستعدة للذهاب الى المحكمة لكن مع كل القضايا ذات الصلة. لا أعتقد أنه يمكننا إقناع بعضنا البعض بموقفنا بشكل متبادل، ويجب أن نذهب إلى المحكمة”.
الخطر على اليونان
ويعتقد كونستانتينوس فيليس، أستاذ العلاقات الدولية في الكلية الأمريكية في اليونان، أن هناك خطرًا من أن يتم دفع اليونان للتفاوض بشأن التخلي عن سيادتها البحرية ويجب أن تحاول منع ذلك.
وقال فيليس: “اليونان بحاجة إلى إستراتيجية لتمديد مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا بحريًّا”، مضيفًا “يجب أن تكون إستراتيجية ذات مراحل تمكن اليونان من تنفيذ قانون البحار بدلاً من مجرد الاحتجاج به”، كما اقترح تمديد المياه الإقليمية قبالة جزيرة كريت أولًا، ثم قبالة البر الرئيسي قائلًا: “يجب الاحتفاظ بشرق بحر إيجة، كملاذ أخير في جعبة الحلول الدبلوماسية”.
واستحوذت اليونان على 12 ميلاً بحريًا من المياه الإقليمية قبالة ساحلها الأيوني في 26 آب/ أغسطس 2020، في ذروة أزمتها الأخيرة مع تركيا. في ذلك الوقت، قال وزير الخارجية نيكوس ديندياس إن المياه الإقليمية قبالة جزيرة كريت ستكون الخطوة التالية.
وقد تكون أزمة أخرى هي ما تنتظره اليونان للقيام بهذه الخطوة، فقد قال فيليس: “كلما اقتربت الأزمة، اقتربت بداية الحوار، لأن هذه هي طريقة عمل تركيا”.
المصدر: الجزيرة