ترجمة وتحرير: نون بوست
بهدف الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع غواتيمالا، تدفع تايوان أموالًا إلى جماعات الضغط الغواتيمالية في واشنطن. إلى جانب حلفائها في المحيط الهادئ، وعدت تايوان بالمساعدة في الحفاظ على ثقافات السكان الأصليين؛ وحتى تشكر ليتوانيا – أحدث حليف غير رسمي لها – احتضنت الحكومة وارداتها مثل الليزر والخمور بنكهة لحم الخنزير المقدد.
خوفًا من أن تستحوذ عليها الصين – التي تزداد إصرارًا على ادعاءاتها الاستبدادية بشأن ديمقراطية الحكم الذاتي – تركز تايوان على العقل الدبلوماسي. يمكن لعدد قليل من الدول في العالم أن تدعي أنها غير مترابطة مع الكفاءة السياسية أو متعطشة لتشكيل علاقات مثل تايوان اليوم، ويتجاوز هذا الجهد القنوات الرسمية. قامت إحدى المنظمات غير الربحية العاملة في الدبلوماسية الرقمية بنشر رسائل مؤيدة لتايوان على منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم من خلال الرسوم الهزلية والهدايا المتعلقة بالمنتجات التايوانية.
قالت الرئيسة تساي إنغ ون في خطابها في اليوم الوطني لتايوان في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر: “تحظى تايوان اليوم باهتمام دولي أكثر من أي وقت مضى”. وفي حين أن عدد سفارات تايوان أقل مما كان عليه قبل عقد من الزمن، تتمتع تايوان الآن بعلاقات أكثر قوة مع مجموعة أوسع من الدول.
قال هسياو-تينغ لين، أمين تجمّع الصين الحديثة وتايوان في معهد هوفر في ستانفورد: “إنه اتجاه وأسلوب جديد، إنهم يفكرون بطرق مبتكرة لتعزيز أو توضيح ما تعنيه الدبلوماسية”.
كان نهج حرية التنقل متبعًا بالفعل منذ عقود – في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، صعد الدبلوماسيون والمسؤولون التايوانيون على متن طائرات لحضور منافسات الغولف في العواصم الأجنبية. لكن الاندفاع الأخير للنشاط الدبلوماسي غذّاه اغتنام تايوان للحظة انعدام الأمن المتفاقم الناجم عن مطالب الصين الأكثر صخباً وفرص الاتصال الجديدة التي وضعتها جزئيًا الولايات المتحدة.
يبدو أن الصراع بين قوتين عظيمتين له خصائص تايوانية على نحو متزايد. جعلت الصين تايوان أكثر من أولوية تحت قيادة الزعيم الأعلى للبلاد شي جين بينغ. وفي خطابه الافتتاحي في اجتماع مهم للحزب الشيوعي هذا الأسبوع، حيث من المتوقع أن يضمن ولاية ثالثة، وصف شي ضم الجزيرة بأنه “مطلب طبيعي” وشدد على أن حكومته تحتفظ بالحق في استخدام “جميع الإجراءات اللازمة”.
نصت النسخة المكتوبة الأطول من خطابه على أن الصين عززت “مبادرتها الاستراتيجية لإعادة توحيد الصين بالكامل”، مما يشير إلى إلحاح أكبر لخططها المستقبلية.
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الإثنين إن الصين تعمل الآن على “جدول زمني أسرع بكثير” لضم تايوان، على الرغم من أنه لم يقدم ولا السيد شي أي مواعيد فيما يتعلق بذلك.
تطرّق شي في خطابه أيضًا إلى “التدخل الأجنبي” – وهي إشارة للكثيرين على أن الصين تشعر بقلق متزايد بشأن الدعم الأمريكي والدولي لتايوان، وهو ما يتضح من سلسلة الزيارات والتعليقات القوية من قِبل العديد من البلدان مثل كندا وفرنسا واليابان وأستراليا.
قال وين تي سونغ، أستاذ العلوم السياسية في برنامج دراسات تايوان في الجامعة الوطنية الأسترالية: “بالنسبة للعالم، وخاصة الدول الغربية، تعد تايوان أداة سياسية مفيدة للإشارة إلى الاستياء من الصين”.
وفي واشنطن، أصبح الدبلوماسيون التايوانيون أقرب إلى البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس من كِلا الحزبين، في حين تروج السيدة تساي لكل اجتماع تعقده مع المسؤولين والأكاديميين الأمريكيين الذين يزورون الجزيرة. ومن جهتها، تحاول إدارة بايدن أيضًا في جميع أنحاء العالم حشد الحلفاء لردع بكين، برسالة واضحة ومتكررة.
ذكرت بوني جلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني: “الفكرة هي ‘لا تتركهم معزولين لأن ذلك قد يؤدي إلى المزيد من المشاكل في المستقبل’. أجعل تايوان حاضرة – لجعلها جزءًا من الحل”.
عدد قليل من الدول تعترف رسميًا بتايوان باسم جمهورية الصين، وهو الاسم الذي تم استخدامه منذ سنة 1912 وتبناه الجانب الخاسر من الحرب الأهلية الصينية سنة 1949 عندما فر إلى تايوان. لعقود من الزمان، كان معظم العالم غير متأكد مما يجب فعله بالجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي. في هذه الأيام، أصبحت تايوان نقطة جذب للمصالح الدولية.
تضمنت ميزانية وزارة الخارجية التايوانية الصادرة في أيلول/ سبتمبر زيادة كبيرة لأنها تتوقع استضافة 2368 لقاء مع ضيوف أجانب في سنة 2023 – بزيادة بلغت 304 وفداً عن هذه السنة. يُترجم ذلك إلى أكثر من ستة اجتماعات في اليوم على مدار أيام السنة.
هذا الأسبوع، جاء الملك مسواتي الثالث ملك إيسواتيني، وهو أحد الحلفاء الرسميين لتايوان، إلى تايبيه. وفي الأسبوع الماضي، أقامت السيدة تساي مأدبة غداء للمسؤولين اليابانيين والتقت بوفود من كندا وواشنطن. وقبل أسبوعين، استقبل قادة تايوانيون برلمانيين ألمان بحفاوة.
قال ألكسندر هوانغ، أحد كبار المسؤولين في حزب الكومينتانغ المعارض: “بغض النظر عن الانتماء الحزبي، نريد إنشاء المزيد من قنوات التواصل مع جميع البلدان. نريد القيام بذلك بغض النظر عن المكان والأطراف”.
يُنظر تقليديًا إلى الحلفاء الرسميين على أنهم أكثر قيمة لأنه يمكنهم المطالبة في الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى بإدراج تايوان. فعلى سبيل المثال، رفضت الصين السماح لتايوان بالانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، لأن الدول القومية هي الوحيدة المُخوّل لها التمتع بالعضوية، وتايوان هي ببساطة أرض صينية.
تسعى الصين إلى توحيد الأراضي التايوانية مع الأراضي الصينية وإرساء سياسة “صين واحدة”، وهي سياسة بكين – التي تحترمها الولايات المتحدة ومعظم الدول قولًا وفعلًا. ويرفض حلفاء تايوان هذا المفهوم، ولهذا السبب أعطى الرئيس شي الأولوية لكسب ولائهم، عادةً عبر تقديم الوعود التنموية. ومنذ أن تولت الرئيسة تساي إنغ ون منصبها في سنة 2016، تحولت ثماني دول إلى جانب الصين، بينما حافظت 14 دولة على موقفها.
تقع معظم سفاراتهم في مبنى يضم مكاتب فردية في شمال تايبيه. وفي قاعة الاستقبال، تُظهر لوحة فضية مساحات فارغة حيث أعلنت نيكاراغوا وجزر سليمان وستة آخرين ذات مرة عن وجودها.
يقول سفرائها إن بعض الدول التي لا تزال هناك لا تظهر أي بوادر لتغيير موقفها، جزئيًا، لأن تايوان تدعم قطاعات مهمة لا سيما التعليم والثقافة، كما أنهم ينحدرون جزئيا من دول صغيرة حيث إقامة العلاقات الشخصية مع تايوان أمر شائع.
قال الدكتور روبرت كينيدي لويس، سفير سانت لوسيا في تايوان، إنه زار تايبيه ثلاث مرات عندما كان وزيرا للتعليم. وقالت السفيرة أندريا كلير بومان من سانت فنسنت وجزر غرينادين إنها عندما وصلت إلى تايوان في سنة 2019، استقبلها وزير الخارجية، جوزيف وو، في المطار لقبول أوراق اعتمادها – الساعة الخامسة صباحًا.
وصرحت قائلة “تجمعنا الصداقة، حيث يميل الحلفاء الدبلوماسيون إلى الحديث عن المصالح، ولكن تايوان كانت تدعمنا منذ سنة 1981”.
تقع سفارات حلفاء تايوان المقربين – الدول الستين أو نحو ذلك التي تربطها علاقات تجارية مع الجزيرة – على بعد أميال قليلة، في مباني المكاتب بالقرب من ناطحة سحاب تايبيه 101 التي تعانق السماء. وتعتبر ليتوانيا أحدث وافد على المبنى. ولا تزال مكاتبها قيد التجديد، ولكن في مركز قريب، أقامت مجموعة تجارية ترعاها الحكومة صالة عرض للمنتجات الليتوانية.
كل شيء موجود، مصحوب برموز الاستجابة السريعة مرتبطة بموزعي المنتجات، بدءا من مجوهرات العنبر والشوكولاتة وصولا إلى شراب الروم الليتواني المسمى “بروبيلار”. وقالت ويني تشيانغ (26 سنة) وهي مرشدة سياحية سابقة تعمل في صالة العرض، إن مئات الأشخاص زاروا المعرض منذ افتتاحه قبل بضعة أشهر.
أوضحت أنهم “يريدون دعم ليتوانيا”. من نواح كثيرة، تعتبر ليتوانيا دراسة حالة في كيفية إدارة تايوان. ومنذ حوالي سنة، أثارت ليتوانيا غضب الصين بعد رفضها هاتفًا خلويًا صينيًا شهيرًا يتضمن سجل رقابة يضم 449 مصطلحًا حظرته الحكومة الصينية.
لقد جعلت بكين من المستحيل تقريبًا على العديد من الشركات الليتوانية بيع بضاعتها في الصين، لذلك تدخلت تايوان في ذلك وافتتحت سفارة بحكم الأمر الواقع في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفي كانون الثاني/ يناير، أعلنت تايوان أنها بصدد إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون دولار للاستثمار في ليتوانيا والمنطقة، بالإضافة إلى برنامج بقيمة مليار دولار لتمويل المشاريع المشتركة، بما في ذلك أشباه الموصلات.
منذ ذلك الحين، احتشدت حكومة وشعب تايوان حول ليتوانيا كما لو أن جميع مواطنيها البالغ عددهم ثلاثة ملايين كانوا من نجوم البوب الكوريين. نفذت المتاجر من المنتجات الليتوانية. وأفاد بعض الليتوانيين في تايوان أن سائقي سيارات الأجرة رفضوا السماح لهم بالدفع.
وقالت شيايو كو (30 سنة) مؤسسة جمعية تايوان للدبلوماسية الرقمية، وهي منظمة غير ربحية تساعد تايوان في إيصال رسالتها، إن الرد يظهر مدى حماس التايوانيين لبناء صداقات دولية.
للاستفادة من هذا الإلحاح، قامت هي وفريقها المكون من ستة موظفين متعددي اللغات بإنتاج محتوى وسائط اجتماعية للبلدان التي تنشط فيها تايوان، وتدريب مئات المتطوعين على منصات التواصل الاجتماعي حتى يتمكنوا من المساعدة في إبقاء تايوان مركز اهتمام.
فعلى سبيل المثال، بعد الانتخابات الأخيرة في هندوراس، التي كانت تؤكد ولاءها لبكين، ابتكرت الجمعية فيلمًا كوميديًا سريع الانتشار أظهر نائب رئيس تايوان مع الرئيس المنتخب حديثًا ونائبة الرئيس كامالا هاريس على مقعد يأكلون الباليداس، وهو عبارة عن خبز تورتيلا محشو ويمثل الطبق الوطني.
وجاء في إحدى التغريدات الشائعة “يجب مشاركة أفضل أطباق الباليداس بين الأصدقاء الجيدين”. وبالنسبة للسيدة كو، التي تعمل أيضا مع المسؤولين التشيك للتحضير للزيارة، فإن وضع تايوان في العالم يتحسن بسبب دمج الدبلوماسية التقليدية مع الأساليب غير الرسمية بشكل أكبر.
وأضافت أن الصين لديها المزيد من الأموال لتقدمها، لذلك يجب على تايوان أن تبحث عن طرق أخرى لتعزيز الولاء. وقالت ضاحكة أثناء تناول العشاء في مطعم تشيكي “علينا أن نكون أكثر إبداعًا وروعة. نحن نحاول تكوين المزيد من الصداقات”.
المصدر: نيويورك تتايمز