ترجمة حفصة جودة
يحاول مئات الفلسطينيين البقاء في أراضيهم، بعد مواجهتهم للطرد من قراهم وهدم منازلهم من السلطات الإسرائيلية، بالعودة إلى طرق المعيشة القديمة: العيش في الكهوف تحت الأرض.
تقول وضحة أيوب أبو صبحة – 65 عامًا – أحد سكان خربة الفخيت في المناطق القروية بالضفة الغربية المحتلة التي يحاول جيش الاحتلال السيطرة عليها: “لا منازل لنعيش فيها ولا خيام، لا خيار لدينا إلا العيش في الكهوف، كانت بداية حياتي في الكهف وستكون نهايتها في الكهف أيضًا”.
يقاوم سكان القرية والمجتمعات الرعوية المحيطة الذين عاشوا طويلًا في تلك الكهوف المنتشرة بالمنطقة، جهود طردهم من منازلهم التي عاشت فيها عائلاتهم لقرون، وبعضهم يملك صكوك امتلاكه للأرض قبل تأسيس دولة الاحتلال عام 1948.
لكن في شهر مايو/أيار، وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على طرد 1200 فلسطيني يعيشون في القرية، حتى يستخدم الجيش الإسرائيلي الأرض كساحة تدريب على إطلاق الرصاص الحي، يشكل الأمر مرحلة من أكبر مراحل الطرد الجماعي للفلسطينيين منذ عام 1967 التي قالت الأمم المتحدة إنه يرقى لجريمة حرب.
انتشر سكان القرية في التلال المحيطة بالمنطقة المعروفة باسم مسافر يطا، وينتظرون بقلق ما سيحدث ويعدّون كهوفهم.
يقول الاحتلال الإسرائيلي إن الفلسطينيين الذين يعيشون هنا ليسوا سكانًا دائمين وإن له الحق في إعلان المكان منطقة عسكرية مغلقة، أزالت السلطات الإسرائيلية المنازل والمباني في المنطقة، متحججة ببعض الانتهاكات مثل عدم الحصول على تصريح بناء، الذي نادرًا ما تمنحه الحكومة الإسرائيلية للفلسطينيين، لكن السكان كانوا يعيدون بناء منازلهم دائمًا.
لكن بعد المرة الثالثة من هدم منزل أبو صبحة، قررت عائلتها الانتقال مؤقتًا إلى عيادة طبية غير مستخدمة، وبدأت في إعداد كهف تحت القرية للعيش فيه، تدخل العائلة الكهف من خلال حظيرة تربي فيها ماشيتها وتنزل إليه عبر سلالم حجرية أصبحت ناعمة بمرور الوقت ووقع الخطى عليها.
انتقلت إنشراح أحمد أبو صبحة – 58 عامًا، وابنة عم وضحة – إلى الكهف مؤخرًا، وتبدو سعيدة فيه، كما لو أنها تلعب دور المصمم الداخلي في برنامج تليفزيون الواقع لتجديد المنازل.
تقول إنشراح مشيرة إلى حوائط صخرية: “هذه بحاجة إلى بعض العمل، يمكننا وضع صف من الأرفف هنا”، بينما نظرت إلى السقف المنخفض الذي تغطيه خيوط العنكبوت ويتدلى منه مصباح كهربائي وقالت: “نحن بحاجة إلى فتحة تهوية هنا”.
جلست إنشراح على صخرة مرتدية عباءة أرجوانية وكوفية لونها أبيض وأحمر كحجاب ونظرت إلى ركن يعد من أصغر 3 أركان في الكهف وقالت: “هذه ستكون غرفة زينب، ما رأيك زينب؟ هل تريدين غرفة لك؟” (زينب حفيدة وضحة وعمرها 3 سنوات).
تتذكر إنشراح كيف كان يبدو الكهف في سنوات مراهقتها حيث كانت تعيش عائلتها، في الثمانينيات انتقل السكان فوق سطح الأرض وفي البداية نصبوا الخيام وعاشوا فيها ثم بنوا منازلهم في بداية الألفية.
تقول إنشراح: “يقولون إننا لم نكن هنا قبل الثمانينيات، لكنني وُلدت هنا عام 1964 في كهف آخر”.
أعلن الجيش الإسرائيلي معظم منطقة مسافر يطا منطقة إطلاق نار مغلقة في أول الثمانينيات، قائلًا إن المنطقة تتميز بخصائص فريدة لا تمتلكها أرض أخرى، وزعم أن الفلسطينيين في المنطقة لم يكونوا سكانًا دائمين قبل تخصيص الأرض.
يقول القادة المحليون وجماعات الإغاثة، إنه إلى جانب الأرض، تمارس “إسرائيل” ما وصفته الأمم المتحدة بإجراءات قسرية، تجعل الحياة أكثر صعوبة على الفلسطينيين في المنطقة، وذلك بمصاردة مركباتهم وتقييد وصول جماعات الإغاثة وإقامة نقاط تفتيش بين القرى، ما يجعل من الصعب على الطلاب والمعلمين الوصول إلى المدارس.
تقول نوا ستاث المديرة التنفيذية لرابطة الحقوق المدنية في “إسرائيل”: “يخالف الترحيل القسري اتفاقات جنيف، والترحيل لا يعني دائمًا جمع الناس في شاحنات ونقلهم إلى مكان آخر، لكن إساءة معاملة الناس لإجبارهم على الرحيل يعد أيضًا ترحيلًا قسريًا”.
قالت السلطة الفلسطينية إن هذا الترحيل للسكان في المنطقة يرقى إلى تطهير عرقي، وهي تهمة يوجهها الفلسطينيون ومناصروهم في الضفة الغربية المحتلة وشرق القدس، حيث تصدر قوانين الأرض والبناء لصالح المستوطنين اليهود ومستوطناتهم.
قبل عامين، قرر قادة المجتمع أن الكهوف قد تصبح الخيار الوحيد للقرويين للبقاء في مسافر يطا، ورغم أنهم سيكونون خاضعين أيضًا لقرار الترحيل، سيصبح من الصعب على الجيش الإسرائيلي ترحيلهم.
يعد العمل على تجديد الكهوف أمرًا صعبًا ومكلفًا لكثير من العائلات، فبعض الكهوف ليس بها وصلات كهربائية أو مناطق ذات تهوية للطبخ، ساعدت منظمات الإغاثة السكان بصب الأسمنت على الأرضيات المغبرة وتغطية الجدارن الحجرية وتقسيم الكهوف إلى غرف.
يقول القرويين إن مسافر يطا أرض فلسطينية، ويؤكدون قولهم بسندات الملكية التي يمتلكها بعض السكان وتعود إلى ما قبل إنشاء دولة الاحتلال في 1948.
قدم المحامون صورًا جويةً للمحكمة الإسرائيلية، تثبت وجود السكان باستمرار في القرى خلال الـ45 عامًا الماضية، بما في ذلك آثار العربات التي تقود إلى الكهوف.
لكن وزارة الدفاع الإسرائلية قالت إن الصور لا تُثبت وجود الفلسطينيين بشكل دائم قبل عام 1980 وقالت إنهم عاشوا في المنطقة بشكل موسمي فقط، وهو ما وافقت عليه المحكمة.
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي: “الفلسطينيون انتهكوا قرار الإغلاق عبر السنين ببناء منازل غير قانونية في المنطقة ورفضوا أي حلول للتسوية”، كما أضاف الجيش أن قراره يتفق مع القانون الدولي المنظم للاحتلال العسكري.
ومع ذلك قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية سامر عبد الجابر في أثناء زيارته لمسافر يطا في شهر مايو/أيار: “كقوة محتلة، فإن السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن حماية المدنيين الفلسطينيين”.
وأضاف “إجبار 13 مجتمعًا على إفساح المجال للتدريب العسكري أمر مناقض للضرورة وغير إنساني أو قانوني بكل بساطة”.
تراقب حكومة الولايات المتحدة التطورات في مسافر يطا عن كثب، وفقًا لمكتب الولايات المتحدة للشؤون الفلسطينية وقد أعربت عن قلقها من ترحيل الفلسطينيين وهدم منازلهم.
وفقًا لاتفاقية أوسلو – التي كان من المقرر أن تمهد الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية – فإن ثلثي الضفة الغربية كان واقعًا تحت سيطرة إسرائيلية مؤقتة، وكان من المفترض أن تتراجع “إسرائيل” بالتدريج عن معظم المنطقة ونقل حكمها للفلسطينيين.
بدلًا من ذلك، أبقت “إسرائيل” على احتلالها العسكري وسمحت ببناء المستوطنات والتوسع فيها – وهو أمر غير قانوني وفقًا للقانون الدولي – في المناطق التي تسيطر عليها بينما طردت الفلسطينيين منها.
قال الفلسطينيون إن ذلك بمثابة ضم تدريجي للضفة الغربية، يقول جابر علي وهو يقف على أساس أسمنتي حيث يعيد بناء منزله للمرة الخامسة في خلة الضبع بمسافر يطا: “إنها خطة واضحة لدفع الناس نحو الفرار من المنطقة، لكننا لن نخضع للترويع”.
تنمو حول علي – أب لـ5 أطفال – أشجار اللوز والمشمش وكروم الزيتون، ويقول علي إن عائله تملك صكًا من العصر العثماني يثبت ملكيتها للأرض.
في يوليو/تموز، أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبًا عسكريًا باستخدام الرصاص الحي والتفجيرات تحت بستان السيد علي، ووفقًا لمنظمة “بتسليم” فإن رصاصة كبيرة من بندقية آلية ضخمة ضربت سقف المنزل في أثناء وجود العائلة بداخله.
قدمت المنظمة التماسًا للمحكمة تطلب فيه بشكل فوري وقف التدريب، لكن طلبها رُفض، يقول المحامون إن كل الطرق القانونية استُنفدت ولم يعد هناك إلا الضغط الدبلوماسي.
والآن، رغم أن سكان القرية يواصلون إعدادهم للكهوف من أجل السكن، فإن أعينهم تراقب الطريق بانتظار وصول الجرافات، يقول علي: “إذا لم نجهز الكهوف فأين سنعيش؟ يمكنهم أن يهدموا منزلًا أو يصادروا خيمة، لكن هؤلاء العاهرين أعادونا إلى حيث عاش أجدادنا”.
المصدر: نيويورك تايمز