ترجمة وتحرير: نون بوست
في التبت؛ كان يطلق عليهم “خاش”، وهي كلمة تعني كشمير، وفي كشمير نفسها، يطلق عليهم “تيبتي” أو التبت. ويعيش هذا المجتمع المتميز من الكشميريين التبتيين بهدوء على سفوح تل صغير على مشارف منطقة وسط مدينة سريناجار في منطقة جبال الهيمالايا في جامو وكشمير منذ أكثر من ستة عقود.
فيض الله مالك، مسلم من التبت، كان يلعب في شوارع لاسا، عاصمة التبت، عندما سيطرت القوات الصينية على المدينة بعد انتفاضة التبتيين الفاشلة ضد بكين سنة 1959. في ذلك الوقت؛ وفي سن العاشرة، كان أصغر من أن يفهم تسلسل الأحداث التي تتكشف أمامه. وتعتبر التبت، بصفتها دولة بوذية، المكان الأكثر روحانية في العالم. ففي لاسا، موطن الدالاي لاما، أمضى الناس معظم وقتهم في التأمل بهدف تحقيق الخلاص.
مستلقيًا على سرير منزله المكون من طابقين في سريناجار، عاصمة جامو وكشمير، كان مالك، البالغ من العمر 73 سنة، يشاهد الأخبار على شاشة التلفزيون، وهو يشعر بالفضول بشأن نتائج الانتخابات في ولاية أوتار براديش الهندية شديدة الاستقطاب، عندما خفض الصوت والتفت إلي ليحكي رحلة مسلمي التبت من لاسا إلى كشمير، فهو واحد من القلائل الذين ما زالوا يحتفظون بذكريات عن إقامتهم في التبت؛ حيث إن معظم الآخرين ماتوا الآن.
وقال مالك: “كانت البلاد (التبت) غارقة في التقاليد الغنية والقيم الثقافية، لقد كان المجتمع متحضرًا حيث يتم الترحيب بالجميع بغض النظر عن معتقداتهم الدينية”، وكانت عائلته، من بين 130 عائلة، اعتادت السفر إلى التبت من منطقتي كشمير ولداخ لسنوات للتجارة قبل الاستقرار في البلاد بشكل دائم، وأضاف مالك: “هناك اعتقاد خاطئ بأننا هاجرنا مرة واحدة فقط من التبت إلى كشمير، والحقيقة أننا كشميريون اعتاد أسلافهم السفر إلى التبت عبر طريق الحرير”.
وعلى الرغم من أن لا أحد يعرف بالضبط متى استقر المجتمع في التبت؛ فقد قال مالك إن الدالاي لاما الثالث عشر، توبتين جياتسو، هو الذي منح العائلات قطعة أرض لبناء منازل ومواصلة أعمالهم في المنطقة، وهو الدالي الذي شغل منصبه من أواخر القرن التاسع عشر حتى وفاته سنة 1933، وقال مالك: “على مر السنين، تزوج أسلافنا من النساء التبتيات، وتعلموا اللغة التبتية وأصبحوا مجتمعًا متميزًا في لاسا. ولم يكن هناك قيود على ممارسة ديننا، لقد سُمح لنا ببناء مسجد خاص بنا والقيام بأعمالنا دون أي عائق”.
وبينما شرعت معظم القوى العظمى في إنهاء الاستعمار بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 – حيث حصلت ثلاثون دولة جديدة في آسيا وأفريقيا على الاستقلال من مستعمريها الأوروبيين في تلك الحقبة – كانت الصين توسع إمبراطوريتها في آسيا الوسطى من خلال تشديد قبضتها على التبت، وبدأت العلاقات بالفعل في التدهور عندما أعلن الدالاي لاما الثالث عشر استقلال التبت بعد سقوط أسرة تشينغ سنة 1912، واعتمد الإقليم علمه الوطني، وعملته وطوابعه وجوازات سفره وجيشه، لكن الصين رفضت إعلان الاستقلال وأرسلت قواتها إلى التبت سنة 1950، فيما أصبح يعرف باسم معركة تشامدو، للإطاحة بالحكومة التي حكمت المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي لما يقرب من 40 سنة.
وفي 23 أيار/مايو 1951، وتحت الضغط الصيني، وافقت حكومة التبت على اتفاقية من 17 نقطة تتضمن العودة إلى الوطن الأم، جمهورية الصين الشعبية، ولكن الاتفاقية لم تلق قبولًا جيدًا من قبل الولايات المتحدة، التي استثمرت بنشاط في الصراع؛ حيث طلبت واشنطن من الدالاي لاما الرابع عشر والحالي، تينزين جياتسو، التنصل علنًا من الاتفاقية، مدعيًا أنها تمت تحت الإكراه، من أجل تلقي المساعدة والدعم منها. وتم إلغاء الاتفاقية في نهاية المطاف من قبل مجتمع التبت في المنفى بعد فرار الدالاي لاما من البلاد سنة 1959.
ومع ذلك؛ واصل التبتيون رفع أصواتهم ضد القمع الصيني، وشارك الدالاي لاما في محادثات دبلوماسية مع الهند ودول أخرى لحل القضية سلميًّا. وفي سنة 1956؛ تمرد التبتيون ضد السلطات الصينية في مقاطعتي تشامدو وسيشوان في التبت. وفي نفس السنة؛ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى إنهاء القمع الصيني ضد التبتيين، الذين بدأوا الثورة في شرق التبت، في سنة 1958، ثم أعلنوا التمرد في لاسا سنة 1959، مما أدى في النهاية إلى نفي الدالاي لاما.
وفي 10 آذار/مارس 1959؛ اندلعت ثورة في عاصمة التبت بعد انتشار شائعات عن اعتقال الدالاي لاما. في البداية؛ نظم التبتيون احتجاجات سلمية، لكن الأمور تحولت إلى أعمال عنف عندما حمل البعض السلاح وتمردوا على السلطات الصينية، وقال مالك إن “جيش التحرير الشعبي لجأ إلى إطلاق النار مما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين”، وقد كتب ديفيد جي أتويل، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، في كتابه “شانغريلا الإسلامية: العلاقات بين آسيا والمجتمعات المسلمة في لاسا، من 1600 إلى 1960″، إنه على الرغم من أن الحكومة الصينية لم تقدم أي إحصائيات عن القتلى الذين وقعوا من الطرفين خلال الاشتباكات؛ إلا أن التقديرات تشير إلى أنه تم أسر أكثر من 4000 من قوات المتمردين.
وبعد فشل الانتفاضة ضد الحكم الصيني في آذار/مارس 1959، فر العديد من التبتيين، بمن فيهم الدالاي لاما، من المنطقة ولجؤأوا إلى الهند، وذلك بعد أن سار الدالاي لاما لمدة 14 يومًا فوق التضاريس الثلجية والوعرة؛ حيث أكدت الهند دخوله الآمن إلى البلاد في 4 نيسان/ أبريل 1959، وأخبر جواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند آنذاك، البرلمان الهندي أن الدالاي لاما كان مصحوبًا برفقة 80 شخصًا، عبروا نقطة تفتيش تشوتانغمو، على بعد حوالي 40 ميلًا جنوب توانج في هيماشال براديش، بالقرب من الحدود الشرقية لبوتانظ حيث استقبله مساعد مسؤول سياسي.
يبلغ معدل البطالة في جامو وكشمير 17 بالمئة، وهو ثالث أعلى معدل في البلاد
ولم يسمح نهرو للتبتيين فقط بالحصول على حق اللجوء في الهند، بل سهّل أيضًا تشكيل حكومتهم في المنفى، والتي تُسمى الإدارة التبتية المركزية، وحصل جميع المهاجرين على تصاريح إقامة، تسمى شهادات التسجيل، والتي كانت الحكومة الهندية تجددها كل سنة، وتقع في دارامشالا في هيماتشال براديش، ولا تزال الإدارة التبتية المركزية، تعمل كحكومة ظل للتبتيين الذين يعيشون في المنفى حول العالم، ولا سيما في الهند.
وبعد انتقال الدالاي لاما إلى الهند، كان على مسلمي التبت أن يقرروا مستقبلهم بأنفسهم، وخوفًا من فقدان الحرية الدينية في ظل الحكم الشيوعي الصيني، اتصلوا بالقنصلية الهندية في لاسا لتسهيل عودتهم إلى الهند، وقد لعب اثنان من الدبلوماسيين، وهم م. تشيببر وب. كاول، الذي كان القنصل العام للهند في لاسا آنذاك، دورًا محوريًا في تسهيل مرورهم الآمن إلى البلاد؛ حيث قال مالك: “كاول نفسه كان بانديت كشميري وكان يعرف تقريبًا جميع العائلات التي تعيش في لاسا، لذلك أبلغ الحكومة الهندية بالوضع، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء نهرو إلى مراسلة السلطات الصينية لتزويدنا بطريق آمن للعودة إلى الهند”.
ووفقًا لاتصالات رسمية موثقة في كتاب أتويل، زودت الهند السلطات الصينية بقائمة تضم 129 أسرة كشميرية مسلمة، تم ترحيلهم لاحقًا من التبت سنة 1960؛ حيث يتذكر مالك قائلًا: “صعدت جميع العائلات إلى المركبات العسكرية الصينية مع أمتعتهم وتم إنزالهم عند الحدود الهندية مع سيكيم في ذلك الوقت”، وأضاف: “على عكس الدالاي لاما وأتباعه الذين فروا من البلاد، فقد تم ترحيلنا نحن مسلمي التبت”.
وبعد الوصول إلى الهند، خيم المرحلون في البداية في كاليمبونج، ثم انتقلوا إلى دارجيلنغ في ولاية البنغال الغربية؛ حيث مكثوا لمدة ستة أشهر تقريبًا، وقال مالك: “في كاليمبونج، شكلنا أول اتحاد لنا برئاسة تاجر ثري، هو فيض الله تشيستي”، ونظرًا لأن لديهم جذور في كشمير وكانت الظروف المناخية مماثلة للتبت؛ أرادت العائلات الانتقال إلى الوادي، وأوضح مالك: “في البداية، نصحتنا حكومة الهند بعدم الذهاب إلى كشمير بسبب النزاع بين الهند وباكستان واقترحت أن نستقر في كاليمبونج أو ننتقل إلى بنغالورو في جنوب الهند”. ومع ذلك؛ فقد ضغطوا على الحكومة وانتقل ما يقرب من 90 بالمئة من العائلات إلى كشمير، وأضاف: “سافر البعض إلى نيبال، بينما استقر القليل منهم في كاليمبونج”.
وعند الوصول إلى كشمير؛ عاشت العائلات في مخيمات مؤقتة في حي إيدجاه في سريناجار. وفي وقت لاحق؛ قام بكشي غلام محمد، رئيس وزراء جامو وكشمير آنذاك، ببناء منازل لهم في نفس المنطقة. وحوالي عام 1975، بعد أن عاشوا هناك لمدة تقل عن عقدين، منحهم رئيس الوزراء في ذلك الوقت، الشيخ عبد الله، أرضًا مملوكة للدولة في منطقة حولي في سريناجار، والتي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم مستعمرة التبت.
بالإضافة إلى ذلك؛ قدمت الحكومة أيضًا قرضًا بقيمة 6000 روبية (75 دولارًا) لكل أسرة لبناء منازل. وقال مالك: “في كاليمبونج، أنشأنا صندوقًا للرعاية الاجتماعية استثمرناه لاحقًا في بناء منزلنا”، وأضاف: “لقد كان جهدًا جماعيًا للحكومة ولنا، وقد تمكنا من إعادة التوطن في أرض أجدادنا”. وفي حين أن بعض المنازل التي بناها بكشي لا تزال قائمة وتعيش هناك مجموعة صغيرة من العائلات؛ فقد هاجرت الغالبية إلى حوال.
وعلى الرغم من جذور أسلافهم في كشمير، وحتى بعد ستة عقود، لا يستطيع مسلمو التبت شراء أراض في المنطقة، والمنازل التي بنوها هي على أراض مملوكة للدولة ويفتقرون إلى شهادات الإقامة الدائمة المطلوبة لشراء العقارات في الولاية، وتمنع المادة 370 من الدستور الهندي، التي منحت ولاية جامو وكشمير وضعًا شبه مستقل في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، السكان غير التابعين للدولة من شراء الأراضي أو التقدم للوظائف الحكومية. وقال حبيب الله جانيا، الذي كان يبلغ من العمر عامين عندما انتقلت عائلته إلى الهند بعد انتفاضة سنة 1959، لمجلة “نيو لاينز”، إنه على الرغم من منحهم حق التصويت، إلا أنهم ما زالوا يعيشون مثل اللاجئين في كشمير بعد كل هذه السنوات”.
ولكن في سنة 2019 ألغت الحكومة الهندية المادة 370، وألغت الوضع شبه المستقل للمنطقة؛ وبالتالي فُتح المجال أمام المواطنين والمجتمعات الهندية مثل مسلمي التبت في كشمير، ولاجئي غرب باكستان، وأكثر من 5500 أسرة هندوسية وسيخية، الذين استقروا في جامو بعد التقسيم، لشراء العقارات والتقدم للوظائف الحكومية في الولاية، كما منحت الحكومة الهندية الجنسية للاجئي غرب باكستان مباشرة بعد الإلغاء وجعلتهم مقيمين دائمين، لكن هذه الإجراءات لم تنطبق على مسلمي التبت.
في ظل وجود قطاع خاص ضعيف، بافتتاح محلات التطريز أو منافذ الطعام التبتية. وانتقل آخرون إلى أجزاء مختلفة من الهند
وقال جانيا، الذي يعتقد أن الحياة في لاسا كانت أفضل منها في كشمير: “لقد اضطررنا إلى مغادرة التبت لحماية هويتنا الدينية. هنا؛ على الرغم من أننا أحرار في ممارسة ديننا، إلا أننا نشعر بأنه غير مرغوب فينا في بعض الأحيان”، وعلى الرغم من أن عائلته كانت تعيش في مساكن مستأجرة، فقد جمعوا ثروات في التبت وكانوا من بين أغنى التجار، بينما في كشمير توجد فرص عمل أو أعمال تجارية محدودة لأشخاص مثلهم. أما الوظائف الحكومية فهي مرموقة وأكثر أمانًا، وهذا هو السبب في أنها مرغوبة في كشمير وجنوب آسيا بشكل عام.
ويتذكر جانيا كيف يشعر اثنان من أبناء عمومته الذين ذهبوا إلى نيبال بالارتياح لعملهم في وظائف ثابتة كمعلمين في المدارس العامة. وعلى النقيض من ذلك، في كشمير، فإن الجيل الأول من مسلمي التبت غير مؤهلين للتقدم لهذه الوظائف الحكومية، وقد تواصلت مجلة نيو لاينز مع وزارة الداخلية في جامو وكشمير للحصول على تحديث بشأن وضع الإقامة الدائمة لمسلمي التبت، لكنها لم تتلق أي رد.
ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن مركز مراقبة الاقتصاد الهندي، يبلغ معدل البطالة في جامو وكشمير 17 بالمئة، وهو ثالث أعلى معدل في البلاد. ومع صعود التمرد المسلح في أوائل التسعينات؛ كان عدد قليل من الشركات على استعداد لتأسيس أعمال تجارية في المنطقة. وبالمقارنة مع الولايات الهندية الأخرى؛ تفتقر كشمير إلى قطاع خاص مزدهر. وبصرف النظر عن الأعمال التجارية الصغيرة في قطاعات مثل الألبان والدواجن والبستنة، فإن هناك فرص محدودة للتجارة، وهناك أيضا مجال في السياحة، لكن هذا يمثل تحديًا، بسبب حظر التجول والإغلاق المنتظم.
وقام العديد من الشباب التبتي، غير المؤهل للوظائف الحكومية أو الإقامة الدائمة، وفي ظل وجود قطاع خاص ضعيف، بافتتاح محلات التطريز أو منافذ الطعام التبتية. وانتقل آخرون إلى أجزاء مختلفة من الهند، إما للحصول على التعليم العالي أو للبحث عن وظائف في القطاع الخاص.
امتياز أحمد بهات، 38 سنة، حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم، ولكن نظرًا لقلة فرص العمل في المنطقة، افتتح متجرًا صغيرًا للتطريز عن طريق تحويل جزء من منزله إلى ورشة عمل، وقال بهات: “بعد أن فقدت والدي قبل خمس سنوات، وقعت جميع المسؤوليات الأسرية على كاهلي. لذلك، وفي ظل عدم وجود وظيفة مناسبة، افتتحت هذا المتجر لكسب لقمة العيش”، وأضاف بهات، وهو متزوج الآن، أنه راضٍ عن أرباحه، بل وأكثر من ذلك، فهو راضٍ عن القيام بالأعمال التقليدية التي تركها له أسلافه.
وأصبح التطريز التبتي – المعروف محليًّا باسم بوتا تيلا – جزءًا أساسيًا من الملابس الكشميرية، فهو تطريز بالإبرة وبخيوط ذهبية وفضية، وهي سمة بارزة على العباءة النسوية المعروفة تقليديًّا باسم “الفيران”، والتي يتم ارتداؤها في المناسبات الخاصة، وقال بهات: “يُنسب لنا الفضل في إدخال التطريز إلى كشمير. هذا عمل عائلتي، وأعتزم الاستمرار فيه”، وهناك ما لا يقل عن أربعة إلى خمسة متاجر تطريز في مستعمرة التبت، ويأتي العملاء من جميع أنحاء المدينة لتطريز ملابسهم بمجموعة متنوعة من التصاميم.
ومعظم أصحاب المتاجر هم من الجيل الثاني من مسلمي التبت، الذين كانوا إما أصغر من أن يتذكروا أو لم يولدوا أثناء الهجرة الجماعية من التبت، فقد وُلد والد بهات، غلام أحمد بهات، في التبت وكان يبلغ من العمر 7 سنوات عندما أعيدت الأسرة إلى الهند، وعلى الرغم من أن بهات لم يزر التبت أبدًا؛ إلا أنه سمع العديد من القصص من أجداده حول الوقت الذي أمضوه في المنطقة، وقال: “ربما في مكان ما أسفل الحدود قد أزور التبت للحصول على تجربة مباشرة للحكايات التي اعتاد كبار السن على سردها”.
ويدير أبو بكر نواجو، 43 سنة، مطعمًا في مستعمرة التبت يسمى “المطبخ التبتي”، وهو أيضًا خريج جامعي، وعمل في التطريز قبل أن ينشئ عمه المطعم الذي يديره هو الآن، وتتميز قائمة الطعام بالأطباق التبتية التقليدية والشهيرة مثل “المومو” وهي عبارة عن عجينة محشوة بكرات من اللحم الملفوف؛ و”ثوكبا” وهو حساء المعكرونة مع الدجاج الخالي من الدهن؛ و”شبالي” وهو خبز محشو باللحم والملفوف، و”تشاو مين” وهي معكرونة مع الخضار واللحم؛ وتظهر خلف عداد الفواتير صورة كبيرة لقصر بوتالا، والذي كان حتى سنة 1959 قصر الشتاء للدالاي لاما، في لاسا.
وقال نواجو إن شعبية المطبخ كانت في البداية مقتصرة على مجتمعهم، ولكن على مر السنين، أصبح السكان المحليون مغرمين بها، وعلى مدى السنوات الخمس إلى الست الماضية، تم افتتاح العديد من المطاعم التبتية في جميع أنحاء المدينة. وإلى جانب السكان المحليين؛ يأتي السياح الذين يزورون كشمير من ولايات الهند الأخرى أيضًا إلى هذه المطاعم لتذوق المأكولات التبتية الأصيلة.
وعلى كل حال؛ فالمجتمع التبتي لم يجلب طعامه التقليدي إلى أذواق الكشميريين فحسب، بل تبنى أيضًا المأكولات المحلية؛ حيث قال نواجو: “في المنزل، عادة ما نتناول الأرز ونشرب شاي الظهيرة، الشاي الوردي المملح، مثل الكشميريين. كما نحرص، خلال حفلات الزفاف، على طهي طبق “وزوان”، وهي وجبة كشميرية متعددة الأصناف، إلى جانب الأطباق التقليدية لدينا”.
وعلى الرغم من أن لديهم ألقاب كشميرية مثل ترامبو ومالك وبهات وشاه، والتي تؤكد أصلهم الكشميري، إلا أنهم يعيشون بين ثقافتين؛ الكشميرية والتبتية، وقد جعلهم هذا مجتمعًا فريدًا، تعززه حقيقة أن ملامحهم تميزهم عن غيرهم من الكشميريين. ولهذا السبب، غالبًا ما يكونون هدفًا للافتراءات العنصرية، فقد قال جانيا: “ينادينا الكثيرون بـ”تيبتي”، مما يجعلنا نشعر كما لو أن المجتمع الكشميري لم يقبلنا كواحد منهم”.
وعلى مر السنين؛ حافظ مسلمو التبت على علاقات وثيقة مع الإدارة التبتية المركزية والدالاي لاما، ففي سنة 2004، أنشأ المجتمع مدرسة بالقرب من مستعمرة التبت، تم تمويلها جزئيًّا من قبل الإدارة التبتية المركزية وتشرف عليها إدارة المدارس التبتية المركزية، والتي تأسست سنة 1961 كمجتمع من قبل حكومة الهند، وكان الهدف من إدارة المدارس التبتية المركزية هو إنشاء وإدارة ومساعدة المدارس لتعليم الأطفال التبتيين المهاجرين الذين يعيشون في الهند مع الحفاظ على ثقافتهم وتراثهم وتعزيزها. وحاليًا؛ تدير إدارة المدارس التبتية المركزية 55 مدرسة في الهند.
وعلى الرغم من أن المدرسة في سريناجار يديرها حصريًّا مسلمو التبت، إلا أنها مفتوحة للجميع، وقد قالت مديرة المدرسة، عبيدة علي، إن 755 طالبًا مسجلين حاليًا حتى الصف العاشر. وفي سنة 2012 وفي زيارته الأولى لكشمير؛ التقى الدالاي لاما بمسلمي التبت الذين يعيشون في الوادي، وزار المدرسة وتفاعل مع الطلاب. وفي سنة 2014؛ عندما شهدت كشمير فيضانات مدمرة أسفرت عن مقتل 300 شخص، تبرعت الإدارة التبتية المركزية بالأموال والمساعدة للضحايا. وفي سنة 2018؛ سافر أكثر من 15 طالبًا إلى دارامشالا في هيماتشال براديش واجتمعوا برئيس الإدارة التبتية المركزية، الدكتور لوبسانغ سانجاي، في أمانة الإدارة التبتية المركزية في كاشاج، وذلك حسبما قال سكرتير هيئة إدارة المدرسة، عرفان بات.
وقال عناية الله مالك، المدير السابق للمدرسة، الذي لديه ذكريات طفولة عزيزة في التبت: “ما زلت أرغب في زيارة المكان الذي ولدت فيه، قبل أن أموت”.
المصدر: مجلة نيو لاينز