تطرق مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي الذي استضافته إسطنبول يومي 21-22 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ إلى قضية “التضليل الإعلامي” كأحد أدوات تفشي ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في الغرب، مشددًا على ضرورة التصدي للحملات المضللة بهدف تصحيح الصورة المغلوطة التي تشوه المسلمين وتضعهم في مرمى العنصرية الغربية.
وأكد الإعلان الذي نشرته المنظمة عقب انتهاء فعاليات المؤتمر وجاء تحت عنوان “مناهضة التضليل الإعلامي وظاهرة الإسلاموفوبيا”، على ضرورة تكاتف كل الجهود من أجل مكافحة تلك الظاهرة المتنامية خلال السنوات الأخيرة والاستفادة من المنصات الجديدة والوسائل التقنية الحديثة في مواجهة التضليل الممنهج من الإعلام الغربي الذي يوظفه اليمين المتطرف لأغراض سياسية بحتة.
ودعا “إعلان إسطنبول” (عنوان البيان الختامي الصادر عن المؤتمر) الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي إلى إذكاء الوعي العالمي بأعمال التخريب والتدنيس للتراث الثقافي الإسلامي في الدول غير المسلمة، خاصة في تلك البقاع التي يواجه فيها المسلمون تطهيرًا عرقيًا ممنهجًا على مرأى ومسمع من الجميع دون أي مواقف حازمة.
التضليل الإعلامي.. سرطان الإسلاموفوبيا
ساعدت الرسالة الإعلامية المضللة في تفشي الإسلاموفوبيا كسرطان ينخر في عظم المجتمع الغربي والشرقي على حد سواء، فحين تنتفي المعلومة الصادقة ويغيب أهل الحق عن ساحة الدفاع عن حقهم فإن البيئة هنا تكون ملائمة تمامًا لأي تضليل أو افتراء، خاصة إن تلاقى ذلك مع مصالح حفنة من الساسة من أبناء اليمين المتطرف ممن يتعاملون مع تلك الظاهرة كورقة دعائية لإذكاء مفاهيم القومية والشعبوية التي تلقى حضورها لدى الشارع الغربي، وتساعدهم على تحقيق طموحاتهم السياسية.
وعلى مدار سنوات طويلة مضت غرد الإعلام الغربي منفردًا على أوتار الهجوم على المسلمين وتشويه صورتهم وترهيب المجتمع الغربي من وجودهم، بل إن بعض المنتسبين للمسلمين، ساسة وإعلاميين وحكومات، شاركوا في تلك الحملة، بقصد أو دون قصد، وهو ما زاد من معدلات الكراهية ضد الجاليات المسلمة، ولعل التقارير الرصدية الخاصة بحجم الجرائم العنصرية ضد المسلمين أكبر دليل على صحة تلك السردية.
مع تفاقم التضليل الإعلامي وتعاظم آثاره القاسية على حياة ومستقبل المسلمين في البلدان غير المسلمة بات التصدي له مسؤولية مشتركة يقع عاتقها على الجميع دون استثناء
وفي الوقت الذي كان الإعلام الغربي يشن هجومه صباحًا ومساءً على المسلمين استنادًا إلى حالات فردية يسعى لتعميمها لتحقيق أغراضه السياسية، كان الإعلام العربي والإسلامي مشغولًا بقضايا تافهة سطحية بعيدة تمامًا عن قائمة أولويات المسلمين، وهو ما جعل اليمين المتطرف يلعب وحده دون منافس، ليسدد هدفًا تلو الآخر دون دفاع إسلامي ناهيك بالهجوم.
وتحول خطاب الكراهية الإعلامي بحق المسلمين إلى “برنامج سياسي” لكثير من الأحزاب اليمينة المتطرفة التي لا تمتلك برنامجًا واقعيًا يلامس هموم المواطنين ومشاكلهم، وعليه لم تجد أمامها إلا هذا الملف لتعزيز حضورها الذي تزايد خلال السنوات الأخيرة بفضل هذا الخطاب الذي يغازل الكثير من القوميين والشعبويين في القارة العجوز.
مكافحة التضليل.. مسؤولية مشتركة
مع تفاقم التضليل الإعلامي وتعاظم آثاره القاسية على حياة ومستقبل المسلمين في البلدان غير المسلمة بات التصدي له مسؤولية مشتركة يقع عاتقها على الجميع دون استثناء، هذا ما أشار إليه رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، الذي دعا دول منظمة التعاون الإسلامي إلى التوحد والتكاتف في مكافحة التضليل الإعلامي والإسلاموفوبيا.
وأشار ألطون خلال كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر إسطنبول إلى تزايد محاولات إرساء أسس الأكاذيب والمعلومات المضللة في العالم عوضًا عن الحقيقة، موضحًا أن هذا التضليل بات يشكل تهديدات خطيرة من جميع الأبعاد على الأفراد والمجتمعات وعلى الاستقرار العالمي وأمنه، لافتًا إلى ازدياد منسوب وحجم التمييز والكراهية والعداء تجاه الإسلام والمسلمين بشكل ملحوظ في أنحاء العالم خصوصًا في البلدان الغربية.
المشاركون في المؤتمر اتفقوا على أن الإسلاموفوبيا أصبحت أحد أهم التهديدات التي تتربص بالعالم الإسلامي، ومن ثم فإن التصدي لها بشتى السبل فرض عين على الجميع، فيما طالب البعض بضرورة تبني رؤية طويلة المدى لفضح الأكاذيب الغربية بحق المسلمين وتصحيح الصورة المغلوطة بما يكشف المخططات التآمرية ويسقط أقنعتها أمام المواطن الأوروبي والأمريكي.
ووصف الحضور وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي بأنها “مصنع” لإنتاج المعلومات المضللة ونشرها بين المجتمع الغربي، وهو ما يزيد من فداحة الثمن الذي يدفعه المسلمون جراء هذا الإنتاج الغزير، ما يتطلب التحرك الفوري لمواجهة ذلك عبر أدوات عصرية توظف التطورات التكنولوجية الحاليّة لدحض تلك الأكاذيب.
الحديث عن الإعلام كعامل محوري في نشر الإسلاموفوبيا حديث قديم، ففي مايو/آيار 2013 وخلال مشاركته في المنتدى الإعلامي العربي الذي عقد في دبي، تحت عنوان “صناعة الإسلاموفوبيا: هل يُصحح الإعلام إدراك العرب والغرب؟”، قال مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عبد العزيز التويجري: “قضية تخويف الغرب من الإسلام ليست جديدة، لكنها بدأت مع بداية الإسلام، حيث تخوف المجتمع الجاهلي من الإسلام ورسالته، وتكونت جبهات لمواجهته بالتكذيب والتضليل والكذب على الناس”.
مشددًا على ضرورة “أن يعمل الإعلام على تصحيح هذه الصورة لدى الغرب عن الإسلام، ولدى المسلمين عن الغرب”، مختتمًا حديثه قائلًا: “أعتقد أن الإعلام يلعب دورًا مهمًا في كره الإسلام وبث العدائية تجاهه، ويمكن للإعلام أن يعتمد بشكل أقلّ على من يسمون أنفسهم محللين، وأن يشجعوا الإعلاميين – غير الحاقدين – ويثقفوهم بالدين الإسلامي كي يوقفوا هذا الهجوم الكبير عليه”.
يدق الزحف اليميني المتطرف في أوروبا ناقوس الخطر إزاء ما يهدد المسلمين هناك والبالغ عددهم 53 مليون مواطن يشكلون 5.2% من إجمالي سكان القارة العجوز، ما يتطلب تضافر الجهود للتصدي للحملات الممنهجة لتشويه المسلمين واستهدافهم
وفي دراسة أجراها المجلس الإسلامي في بريطانيا في 2019 أظهرت أن أحد أسباب انتشار الإسلاموفوبيا في بريطانيا تغطية وسائل الإعلام البريطانية للجالية المسلمة هناك، حيث اتسمت في معظمها بالميل نحو إبراز الأخبار السلبية، ما ساهم في تكوين صورة ذهنية مشوهة.
الدراسة أوضحت تصدر صحيفة “ميل أون صنداي” كأكثر الصحف تغطية سلبية للإسلام، فـ78% من قصصها تعرض للمسلمين موضوعات سلبية، وهو أعلى من متوسط القطاع الإعلامي البالغ 59%، أما صحف “نيو ستيتسمان” و”أوبزرفر” و”ذا غارديان” فكانت الأقل ترجيحًا لتصوير المسلمين بطريقة سلبية، وفقًا لتحليل 11000 مقالة وبث أخبار خلال الأشهر الثلاث الأخيرة من عام 2018.
زحف اليمين المتطرف.. تزايد المخاوف
تشهد أوروبا الآونة الأخيرة زحفًا واضحًا لليمين الراديكالي، ويبدو أن المزاج الأوروبي بصفة عامة بدأ يميل مرة أخرى نحو الخطاب الشعبوي، وهو ما يمكن تقييمه بشكل ملحوظ خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية التي جرت في بعض بلدان أوروبا، حيث حققت الأحزاب اليمينية تفوقًا مثيرًا للجدل.
ففي إيطاليا حقق حزب “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا) بزعامة جورجيا ميلوني، فوزًا ساحقا في الانتخابات العامة التي جرت بإيطاليا في 25 من سبتمبر/أيلول الماضي، وفي السويد نجح التحالف اليميني المؤلف من المعتدلين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين والديمقراطيين السويديين في الحصول على 176 مقعدًا في البرلمان مقابل 173 للتكتل اليساري من أصل 349 مقعدًا، في الانتخابات التي جرت مؤخرًا.
وفي ألمانيا حصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف على 10% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة التي جرت في سبتمبر/أيلول العام الماضي، أما في فرنسا فحصلت زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، على 41.8% في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التي جرت أبريل/نيسان الماضي وفاز بها إيمانويل ماكرون للمرة الثانية، وكان الحزب الشعبوي الفرنسي قد حصل على 89 مقعدًا في البرلمان الفرنسي في الانتخابات التي جرت يونيو/حزيران الماضي.
الوضع ذاته في المجر، إذ نجح حزب “فيدسيز” اليميني الراديكالي في حسم المعركة عقب فوزه بنسبة 52.73% من الأصوات، في الانتخابات التي جرت قبل 6 أشهر، ما سمح للشعبوي فيكتور أوربان بإعادة انتخابه رئيسًا للوزراء للمرة الرابعة بعدما حصل حزبه على أغلبية الثلثين في تلك الانتخابات، وسط تنامٍ واضح للتيار الشعبوي.
وهكذا يدق الزحف اليميني المتطرف في أوروبا ناقوس الخطر إزاء ما يهدد المسلمين هناك والبالغ عددهم 53 مليون مواطن يشكلون 5.2% من إجمالي سكان القارة العجوز، ما يتطلب تضافر الجهود للتصدي للحملات المنهجة لتشويه المسلمين واستهدافهم وذلك من خلال كشف زيف إعلامهم المضلل ومواجهته بالأدوات المتاحة.