ترجمة حفصة جودة
قبل 9 أعوام، وضع عزام رأسه في صندوق أسود بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عمّان، محاولًا إبقاء عينيه مفتوحتين بينما تومض الآلة، كان مرهقًا للغاية.
قبل شهور من قدومه إلى المكتب، انضم عزام إلى مظاهرة في حمص بسوريا، وقد اعتُقل وعُذب 3 أشهر قبل فراره إلى الأردن، كان عزام يأمل أن تكون هذه الآلة عالية التقنية التي تجري مسحًا لقزحية عينه وتسجله كلاجئ، بوابته لحياة أفضل.
يقول عزام وهو يجلس على أرضية شقته في عمّان بينما تغفو ابنته الرضيعة على ذراعيه: “أعلم إنني مطلوب من النظام، لكنني سجلت في مفوضية اللاجئين لأحصل على طعام، لقد أجروا مسحًا للقزحية لكنني لم أحصل على أي توضيح بشأن كيفية استخدامها وحمايتها”.
بدأت المنظمات الحكومية والإنسانية في تجميع قدر ضخم من المعلومات البيومترية (القياسات الحيوية) للاجئين السوريين الفارين من الحرب، وهو شرط أساسي لدخول بلد جديد والحصول على مساعدات إنسانية، ساعدت هذه البيانات البيومترية في تحقيق مكاسب ضخمة بتسجيل اللاجئين، وخفضت وقت الانتظار من 8 أشهر إلى صفر في الأردن.
دفعت أزمة كوفيد-19 المنظمات الإنسانية إلى زيادة استخدام المسح البيومتري الذي يتم دون تلامس، لكن مع توسع استخدام الطريقة، بدأ الباحثون في حقوق الإنسان يتساءلون عن مخاطر ذلك على بعض اللاجئين مثل عزام.
استخدم القطاع الإنساني الصور الفوتوغرافية من قبل لتحديد هوية اللاجئين، لكن القياسات البيومترية مثل بصمة الأصابع ومسح قزحية العين أسرع وأكثر دقة
تقول بلقيس ويلي، باحثة أولى بقسم النزاع والأزمات في هيومن رايتس ووتش: “نشعر بالقلق لأن هذه الأنشطة تحدث في بلاد ليس لديها قوانين لحماية البيانات على الأغلب، والمنظمات الإنسانية لا تشعر أنها ملزمة التقيد بمبادئ حماية البيانات خلاف ما تنص عليه سياساتها الداخلية”.
كيف تُستخدم القياسات البيومترية؟
تستخدم مفوضية اللاجئين القياسات البيومترية منذ بداية الألفية الثانية لتتبع اللاجئين من بروندي إلى ماليزيا، ومع ذلك فإن المفوضية في الأردن كانت الأولى التي تستخدم مسح القزحية لتسجيل اللاجئين وتوزيع المساعدات.
تجمع المفوضية مسح القزحيات للاجئين السوريين في الأردن ولبنان باستخدام نظام شركة “IrisGuard” الأردنية البريطانية، بالنظر إلى آلة الشركة، يمكن للاجئين دفع المشتريات أو سحب النقود من آلات الصرف الآلي في البنوك التي تعاقدت معها المفوضية مثل “Cairo Amman Bank” و”LibanPost” وشركات خاصة أخرى.
استخدم القطاع الإنساني الصور الفوتوغرافية من قبل لتحديد هوية اللاجئين، لكن القياسات البيومترية مثل بصمة الأصابع ومسح قزحية العين أسرع وأكثر دقة.
تمتلك المفوضية الآن واحدة من أكبر قواعد البيانات البيومترية متعددة الجنسيات في العالم، التي تحمل بيانات ملايين البالغين والأطفال فوق 5 سنوات، وهي تستخدم تلك البيانات للتعرف على اللاجئين ومقارنة الملفات البيومترية في قاعدة البيانات لمنع تسجيل اللاجئين مرتين وبالتالي مضاعفة المساعدات التي يحصلون عليها.
يقول أندرو هاربر ممثل المفوضية في الأردن: “حتى لو انتقل اللاجئ من الأردن إلى مصر، نستطيع أن نعرف أنه نفس الشخص”.
حتى اليوم فإن إجراءات حماية البيانات بالمفوضية مليئة بالغموض
انتشر استخدام القياسات البيومترية في أثناء جائحة كوفيد-19، وفي الأردن استخدم بنك “Cairo Amman” التعرف عن طريق العين في حافلات الصرف المتنقلة لمساعدة اللاجئين على صرف المساعدات، بينما استخدم برنامج الغذاء العالمي أجهزة مسح الأعين المتنقلة لتوصيل الطعام إلى اللاجئين، كما تحولت العديد من المنظمات غير الحكومية إلى استخدام آلات الصرف الآلي بمسح الأعين للحد من الاتصال بين اللاجئين والموظفين.
تقول ديمة التي تعمل في منظمة غير حكومية دولية كبيرة بدأت في استخدام أجهزة مسح الأعين لتوزيع النقود على اللاجئين: “لقد بدأنا في استخدام مسح الأعين لأنه أفضل للصحة، وكان كوفيد-19 السبب الرئيسي لذلك”، كما أضافت أن المنظمة لا تنوي تغيير النظام رغم انتهاء الجائحة.
غياب الموافقة المسبقة
منذ أن بدأت المفوضية باستخدام البيانات البيومترية، تغيرت مبادئ الموافقة وحماية البيانات الدولية، يقول كارل شتايناكر الموظف السابق في المفوضية: “تتميز التشريعات الحديثة مثل النظام الأوروبي العام لحماية البيانات وقانون كاليفورنيا بأشياء مثل حق الموافقة وحق النسيان، لكن الأنظمة القديمة صُممت بافتراضات مختلفة، لكن الخصوصية لم تكن عاملًا جوهريًا في التصميم”.
ورغم أن المفوضية قالت إن إدخال البيانات البيومترية ليس إلزاميًا، فإن الاستثناءات كانت نادرة، رغم أن الكثير من اللاجئين السوريين يهدفون إلى تجنب تسجيل بياناتهم البيومترية في سياقات أخرى.
في بحث غير رسمي أُجري على 10 لاجئين سوريين في عمّان، لم يُطلب من أي منهم موافقة مسبقة على ذلك ولم يعلموا كيف سيُستخدم هذا المسح، يتفق ذلك مع دراسة مسبقة في عمّان وجدت أن معظم اللاجئين السوريين غير واثقين بشأن الهدف من مسح الأعين ومن يمكنه الوصول إلى بياناتهم.
هذه النتائج مفهومة نظرًا لافتقار المفوضية لسياسة حماية بيانات متاحة للعامة حتى 2015، وذلك بعد سنوات من تقديم اللاجئين بياناتهم، وحتى اليوم فإن إجراءات حماية البيانات بالمفوضية مليئة بالغموض.
فمثلًا، أصدرت المنظمة بيانًا للاجئين تقول فيه: “لا نتشارك البيانات البيومترية مع أي طرف”، ومع ذلك فإن سياسة حماية البيانات الرسمية تنص على أنها ربما تنقل البيانات الشخصية بما في ذلك البيومترية إلى الحكومة الوطنية أو الدولية أو المنظمات غير الحكومية أو القطاع الخاص أو الأفراد.
هذا الغموض جدير بالملاحظة، فهذه البيانات البيومترية يمكن أن تُستخدم في أفعال شائنة، ففي أفغانستان ساعدت حكومة الولايات المتحدة ووكالات الأمم المتحدة والبنك الدولي في بناء أنظمة تضم بيانات بيومترية للأفغان من أجل المساعدات الإنسانية، لكن مع استيلاء طالبان على السلطة، تمكنت من دخول أجهزة البيانات البيومترية التي خلفتها القوات الأمريكية وتمكنوا من تحديد أماكن النشطاء وحلفاء أمريكا وغيرهم من المعرضين للخطر.
جمعت مفوضية اللاجئين أيضًا بيانات بيومترية للاجئي الروهينغا في بنغلاديش الفارين من الإبادة الجماعية في ميانمار، تشاركت المفوضية تلك البيانات مع بنغلاديش دون علم اللاجئين وحتى عندما كانت الحكومة البنغلاديشية تتفاوض مع ميانمار لإعادة اللاجئين.
هل تجمع الحكومات المضيفة البيانات البيومترية؟
تهدف الحكومات التي تستضيف لاجئين أيضًا إلى جمع البيانات البيومترية، فقد جمعت تركيا بصمات الأصابع وبصمات عروق الكف لأكثر من مليون لاجئ سوري من أوائل الوافدين وأضافتهم إلى نظام بصمة الإصبع البيومتري الوطني.
في 2016، مررت تركيا قانون حماية البيانات الشخصية الذي يستند إلى النظام الأوروبي العام لحماية البيانات ويمنع منظمات مثل مفوضية اللاجئين من جمع البيانات البيومترية للاجئين في تركيا ومعالجتها في خوادم خارج البلاد.
رغم أن الموافقة المسبقة أساسية في معظم تشريعات حماية البيانات، فإن اللاجئين الفارين لا يستطيعون الاختيار بحرية عندما تكون الموافقة على تقديم البيانات الشخصية مطلوبة للحصول على الوجبة التالية
على النقيض من تركيا، وفرت المفوضية معدات للسلطات اللبنانية والأدرنية دربتهم على استخدامها، والآن تستخدم المفوضية وحكومتا لبنان والأردن نفس الشركة “IrisGuard” لجمع البيانات.
تسعى المفوضية إلى إرضاء الحكومات المضيفة لذا تحاول الحفاظ على علاقات جيدة معهم، تقول ويلي: “تجمع السلطات الأردنية تلك البيانات في مخيمات تديرها المفوضية وبالطريقة التي أسستها المفوضية، هناك تساؤلات عن دور المفوضية في تسهيل عملية جمع البيانات”.
في لبنان، خاض المسؤولون معركة مع المفوضية للحصول على إذن دخول لقاعدة بياناتها، رغم توفير المفوضية الأجهزة البيومترية للحكومة اللبنانية، وفي 2014، قال وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك رشيد درباس إن الحكومة تعمل مع المفوضية لتأسيس نظام من شأنه تحويل البيانات، لماذا لا تقدم لنا المفوضية البيانات؟ إنها تعمل على أراض لبنانية.
أنكر موظفو المفوضية مشاركة مسح الأعين مع الحكومة اللبنانية الموالية للأسد، عادةً ما يقدم اللاجئون بياناتهم البيومترية للحصول على الطعام والمال.
ورغم أن الموافقة المسبقة أساسية في معظم تشريعات حماية البيانات، فإن اللاجئين الفارين لا يستطيعون الاختيار بحرية عندما تكون الموافقة على تقديم البيانات الشخصية مطلوبة للحصول على الوجبة التالية.
تستطيع المفوضية أيضًا الاحتفاظ بالبيانات حتى بعد توقف المساعدة، يقول عزام: “أخشى دائمًا العودة إلى سجن الأسد، والآن لا أحصل على أي مساعدات وكل ما أفكر فيه كيف أعول أسرتي”.
المصدر: ميدل إيست آي