انطلقت فعاليات “المؤتمر الاقتصادي – مصر 2022” الذي تنظمه الحكومة المصرية خلال الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، بمشاركة قرابة 500 شخصية من كبار الاقتصاديين والمفكرين والخبراء المتخصصين، لبحث معضلة الاقتصاد المصري وسبل الخروج من مأزقه الحاليّ.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته على هامش الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، تطرق إلى بعض الملفات التقليدية التي اعتادها بين الحين والآخر كتحميل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 مسؤولية الفشل الذريع والأزمة التي تحياها البلاد حاليًّا، بجانب استعراض الإنجازات التي حققتها حكوماته على مدار سنوات حكمه الثمانية.
كما شهد اليوم الأول الذي تضمن كلمة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، بعض المفاجآت فيما يتعلق بالأرقام المعلنة بشأن مسارات الاقتصاد المصري، بجانب المساعي الرامية لتجميل الصورة ومقارنة النجاحات التي تحققت في مصر بنظيراتها في بلدان أخرى مجاورة، وهو ما أثار الكثير من الجدل بشأن صحة ما تم الحديث عنه.
السمة الأبرز في المؤتمر – الذي تخيم عليه أجواء مؤتمر 2015 – في يومه الأول هو استدعاء أزمات الماضي لتبرير ما وصل إليه الحاضر من فشل على معظم المسارات، وهي السياسة التي اعتاد السيسي ونظامه انتهاجها خلال السنوات الماضية، خاصة بعد فشله في تحقيق كل الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه من أن يجعل مصر “بلد تانية” و”قد الدنيا”.
سياق مهم
يأتي هذا المؤتمر قبيل أيام قليلة من قمة المناخ (Cop27)، التي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ بداية من 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حتى الـ18 من الشهر نفسه، كأنه “بروفة” لتنظيم القمة التي من المتوقع أن يحضرها رؤساء وزعماء وقادة من 197 دولة حول العالم، التي تستعد لها الدولة المصرية منذ عدة أشهر.
كما أنها تستبق دعوات التظاهر التي يروج لها نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي 11/11 في ظل تصاعد معدلات الاحتقان الشعبي جراء السياسات المتبعة التي أدت إلى زيادة معدلات الفقر وتدني المستوى المعيشي، فضلًا عن الحزم الضريبية المفروضة على المواطنين التي أثقلت كاهلهم بشكل غير مسبوق.
لأول مرة يعترف رئيس الوزراء بخطورة الدين وأنه وصل إلى مستويات غير مسبوقة، كما أنه وبحسب تعبيره “تجاوز الحدود الآمنة”
الخطاب الهادئ لكل من السيسي ورئيس وزرائه ولغة الجسد لكليهما تذهب في اتجاه إرسال رسائل عاجلة لطمأنة الشارع وفق الأرقام المعلنة حكوميًا التي تشير إلى نجاح الدولة في تحقيق العديد من الإنجازات خلال السنوات الأخيرة رغم الأزمة الاقتصادية العالمية.
وحاول مدبولي قدر الإمكان مغازلة محدودي ومتوسطي الدخل ببعض الصور المعروضة خلال كلمته التي تظهر تزاحم المصريين على ركوب القطارات وسيارات النقل العام، في محاولة لتبرير الإفراط الواضح في مشروعات الطرق والكباري وشبكة القطارات السريعة والمونوريل التي لاقت انتقادات حادة من الشارع المصري، منوهًا أنه لولا تلك المشروعات لما استطاعت الدولة تنفيذ أي من خطتها وأن مثل هذه الخطط تستهدف راحة المواطن وتلبية طموحاته في المقام الأول ثم جذب الاستثمارات الخارجية لاحقًا.
اعتراف بخطورة الدين لأول مرة
كان الحديث عن الدين الخارجي لمصر طيلة السنوات الماضية يأتي في سياق عابر، فلا خطورة منه في ضوء معدلات النمو المرتفعة، ولا تبعات مقلقة بشأنه في ضوء الخطط الموضوعة للسداد وتوفير الغطاء النقدي لذلك، كان هذا هو الخطاب الرسمي للحكومات المصرية طيلة السنوات الثمانية الماضية رغم حالة القلق التي كانت تخيم على الشارع والخبراء معًا جراء القفزات الكبيرة في معدلات الاقتراض.
خلال المؤتمر الحاليّ لأول مرة يعترف رئيس الوزراء بخطورة الدين وأنه وصل إلى مستويات غير مسبوقة، كما أنه بحسب تعبيره “تجاوز الحدود الآمنة”، إذ بلغ إجمالي الدين الخارجي لمصر 157.8 مليار دولار، بعدما شهد في نهاية مارس/آذار 2022 ارتفاعًا بنحو 19.9 مليار دولار مقارنة بنهاية يونيو/حزيران 2021، وفق تقديرات البنك المركزي المصري.
غير أنه ورغم هذا الاعتراف غير المسبوق، فإن رئيس الحكومة حاول تخفيف وطأة هذا الاعتراف بالحديث عن معدلات النمو الاقتصاي الكبيرة، التي ربما يكون لها صداها على تقليل مخاطر هذا الارتفاع، قائلًا إن الكثير من الدول النامية – من ضمنها فيتنام وتركيا والبرازيل والهند – اتجهت للتوسع في الاقتراض لهذا السبب.
يذكر أن ديون مصر تضاعفت خلال سنوات حكم السيسي الثمانية إلى أكثر من 3 أضعاف، سواء الدين الخارجي أم المحلي، ليصل إلى قرابة 35% من الناتج الإجمالي مقارنة بـ15% خلال 2010، كما زاد نصيب الفرد من الديون ليصل إلى ما يقارب 900 دولار للفرد مقابل 400 فقط في نهاية العقد الأول من القرن الـ21.
استدعاء الماضي لتبرير فشل الحاضر
من إحدى إستراتيجيات نظام السيسي لتبرير الفشل في تلبية طموحات الشارع وعدم الوفاء بما قطعه على نفسه من عهود سابقة، استدعاء أزمات الماضي لإقناع الشارع أن ما يحدث اليوم رغم وضعيته تلك أفضل مما كان عليه الوضع في الماضي، مع تحميل هذا الماضي جزء من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد.
ففي كلمته التي استمرت نحو 90 دقيقة عقد رئيس الحكومة مقارنة بين المؤتمر الاقتصادي الحاليّ ومؤتمر عام 1982، لافتًا أن الدين الخارجي آنذاك كان قد تجاوز 150% من الناتج الإجمالي مع ارتفاع دين أجهزة الموازنة بنسب تتجاوز 100% خلال 19 عامًا، كأنه يحاول القول إن البلاد اليوم في حالة أفضل بكثير مما كانت عليه.
“هل (ثورتا) 2011 و2013، السبب في كل هذا (الأزمات والتحديات؟).. الإجابة نعم، لأنها أتاحت الفرصة للإسلام السياسي الوصول للحكم”.. عبد الفتاح السيسي
كما حمّل السيسي ومدبولي معًا العهود السابقة الجزء الأكبر من مسؤولية تدهور الوضع، إذ إن اقتصاد الدولة كان بحاجة إلى برامج إصلاحية قاسية وإعادة هيكلة لإحداث التوازن، لكن خشية الأنظمة الحاكمة في ذلك الوقت من ردة فعل الشارع حالت دون تنفيذ ذلك، مستشهدًا بانتفاضة الخبز 1977، ومع تراكم الأزمات عامًا تلو الآخر تفاقمت الأزمة، حتى جاء النظام الحاليّ ليجري عملية جراحية عاجلة بعيدًا عن سياسة التخدير الجزئي والمسكنات.
ويقول الرئيس المصري إن ممثلي قطاعات الدولة نصحوه بعدم الإقدام على قرار تعويم العملة المحلية (الجنيه) عام 2016، حيث فقدت العملة أكثر من ضعف قيمتها أمام الدولار، خشية ردود الفعل الشعبية، لكنه أصر على قراره، وكان يفكر وقتها إذا ما رفض الشعب هذا القرار في إقالة الحكومة والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
كالعادة.. شماعة يناير
وتمثل ثورة يناير 2011 الإستراتيجية الثانية للسيسي لتبرير الفشل، فلم يترك الرجل ساحة للحديث إلا وأشار تلميحًا أو تصريحًا لدور الثورة في تخريب البلد وأنها السبب الأبرز إن لم يكن الوحيد فيما وصلت إليه البلاد، متسائلًا في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية: “هل (ثورتا) 2011 و2013، السبب في كل هذا (الأزمات والتحديات؟).. الإجابة نعم، لأنها أتاحت الفرصة للإسلام السياسي الوصول للحكم”، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وأعاد الرئيس التذكير مرة أخرى بدور الإخوان السياسي خلال العقود الخمس الماضية ومسؤوليتهم فيما وصلت إليه البلاد اليوم، مشيرًا إلى أن “هذا الفصيل استقر بجهده خلال 50 عامًا بعد ما سمح الرئيس الراحل أنور السادات لهم بالحركة وصار لهم قواعد ومنهج بغض النظر سليم أم لا، ولكن ربنا أراد أمر آخر”.
وبنبرة ساخرة تحدث السيسي عن تيار الإسلام السياسي قائلًا: “فلما وصل (الإسلام السياسي) للحكم فشل ولم يعترف بفشله وبدأ (يعتبر) إننا ضد الدين، وبالتالي استعدانا كلنا ويطلب منا المصالحة”، دون أن يفصح الرئيس عن هوية من طلب منه المصالحة وموقفه ونظامه منها.
ويتعامل السيسي ونظامه مع ملف الإخوان كـ”ورقة دعائية” مضمونة الأثر، فكلما اشتد الخناق على النظام وزادت معدلات الاحتقان وتصاعدت الأسئلة على ألسنة المواطنين عن الوضع ومسؤولية السلطات الحاكمة عنه، غير وجهة الدفة ناحية الإخوان وخطرهم الداهم، وأن القضاء عليهم وحده إنجاز يستحق أن يبتلع بداخله أي قصور أو فشل في أي مسارات أخرى، مستندًا في ذلك إلى آلة إعلامية متشعبة وجيوش إلكترونية لا حصر لها.
رسالة للحلفاء
لم ينكر السيسي يومًا دور حلفائه الخليجيين في دعم دولة الثالث من يوليو/تموز 2013، إذ كانت هي الحاضنة الاقتصادية لتلك الدولة التي قامت على أنقاض أول تجربة ديمقراطية في البلاد، والضامن المالي في مواجهة ردود الفعل الإقليمية والدولية إزاء الانقلاب على الرئيس المنتخب، غير أن كلمته الأخيرة حملت رسالة ذات تأويلات عدة، حين قال: “حتى الأشقاء والأصدقاء أصبح لديهم قناعة أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى”، دون أن يوضح من هم، مضيفًا “هما بقالهم سنين بيساعدوا وأنت مش بتساعد نفسك”، مؤكدًا أن قدرات الدولة المصرية خلال العقود الماضية لم تكن كافية لتلقي ضربات متتالية كالأزمات الداخلية أو الحروب والصراعات الخارجية.
ويحاول السيسي إلقاء الكرة في ملعب حلفائه الخليجيين لإنقاذ دولته باعتبارهم طرفًا أصيلًا في إقامتها كونهم الراعي الرسمي للثورة المضادة في المنطقة، فحين يشير إلى أنهم لديهم قناعة بأن مصر غير قادرة على الوقوف مرة أخرى فإنه يلمح ضمنيًا إلى ضرورة الوقوف بجانبها حتى تستطيع النهوض مرة أخرى، خاصة في ظل هذا المأزق الخطير الذي يُخشى معه تصاعد معدلات الاحتقان لمستويات تتجاوز السلمية ومنصات السوشيال ميديا.
ولم تبخل دول الخليج في دعمها المقدم لدولة الجنرالات، وهو ما يمكن الوقوف عليه من خلال الأرقام الخاصة بحجم استثمارات تلك الدول في السوق المصري، إذ تتصدرهم السعودية بإجمالي استثمارات بلغت 53 مليار دولار موزعة على 5300 مشروع لتكون بذلك أكبر استثمار عربي في البلاد.
اعتياد النظام استخدام الشماعات ذاتها لتبرير فشله لم يعد يجد صداه لدى المواطن الذي جعل من حياته المعيشية اليومية ترمومترًا عمليًا لقياس مستوى الاقتصاد وتقييم أداء الدولة
فيما تحل دولة الإمارات في المرتبة الثانية بإجمالي استثمارات يبلغ 20 مليار دولار وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم ليصل إلى 35 مليار دولار خلال السنوات الخمسة القادمة، حيث قفز حجم استثمارها في السوق المصري من 712 مليون دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2020/2021 لتصل إلى 6.98 مليار درهم (1.9 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام المالي 2021/2022، بزيادة بلغت 169.1%.
وجاءت الكويت ثالثًا بإجمالي استثمارت وصل 15 مليار دولار كاستثمارات متراكمة، مقارنة بـ3.2 مليار دولار استثمارات بحرينية، فيما قفزت الاستثمارات القطرية من 94.4 مليون دولار في العام المالي 2014/2015 إلى نحو 507.9 مليون دولار في العام المالي 2020/2021، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.
لماذا لم تعد مبررات السيسي مقنعة؟
رغم الزخم الإعلامي المصاحب للمؤتمر، فإنه لم يلامس مساحات الاهتمام المتقدمة لدى رجل الشارع، مقارنة بما كان عليه الوضع خلال مؤتمر 2015 الذي صحبه هرولة مفرطة في معدلات التفاؤل بشأن المرحلة المقبلة، لكن بعد مرور 7 سنوات لم يجن المواطن سوى مزيد من التراجع والتدني في المستوى المعيشي.
اعتياد النظام استخدام الشماعات ذاتها لتبرير فشله لم يعد يجد صداه لدى المواطن الذي جعل من حياته المعيشية اليومية ترمومترًا عمليًا لقياس مستوى الاقتصاد وتقييم أداء الدولة، بعيدًا عن لغة الأرقام التي تعزف السلطات على أوتارها وليس لها أي مردود لدى الشارع.
استعذاب شيطنة الثورة كسبب للفشل وتحميلها المسؤولية كاملة دواء فقد صلاحيته ولم يعد له أي تأثير، فلسان حال المواطن يتساءل: إن كانت الثورة فعلت كل هذا في عامين ونصف، منهم عام ونصف كانت الدولة تحت قبضة المجلس العسكري، فماذا قدم النظام بعد 8 سنوات من الحكم؟ وهل الثورة هي سبب زيادة معدلات الديون الخارجية والداخلية؟ وهل الثورة من تسببت في تفاقم الأوضاع المعيشية وزادت من معدلات الفقر؟
وفي عصر التكنولوجيا المتطورة وسهولة تفنيد المعلومات المقدمة والتيقن من صحتها من عدمه، فإن وضع حديث السيسي ومسؤولي حكومته تحت مجهر التفنيد أمرًا ليس صعبًا، فبينما يلمح الرئيس إلى أن العهود السابقة هي السبب في هذا الفشل فإن الأرقام تقول إن مصر حتى نهاية يونيو/حزيران 1958 لم تكن مدينة للخارج بدولار واحد، ومع نهاية فترة جمال عبد الناصر 1970 وصلت الديون الخارجية 1.7 مليون دولار.
وفي عهد السيسي بلغ الدين مستويات غير مسبوقة في التاريخ المصري، فقد ارتفع من 43.2 مليار دولار في عهد مرسي إلى 157.8 مليار دولار، بمعدل تجاوز 300%
وحتى فترة حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 حين جيشت الدولة اقتصادها للتعبئة العامة وصلت الديون الخارجية إلى 2.6 مليار دولار، تضاعفت بعدها نحو أكثر 8 أضعاف قبل وفاة الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر/تشرين الأول، ووصلت إلى 22 مليار دولار، لترتفع إبان فترة حسني مبارك لتصل إلى 47.6 مليار دولار في يونيو/حزيران 1990 لينخفض إلى 34.9 مليار دولار 2011.
وخلال فترة حكم المجلس العسكري بعد الثورة الممتدة من 11 فبراير/شباط 2011 وحتى نهاية يونيو/حزيران 2012 وصل الدين الخارجي إلى 34.3 مليار دولار، تمثل 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ إجمالي الديون 86.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وخلال عام حكم محمد مرسي، زاد الدين الخارجي ليصل إلى 43.2 مليار دولار، تمثل 16.3% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ إجمالي الديون 98.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي عهد السيسي بلغ الدين مستويات غير مسبوقة في التاريخ المصري، فقد ارتفع من 43.2 مليار دولار في عهد مرسي إلى 157.8 مليار دولار، بمعدل تجاوز 300%، فيما خصص الجزء الأكبر من الموازنة لسداد أقساط وفوائد الدين، وهو ما تحمل تبعاته المواطن بشكل كبير.
قد يقول البعض إن حجم الدين ليس معيارًا لقياس معدلات الاقتصاد، فهناك دول ذات اقتصادات عملاقة وتعاني من أزمات ديون، وهو ما يجر للحديث عن معايير أخرى كقيمة العملة المحلية وهو المعيار الذي يراه البعض أكثر مصداقية، وعليه فقد شهد الجنيه المصري رحلة شاقة من الريادة إلى الانهيار.
ففي العهد الملكي وإبان ولاية الملك فاروق كان الجنيه المصري يساوي 4 دولارات، فيما كانت الديون الخارجية صفر، وبعد حراك يوليو/تموز 1952م وبداية عصر الجمهورية تراجعت قيمة الجنيه لتصل إلى أقل من 3 دولارات، وبنهاية عصر السادات (1970) استقر سعر صرف الجنيه عند 2.5 دولار.
وفي عام 1988 تراجع الجنيه ليصل إلى 1.5 دولارًا قبل أن ينهار ويتساوى مع العملة الأمريكية عام 1990، وقبيل الثورة وصل الدولار إلى 6 جنيهات، ليرتفع إلى 7 جنيهات بنهاية عهد مرسي، ليقفز بصورة جنونية منذ تولي السيسي الحكم حتى وصل اليوم نحو 19.63 جنيه مع توقع مزيد من الانخفاض الأيام القادمة.
من الواجب أن تكون مهمة المؤتمر الاقتصادي المنعقد حاليا هي البحث عن حل للمشكلة العويصة التي يعاني منها اقتصادنا عبر الاستعانة بأهل الاختصاص الذين جاءوا لتسمع السلطة قبل الشعب صوتهم، وليس المؤتمر فرصة لإعادة ما سمعناه عن “الإنجازات” أو تبرير ما حدث، أو تعبير عن مخاوف مما قد يحدث.
— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) October 23, 2022
ونتاجًا منطقيًا لتلك السياسات وذاك المؤشرات ارتفع معدل الفقر في مصر ليصل إلى 34% حسبما كشفت عضو مجلس الشيوخ المعينة من السيسي هدى عبد الناصر، في تصريحات إعلامية، عند مناقشة ميزانية العام الحاليّ، رغم أن إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) تقول إن معدل الفقر يقف عند حاجز 29.7%.
يذكر أن معدل الفقر في مصر لم يتجاوز حاجز 21.6% خلال عام 2008/2009 قبل أن يقفز إلى 26.3% عام 2012/2013 وصولًا إلى المعدلات الحاليّة في عهد السيسي وهي الأعلى تاريخيًا، مع الوضع في الاعتبار أن تقديرات أخرى، بعضها أممية، تشير إلى أن معدل الفقر الواقعي في مصر حاليًّا يصل إلى أكثر من 60% مع ترجيحات زيادة هذه النسبة مستقبلًا.
وتشير كل التقديرات إلى أن السياسات الاقتصادية والنقدية التي يتبعها النظام الحاليّ، حيث الميل نحو الحلول السهلة عبر الاقتراض فضلًا عن غياب فقه الأولويات في الإنفاق، هي السبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وليست الثورة ولا العهود السابقة، كما يحلو للرئيس أن يدندن.
في ضوء ما سبق فإن المؤتمر وإن كان يهدف – كما هو معلن – إلى قراءة المشهد الاقتصادي عن قرب لوضع حلول وخطط عاجلة لإنقاذه لكنه في النهاية لا يخرج عن كونه حدثًا دعائيًا يمارس فيه السيسي هوايته المفضلة في الخطابة، مع التذكير بين الحين والآخر بفضله في الإطاحة بالإخوان، واستمرار عزف لحنه المفضل على وتر تحميل الثورة وكل الأنظمة السابقة مسؤولية هذا الفشل، ليظل السيسي ونظامه بمنأى عن أي مسؤولية، خشية تعالي معدلات الاحتقان الشعبي التي يحاول النظام بشتى السبل تهدئة وطأتها بقدر الإمكان، إيمانًا منه أنها إن تطورت هذه المرة فلن تكون كما كانت قبل 11 عامًا، وهو ما يستميت لئلا يتكرر المشهد مرة أخرى.