ترجمة وتحرير: نون بوست
بالنسبة للهند، تعد الرقمنة جزءًا، بل وجزء كبير من برنامج التحديث الطموح للبلاد.
وقال أجاي كريشنان، مدير المحفظة الرئيسي لصندوق واساتش امورجينغ ماركتس سلكت فاند (WEMSF) الذي تبلغ قيمته 425 مليون دولار، في تقرير صدر في أيار/ مايو 2022: “تبني الهند بلدًا رقميًّا وأعتقد أن هذا ما سيخدمها جيدًا خلال العقد المقبل”.
ويزور محللو الاستثمار من شركة “واساتش جلوبال انفستورز”، ومقرها في مدينة سولت ليك سيتي بولاية يوتا، الهند منذ أكثر من 20 سنة ويعتقدون أنها قد أنجزت بالفعل عملية رقمنة كبيرة وتستعد لمزيد من النمو السريع؛ حيث يقول كريشنان: “يقلل المستثمرون من تقدير دفعة الرقمنة في الهند”.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية؛ وسعت حكومة الهند البنية التحتية للإنترنت عريض النطاق وأنشأت نظام مدفوعات رقمية عام بحيث يكون لكل شخص حسابًا مصرفيًّا بالإضافة إلى خزانة رقمية آمنة قائمة على السحابة لتخزين المستندات ومشاركتها والتحقق منها، ورأى كريشنا أن الدمج بين هذه الدفعة وبين الشباب الذين يتمتعون بالذكاء الرقمي، من شأنه أن يجعل الهند تبدأ دورة حميدة يمكن أن تستمر لسنوات قادمة.
وقالا مؤسسة واساتش إن الهند تقوم بإنشاء 30 كيلومترًا من الطرق السريعة يوميًّا وتتوقع أن تصل إلى 40 كيلومترًا في اليوم قريبًا، وتقوم المقاطعة بتوصيل 50 مليون شخص بالكهرباء كل سنة، وهو عدد أكبر من سكان إسبانيا، كما تسير الدولة على الطريق الصحيح لبناء أنظمة مترو متطورة في جميع مدنها الرئيسية. وعلاوة على ذلك؛ حددت الهند هدفًا لبناء 220 مطارًا جديدَا بحلول سنة 2025.
وفيما يتعلق بالمهارات الناعمة المهمة؛ يقول كريشنان إن الهند لديها ثاني أكبر عدد من المتحدثين باللغة الإنجليزية في العالم بعد الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية للأعمال. ومن جهتها؛ تشير مؤسسة إنصاف العلامة التجارية الهندية (IBEF) إلى أن الهند تضم أصغر سكان العالم؛ حيث يبلغ متوسط أعمارهم 29 سنة. في حين أن أكثر من 68 في المائة من الهنود تقل أعمارهم عن 40 سنة، من بينهم 70 في المائة من مستخدمي الإنترنت الفعليين، ومن المتوقع أن تضم الطبقة المتوسطة في الهند مليار شخص بحلول عام 2030، أي 70 في المائة من سكان الهند، وأن يتجاوز عدد سكانها الصين في سنة 2023. والأهم من ذلك؛ ستكسب الهند أكثر من 110 ملايين شخص في سن العمل بينما ستفقد الصين عدة ملايين ولديها عدد متزايد من المتقاعدين المسنين، ويتوقع نموذج للأمم المتحدة أن عدد سكان الصين، الذي يبلغ 1.4 مليار نسمة اليوم، سيبلغ ذروته في سنة 2028، ومن ثم سينكمش إلى حدود 700 و900 مليون بحلول سنة 2100.
وفي حزيران/ يونيو الماضي؛ قال إيان بريمر من مجموعة أوراسيا، إن أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية قد أصدرت تقريرًا – تم حذفه على الفور- مفاده أن عدد سكان الصين قد بلغ ذروته بالفعل السنة الماضية، وسوف ينخفض بشكل مطرد إلى 587 مليون في سنة 2100.
وتعتمد الرقمنة في الهند على آدهار، وهو برنامج هوية بيومترية سجل أكثر من مليار شخص (99 في المائة من سكان البلاد اعتبارًا من حزيران/ يونيو 2021)، مما يوفر لكل فرد بيانات اعتماد هوية فريدة يمكن التحقق منها والتي تعتبر ضرورية للتفاعلات الرقمية مع الحكومة والأسواق ومدفوعات الند للند (P2P) والخدمات المالية.
وأضاف كريشنان: “يُعد آدهار أساس الكثير من التقدم الرقمي والمالي والقانوني والتنظيمي في الهند التي سجلت أكثر من مليار شخص في حوالي خمس سنوات، وهو أسرع بثلاث سنوات من الوقت الذي استغرقه فيسبوك للوصول إلى مليار مستخدم “. كما تبحث الهند في تصدير آدهار وتشير التقارير إلى أن حوالي 20 دولة قد تكون مهتمة بذلك. وقد أقامت هيئة التعريف الفريدة للهند (UIDAI) شراكة مع البنك الدولي والأمم المتحدة لنشر بنية الهوية الرقمية “آدهار” خارج البلاد.
وتقود جهود الرقمنة في الهند الحكومة الوطنية التي بدأت بالقرب من الوطن؛ من خلال رقمنة الخدمات الحكومية، إلى حد الآن أكثر من 300 في حالة الهند. ويهدف برنامج الهند الرقمي الحكومي إلى “تحويل البلد إلى مجتمع مُمكّن رقميا وذو اقتصاد معرفي”. وقد أعطت أولوية قصوى للترويج لخدمات الدفع الرقمية تحت شعار “مجهول الهوية، بلا أوراق، بلا نقود”.
وتهدف الرؤية إلى توفير تسهيلات الدفع الرقمي السلس لجميع مواطني الهند بطريقة مريحة وسهلة وبأسعار معقولة وسريعة وآمنة، من خلال واجهة الدفع الموحدة (UPI) التي تعتبر منصة للعديد من خدمات الدفع الرقمية بما في ذلك جوجل باي، باي تي إم للمدفوعات، أو فون بي، أو أرتل ثانكس أو واجهة بهارات المالية لبنك الاحتياطي الهندي (BHIM).
يصطدم تبني العمليات الرقمية بأكبر بيروقراطية في العالم مع التسلسلات الهرمية والعادات الراسخة التي خلفها الراج البريطاني؛ حيث يتم تجهيز الملايين من هؤلاء البيروقراطيين للاستبدال بالتكنولوجيا التي يمكن أن تبسط الوظائف الحكومية، إذا سمح بذلك
وجعلت واجهة الدفع الموحدة الهند أكبر سوق للمدفوعات في الوقت الفعلي، وبينما تطور الهند عملة البنك المركزية الرقمية (CBDC)، يمكن لـ”آدهار” تمكين البنك من توفير حساب للجميع. ووفقًا لبنك الاحتياطي الهندي (RBI)، فإن العملة الرقمية الرسمية في الهند قيد الإعداد وسيتم إطلاقها بحلول 2022-2023. ولا تتطلب معاملات عملة البنك المركزية الرقمية حسابًا مصرفيًّا، وهو أمر بالغ الأهمية في البلدان النامية؛ حيث يفتقر ثلث السكان إلى الوصول إلى التمويل التقليدي ولكن لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول. وعن طريق استخدام رقم آدهار والهاتف الذكي، يمكن للعميل الهندي الذي لا يتعامل مع البنوك التعامل بسهولة باستخدام تطبيق الهاتف المحمول، وهو الأمر الذي يمكن الحكومات في العالم الصناعي من دمج أولئك الذين تم استبعادهم سابقًا من النظام المالي بسرعة.
وواجهة المدفوعات الموحدة (يو بي آي) في الدولة؛ هي خدمة مجانية، وهو تطبيق جوال يتيح للأشخاص تحويل الأموال إلى الأصدقاء ودفع الفواتير دون الحاجة إلى بطاقات الائتمان، ويمكن لبرنامج تحويل المنافع المباشر (دي بي تي) في الهند، والذي تم إطلاقه في سنة 2013، الاستفادة من ذلك، مما يجعل تقديم الفوائد أسرع ويحد من الاحتيال.
ولقد كان النمو الرقمي الهائل في الهند إلى حد كبير من خلال الهواتف المحمولة للاتصال بالإنترنت؛ حيث تعد شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية الخاصة بها واحدة من أكبر شبكات الاتصالات في العالم، وذلك لأنها تضم أكثر من 1.1 مليار مشترك في خدمة الهاتف المحمول، كما ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت من 343 مليونًا في سنة 2016 إلى 846 مليونًا في سنة 2021، ويتم إضافة مستخدمين جدد بأكثر من سبعة ملايين في الشهر، وقد كتب واساتش قائلًا إن أحد ركائز ديجيتال إنديا هو الوصول الشامل إلى اتصال الهاتف المحمول، والذي يهدف إلى توفير تغطية للقرى في الهند التي ليس لديها حاليًا خدمة الهاتف المحمول. وتعتبر شركة ريلاينس جيو أكبر شبكة “4G” في الهند، والتي يقول واساتش إنها منخفضة التكلفة للغاية وتوفر سعة صوت وبيانات أعلى بكثير وتستخدم نطاقًا تردديًا أقل مقارنة بالتقنية القديمة. وبحلول سنة 2021؛ كان لدى البلاد حوالي 846 مليون مستخدم للإنترنت وكانت تضيف أكثر من سبعة ملايين شهريًا.
وفي بعض الأحيان؛ يصطدم تبني العمليات الرقمية بأكبر بيروقراطية في العالم مع التسلسلات الهرمية والعادات الراسخة التي خلفها الراج البريطاني؛ حيث يتم تجهيز الملايين من هؤلاء البيروقراطيين للاستبدال بالتكنولوجيا التي يمكن أن تبسط الوظائف الحكومية، إذا سمح بذلك.
وكتب شيفام فاج، في صحيفة ذا برينت أنه “لا أحد، ولا حتى زعيم قوي مثل ناريندرا مودي، قادر على جعل البيروقراطية الهندية تهذب أساليبها، أي تقليل عدد الخطوات غير الضرورية في إجراءات التشغيل الموحدة المثالية، وجعل حياة الناس أسهل. ويبدو أن البيروقراطية موجودة لجعل حياة الناس أكثر صعوبة، لأن كل ترس في العجلة يحاول فقط أن يكون مخلصًا لمكتبه الخاص. لا أحد ينظر إلى الصورة الأكبر وهناك القليل من المساءلة”.
وكتب كي يتيساج رجوات، الرئيس التنفيذي لمركز الابتكار في السياسة العامة، أنه “بدون إصلاح البيروقراطية، لا يمكن تخيل الهند للوصول إلى أهدافها… السلطة داخل البيروقراطية مركزية للغاية، مما يؤدي إلى التأخير في اتخاذ القرارات وما يترتب على ذلك من فشل المشروع. ويركز التدريب على موظفي الفئة (أ) فقط بينما لا يُنظر إلى الدرجات المتبقية من النظام الذي يوظف أكثر من 20 مليون شخص على أنها مهمة بما يكفي للتدريب”.
اشتراكات الإنترنت تضاعفت أربع مرات في كل من 2017 و2018
وقدم زملاء من فيلق الابتكار الدولي بجامعة شيكاغو تقارير عن ملاحظاتهم أثناء استشارتهم بشأن نظام معلومات الإدارة (إم آي إس) لبرنامج محو الأمية الرقمية، ووجدوا أن الخدمة المدنية حافظت على أدوار وظيفية صارمة، فقد فُوٍّض كبار الضباط في العمل مثل كتابة مستندات “وورلد” أو التحقق من البريد الإلكتروني إلى “الكتّاب”، مثل كاتبي الاختزال أو الطابعين، و”هذا جزء لا يتجزأ من كيفية عمل الخدمات المدنية لدرجة أنه حتى عندما يكون الضابط مؤهلًا للتحقق من البريد الإلكتروني، يقوم بتكوين مستندات مايكروسوفت (إم إس) وورلد بمفرده، سيكون لديهم مختصو الاختزال / مشغلو الكمبيوتر للقيام بهذا العمل نيابة عنهم”.
وقدم معهد ماكينزي ملاحظات على المشهد الرقمي سريع التغير في الهند في تقرير سنة؛2019؛ حيث قال: “وجد تحليلنا لـ17 اقتصادًا ناضجًا وناشئًا أن الهند تعمل رقمنة بشكل أسرع من أي دولة أخرى في الدراسة، باستثناء إندونيسيا – وهناك مجال كبير للنمو: ما يزيد قليلاً عن 40 في المائة من السكان لديهم اشتراك على الإنترنت”.
وأضافت أن اشتراكات الإنترنت تضاعفت أربع مرات في كل من 2017 و2018؛ حيث قالت: “مدفوعة بشحن توربيني” من خلال العروض التنافسية من شركات الاتصالات، وأضاف ماكينزي أنه في حين أن نمو الهند جاء في المرتبة الثانية بعد إندونيسيا، إلا أنها لا تزال متخلفة عن “الاقتصادات الأربعة الأكثر رقمنة في 17 دولة: كوريا الجنوبية والسويد وسنغافورة والمملكة المتحدة”.
ولا يزال معهد ماكينزي العالمي متفائلاً ويعتقد أن البلاد يمكن أن تكون مرتبطة حقًا بحلول سنة 2025؛ حيث قال: “وجدنا أن القطاعات الرقمية الأساسية مثل تكنولوجيا المعلومات وإدارة العمليات التجارية (آي تي-بي بي إم) وخدمات الاتصالات الرقمية وتصنيع الإلكترونيات يمكن أن تضاعف مستوى الناتج المحلي الإجمالي لديها من 355 مليار دولار إلى 435 مليار دولار بحلول سنة 2025، في حين أن القطاعات الرقمية الحديثة (بما في ذلك الزراعة والتعليم والطاقة والخدمات المالية والرعاية الصحية واللوجستيات والبيع بالتجزئة) وكذلك التطبيقات الرقمية في الخدمات الحكومية وأسواق العمل يمكن أن تخلق من 10 مليار دولار إلى 150 مليار دولار من الزيادة القيمة الاقتصادية في نفس الفترة”.
المصدر: فوربس