يومًا بعد آخر، تتناقص مدة الـ 30 يومًا الممنوحة لرئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني، لإعلان كابينته الوزارية ومنحها الثقة في البرلمان العراقي، ومنذ يوم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يواجه مشاكل كبيرة وضغوطًا حزبية تتعلق بتمثيل الأحزاب داخل تشكيلته الائتلافية، لتنذر بأزمة سياسية جديدة قد تشهدها البلاد في الفترة المقبلة، وتنسف حديثًا تكرر كثيرًا عن استمرار التوافق السياسي، الذي أسفر مؤخرًا عن حسم انتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد عام من التعطيل عقب انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي.
منحت الأحزاب المتخاصمة باتفاقها على حسم الرئاستَين -الجمهورية والوزراء- فرصة لإنعاش النظام السياسي في العراق، لكن الخلافات الحزبية برزت في حلبة الصراع من جديد بعد وقت مستقطع وتفاهم هشّ ومؤقت، إذ تشير التسريبات إلى أن الخلافات حاضرة في صفوف جميع الأحزاب المتحاصصة، لكنّ الخصام الشيعي هو الأبرز ويتمحور حول منح الوزارات الأمنية لجهات لها ارتباط بأجنحة وفصائل مسلحة في العراق وولاء للخارج.
وأيضًا خلافات أخرى تتعلق بحقيبة النفط التي شغلتها على مدار السنوات الماضية شخصيات تابعة لرئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، إلا أن قوى أخرى نافذة في الإطار التنسيقي تحاول أخذها هذه المرة نظرًا إلى أهميتها الاقتصادية، وخصوصًا مع ارتفاع أسعار النفط خلال أزمة عالمية، كما تحاول عدة أحزاب في الإطار أيضًا الاستحواذ على الوزارات ذات التخصيصات المالية الكبيرة، والهيمنة عليها، وتوظيف موارد الوزارة لصالحها.
في كواليس الأزمة تشير بعض المعطيات إلى أن صراعًا موازيًا يجري داخل الأحزاب المنضوية تحت تحالف الفتح، وتكشف التسريبات أن كلًّا من كتلة “صادقون” التابعة لـ”عصائب أهل الحق” برئاسة قيس الخزعلي، و”حقوق” التابعة لـ”كتائب حزب الله”، وفصائل أخرى تسعى للاستحواذ على عدة مناصب أمنية في الوزارات والهيئات والأجهزة الأمنية والاستخبارية، وبالتحديد جهازَي المخابرات العراقي والأمن الوطني، لكن امتلاك فصائل مسلحة لها ولاء معلن لإيران سيسبّب بالتأكيد ردة فعل غربية وخشية عربية من ذهاب أهم أجهزة الدولة إلى يد تلك الفصائل.
ماذا لو ترك المكلّف المهمة؟
في سياق الصراع على المناصب الأمنية، تخوض منظمة بدر -بقيادة رئيس تحالف الفتح هادي العامري- حربًا مع ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي للحصول على حقيبة الداخلية، كل هذه الخلافات جعلت العديد من الشخصيات السياسية المقرّبة من الإطار التنسيقي تطلق تحذيرات متواصلة خشية ظهور الصراعات الخفية بعض الشيء إلى العلن، إذ تساءلت عدة قيادات شيعية “ماذا لو ترك المكلف المهمة؟” في إشارة ضاغطة لعودة الأزمة السياسية إلى مربعها الأول قبل الاتفاق على السوداني.
كل هذه التطورات يراقبها الصدريون بحذر ويلملمون أوراقهم من جديد، بعد الخطأ الكبير المتمثل في سحب الكتلة الصدرية من البرلمان، كما يجري تشكيل الحكومة بإعلان الخصم الرئيسي للإطار التنسيقي، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عدم مشاركته في الحكومة المقبلة.
في مجمل الخلافات يجري الحديث في الغرف السياسية عن نفوذ وسطوة أحزاب تقليدية، تريد فرض أسماء تقليدية أيضًا لتسليمها حقائب وزارية في حكومة السوداني، وتبدو الخلافات واضحة مع المكلف بالتشكيلة من خلال إشارات بعثها مكتب المكلف، تتعلق بالأجواء السياسية التي يشهدها العراق في مرحلة تشكيل حكومته الجديدة، واصفًا حكومته المقبلة بـ”الائتلافية”.
كما قال إن “المباحثات مع الكتل السياسية المشتركة في الحكومة القادمة مستمرة، وإجراء المقابلات مع مرشحي هذه القوى للمناصب”، وتحديد موعد جلسة البرلمان الخاصة بمنحها الثقة مرهون بانتهاء أعمال لجنة استشارية يرأسها السواني، ثم إعلان المؤهّلين بعد اجتياز فحص الكفاءة والسلامة القانونية تمهيدًا لدخولهم البيت التشريعي ومنحهم الثقة.
حكومة السوداني لن تختلف عن سابقتها من خلال الإجراءات المتّبعة في عملية تشكيلها.
في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي كان من المفترض عقد جلسة البرلمان الخاصة بمنح الثقة، لكن القوى الأساسية -ائتلاف إدارة الدولة- أرجأتها إلى أجل غير معلن، بسبب الخلافات الكبيرة التي تشهدها مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، والتي تتقاسمها الكتلة والطوائف والمكونات على أساس المحاصصة كما تجري عليه العادة في العراق.
الدولة ضائعة في كنف الأحزاب
باتت قوى الإطار التنسيقي في موقف محرج من خلال بروز الأزمة من جديد، حيث يخيّم التوتر على علاقة السوداني بالقوى التقليدية، التي هو بأمسّ الحاجة إليها لتمرير كابينته الوزارية داخل البرلمان، إذ تُظهر المؤشرات حالة من التشظّي تعصف بتحالف إدارة الدولة الذي يضمّ أحزابًا شيعية -عدا الصدريين-، منضوية تحت الإطار التنسيقي الذي يملك 138 نائبًا من أصل 329.
هذا فضلًا عن الحزبَين الكرديَّين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بالإضافة إلى تحالف “السيادة” السنّي، حيث قد تعيد الخلافات رسم خريطة التحالفات من جديد، خصوصًا بعد تشكيل الحكومة بسبب عدم حصولها على تمثيل وزاري، مشهد تحالفي آخر يشير إلى عمق الأزمة والانقسام داخل البيت التشريعي وخارجه.
تشير المعطيات إلى أن حكومة السوداني لن تختلف عن سابقتها من خلال الإجراءات المتّبعة في عملية تشكيلها، إذ برزت المحاصصة بشكل كبير، حتى قبل إعلان التشكيلة النهائية، والتي يتوقع أن تكون مؤلَّفة من 22 أو 24 حقيبة وزارية، يريد السوداني تمريرها دفعة واحدة في جلسة مرتقبة للبرلمان، وتريد بعض القوى الاستعجال في تمريرها على مراحل بتشكيل يتيح لها إزاحة الكاظمي من الحكم عبر حكومة تصريف الأعمال.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تستعر حرب موازية بين القوى السياسية من خلال جيوش إلكترونية وحملات حزبية منظمة، وظيفتها حرق أسماء مرشحي الكابينة الوزارية الجديدة، قبل طرحها بشكل رسمي ونهائي داخل البرلمان ومنحها ثقته، وحتى ذلك الحين تبدو الدولة ضائعة في كنف أحزاب تتقاسمها.