ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما تبحث أوروبا عن بدائل لتحرير نفسها من الطاقة الروسية؛ يمكن أن تجد دول الاتحاد الأوروبي منافذ مهمة بالتوجه إلى ناميبيا، وهي دولة صحراوية تقع في جنوب إفريقيا، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي أن الاتحاد الأوروبي سوف يبني “احتياطيات استراتيجية” لتجنب انقطاع الإمدادات في المواد الخام “الحرجة” التي يحتاجها مجال الصناعة لديها، ولا سيما الأتربة النادرة ومادة الليثيوم، التي تتحكم الصين في الإمداد العالمي بها.
أوروبا تريد الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة
تمتلك ناميبيا احتياطيات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، ويجري تطوير مشروع تعدين ومعالجة مع شركة إن سي إم الكندية. ووفقًا للأرقام، ستتضاعف احتياجات الاتحاد الأوروبي من المعادن الأرضية النادرة بخمسة أضعاف بحلول سنة 2030، أما بالنسبة لاحتياجات الليثيوم؛ فهي ترتفع مع تزويد الاقتصاد بالكهرباء.
في هذا الصدد، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين؛ حيث إن الليثيوم وهو المكون الأساسي للبطاريات الكهربائية والمعادن النادرة الإستراتيجية اللازمة لتصنيع الرقائق وشاشات الكريستال السائل والمعدات العسكرية أو العنفات الريحية؛ “سيكون قريبًا أكثر أهمية من النفط والغاز”، كما حذرت فون دير لاين خلال “خطاب حالة الاتحاد الأوروبي”: “ينبغي أن نتجنب الوقوع في حالة التبعية مرة أخرى كما هو الحال مع النفط والغاز”.
في الواقع، تكمن المشكلة في أنه في الوقت الحالي، دولة واحدة تتحكم في السوق بالكامل تقريبا حيث تتم معالجة ما يقرب من 90 بالمائة من المعادن النادرة و60 بالمائة من الليثيوم في الصين.
لضمان احتياطياتها، يجب على أوروبا أن تتصرف بسرعة وإلا سوف تواجه صعوبات اعتبارا من سنة 2030، مما يهدد أهدافها فيما يتعلق بالحكم الذاتي والمناخ ، كما حذر تقرير نُشر في شهر أبريل/ نيسان الماضي. لاستبدال الهيدروكربونات وتحقيق الحياد الكربوني في سنة 2050، سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى 35 ضعفًا من الليثيوم بحلول ذلك التاريخ مقارنة باليوم (800000 طن سنويًا)، حسب ما حسبه باحثون من جامعة لوفان الكاثوليكية لصالح يورو ميتو، الرابطة الأوروبية لمنتجي المعادن.
مركز للطاقات المتجددة في طور التكوين
تمثل ناميبيا الآن مسارًا جادًّا؛ حيث وقعت ويندهوك للتو اتفاقية مؤقتة مع الاتحاد الأوروبي لبيع معادنها النادرة. بالإضافة إلى المعادن؛ تهدف ناميبيا إلى وضع نفسها كمركز للطاقة المتجددة ولا سيما بفضل إمكاناتها الهائلة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وبينما يعتزم الاتحاد الأوروبي إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين من مصادر متجددة بحلول عام 2030؛ فإنه يعتمد أيضًا على 10 ملايين طن من الواردات لتحل محل الفحم والنفط والغاز في قطاعات معينة من الصناعة والنقل. ويتم الترويج للهيدروجين الأخضر (الهيدروجين المنتج من الطاقة المتجددة) كبديل نظيف للوقود الأحفوري الذي يمكن أن يدعم الصناعات الثقيلة والنقل.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على “الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا بشأن الهيدروجين” لتقليل استخدامه للغاز، وإزالة الكربون من أنشطته الصناعية بدءًا من الموانئ الرئيسية؛ حيث تتركز الأنشطة التي تستهلك الغاز الطبيعي الصلب والمواد الكيميائية وما إلى ذلك.
من جانبها؛ أطلقت ناميبيا عملياتها، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي وقع اختيارها على مشغلي أول وحدة لإنتاج الكهرباء الشمسية مستقبلًا وهما ائتلاف الواصلة الذي يضم نيكولاس هولدينغ باعتباره صندوق استثمار دولي ومجموعة الطاقة الألمانية إينارتراج، والتي يتوجب عليها إنتاج حوالي 5000 ميجاوات بداية من عام 2026 في حديقة تسو خايب. بدورها؛ أعلنت الشركة الفرنسية “إتش دي إف إنيرجي” أيضًا عن بعث مشروع في ناميبيا لإنتاج الكهرباء الشمسية ثم الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للمياه المحلاة.
بخصوص السياسة التي سوف تعتمدها الدولة من أجل الاستفادة من مواردها، قال توم الويندو، وهو وزير الطاقة والمناجم في جمهورية ناميبيا الخميس الماضي: “مبدئيًّا اتفقنا على الشروط، و بقطع النظر عن طبيعة المواد، ستقع معالجتها داخل البلاد”.
شدد المستشار الاقتصادي لرئاسة ناميبيا، أنه عقب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، ويمكن أن تصبح ناميبيا مصدرًا صافيًا للكهرباء.
إن المعادلة التي ستتبعها الدولة بسيطة للغاية، بموجبها سيتم استخدام الكهرباء الشمسية المنتجة في المواقع بواسطة محلل كهربائي، لكسر جزيئات ماء البحر المحلى لإنتاج ما يسمى الهيدروجين الأخضر الذي ينتمي إلى الكهرباء المتجددة.
بعد ذلك؛ يُخلط هذا الهيدروجين مع النيتروجين الموجود بشكل طبيعي في الهواء لإنتاج الأمونيا، والتي يمكن استخدامها كوقود لبعض القوارب الكبيرة قيد الصنع، أو في صنع الأسمدة الزراعية أو من أجل تيسير نقل الهيدروجين إلى العديد من البلدان. ومن أجل بلوغ هذه الأهداف ينبغي استقطاب استثمارات كافية على وجه الخصوص من الشركات الأوروبية.
أما جيمس منيوبي، المستشار الاقتصادي لرئاسة ناميبيا، فقد شدد في آيار/مايو المنقضي، أنه عقب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، ويمكن أن تصبح ناميبيا مصدرًا صافيًا للكهرباء.
ويضيف منيوبي: “في الوقت الحالي؛ تستورد بلادنا ما بين 60 و70 بالمئة من حاجياتنا من الكهرباء، خاصة من جنوب إفريقيا، وسيكون هذا المخطط الخطوة الأولى نحو التحرر الاقتصادي”.
ويؤكد المسؤول الناميبي أن ناميبيا تحاول توفير بيئة تحفيزية للقطاع الخاص تشجعهم على المجازفة وتشييد مشاريع مربحة.
وينوه المستشار الاقتصادي إلى رغبة الشركات الصينية في الاستثمار في هذا المجال داخل ناميبيا، مؤكدًا أن بلاده ستمد يد العون إلى جميع الجهات التي تنسجم مخططاتها مع رؤية تحويل ناميبيا الى بلد صناعي.
المصدر: لوبوان