ترجمة وتحرير: نون بوست
إنه بالمعنى الحرفي للكلمة سؤال التريليون دولار: كيف انتقل “تيك توك” من شبكة اجتماعية متخصصة للمراهقين الذين ينشرون مقاطع لمزامنة الشفاه إلى التطبيق الأكثر شعبية في العالم الغربي، لدرجة تهديد عرش “فيسبوك” في غضون سنوات قليلة فقط؟
هناك العديد من الإجابات الصحيحة المحتملة لهذا السؤال، ويدين تطبيق “تيك توك” بنجاحه الهائل إلى ثُلّة من الخيارات الذكية بما في ذلك أدوات سهلة الاستعمال لإنشاء مقاطع الفيديو التي طمست الخط الفاصل بين صانع المحتوى والمستهلك، متفوقا بذلك على “يوتيوب”. كما يوفر التطبيق مجموعة ضخمة من المقاطع الموسيقية المرخصة سمحت للمستخدمين بإنتاج فيديوهاتهم دون خوف من حذفها بسبب حقوق النشر. بالإضافة إلى ذلك، نظم “تيك توك” حملة إعلانية قيمتها مليار دولار عبر “فيسبوك” و”إنستغرام” جذب من خلالها العديد من المستخدمين الجدد بالسرعة نفسها التي خسرت بها شركة مارك زوكربيرغ مستخدميها.
مع ذلك، تظل الصفحة الرئيسية والخوارزميات الأداة الأقوى التي استطاع من خلالها “تيك توك” جذب المستخدمين وإبقائهم نشطين على الموقع.
الصفحة الرئيسية هي الواجهة الافتراضية التي يراها المستخدمون الجدد عند فتح التطبيق. وحتى إذا كنت لا تتابع أي حساب آخر، ممتلئة على الفور ببث لا ينتهي من مقاطع الفيديو القصيرة الأكثر انتشارًا على التطبيق.
أعطى هذا القرار الشركة بالفعل ميزة مقارنة بمنافسيها، حيث أنه بمجرد فتح حساب “فيسبوك” أو “تويتر” ستجد أنه فارغ لا يحتوي على أصدقاء أو متابعين، ولكن “تيك توك” يخوض بك مباشرة في البث منذ اليوم الأول. وما يحدث بعد ذلك يمثل السلاح السري للشركة.
أثناء تصفح الصفحة الرئيسية، تبدأ نوعية ومحتوى الفيديوهات التي تظهر للمستخدم في التغيّر بشكل تدريجي، حتى تنجح الخوارزميات بشكل غير معقول في إدراك مقاطع الفيديو التي ستثير اهتمامك، على حد تعبير المستخدمين العاديين للتطبيق.
ظاهريًا، تتحدث الشركة بانفتاح حول كيفية عمل هذه الخوارزمية. وقد قالت في سنة 2020 إن “التوصيات تستند إلى عدد من العوامل، بما في ذلك تفاعلات المستخدم مثل مقاطع الفيديو التي تعجبك أو تشاركها، والحسابات التي تتابعها، والتعليقات التي تنشرها، والمحتوى الذي تنشئه، ومعلومات الفيديو التي قد تتضمن تفاصيل مثل التسميات التوضيحية والأصوات وعلامات التصنيف، وإعدادات الجهاز والحساب مثل اللغة المفضلة وإعدادات البلد ونوع الجهاز”.
يقول كريس ستوكل ووكر، مؤلف كتاب “ازدهار تيك توك”، إن “كيفية ترجيح هذه المدخلات المختلفة والعوامل الدقيقة التي تؤدي إلى وصول أي مقطع فيديو معين إلى شاشتك أمر مبهم. هناك شخص واحد في تيك توك مسؤول عن محاولة تتبع ما ينشر بسرعة ولماذا أخبرني أحد الموظفين في كتابي أنه “لا توجد تركيبة لذلك، لا توجد صيغة سحرية”. واعترف الموظف أنه “لا يفكر في هذا السؤال، ولا يعتقد حتى أن فريق الخوارزميات لديه الجواب. إنه أمر معقد للغاية”.
يتمثل أحد الابتكارات الحاسمة في حقيقة أنه على عكس خوارزميات التوصيات القديمة، لا ينتظر “تيك توك” أن يعبر المستخدم عن إعجابه بمقطع فيديو عبر النقر على زر الإعجاب، أو يرضي نفسه من خلال الحكم على ما يختار المستخدم مشاهدته. بدلاً من ذلك، يبدو أن “تيك توك” يختبر تنبؤاته الخاصة بنشاط، ويجرب من خلال عرض مقاطع الفيديو التي يعتقد أنها قد تكون ممتعة ومن ثم يقيس كيفية تفاعل المستخدم معها.
يوضح ستوكل ووكر أن “التطبيق يتخطى حدود اهتماماتك ويراقب كيفية تفاعلك مع مقاطع الفيديو الجديدة التي يضعها في صفحتك الرئيسية. وإذا اعتقدت الخوارزميات أنك تحب مشاهدة مقاطع فيديو عن مسابقة الفورمولا 1، مثلا، فقد يعرض لك التطبيق بعض مقاطع الفيديو عن السيارات الخارقة”.
يقول ساشا مورغان إيفانز، رئيس استوديو “تيك توك” في وكالة “أوك كول”، إن هذه الخوارزميات تسمح للتطبيق بتحديد خصائص اهتمامات المستخدم، ولكنها تعتبر أيضًا شديدة الأهمية مما يقدمه الموقع لصانعي المحتوى. يُعرض كل مقطع فيديو منشور على “تيك توك” إلى شخص واحد على الأقل عبر الصفحة الرئيسية”.
يتابع حديثه قائلا “لقد اكتشفنا، بناءً على كيفية تراكم المشاهدات، أن “تيك توك” يقدم كل مقطع فيديو فردي إلى مجموعات من المستخدمين. ويزداد عدد المستخدمين في هذه المجموعات مع كل جولة ناجحة، حيث كان لغالبية المستخدمين داخل المجموعة عدد كبير من التفاعلات الإيجابية مع الفيديو”.
هذا يعني أن كل مستخدم لديه فرصة الحصول على الشهرة العالمية. وحتى إذا لم يكن لديك متابعون على الإطلاق، فإن مقطع الفيديو الخاص بك سينتقل في النهاية إلى صفحة الرئيسية الخاصة بمستخدم ما، وفي حال تفاعل بشكل إيجابي، فيمكنك الوصول إلى الآلاف أو الملايين من المشاهدين بسرعة كبيرة. وتساعد سرعة مقاطع تيك توك على شحذ بياناتها بسرعة. في هذا السياق: يقول ستوكل وولكر: “فكر في عدد مقاطع الفيديو التي تشاهدها في ساعة على يوتيوب والبيانات التي تنشأ عنك – مقابل عدد مقاطع الفيديو التي يمكنك مشاهدتها على تيك توك”.
لكن الصفحة الرئيسية لا تعمل بطرق سحرية وأي شكل من أشكال فشلها يمكن أن تكون مفيدة مثل الطرق التي تنجح بها. سيلاحظ المستخدمون الجدد للتطبيق أنه مهووس بجمع البيانات الشخصية، والتوسل للوصول إلى قائمة جهات الاتصال وتتبع كل فيديو مشترك وارد وصادر. قم برفض نقاط البيانات هذه، وعندئذ سيضطر التطبيق إلى تقديم أكثر نسخة عامة ممكنة ومخصصة بناء على المعلومات الضئيلة التي تمكن من جمعها من بيانات تحديد الموقع الجغرافي وتفاصيل الجهاز.
ولكن عندما يُسمح للتطبيق بالحصول على كامل المعلومات، يكون أداء الخوارزميات جيد جدًا في القيام بالمهام التي تم ضبطها في الإعدادات، ويبدو أن قوة تيك توك أصبحت سلاحا ذو حدين بالنسبة له، حسب ستوكل وولكر. ويضيف “يتسلل التطبيق حتى عبر الرسائل إلى المستخدمين الذين يعتقد أنهم مدمنون للغاية على التطبيق، لتنبيههم بضرورة التقليل من استخدام الهاتف”.
إحدى هذه الرسائل، التي تظهر من حساب نصائح تيك توك التابع للشركة للمستخدمين الذين يتصفحون التطبيق لساعات متتالية في وقت متأخر من الليل، تظهر نجمة تيك توك غابي إروين وهي تناشد المشاهد أن “يذهب للحصول على قسط من النوم الإضافي ويوقف تشغيل الهاتف ويسد لنفسه خدمة للحصول على نوم هادئ”.
أضافت الشركة أيضًا ميزات جديدة تتعلق “بوقت الشاشة”، خاصة للمستخدمين الأصغر سنًا وإيقاف تشغيل الإشعارات بعد وقت النوم والسماح للمستخدمين بتحديد حد أقصى للوقت المُقضى على التطبيق كل يوم، في محاولة للحد من الاستخدام المفرط أو القهري لتطبيقها.
مع مواصلة تيك توك فرض هيمنته على الإنترنت للسنة الثانية على التوالي، متجاوزا يوتيوب من حيث متوسط الوقت لكل مستخدم في أيلول/ سبتمبر 2021 ليظل في القمة منذ ذلك الحين، فإن السؤال الكبير هو ما إذا كان نجاحها الخوارزمي يمكن أن يظل نقطة بيع فريدة. من المؤكد أن فيسبوك لا يأمل ذلك: فقد أعلنت الشبكة الاجتماعية، جنبًا إلى جنب مع إنستغرام، مؤخرًا عن إجراء إصلاح شامل لتطبيقاتها للتركيز على محرك تنظيم خوارزمي جديد قوي. على غرار تيك توك، سيعرض لك فيسبوك وانستغرام الآن كميات هائلة من المحتوى من المستخدمين الذين لا تتابعهم، مع منشورات لأصدقاء في الوسط، أو مخفية في موجز “متابعة” منفصل خلف علامة تبويب.
لم تلق هذه التغيرات ترحيبا ولم تحظ بشعبية جيدة، مما أدى إلى نشر رئيس إنستغرام آدم موسيري مقطع فيديو للاعتذار يقول فيه إن الشركة ستعيد النظر في بعض التغييرات التي أجرتها مؤخرا مستدركا أن هذه التغييرات ستشكل معالم المستقبل في نهاية المطاف. وأضاف: “سنحاول تحسين التوصيات، لأننا نعتقد أنها إحدى أفضل الطرق لمساعدة منشئي المحتوى في الوصول إلى جمهور جديد وزيادة عدد متابعيهم”.
إذا كان هناك تهديد للعرش الخوارزمي لتيك توك، فقد يكون من الشركة نفسها. يستحوذ التطبيق على انتباه المستخدم، ولكنها تتيح تحقيق دخل طفيف. كشركة مملوكة للقطاع الخاص، لا تنشر تيك توك أرقام الإيرادات ولكن في سنة 2021، قدرت شركة الأبحاث إي ماركيتر أنها تكسب 4 مليارات دولار سنويًا – اي أقل بحوالي 5 بالمئة من عائدات فيسبوك.
في سنة 2022، حاولت الشركة زيادة نموها. لقد اتخذت نهجا تقليديا من خلال إضافة المزيد من الإعلانات، ولكنها جربت أيضًا المزيد من الفرص الجديدة بما في ذلك الدفع لتجارب التسوق المباشر على غرار ما تقوم به الشبكة التلفزيونية كي في سي، التي اقتبست فكرتها من التطبيق الصيني دوين. كانت البداية سيئة، حيث كان لابد من دعم المضيفين والعلامات التجارية من قبل تيك توك، ما تسبب في تخفيضات كبيرة في المبيعات لكنها فشلت في كسب جمهور عائد منتظم.
والأسوأ من ذلك أن المبيعات ذات الأسعار المرتفعة التي لا يمكن تصديقها قد تم تقليصها بسبب العناصر الأخرى التي كانت أسعارها جيدة جدًا لدرجة يصعب تصديقها: عانى النظام الأساسي من مشكلة التزوير، مما ترك المستخدمين في حيرة ما إذا كان يتم بيع مجفف شعر دايسون بقيمة 450 جنيهًا إسترلينيًا بحوالي 14 جنيهًا إسترلينيًا بسبب دعم أو أن ذلك خدعة.
ولكن إذا كان بإمكان تيك توك العمل على كيفية موازنة التعديلات التجارية الضرورية تجاريًا على الخوارزمية الخاصة بها مع جعل الصفحة الرئيسية الإجبارية في أفضل حالاتها (أو أسوأها)، ستكون قد ابتكرت تطبيقا فريدا من نوعه في تاريخ التكنولوجيا سيخبو بريقه جنبا إلى جنب مع موجز الأخبار والتصفح اللانهائي وقصص سنابشات التي كانت يوما ما صيحة في عصر مواقع التواصل التواصل الاجتماعي.
المصدر: الغارديان