ترجمة حفصة جودة
في يوم الثلاثاء، استيقظت على فيديو صادم أرسله زميل يعمل طبيبًا في النقب، يُظهر الفيديو – الذي انتشر بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي ومجموعات واتساب – جدعون ساهار رئيس قسم جراحة القلب في مركز سوروكا الطبي ببئر السبع وهو يوجه أسئلة لوزيرة الداخلية اليمينية المتطرفة أيليت شكد.
في اجتماع لحزب البيت اليهودي، سأل شكد عن “الإشكالية السكانية”، مشيرًا إلى المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل” قائلًا: “فيما يتعلق بمسألة النمو السكاني والمزيد من الإشكالية السكانية، فإننا نواجه نوعًا من التناقض”.
“من ناحية، نفهم أن نسبة المواليد حاسمة لصالح الرحم العربي، ومن ناحية أخرى فإننا نشجع على ذلك بمنح علاوات للأطفال، لهذا أعتقد أننا بحاجة للنظر إلى علاوات الأطفال بطريقة تنازلية: أول طفل يحصل على علاوة وثاني طفل يحصل على علاوة، وربما لا يحصل الثالث والرابع على شيء، أما الخامس فيدفع غرامة، يجب أن نجد حلًا ما”.
ردت شكد أن هذا النظام لن ينجح، مستشهدة ببرنامج مكافحة تعدد الزوجات في المجتمع البدوي حيث يشجع “التغريب” النساء على إنجاب عدد أقل من الأطفال.
أثارت كلمات ساهار صدمةً بين المجتمع الطبي الفلسطيني داخل “إسرائيل”، وقد قدمت المجموعة الممثلة للأطباء العرب في النقب شكوى رسمية لإدارة مستشفى سوروكا، معبرة فيها عن غضبها من وصف ساهر للفلسطينيين والأرحام العربية بالإشكالية.
هذه الآراء التي ترى سكانًا آخرين كأنهم قنبلة ديموغرافية موقوتة يجب تفكيكها والتخلص منها، تنتهك القواعد الأخلاقية الطبية التي تنص على المساواة ومناهضة العنصرية
قالت الشكوى: “إن الطبيب الذي يعبر عن مثل هذه الآراء لا يمكن ائتمانه والثقة في علاجه للمرضى العرب بالتساوي ويجب فصله عن العمل”، اعتذر ساهار بعد ذلك عما قاله، بينما قال مركز سوروكا الطبي إن تعليقاته قيلت في حدث خاص وغير مرتبطة بعمله ومهنته.
هذه التعليقات تأتي مباشرة من كتاب فاشي، يصف مجموعة سكانية كاملة – من عرق أو دين مختلف – بالإشكالية، ويرى أن نسبة مواليدهم مشكلة بحاجة إلى تدخل عقابي من الحكومة.
غيض من فيض
رغم أن الكثير من الفلسطينيين يعيشون في “إسرائيل” أو يعملون في القطاع الصحي الإسرائيلي ويدركون جيدًا العنصرية المحيطة بهم، فإننا ما زلنا نشعر بالصدمة من السوقية والأريحية التي تنتشر بها تلك العبارات بين العامة ويقولها رئيس قسم في مستشفى.
هذه الآراء التي ترى سكانًا آخرين كأنهم قنبلة ديموغرافية موقوتة يجب تفكيكها والتخلص منها، تنتهك القواعد الأخلاقية الطبية التي تنص على المساواة ومناهضة العنصرية، ومع ذلك فكلام هذا الطبيب مجرد غيض من فيض، ويتمثل في التفوق العنصري المؤسسي في “إسرائيل”.
هناك تاريخ طويل لتسييس أرحام النساء بين حكومات العالم، وعندما كنت أدرس الصحة العامة في جامعة تل أبيب، تعرضت لمفهوم السيطرة السكانية والديموغرافية، وتعلمنا طرقًا عالميةً مختلفةً لزيادة أو الحد من عدد السكان، بما في ذلك النموذج الصيني الذي يهدف إلى التحكم في النمو السكاني كجزء من حملة تصنيع الدولة.
درسنا أيضًا سنغافورة كدولة فقيرة كانت لها سياسة حاسمة في مناهضة المواليد، ثم عندما أصبحت دولة غنية شجعت النساء على إنجاب المزيد من الأطفال.
تمثل فكرة ساهار بتطبيق إجراءات عقابية، محاولة أخرى في دولة عنصرية للسيطرة على مشكلة المواليد غير المرغوب بها
تسعى الدول الفقيرة المدركة لمواردها المحدودة إلى الحد من نسبة المواليد، بينما تحاول الدول الغنية بالموارد وتعاني من نقص وشيخوخة السكان إلى القيام بعكس ذلك، كل ذلك جزء من السياسة الحيوية للحكومة.
عندما تحدث المحاضر في جامعة تل أبيب عن “إسرائيل” قال إننا نواجه مشكلة خطيرة حيث ترتفع نسبة المواليد لتصل إلى 3 أطفال لكل أم (ضعف معدل الدول الغربية) في دولة صغيرة غنية ذات شيخوخة سكانية، تفاقمت هذه المشكلة بسبب مصطلح “عليا” الذي يشجع اليهود من كل أنحاء العالم على الاستقرار في “إسرائيل” وزيادة حجم السكان.
كانت المشكلة الحقيقية التي يتغافلون عنها هي “السكان العرب الفلسطينيين”، كيف لدولة مهووسة بالإحصاءات العرقية وخلق أغلبية دائمة في القدس وغيرها وتشجع النمو السكاني والهجرة (لعرق معين) في قطعة الأرض الصغيرة تلك، أن تتعامل مع وجود 20% من الفلسطينيين ضمن سكانها؟
بشاعة مثيرة للصدمة
عندما تجاوز معدل مواليد الأمهات اليهوديات نسبة مواليد الأمهات الفلسطينيات في 2018، انتشر الخبر في الصحف المحلية والعالمية، وتمثل فكرة ساهار بتطبيق إجراءات عقابية، محاولة أخرى في دولة عنصرية للسيطرة على مشكلة المواليد غير المرغوب بها.
تحدثت هاريت واشنطن مؤلفة كتاب “الفصل العنصري الطبي” عن ممارسة بشعة باسم “استئصال الزائدة الدودية في ميسيسبي”، حيث كانت السيدات السود في جنوب أمريكا يخضعن لتعقيم دون إرادتهن لأن المجتمع الأبيض كان يراهن غير مناسبات للإنجاب، وهي ممارسة استمرت لأكثر من قرن بعد انتهاء العبودية.
من الجديد أن نرى مجتمعًا فلسطينيًا حيويًا يتحدى محاولات إسكاته ويسعى باستمرار نحو العدالة والمساءلة
في دراستي، تعلمت أيضًا كيف أنفقت الوكالات الأمريكية والأوروبية ملايين الدولارات للحد من نسبة المواليد في دول جنوب العالم، حيث شُجعت النساء على إنجاب عدد أقل من الأطفال للتعامل بشكل أفضل مع الفقر والتغيرات البيئية وغيرهما من المشكلات.
عندما حاولت أن أسأل عما إذا كان يجب علينا أيضًا أن نعالج آثار الرأسمالية العالمية والتغيرات البيئية والموارد المنهوبة في الجنوب العالمي من الشمال العالمي، نُبذت بشدة لأنني سياسي أكثر من اللازم، وذكرني المحاضر أننا نتحدث عن التخطيط الأسري والعدالة الإنجابية وحرية الوصول الآمن للإجهاض.
هذه العبارات المجازية والقيم تعمل ضمن نظام فصل عنصري عرقي على مستوى دولي أو محلي، فهم يرون أن سكان محددين – فقراء أو سود أو ملونين – مشكلة ويتكاثرون سريعًا وكثيرًا وبحاجة إلى تدخل للحد من حجمهم، أما السكان الآخرون – البيض والأغنياء – فهم متفوقون وكبار في السن وعددهم قليل، لذا فهم بحاجة إلى التدخل لزيادة عددهم.
لقد صدمتنا كلمات ساهار، نحن المدربين على التعامل مع مثل هذه الأفكار العنصرية والأشخاص العنصريين، لقد صُدمنا من تحدثه بشكل علني بكل أريحية دون خوف من عقاب.
من الجديد أن نرى مجتمعًا فلسطينيًا حيويًا يتحدى محاولات إسكاته ويسعى باستمرار نحو العدالة والمساءلة، ومع ذلك فهذه مجرد خطوة أولى نحو تفكيك الهياكل العنصرية الكبرى التي يتعرض فيها معدل المواليد إلى المراقبة الشديدة، وبيئة سياسية تسمح بالتسامح مع مثل هذه التصريحات.
المصدر: ميدل إيست آي