كم من أمهاتنا صغار السن من تحمل الهم وتتجرع كؤوس الألم لما يجرى لأمتنا ولا تدري ما الدور الذي يمكن أن تقوم به في ظل وقتها الضيق وانشغالها مع أسرتها وأبنائها مع ما حدث من غلق المنافذ وانسداد الأفق أمامنا، ولأنها مهتمة ومنشغلة بما يجرى تفقد أسرتها جزءًا منها، من وقتها وتفكيرها ومشاعرها فلا هي تستطيع الانتباه الكامل لهم ولا هي تفعل شيئًا يريح قلبها الحزين ويشعرها بالمساهمة في رفع ما تراه من ظلم وما تشهده من واقع أليم.
وقد وصلت بعضهن إلى التمني لو كانت رجلاً كى تستطيع أن تخرج مجاهدة بالكلمة أو ما وراء ذلك، وهي في هذا قد نسيت أنها تقوم بدور أخطر وأشد أثرًا لو أنها أتقنته وبذلت له نفسها وحياتها.
لذلك أرى مسارين ينبغى علينا السير فيهما دون أن يطغي أحدهما على الآخر:
أولهما أن نحسن إلى أولادنا تربيةً وتعليمًا، ولا شأن للتعليم الحكومي بهذا، بل لعلنا نحتاج إلى جهد إضافي لنزع تلك الشوائب التي يتلقونها فينا يسمى بالمدارس!
وسنحتاج ونحن نغرس القيم ونؤسس للمفاهيم ونضع المنهج الصحيح للتفكير ونبين الغاية والهدف، إلى إصلاح أنفسنا جنبًا إلى جنب، فأطفالنا كما ندرى يتأثرون بالمشاهدة أكثر مما يتأثرون بالوعظ والإرشاد ولا فائدة من أي كلام إذا كنا أول من نخالف تلك القواعد التى نؤصلها لهم.
ويحتاج هذا المسار بشدة إلى زاد متواصل مع العلم الصحيح في الدين والحياة يقّوم لنا السبيل، فما عاد يصح ولا يصلح الاقتصار على أفكار لم تثمر ولا إجابات تقليدية حفظناها عمن سبق نلقيها في وجوه أبنائنا فتنفجر بعد ذلك في وجوهنا مخلفة ضحايا مشوهين لا يستقرون على حال ولا يعرفون لهم طريقًا.
ولقد كنت أنظر بأسى إلى بعض النساء اللواتي لم يحصلن على فهم صحيح لدينهن ولم يصلن إلى الوعي بماذا تعني الأمة وأنظر إلى الصغار الذين يستقين من معينهن فأقول: إذا كان هذا حالهن وهذا ما يضعنه في عقول أبنائهن فكيف إذن سيكون جيل الغد وماذا سيقدم أبناؤهن بدورهم إلى ذراريهم!
لذلك فإننا إذا راعينا تلك المسؤولية وقامت الأم منا بهذا الدور على أكمل ما تستطيع فاستغرقها ولم يدع لها وقتًا لأمر آخر فقد وفت ما عليها، إذ هي بهذا قد ربت جيلين أو أكثر قد ينفع الله بهم ويكون منهم من يقر عينها بما تحب وتحلم لأمتها.
إلا أننا في هذا الزمن الذي تتسارع فيه وتيرة الحرب على ما تبقى في الأمة من دين وخير، نريد كل يد تدفع وكل عقل يفكر وكل نفس يبدع، لذا كان حريًا بكل من تملك قدرًا من الوعى أن تسلك المسار الثاني لتكون جزءًا من شرارة الوعي التي نريد إيقادها، أن ترى مجال بذلها الذي تتفوق فيه وتحيله إلى وسيلة من وسائل اليقظة وبناء المعتقد وتوضيح الغاية.
لتهتم إحدانا مثلاً بابتكار طرق لتعليم الأطفال بطريقة إبداعية تعينهم على التفكير وتؤسس لديهم منهجًا سليمًا يحميهم من الخلل الذي نعانيه في أجيال اليوم، ولتفكر أخرى في طرق جديدة لاستثمار المال القليل الذي تملكه من خلال الأدوات والمساحة المتاحة لها في محيطها وتكون نيتها وغايتها أن تكون نواة لتعليم نساء المسلمات اكتساب المال دون الخروج للعمل الحكومي أو الالتجاء للقروض أو الاكتفاء بضيق الحال، وللمهتمات بالتقنية دروب واسعة مثل تطبيقات الهواتف الذكية التى تقدم إضافة في المحتوى، أو عمل الأفلام القصيرة أو غيرها مما لا يتسع له المقام، فالمجالات لا حصر لها إذا عرفت ما تريد وما تتقن وما يمكن أن تبدع فيه.
ليست المظاهرات وحدها إذن وليس الدعاء فقط وليست المقاطعة السلبية للبرامج الفاسدة، وليس التحسر على حالنا وخاصة أحوال المرأة في زماننا، إن بأيدينا أن نفعل الكثير ولكنه ليس الكثير الغث الذي يعتمد على التقليد البائس للنماذج الناجحة أو محاولة التشبه الفقيرة ببعض الرموز كذلك الذي حدث أيام المنتديات، حيث كان الجميع يقدم نفس اللون وينقل من هنا وهناك، أو كما يحدث الآن في صفحات الفيسبوك الكثيرة التي لا تختلف كثيرًا عن بعضها البعض ولا تقدم جديدًا ولا تغير فكرًا!
سنجد الكثير ممن يحاولون رغم عتمة الظلمة وممن يصعدون رغم الصخور والأحجار، فلنصعد معهم ولنبذر بذرنا دون أن ننسى أولاً أن بأيدينا مستقبل الأمة إن أحسنا إليهم أحسنا إلى الأمة وإن أضعناهم فلا نأسى إلا على أنفسنا!