ترجمة حفصة جودة
ليس غريبًا على الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين نشر الرعب والقتل الجماعي، في الشيشان، فقد تعهد الضابط المخضرم حليق الرأس والذي يشبه المصارعين ببنيته الجسدية الضخمة، بأن يدمر 3 مقاتلين شيشانيين مقابل كل جندي روسي قُتل، ونتذكره بمرارة في شمال سوريا حيث حول معظم مدينة حلب إلى أنقاض.
أشرف جنرال القوة الجوية البالغ من العمر 56 عامًا على الاستهداف العدائي للعيادات الطبية والمستشفيات والمباني المدنية في أدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة في 2019، الأمر الذي تسبب في كسر إرادة المعارضة وهروب الكثير من اللاجئين إلى أوروبا عبر تركيا.
قالت هيومين رايتس ووتش في تقرير لها، إن تلك الحملة التي امتدت 11 شهرًا كشفت عن استهانة قاسية بأرواح 3 ملايين مدني في المنطقة.
والآن يكرر سوروفيكين الأمر ذاته في أوكرانيا، قبل أسبوعين عيّن بوتين سوروفيكين قائدًا عامًا للعملية العسكرية الخاصة الروسية، وهو ما أسعد صقور موسكو، وكان قد أشاد الرئيس الشيشاني رمضان قديروف بسوروفيكين كقائد ومحارب حقيقي، وقال إنه سيحسن من الموقف الحاليّ.
لكن استرجاع الانتصارات المذهلة للأوكرانيين وتغير مسار الحرب قد يكون أكبر حتى من سوروفيكين الوحشي، إذ أظهر الأوكرانيون خلال هذا العام أن معدنهم صلب وأن جرائم الحرب لا ترعبهم، فقد تعرضوا من قبل للقصف والقنابل من جنرالات الروس عديمي الضمير.
لكن المسؤولين العسكريين والمحللين الغربيين لاحظوا أن هناك بالفعل علامات على المزيد من التماسك التكتيكي عما رأيناه تحت قيادة سلفه الجنرال ألكسندر ديفورنيكوف، قال مسؤول كبير في الاستخبارات العسكرية البريطانية: “تكتيكاته في الحرب تنتهك القواعد، لكن لسوء الحظ أثبتت فاعليتها في سوريا، كخبير إستراتيجي في الحرب لديه سجل فعال لكنه وحشي”.
أشار سوروفيكين وضباط آخرون إلى استهداف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا باستخدام موجة ضخمة من الهجمات الأسبوع الماضي، إذ أدت ضربات نهاية الأسبوع إلى انقطاع التيار الكهربائي في البلاد ليترك أكثر من مليون منزل بلا كهرباء، وفقًا لما قاله نائب الرئيس الأوكراني كيريلو تيموشينكو.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “كانت ضربات قاسية على أهداف مهمة، يستطيع العالم وقف هذا الإرهاب ويجب عليه ذلك، فهذه الضربات الأخيرة كانت على نطاق جغرافي واسع، بالطبع ليس لدينا قدرة فنية لإسقاط جميع الطائرات والصورايخ الروسية، لكن أعتقد أننا سنحقق ذلك تدريجيًا بمساعدة شركائنا، وبالفعل أسقطنا الآن غالبية الصواريخ الجوية والطائرات دون طيار”.
لكن اعتراض غالبية ما يطلقه الروس على البنية التحتية للطاقة الأوكرانية ليس كافيًا لإيقاف الدمار الذي يسعى سوروفيكين إلى تحقيقه، فحجم الدمار الذي أصاب نظام الطاقة الأوكراني نهاية الأسبوع الماضي يتجاوز ما حدث في أول موجة من الضربات الموجهة للبنية التحتية للطاقة في 10 أكتوبر/تشرين الأول.
طلقات رخيصة
دُمرت نحو ثلث محطات الطاقة في البلاد منذ بداية الهجمات وفقًا للمسؤولين الأوكرانيين، وبالنسبة لروسيا فتكفلة هذا الاعتداء الجوي رخيصة، حيث اعتمدت على الطائرات الإيرانية “شهيد-136” دون طيار خاصة الطائرات المتفجرة المعروفة باسم “كاميكازي” لأنها انفجرت عند الاصطدام.
تساعد الدرونز في التسبب بأضرار كبيرة، إلا أن حمولتها الخفيفة من المتفجرات البالغة 36 كيلوغرامًا، تسبب مشكلة لروسيا، فهي ليست قوية بما فيه الكفاية لإيقاع أضرار فادحة ترقى إلى إيقاف تشغيل محطات الطاقة الكبرى
يبلغ مدى هذه الدرونز 2500 كيلومتر وهي تحلق فوق الهدف حتى تُؤمر بالهجوم، يبلغ طول جناحها 2.5 متر لذا من الصعب أن يتعرف الردار عليها وهي تكلف نحو 20 ألف يورو فقط لصنعها، مقارنة بصواريخ كروز التي تكلف مليوني يورو لصنعها.
قال البيت الأبيض الأسبوع الماضي، إن خبراء الدرونز والمدربين وعمال الدعم التقني الإيرانيين انتشروا على أراضي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا للمساعدة في إطلاق الهجمات على أوكرانيا.
قال جون كيربي المتحدث باسم الأمن الوطني: “تشارك طهران الآن بشكل مباشر في أرض المعركة، ومن خلال التزويد بالأسلحة التي تؤثر على المدنيين والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا”.
يقول مستشار البنتاغون إن اللجوء إلى مساعدة إيران يكشف أيضًا عن ضعف روسيا، فاستخدامهم الدرونز الإيرانية يعني أن الصواريخ نفدت لديهم، وأضاف “لا أعتقد أن قدراتهم جيدة كما يدعون، دائمًا ما اعتقدت أن الروس قوة جوفاء، ليس لديهم قدرات عميقة ولا يستخدمونها بفاعلية، وحقيقة لجوئهم إلى التكنولوجيا الإيرانية يشير بحزن إلى وضع المجمع الصناعي العسكري الروسي أو السوفيتي الذي كانوا يتباهون به من قبل”.
وبينما تساعد الدرونز في التسبب بأضرار كبيرة، إلا أن حمولتها الخفيفة من المتفجرات البالغة 36 كيلوغرامًا، تسبب مشكلة لروسيا، فهي ليست قوية بما فيه الكفاية لإيقاع أضرار فادحة ترقى إلى إيقاف تشغيل محطات الطاقة الكبرى، لذا يستهدفون المحطات الفرعية.
في النهاية، سيجد الخبراء الأوكرانيون والغربيون طرقًا لتعطيل نظام “GPS” الذي تعتمد عليه الدرونز لإبعادهم عن هدفهم، لذا هذه الطريقة ذات فاعلية قصيرة المدى.
هذه القدرات السطحية ليست مشكلة جنرالات الروس الوحيدة، فإحدى أهم مشكلاتهم الافتقار إلى قيادة للوحدات الصغيرة ومشرفين مؤهلين في ساحة المعركة.
يقول جون بارانكو المحلل في المجلس الأطلسي الذي أشرف على عمليات القوات البحرية الأمريكية الأولى في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر كما خدم في العراق، إن الأوكرانيين تدربوا منذ 2014 على العقيدة العسكرية الأمريكية التي تركز على بناء فيالق محترفة من العرفيين والرقباء الذين يفهمون الصورة الكبرى ولديهم سلطة تفويضية تمكنهم من اتخاذ قرارات في ساحة المعركة بينما يقودون وحداتهم.
أدى فشل الروس في بناء مثل هذه الكوادر إلى تراجعهم في أوكرانيا وهو ليس خللًا يمكن لسوروفيكين علاجه في هذا الوقت، في الحقيقة سيزداد الوضع سوءًا بالنسبة للكرملين الآن مع إرسالهم لمجندين إلزاميين غير مدربين بما فيه الكفاية وفقًا لقرار التعبئة الجزئي الذي أصدره بوتين.
الانسحاب الروسي
بعد مجرد بضعة أيام من التدريب، يموت المجندون الإلزاميون بالفعل، فقد أُرسلوا إلى الجبهة العصيبة في تلك المرحلة من الحرب – جنوب ميناء خيرسون – حيث أمرت السلطات الروسية كل المواطنين بالرحيل مع اقتراب القوات الأوكرانية.
كانت مدينة خيرسون هي العاصمة الإقليمية الوحيدة التي تمكنت روسيا من الاستحواذ عليها منذ بداية الغزو، كانت جائزة رئيسية لتأسيس جسر أرضي بين القرم وجنوب أوكرانيا، بالإضافة إلى فتح الطريق لهجوم محتمل على ميناء أوديسا الرئيسي على البحر الأسود.
لكن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ في الصيف يؤثر الآن على مدينة خيرسون، والوضع التكتيكي الروسي في المنطقة حرج للغاية مع نزول جنود المظلات على الضفة الغربية لنهر دنيبر حيث يصبحون أكثر عرضة للخطر.
يقول جاك واتلينغ خبير الحرب البرية في معهد “Royal United Services” البريطاني: “من وجهة النظر الهندسية لساحة المعركة، فالوضع مريع بالنسبة للروس”، يضيف واتلينغ – الذي أجرى تحليلًا عمليًا مع هيئة الأركان العامة الأوكرانية -: “الروس على الضفة الغربية من أقدر القوات الروسية، لكن لا يمكن تزويدهم بالإمدادات بسهولة بالشكل الذي يحتاجونه للمنافسة، ولا يمكنهم القيام بهجوم مضاد”.
يقول واتلينغ: “يملك الأوكرانيون الآن القدرة على المبادرة وضبط إيقاع المعركة، من وجهة النظر العسكرية المجردة، فالأفضل أن ينسحب الروس من مدينة خيرسون والتركيز على التحكم في النهر من الضفة الشرقية، ووضع جلّ قواتهم على محور زابوريزهزهيا، لكن لأسباب سياسية فإنهم يقومون بذلك ببطء ويبدو أنهم مستعدون للقتال لكسب الوقت”.
يتفق ذلك مع ما ذكرته هيئة الأركان العامة الأوكرانية في نهاية الأسبوع، فالقوات الروسية تتحرك في منطقة خيرسون وتستعد بعض الوحدات للقتال في المناطق المدنية بينما يتراجع الآخرون.
باختصار، أُجبر سوروفيكين على تجربة واحدة من أخطر المناورات العسكرية – الانسحاب المنظم لإعادة تموضع القوات بما في ذلك المجندون ذوو التدريب الضئيل والوحدات غير المتماسكة -، عندما حاولت القوات الروسية المدربة جيدًا القيام بنفس الخطوة قرب خاركيف شمال شرق أوكرانيا الشهر الماضي عانت من الهزيمة.
الوحشية وحدها لن تنقذ جنود روسيا من القوات الأوكرانية الذكية المتحمسة، ما يهم هو أن يكون لدى سوروفيكين المهارات التكتيكية اللازمة لقيادة هذا التقهقر الخطير.
المصدر: بوليتيكو