للمرة الثالثة على التوالي خلال أسبوع، تستهدف “إسرائيل” سوريا لما تقول إنها مواقع التواجد الإيراني في محيط دمشق، إذ قالت وزارة دفاع النظام السوري إن القصف الإسرائيلي وقع بعد منتصف الليل واستهدف بعض النقاط في محيط دمشق، وكالعادة أضافت الوزارة أن دفاعاتها الجوية “تصدّت للصواريخ الإسرائيلية وأسقطت بعضها”، وأعلنت وكالة “سانا” الناطقة باسم النظام السوري أن “الخسائر اقتصرت على المادية”.
ما الجديد؟
بات معروفًا أن حكومة تل أبيب تهدف من خلال ضرباتها الجوية في سوريا إضعاف القدرة الإيرانية الموجودة في سوريا، لا إضعاف نظام الأسد، إذ استهدفت الضربات الأخيرة مواقع لتواجد الميليشيات الإيرانية، إذ أصابت مستودعًا تابعًا للحرس الثوري الإيراني على أطراف مدينة السيدة زينب، إضافة إلى نقطة عسكرية إيرانية جنوبي العاصمة.
ونقل “تلفزيون سوريا” أن الاستهداف جاء بعد ساعات على هبوط طائرة شحن إيرانية “اليوشن IL76” في مطار دمشق الدولي، ويرجّح أن الطائرة تنقل شحنة من الأسلحة إلى سوريا، كما سبقت هذا الاستهداف ضربات من الطائرات الحربية الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي لمواقع بالقرب من مطار دمشق الدولي، أما يوم الاثنين سُمع دوي انفجارات في محيط دمشق ناجمة عن هجوم صاروخي إسرائيلي.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الاستهداف الأخير الذي حصل تسبّب في مقتل 4 من العاملين مع حزب الله اللبناني، بينهم عنصر سوري على الأقل، بالإضافة إلى تدمير مستودعات سلاح وذخائر وإلحاق خسائر مادية بالميليشيات الإيرانية.
أتت حملة القصف بعد شهر من توقف الطيران الإسرائيلي عن ضرب المواقع السورية خلافًا لما كان يجري خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي أرجعت الصحف الإسرائيلية سببه إلى حصول انخفاض كبير في التهريب الإيراني باتجاه أذرعها في المنطقة، ونقلت الصحف أن مسؤولين سياسيين وأمنيين إسرائيليين قالوا إنه “لم يطرأ تغيير على السلوك الإسرائيلي في سوريا، ولم تتم ممارسة أي ضغط روسي لوقف الهجمات”.
إضافة إلى ما سبق، أثّر اقتراب الانتخابات الإسرائيلية والتجاذبات السياسية الداخلية في تل أبيب على تخفيف حدة القصف، بالتوازي مع الاتفاق الذي كانت تعدّه “إسرائيل” مع لبنان لترسيم حدودهما، وقد أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أن “الهدوء النادر الأخير في الضربات الإسرائيلية على سوريا تزامن مع مفاوضات عالية المخاطر لتسوية نزاع بحري طويل الأمد بين “إسرائيل” ولبنان”.
وبحسب التقارير، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدا وكأنه يعيد ترتيب أوراقه ومعرفة نتائج استهداف المواقع الإيرانية في سوريا، بعد أن تمَّ تنفيذ عشرات العمليات عام 2019، وازداد عددها عام 2020، وفي عام 2021 ارتفع العدد بشكل أكبر، حتى أن الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 شهدت قفزة نوعية في عددها ونوعيتها.
يذكَر أنه في العام الماضي شهدت سوريا 28 ضربة عسكرية إسرائيلية واسعة طالت 57 موقعًا، استهدفت فيها حوالي 187 هدفًا في 11 محافظة سورية وفقًا لمركز “جسور“، وفي أبريل/ نيسان الماضي كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن “إسرائيل” نفّذت أكثر من 1000 غارة جوية على أهداف في سوريا منذ عام 2017.
تدمير القواعد الإيرانية
يقول مسؤولون إسرائيليون إن ضرباتهم على سوريا دمّرت 90% من البنى التحتية العسكرية الإيرانية، وأن السلطات الإسرائيلية “نجحت في الحد بشكل شبه كامل من قدرة طهران على نقل الأسلحة إلى دمشق وتصنيعها هناك”، ونقلت “جيروزاليم بوست” عن المسؤولين أن “خطة القائد السابق لفيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، باءت بالفشل بسبب استمرار الحملة الجوية على الأهداف في سوريا”.
لا يمكن حصر نسبة الأضرار التي لحقت بالقوات والميليشيات الإيرانية في سوريا نتيجة الضربات الإسرائيلية، خاصة أن طهران نادرًا ما تكشف عن خسائرها وقتلاها وتبقى الإحصاءات المتوفرة غير رسمية، وفي هذا السياق يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن “”إسرائيل” استهدفت 28 مرة الأراضي السورية منذ مطلع العام الحالي، سواء عبر ضربات صاروخية أو جوّية، وأسفرت عن إصابة وتدمير نحو 81 هدفًا، ما بين مبانٍ ومستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز وآليات”.
ووفقًا للمرصد، تسبّبت الضربات في مقتل 62 عسكريًّا، بالإضافة إلى إصابة 75 آخرين بجراح متفاوتة، وبحسب المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد أحمد الحمادي فإن الضربات الإسرائيلية تقوّض حركة إيران في سوريا، لكن الإعلان عن أن نسبة ما تمَّ تدميره من قوة إيران تساوي 90% هو تفاؤل كبير، خاصة أن إيران تمتلك في سوريا أكثر من 100 ألف مقاتل يقودهم الحرس الثوري الإيراني منتشرين على كل الجغرافيا السورية.
أين روسيا؟
ردًّا على الضربات الإسرائيلية، قال نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، ديميتري بولانسكي، إن بلاده “تعتبر أنه من غير المقبول تجاهل الأمم المتحدة نداءات نظام الأسد حول انتهاك المجال الجوي في سوريا من قبل “إسرائيل””، مضيفًا أن “روسيا تعتبر أيضًا أنه من غير المقبول ترك هذه الرسائل دون ردّ مناسب، علاوة على ذلك في مسائل أخرى يعرّب الأمين العام عن تقييماته بشكل أكثر نشاطًا، وأحيانًا دون انتظار موقف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”.
يكمل بولانسكي: “تعتبر الهجمات الإسرائيلية التي تنتهك المجال الجوي في سوريا والدول العربية المجاورة من العوامل الإضافية المزعزعة للاستقرار في سوريا”، والتصريحات الروسية هذه تأتي رغم وجود اتفاق روسي إسرائيلي على التحركات الجوية الإسرائيلية لضرب الميليشيات الإيرانية، وهو ما أكّده لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع رئيس وزراء الاحتلال السابق، نفتالي بينيت.
حينها توصّل الطرفان إلى تفاهمات “جيدة ومستقرة بشأن سوريا” كما أشار بينيت، كذلك أشار بنيامين نتنياهو خلال فترة حكمه إلى أنه توصّل مع الرئيس بوتين إلى “اتفاق طويل المدى بشأن سوريا”، وذلك بما يسمح التحرك بحرّية لضرب ميليشيات إيران، إلا أن روسيا اشترطت حينها ألّا يتأثر النظام السوري بالاستهدافات الإسرائيلية.
لكن بعد أن انطلقت الحرب الروسية في أوكرانيا، توترت العلاقات بين موسكو وتل أبيب، ما قد يؤثر على الاتفاقيات في سوريا، وهو ما يعكسه تصريح المندوب الروسي في مجلس الأمن، وقد صدرت مؤخرًا بعض التصريحات التي يمكن اعتبارها في إطار التوتر بين الطرفَين، خاصة أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قال إنه يرى “اتجاهًا إيجابيًّا” في علاقات كييف مع “إسرائيل”، بعدما تبادل الجانبان معلومات استخباراتية حول استخدام روسيا لمئات الطائرات المسيّرة الإيرانية في حربها ضد جارتها، مضيفًا أن بلاده “بدأت التعاون مع “إسرائيل” في مجال الاستخبارات والدفاع”.
إلى ذلك كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن روسيا خفضت وجودها العسكري في سوريا بعد أن نقلت بعض القوات ونظام الدفاع الجوي الروسية، ما أدّى إلى إزالة أحد القيود الرئيسية على تحركات الجيش الإسرائيلي في سوريا، وبحسب الصحيفة فإن هذا الحدث “يؤكد كيف أدّت حرب موسكو المتعثرة على أوكرانيا إلى تآكل نفوذ موسكو في أماكن أخرى، وإزالة واحدة من عدة عقبات أمام الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا”.
لكن رغم الانسحاب الروسي الذي يصبّ بالمصلحة الإسرائيلية، إلا أن تل أبيب قلقة من أن مزيدًا من الانسحاب الروسي قد يسمح لطهران بتوسيع نفوذها، ولا تريد “إسرائيل” تعطيل التواصل بين مسؤوليها وروسيا وذلك لتجنُّب الصراع بين قواتهما في سوريا، وفي عام 2017 رُكّب خط هاتفي مُشفّر لربط قاعدة جوية روسية في غرب سوريا بمركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلي أسفل قاعدة عسكرية في تل أبيب.
وتساعد آلية التواصل بين الطرفَين والاتفاقيات غير الرسمية بينهما، على عدم التصادم وتجنُّب التداخل بين الإجراءات الروسية والإسرائيلية، ما يمنع وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت عام 2018، عندما أسقطت القوات السورية طائرة عسكرية روسية اعتقدت خطأً أنها إسرائيلية، ما أسفر عن مقتل 15 روسيًّا.
إذًا، بعد أسابيع من الانقطاع استأنفت تل أبيب قصفها للقوات الإيرانية في سوريا وسط التوتر القائم بينها وبين موسكو في ملفات أخرى، لكن الواضح أن الهدف الذي تسعى “إسرائيل” إلى تحقيقه من أفعالها هو تدمير القوة الإيرانية في سوريا، وهو ما يستبعد تحقيقه خاصة أن إيران باتت تتخذ من سوريا مقرًّا رئيسيًّا لها في المنطقة.