ترجمة وتحرير: نون بوست
لا يقتصر الأمر عليك أنت فقط أو أطفالك، ذلك أن بداية موسم البرد والإنفلونزا كانت مقلقة بشكل خاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
مع انحسار الوباء الذي عصف بالبلاد خلال السنوات الماضية، عادت مختلف الفيروسات التي تسبب السعال وسيلان الأنف والتهاب الحلق إلى الانتشار من جديد. انخفضت حالات الإنفلونزا وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي، وهو مرض تنفسي شائع يمكن أن يصبح خطيرًا للرضع وكبار السن، ما بين 2020 و2021 نظرًا لمحافظة الناس على ارتداء الأقنعة وأخذ مختلف الاحتياطات تجنبًا لعدوى فيروس كوفيد-19. لكن الآن انتهت جميع سياسات الوباء الرسمية تقريبًا وعاد معظم الأمريكيين إلى بعض أو كل أنشطتهم قبل الوباء، وربما تضاءلت المناعة ضد الفيروسات الشائعة الأخرى بعد سنتين من تجنبها إلى حد كبير.
نتيجة ذلك، عاد الفيروس المخلوي التنفسي بشكل خاص إلى جانب مؤشرات على ارتفاع مبكر في حالات الأنفلونزا. وفي سنة 2020، تم الإبلاغ في كامل الولايات المتحدة عن بضع حالات مؤكدة فقط من فيروس الجهاز التنفسي المخلوي في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، مقابل 400 حالة في سنة 2021، بينما سُجّل الرقم الرسمي في سنة 2022 بحوالي 600 حالة. لكن هذه الأرقام أقل بكثير من العدد الفعلي للحالات، حيث لا يتم عادةً تأكيد تشخيص فيروس الجهاز التنفسي عبر اختبار معملي. لكن تظهر هذه الأرقام اتجاهًا واضحًا.
كانت بداية موسم الإنفلونزا سريعةً أيضًا خاصة في الجنوب. وارتفعت النسبة المئوية لزيارات العيادات الخارجية لأمراض الجهاز التنفسي كثيرًا مما كانت عليه في نفس الوقت من السنوات الخمس الماضية، وهي أحد مقاييس نشاط الإنفلونزا في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. يقول الأطباء إنهم يرون المزيد من حالات الفيروس التنفسي المخلوي والإنفلونزا ومسببات الأمراض المماثلة الأخرى (مثل الفيروسات الغدية والبارانفلونزا والخناق وما إلى ذلك) أكثر مما يلاحظونه عادةً في هذا الوقت المبكر من الموسم البارد.
بالنسبة للمستشفيات التي أمضت السنتين الماضيتين تكافح من أجل الحفاظ على قدرتها في مواجهة ارتفاع حالات كوفيد-19، فإنها لم تشهد هذه السنة أي شكل من الراحة. تقول كريستينا براينت، عالمة الأوبئة في مستشفى نورتون للأطفال في لويزفيل: “نحن مشغولون للغاية. الأمر مختلف هذه السنة. لم يأت عيد الهالوين بعد، والعديد من مستشفيات الأطفال تعمل بأقصى طاقتها أو أكثر”.
يفكر المستشفى الذي تعمل به براينت بالفعل في استعمال الأسرّة الشاغرة في مستشفى البالغين، الذي يقع في نفس الشارع ويربط بينهما ممر مشاة. قالت إنها تحدثت إلى نظرائها في المستشفيات الأخرى التي قامت بتفعيل هياكل أوامر الطوارئ الخاصة بها. وحسب ما ورد أجرى مستشفى كونيتيكت للأطفال في هارتفورد محادثات مع الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ والحرس الوطني حول إقامة خيمة خارج المبنى الخاص به من أجل الأسرّة الإضافية.
حتى أن بعض الخبراء في الأمراض المعدية أطلقوا لقب “ثلاثي الأوبئة” على خليط الأنفلونزا وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي وكوفيد الذي يهدد بالفعل طاقة استيعاب المستشفيات في بعض أجزاء الولايات المتحدة.
أخبرني ويليام شافنر، الأستاذ بجامعة فاندربيلت والمدير الطبي للمؤسسة الوطنية للأمراض المعدية: “اعتدنا القلق بشأن نموذج وباء مزدوج، والآن الناس قلقون من وباء ثلاثي: الإنفلونزا والكوفيد والفيروس التنفسي المخلوي”. وأضاف “على الرغم من تكرر نفس القلق في المواسم القليلة الماضية، إلا أن الناس يتوقعون حقًا أن هذا هو الموسم الذي تجتمع فيه الفيروسات علينا وقد تؤدي معًا إلى إجهاد نظام الرعاية الصحية”.
من المتوقع أن تكون الأشهر القليلة المقبلة قاسية مع ارتفاع نسب الإصابة بفيروسات مختلفة في أوقات مختلفة وقد يستمر الضغط على المستشفيات. والعامل المجهول الآن الذي سيحدد مدى سوء الوضع في النهاية هو مدى شدة الموجة الشتوية محتملة من كوفيد وإمكانية حدوث موجة ثانية من الإنفلونزا في وقت لاحق من الموسم.
لكن الخبراء الذين تحدثت إليهم قدّموا بصيصًا صغيرًا من الأمل، وهو أن هذا الوضع لن يصبح دائمًا. تعاني الولايات المتحدة من صدمة بعد السنتين الماضيتين، ومع أن السكان الآن أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المختلفة، إلا أنهم لن يظلوا معرضين للخطر إلى الأبد. سوف يتعرض الناس للمرض ويطورون مناعتهم، وهذا سيعيد كبح انتشار هذه الفيروسات.
قال العديد منهم إنهم توقعوا سنة أو سنتين من مواسم البرد والإنفلونزا المبكرة وغير المعتادة، يليها عودة نسبية إلى الوضع الطبيعي. يمكن كذلك تسريع هذا التقدم من خلال تطوير لقاحات فيروس كورونا وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي.
من جهته، يتوقّع ريتشارد ويبي، خبير الإنفلونزا في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في تينيسي، أنه “مع إصابة الناس بهذه الفيروسات مرة أخرى، سيستقر الأمر إلى ما كان عليه قبل جائحة كوفيد-19”.
لماذا تزداد حالات فيروس الجهاز التنفسي المخلوي والإنفلونزا في وقت أبكر من المعتاد هذه السنة
لقد أخلّ فيروس كوفيد-19 بالنظام البيئي الفيروسي، وخلال السنوات القليلة الماضية كانت الفيروسات الأخرى تتصرف بشكل غريب. قالت براينت إن مستشفاها شهد خلال الصيف عددا غير معتاد من الفيروس المعوي د68 الذي يسبب أعراضًا عامةً شبيهة بالزكام، لكن في حالات نادرة يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الأطراف مشابه لشلل الأطفال.
عادةً ما يظهر فيروس الجهاز التنفسي المخلوي في منتصف الشتاء، لكن شهد المستشفى أيضًا ارتفاعًا كبيرا في الحالات في آب/ أغسطس بشكل أكبر بكثير مما رأوه خلال سنوات. أوضحت براينت، التي تعمل أيضًا على قضايا الأمراض المعدية في الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: “قبل الوباء كان بإمكاننا التنبؤ بموعد ظهور حالات الفيروس التنفسي المخلوي. ما حدث هذه السنة هو أنه جاء مبكرًا. لقد تسبب الوباء في حدوث اضطراب في الأنماط الموسمية التي كان ممكنًا التنبؤ بها في السابق”.
عموما، تتمثل أعراض الفيروس التنفسي المخلوي في البداية في سيلان في الأنف أو سعال، وقد يتطور لدى عدد قليل من الأطفال إلى التهاب رئوي أو التهاب في الشعب الهوائية، مما قد يتطلب دخول المستشفى. وكما هو الحال مع كوفيد-19 حيث كانت الأعراض أكثر اعتدالًا عند الأطفال، فإن العدد الهائل من الإصابات يعني إنهاك المستشفيات حتى لو كانت نسبة ضئيلة فقط من الحالات تتطلب دخول الأطفال إلى المستشفى.
قال شافنر إن الإنفلونزا بدأت أيضًا قبل نحو شهر من المعتاد، لا سيما في جنوب الولايات المتحدة. لقد اتبعت النمط الذي شوهد في نصف الكرة الجنوبي هذا الصيف (أي في الشتاء في ذلك الجزء)، عندما شهدت بلدان مثل أستراليا وتشيلي مواسم إنفلونزا مبكرة وحافلة.
إذن كيف تفسر هذه الزيادة المبكرة في الحالات؟ من منظور بيولوجي، تجد هذه الفيروسات مضيفين أكثر عرضة للإصابة بين السكان. وعادةً ما تزدهر الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي في الشتاء بسبب انخفاض الرطوبة ودرجات الحرارة وكذلك الاكتظاظ في الأماكن المغلقة. وبعد السنتين الماضيتين، انخفضت المناعة لدى الكثيرين أو ربما لم تعد لديهم مناعة على الإطلاق، مما يسهل على هذه الفيروسات الانتشار خارج الظروف المثالية.
ما زلنا ننتظر موجة الشتاء المتوقعة من كوفيد-19. يبدو أن أرقام الحالات في استقرار نسبي حاليًا، ورغم زيادة الاختبارات المنزلية التي تجعل تتبع البيانات الرسمية أكثر صعوبة
قبل بلوغ سن الثانية، يصاب كل طفل بالفيروس التنفسي المخلوي أكثر من مرة ليكتسب مناعةً ضده في النهاية. لكن المشكلة تكمن في أن الكثير من الأطفال الآن حتى في سن 3 أو 4 سنوات، ليس لديهم المناعة ضده بعد سنتين من تدابير تجنب المرض ويصابون بالعدوى للمرة الأولى.
أخبرني شافنر أن “الفيروس أصبح لديه مجال أكثر وفرة للانتشار” وأن “هناك العديد من الأشخاص المعرضين للإصابة بعدوى هذا الفيروس للمرة الأولى أو الثانية”. ويلعب الأطفال بشكل خاص دورًا مهمًا في انتشار المرض – وذكر شافنر “أنه يُعتقد أن الأطفال هم مراكز توزيع فيروس الإنفلونزا”.
أولاً ينشرونه فيما بينهم. وبمجرد إصابتهم يسببون تناثرا فيروسيا أكثر بكثير من البالغين ولفترة أطول من الوقت، مما يجعلهم شديدي الفعالية في نشر الفيروس إلى الأشخاص الآخرين الذين يخالطونهم.
قال شافنر “يصبح الأطفال مثل ناقلات أو أجهزة إرسال صغيرة. يعودون إلى المنزل وينقلون المرض لوالديهم وأجدادهم والعمة سوزي والجيران. وجود الأطفال في المدرسة، والسفر وزيارة الأصدقاء والأقارب، والحماس للعودة إلى النشاط الطبيعي مجددًا، كل هذا يهيئنا لانتشار هذه الفيروسات التنفسية”.
في هذه الأثناء، ما زلنا ننتظر موجة الشتاء المتوقعة من كوفيد-19. يبدو أن أرقام الحالات في استقرار نسبي حاليًا، ورغم زيادة الاختبارات المنزلية التي تجعل تتبع البيانات الرسمية أكثر صعوبة، إلا أن الخبراء يتوقعون زيادة قريبة بالنظر إلى نمط السنتين الماضيتين. ووضح شافنر أن الوضع لن يصل إلى نفس السوء كما في 2020 أو 2021، ولكن سيمثل ضغوطًا على النظام الصحي.
لماذا لن يكون “ثلاثي الأوبئة” – كما نأمل – الوضع الطبيعي الجديد
قد تكون الأشهر القليلة القادمة صعبة، وزيادة نشاط الإنفلونزا مرة أخرى في السنة الجديدة سيزيد الأمور سوءًا في حال ظهرت سلالة جديدة مهيمنة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه صدمة قصيرة المدى للنظام بعد الجائحة أو بداية وضع طبيعي جديد.
يجب أن نكون قد تخلصنا من الثقة الزائدة في المستقبل بعد عدم القدرة على التنبؤ بمسار الوباء خلال السنتين الماضيتين. لكن الخبراء الذين تحدثت إليهم اعتقدوا أن الاحتمال الأول مرجح أكثر. ومع أن موسم البرد والإنفلونزا الحالي سيكون سيئًا، وكذلك في السنة المقبلة، إلا أنه في النهاية ستبدأ هذه الفيروسات في الاستقرار إلى نمطها القديم.
قال شافنر “أفكر في هذه الفترة باعتبارها سنة أو سنتين انتقاليتين، يعود بعدها الوضع طبيعيًا”، مشيرا إلى أن “الفيروسات تتحرك في طريق العودة إلى نشاط أكثر طبيعية”.
وحسب ويبي فإنه مع إصابة المزيد من الأشخاص واستعادة مناعتهم قوتها (أو الحصول على المناعة للمرة الأولي كما في حالة الأطفال)، ستجد الفيروسات صعوبة في الانتشار خارج النمط المعتاد حين يبرد الطقس ويبقى الناس في الداخل. لقد رأينا نفس دورة الحياة مع إنفلونزا الخنازير أثناء وبعد تفشي المرض سنة 2009. في البداية ظهر الفيروس في أوقات غير معتادة خارج موسم الأنفلونزا. ولكن بعد سنتين من اكتساب المناعة، أصبح التنبؤ بظهوره ممكنًا. “وذلك ما يجبر الفيروس – على حد تعبير ويبي – على البقاء في ظروف انتقاله المثالية، والتي تحدث في فصل الشتاء”.
يجب أن تساعد البيولوجيا في جعل موسم البرد والإنفلونزا في السنوات القادمة أكثر قابلية للتحمل
يمكن أن تساعد اللقاحات الجديدة أيضًا في تخفيف عبء فيروس الجهاز التنفسي المخلوي في المستقبل. أصدرت شركة الأدوية “غلاكسو سميث كلاين” مؤخرًا نتائج التجارب السريرية التي أظهرت انخفاضًا كبيرًا في شدة المرض عند كبار السن الذين تم إعطاؤهم لقاح فيروس الجهاز التنفسي المخلوي الذي طورته الشركة. يواجه تطوير اللقاح من أجل الأطفال عقباتٍ، لكن التصاعد الأخير في البحث والتطوير يشير إلى إمكانية إحراز تقدم في السنوات القادمة.
لدينا بالفعل لقاحات فعالة ضد الإنفلونزا وكوفيد-19، وهي تقلل بشكل كبير من احتمال الإصابة بالمرض الشديد والوفاة. ولكن يبقى التحدي في تقبل الناس لها. حصل قلة من الأمريكيين فقط على لقاح كوفيد-19 الجديد الذي يستهدف المتحور أوميكرون، كما أن موقف الناس بشأن الحصول على لقاح الإنفلونزا متباطئ.
ذكر شافنر “نشعر بالقلق من أن الناس يواجهون ارهاقًا من فيروس كوفيد واللقاح لدرجة أنهم لا يستفيدون من هذه اللقاحات” مضيفًا “أعتقد أنه لا يزال هناك الكثير من الناس الذين سئموا من كل هذا، لذلك لا يتم استغلال الإجراءات المتاحة في الوقت الحالي على النحو الأمثل”.
يجب أن تساعد البيولوجيا في جعل موسم البرد والإنفلونزا في السنوات القادمة أكثر قابلية للتحمل. كما تتوفر الأدوات اللازمة لتخفيف العبء أكثر – ليس فقط اللقاحات، وإنما أيضًا غسل اليدين وارتداء الأقنعة والبقاء في المنزل عند المرض – وذلك فقط إذا قررنا الاستفادة منها.
المصدر: فوكس