ترجمة وتحرير: نون بوست
مع أن سنة 2022 شارفت على الانتهاء، إلا أن التأثير المعقّد للتضخم العالمي وتدهور النقد الأجنبي جعل من الصعب على إدارة شركة الصناعات الغذائية العربية المصرية – المعروفة على نطاق واسع باسم “دومتي” – تحديد أهداف واضحة لسنة 2023، وذلك وفقًا لما صرح به المدير التنفيذي محمد الدماطي.
في حوار لموقع الزاوية صرّح الدماطي بأنه في ظل الظروف العادية، غالبا ما تكون ميزانية العام المقبل منتهية الآن، لكن هذا لم يكن الحال هذه السنة، مشيرا إلى أنه “يمكنك أن تبذل الكثير من الجهود في مسألة ما دون أن تتحقق. نحن لا نعرف حقًا ما الذي سيحدث غدًا”.
فرضت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ضغوطًا هائلة على الاقتصاد المصري. فقد أدى تدفق رأس المال إلى الخارج والارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة العالمية إلى توسيع الفجوة في ميزان المدفوعات في مصر ومزيد انخفاض قيمة العملة المحلية. في آذار/ مارس، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه المصري بنسبة 10 بالمئة، من 15.7 إلى 17.5، مقابل الدولار. منذ ذلك الحين، اتخذ الجنيه مُنحى تنازليا ووصل إلى أدنى مستوى له عند 19.7. وفي أيلول/ سبتمبر، وصل التضخم إلى أعلى مستوى منذ أربع سنوات بنسبة 15 في المئة.
في هذا السياق، صرّح الدماطي: “نحن نواجه ضربة مزدوجة. من ناحية ارتفعت الأسعار العالمية للمواد الخام جراء اندلاع الحرب وتفشي الجائحة، ومن ناحية أخرى تراجعت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار”. وأوضح الدماطي أن ما لا يقل عن 60 بالمئة من المواد الخام لشركة دومتي، وهي الحليب الاصطناعي وتركيز بروتين الحليب وعبوات تتراباك والزيت، يتم استيرادها وتقويمها بالدولار الأمريكي.
إلى جانب ارتفاع تكلفة الإنتاج، تجد الشركة نفسها أحيانًا تواجه تقلصًا في مخزون بعض المواد الخام بسبب نقص العملة الصعبة وتأخر الواردات. ويوضّح الدماطي أن “المصنع توقف الشهر الماضي عن العمل قرابة خمسة أيام بسبب نقص الزيت.”
استراتيجيات الصمود
لتجنب المزيد من عمليات التوقف عن العمل، توصلت الإدارة إلى بعض استراتيجيات المناورة. في هذا السياق، أوضح الدماطي: “عندما يكون هناك نقص في بعض المواد الخام، فإننا نركز على زيادة إنتاجنا من المنتجات الأخرى التي يمكن تخزينها في وقت لاحق حتى تصبح المواد الخام المفقودة متاحة في السوق”.
تصنّع دومتي خمس فئات من المنتجات: الجبن الأبيض والعصائر ومنتجات المخابز ومنتجات الألبان والأجبان المصنعة. يمثل الجبن الأبيض، وهو عنصر أساسي بالنسبة لمعظم المصريين، 55 في المئة من إنتاج دومتي. تستحوذ الشركة وحدها على 40 في المئة من سوق الجبن الأبيض. وعلى الرغم من التوقعات القاتمة، استبعد الدماطي حصول أي نقص معرقل في هذا المنتج المهم. ويضيف الدماطي “لدينا طاقات إنتاجية واحتياطيات كبيرة”؛ متمنيا ألا يحدث أي نقص في السوق.
منذ السنة الماضية، رفعت دومتي أسعارها بنسبة 50 بالمائة. في هذا الإطار، أوضح الدماطي “الوضع ليس سهلاً على الإطلاق ويتطلب متابعة وتخطيطا يوميا”. وأضاف “نرفع الأسعار بأسرع ما يمكن حتى لا تتأثر أرباحنا بشدة. نحاول أن نتخذ استراتيجيات فعالة قدر الإمكان فيما يتعلق بنفقاتنا وكذلك طرق توزيعنا”.
وتابع الدماطي أنه من المتوقع أن تختتم الشركة العام بتحقيق إيرادات تبلغ 5 مليارات جنيه وأرباح لا تقل عن 220 مليون جنيه بشرط عدم حدوث انخفاض حاد في قيمة العملة حتى شهر كانون الأول/ ديسمبر. لكنه أشار إلى أن الوضع في مصر “ضبابي للغاية؛ مؤكدا أنه حتى لو كانت عملية الإنتاج تسير على أكمل وجه، فأنت قلق بشأن الغد”.
على الرغم من حالة عدم اليقين، فإن الشركة تمضي قدمًا في خططها لتحسين قدراتها الإنتاجية وتنويع منتجاتها. ونوه الدماطي: “نعتقد أن المخبوزات ستكون من منتجات الشركة المستقبلية”؛ مضيفًا أن الشركة استثمرت بالفعل 120 مليون جنيه في خطي إنتاج جديدين، أحدهما للكرواسون والآخر للسندويشات المحشوة. ومن المتوقع أن ينطلق كلا الخطين في الإنتاج خلال الربع الأول من سنة 2023.
تأسست شركة دومتي في سنة 1990 كشركة عائلية للدماطي. في آذار/ مارس 2016، أطلقت الشركة اكتتابًا أوليًا لبيع 49 بالمئة من أسهمها بسعر افتتاحي قدره 9.2 جنيهًا مصريًا للسهم. وفي الشهر الماضي، اشترى ائتلاف تجاري بقيادة عائلة الدماطي معظم الأسهم المتداولة بسعر 3.5 جنيه للسهم. ولم يتبق سوى 11 في المئة من الأسهم في سوق الأوراق المالية.
في شأن ذي صلة، أوضح الدماطي: “في سنة 2016، لم أفهم أبدًا أنني سأشتري الشركة مرة أخرى في يوم من الأيام”. لكن البورصة المصرية تواجه وضعا كارثيا. كان تقييم جميع الشركات، وليس دومتي فحسب، منخفضا. لذلك، رأينا أنها فرصة لشراء المزيد من الأسهم”.
قرض صندوق النقد الدولي: هل هو الخيار الوحيد؟
منذ أشهر، انخرطت الحكومة المصرية في محادثات مع صندوق النقد الدولي لتأمين قرض. في الأسبوع الماضي، صرّح المتحدث باسم صندوق النقد الدولي بأن السلطات المصرية وموظفي الصندوق على وشك التوصل إلى اتفاق. لكن “لسوء الحظ، لم يتبق لنا خيار سوى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
ومع ذلك، حذّر الدماطي من التراجع الكامل عن جميع قيود الاستيراد التي وضعها البنك المركزي في الأشهر الأخيرة؛ مشيرا الى أنه لا يمكن تخفيف جميع قيود الاستيراد؛ وإلا فإن سعر الصرف سيصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل.
وأضاف الدماطي أن التباينات الطبقية كبيرة في مصر. هناك فئة يمكنها تحمل تكلفة السلع الاستهلاكية المستوردة حتى لو وصل سعر الصرف إلى 30 جنيها. إلا أن مثل هذا الوضع سيجعل من المستحيل على الفئات الأخرى تحمّل تكلفة شراء قطعة من الجبن.
المصدر: الزاوية