ترجمة حفصة جودة
تدفقت فكرتان إلى رأس أشرف عندما سمع عن موت 10 أطفال مصابين باللوكيميا بسبب الأدوية الفاسدة، كانت الفكرة الأولى أن موتهم مأساة مروعة وهي الأحدث في تاريخ اليمن الوحشي المعاصر، والثانية: هل سيكون الدور عليه؟
يقول أشرف المصاب بسرطان الكبد: “شعرت بالذعر لأنهم كانوا يُعالجون في مستشفى عام، ومن المفترض أن تُختبر أدويتهم قبل استخدامها”، خلال سنوات من نقص الدواء في اليمن بأكلمه، تمكن اليمنيون من العثور على الأدوية المُهربة المنقذة للحياة بالبحث عنها في الصيدليات والمستشفيات التي تخزنها، أو حتى عند المهربين أنفسهم.
لكن عندما كشفت الأخبار الأسبوع الماضي عن وفاة 10 أطفال بسبب أدوية العلاج الكيميائي المهربة الفاسدة التي أُعطيت لهم في مستشفى بالعاصمة صنعاء، انتشر الرعب بين المرضى الذين يعتمدون على الأدوية المُهربة للعلاج.
قال محمد الغيلي رئيس الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية: “المضاعفات التي عانى منها الأطفال المرضى كانت نتيجة أدوية مهربة من خارج البلاد ووصلت إلى صيدلية في العاصمة، ثم اشترتها أسر المرضى”.
يرى اليمنيون الآن أن التخلص من الأدوية الوحيدة المتاحة لهم مغامرة غير مضمونة، فقد قال أشرف إن الدواء الذي يحتاجه لا يوجد بشكل قانوني، والحل الوحيد أمامه شراء الأدوية المهربة.
أصبح استخدام أدوية المهربين أمرًا شائعًا في جميع أنحاء البلاد وسط تراخ من وزارتي الصحة في صنعاء وعدن حيث المقر المؤقت للحكومة
يضيف أشرف الذي لم يكن قد سمع حتى اللحظة عن موت مرضى السرطان بسبب الأدوية المهربة الفاسدة: “أعلم أن الأدوية المهربة قد لا تأتي بنتائج جيدة وربما تزيد حالتي الصحية سوءًا، لكنني لا أستطيع تحمل تكلفة السفر إلى الخارج، والدواء الأصلي غير متاح في السوق المحلية، في بعض الأحيان حتى لا أجد الأدوية المهربة، وأضطر للانتظار أيام أو أسابيع حتى تصل من الخارج”.
في بعض الأحيان يطلب أشرف من بعض القادمين من مصر إلى اليمن أن يحضروا بعض الأدوية معهم، لكن نادرًا ما يجد من يقبل بذلك، ويقول: “عادة ما يُحضر المهربون الدواء مع القادمين إلى اليمن، لكنها ليست الطريقة الأكثر آمنًا لنقل الأدوية”.
تدخلات المهربين
انهار القطاع الصحي في اليمن نتيجة الحرب المستمرة بين المتمردين الحوثيين والحكومة المدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية، مع وجود عجز في أكثر من نصف المنشآت الطبية بالبلاد.
هناك بدائل غير معروفة للأدوية التي اختفت من السوق لكن المرضى والأطباء يتجنبونها، ويتركون الأمر للمهربين لتغطية هذا النقص، فأصبح استخدام أدوية المهربين أمرًا شائعًا في جميع أنحاء البلاد وسط تراخ من وزارتي الصحة في صنعاء وعدن حيث المقر المؤقت للحكومة.
يقول محمد – صيدلي في صنعاء – إن بعض الأدوية لم تعد متاحة إما لأن وكلاءها لا يستطيعون استيرادها، وإما لأن الشركات المستوردة أغلقت أبوابها بسبب القيود على الحركة في اليمن.
هناك القليل من الرحلات الجوية في مطار عدن، أما مطار صنعاء الذي يسيطر عليه الحوثيون فقد كان مغلقًا لمدة 6 سنوات قبل فتحه جزئيًا أمام بعض الطائرات التجارية المحدودة القادمة من عمّان في أبريل/نيسان كجزء من الهدنة التي انتهت في أول أكتوبر/تشرين الأول.
في الوقت نفسه، ترفض بعض شركات الأدوية إرسال منتجاتها إلى اليمن لأنهم لا يضمنون توفير الظروف ودرجة الحرارة المناسبة لها، توقف محمد عن شراء الأدوية المهربة من التجار بعد الحادث قائلًا إنه لم يكن يعلم بخطرها حتى سمع خبر وفاة هؤلاء الأطفال.
لا ثقة في الدواء المحلي
يقول محمد إن هناك عددًا من مصانع الأدوية في اليمن، لكن الناس لا يثقون في الأدوية المصنعة محليًا – وحتى من قبل الحرب – ويفضلون الأدوية المستوردة، ويضيف “ليس المرضى فقط، بل هناك بعض الأطباء الذين لا يثقون في الأدوية اليمنية وهذا يعني أنهم سيتجهون للأدوية المهربة، التي قد تأتي في ظروف غير مناسبة للحفاظ على فاعليتها”.
لاحظ الطبيب الصيدلي أن الأدوية تُهرب إلى اليمن منذ فترة طويلة، وأن الناس كانوا يشترونها لأنها رخيصة، وقال: “هذا الوضع ليس جديدًا، لكن التطور الجديد هو أن الناس يلجأون إلى شراء الأدوية المهربة والباهظة لكن الأدوية الأصلية لم تعد متاحة في السوق”.
قد تكون الأدوية المهربة مميتة، لكن مصادرتها ليس الحل، لأن المرضى سيشترون ما يحتاجونه حتى لو كان ذلك من المهربين أنفسهم
أثار موت الأطفال غضبًا على وسائل التواصل الاجتماعي ضد وزارة الصحة في صنعاء والمؤسسات الطبية العامة المختلفة، يلوم الحوثيون الحصار المفروض من السعودية على اليمن في انتشار استخدام الأدوية المهربة، بينما يُتهم الحوثيون بمنع وتعطيل وصول المساعدات الإنسانية.
يقول الدكتور أنيس الأصبحي المتحدث باسم وزارة الصحة في صنعاء إن 38 شركة من التي كانت تستورد الأدوية تركت اليمن بسب القيود التي فرضها التحالف بقيادة السعودية، وقال إن الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية ووزارة الصحة ومكاتب الصحة أطلقوا حملة لمصادرة الأدوية المهربة والأدوية منتهية الصلاحية.
يقول هاني – طبيب صيدلي آخر في العاصمة – إنه بعد حملة الدولة، اختفت الأدوية المهربة من العديد من الصيدليات، لكن المرضى – الذين أصبحوا قلقين بشأن شراء الأدوية المهربة – ما زالوا يبحثون عنها لعدم وجود بديل.
ويضيف “أرى الرعب يسيطر على المرضى هذه الأيام، وهم محقون في ذلك، قد تكون الأدوية المهربة مميتة، لكن مصادرتها ليس الحل، لأن المرضى سيشترون ما يحتاجونه حتى لو كان ذلك من المهربين أنفسهم”.
لاحظ هاني أن الأدوية المصنعة محليًا بديل لبعض أنواع العلاج لكن ليس جميعها، ويقول: “الحل يكمن في تسهيل استيراد الأدوية من خلال شركات الأدوية، فالمرضى لن يستطيعوا النجاة دون هذه الأدوية”.
المصدر: ميدل إيست آي