ترجمة وتحرير: نون بوست
مع أقل من ثلاثة أسابيع على استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة السنوي حول تغير المناخ، المعروف باسم “كوب 27″، في شرم الشيخ؛ يقول السكان إن مدينة جنوب سيناء والمناطق المحيطة بها قد تحولت إلى ما يشبه “منطقة حرب”، بسبب إجراءات أمنية يُزعم أنها تهدف إلى تأمين الحدث.
وتتزامن هذه الإجراءات مع دعوات عبر الإنترنت لاحتجاجات مناهضة للحكومة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يصادف اليوم السادس من قمة المناخ، المقرر عقدها في شرم الشيخ في الفترة من 6 إلى 18 من نفس الشهر.
وعادةََ ما تستخدم الحكومة المصرية منتجع “شرم الشيخ” لاستضافة محادثات السلام والمؤتمرات الدولية بعيدًا عن دلتا النيل المزدحمة.
وأصبح الوصول إلى شرم الشيخ صعبًا جدًّا على المصريين؛ حتى بالنسبة لأولئك الذين يعملون هناك أو السياح المحليين، بسبب عدد نقاط التفتيش العسكرية التي توقف جميع السيارات وتفتّش جميع الركاب في طريقهم إلى المنطقة. وتحدث موقع “ميدل إيست آي” إلى العديد من سكان المدينة، فأشاروا إلى الإجراءات الأمنية التعسفية التي عطلت حياتهم، بما في ذلك إلغاء الأحداث، وإعادة السكان من خارج شرم الشيخ قسراً إلى مدنهم، ومراقبة المداخل والمخارج، وإرجاع غير المقيمين، كما لوحظ تزايد عدد رجال الشرطة.
أبانوب، صاحب محل بقالة ومعدات غطس، اضطر لإغلاق محله؛ وقال بشأن هذا الأمر: “اتصل بي ضابطان وهددا بإغلاق المحل نهائيًّا إذا لم أغلقه الآن”، وقيل له بأنه يمكنه إعادة الافتتاح بعد انتهاء القمة، ويعتبر تشرين الثاني/نوفمبر هو موسم السياحة المحلية، ومع حضور عدد من الضيوف للمؤتمر، كان من الممكن أن تكون فرصته لكسب أموال كبيرة.
وقال الشاب البالغ من العمر 34 عامًا لموقع “ميدل إيست آي”: إن العديد من المتاجر الأخرى تلقت نفس التحذير: “الإغلاق في موعد القمة أو الإغلاق إلى الأبد”، مع العلم أن بعض هذه المحلات تعمل منذ سنوات، لكن دون تراخيص.
وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت الآراء السياسية مرتبطة بأوامر الغلق، فقال أبانوب: “لا أحد من أصحاب المتاجر والعمال وشبان التوصيل يعرف ما هو اسم رئيس الوزراء حتى”.
نرجس، صاحبة صالة ألعاب رياضية؛ توظف ثلاثة لاجئين أفارقة بشكل قانوني، صُدمت لسماعها أنهم اضطروا للعودة إلى القاهرة؛ حيث تم تسجيل بطاقات اللاجئين الخاصة بهم، وقالت في هذا الشأن: “تم إيقافهم أثناء تناولهم وجبة الإفطار، وتم وضعهم في سيارة وترحيلهم إلى القاهرة. حاولت الاستفسار عن وضعيتهم، ولكن لم أتمكن حتى من إقناع السلطات بوقوع الحادث”.
وأضافت صاحبة العمل هذه، والتي تقيم في المدينة منذ 20 عامًا: “عدد أفراد الشرطة والجيش في المدينة هذه الأيام يعطي انطباعا بأننا في منطقة حرب”.
بينما لم يتم الاتصال بها من قبل أي سلطات لإغلاق صالتها؛ تقول نرجس إنها شعرت بالعجز تجاه ما حدث لموظفيها. وفي الوقت نفسه؛ لا تريد تصعيد الموقف، الأمر الذي قد يعرضها هي وهولاء اللاجئين للمزيد من الظلم.
التحقق من الهوية
آية، طالبة تقيم معظم أيام السنة في مدينة “دهب”، على بعد ساعة بالسيارة من شرم الشيخ، وأخبرت “ميدل إيست آي” أن الشرطة أوقفتها أثناء عودتها إلى المنزل من فصل اليوغا فقط لتفقد هويتها.
وتقول آية: “واجهتُ الشرطة سابقًا؛ حيث تم اعتقالي في سنة 2014 في مظاهرات مناهضة للحكومة. هذه المرة سألوني عما إذا كنت أخطط لزيارة شرم الشيخ، أو لدي أي نزعة للاحتجاج”.
وبينما سُمح لها بالذهاب إلى منزلها في “دهب”؛ تم احتجاز آخرين في وسائل النقل العام التي كانت تستقلها، وقالت آية: “تم توقيف أربعة رجال كانوا يبدون وكأنهم عمال بناء واقتيدوا إلى عربة الشرطة”.
وأضافت آية: “خوفًا من تبعات هذه الصدمة؛ غادرت القاهرة حتى لا أشهد مثل هذه المشاهد من الاعتقالات والمضايقات غير القانونية من قِبَل الشرطة، لكن يبدو أن جنوب سيناء سيتم عسكرته حتى انتهاء القمة. هذه القمة مجرد مؤتمر كبير؛ تريد السلطات من خلاله إظهار ما تريد أن يراه الأجانب: بأن المصريين يعيشون في سعادة، لكن الواقع مختلف”.
وتم حجز الفنادق والنُزُل بالكامل في شرم الشيخ بسبب الحاجة لاستيعاب مئات الضيوف من جميع أنحاء العالم بمناسبة “كوب 27”.
وقال اثنان من العاملين بأحد الفنادق لموقع “ميدل إيست آي” إن ضباط شرطة الفندق يتحققون من جميع جوازات السفر وجميع الحجوزات، ولكل فندق ضابط من وكالة الأمن القومي أثناء الخدمة في بهو الفندق لمراقبة وصول ومغادرة الضيوف.
“مناخ الخوف” الذي أوجدته الحكومة المصرية سيحدّ من قدرة هيئات المجتمع المدني المصرية على التعامل مع “كوب 27”
وصرّحت صحفية فرنسية مستقلة تحدثت إلى موقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويتها، أنها وصلت إلى مصر قبل أيام من المؤتمر لقضاء بعض الوقت مع شريكها وأصدقائها المصريين. وفي دهب؛ حيث كانت تقيم، أوقفها رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية رفضوا الكشف عن هويتهم.
وأضافت: “سألوني عن علاقتي بصديقي وأخبرونا أنه لا توجد فنادق أو أماكن إقامة في دهب، وأنه يمكنني أنا العودة خلال القمة، بينما شريكي فكان لديهم استجواب مختلف له، مثل ما إذا كان قد تم اعتقاله من قبل في أي احتجاجات سياسية، وقالت إنه تم استجوابه لمدة ساعة لأنهم عثروا لديه على “تصميمات ساخرة” عن الرئيس عبد الفتاح السيسي في صور هاتفه”.
تضييق على الاحتجاجات
إن توقيفك من قبل الشرطة وتفتيش الهاتف ليس بالأمر الجديد على المصريين. في الآونة الأخيرة؛ كان قد تم استخدام هذه الإجراءات في سنة 2019، بعد أن لقيت دعوات الاحتجاجات الجماهيرية دعمًا واسعًا.
حتى في القاهرة ومدن مصر الرئيسية؛ استمع موقع “ميدل إيست آي” إلى العديد من الشهادات حول قيام رجال الشرطة بإيقاف المدنيين للتحقق من تفاعلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومعرض صور هواتفهم في الأسابيع التي تسبق “كوب 27”.
تأتي هذه الحملة في جنوب سيناء وسط تحذيرات من جماعات حقوقية مصرية ودولية من أن القواعد التي أعلنتها الحكومة بشأن الأماكن المخصصة للاحتجاجات خلال “كوب 27″، تشكل تهديدًا لحرية التجمع، وهو عنصر أساسي في القمة السنوية.
ومنذ أن أطاح السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013؛ قامت حكومته بحظر المظاهرات وسجنت الآلاف ممّن شاركوا في احتجاجات أو اعتصامات مناهضة للحكومة.
وفي بيان صادر مؤخرًا؛ قال عدد من خبراء الأمم المتحدة المستقلين إن “مناخ الخوف” الذي أوجدته الحكومة المصرية سيحدّ من قدرة هيئات المجتمع المدني المصرية على التعامل مع “كوب 27”.
وحذر البيان من “نقص المعلومات ومعايير الشفافية للمنظمات غير الحكومية المصرية، وزيادة ممنهجة في أسعار الغرف الفندقية، والقيود غير المبررة على حرية التجمع السلمي خارج مقر انعقاد القمة، والتأخير غير المبرر في منح التأشيرات للقادمين من الخارج”.
حاول موقع “ميدل إيست آي” الاتصال بمكتب الأمم المتحدة في مصر للحصول على تعليق، لكنه لم يتلقَ ردًا حتى وقت كتابة هذا التقرير.
ما يحدث الآن من عمليات بحث ومضايقات عشوائية، هو عودة إلى ما كان يحدث من قبل
وقال متحدث باسم مكتب اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء، للموقع، إن أي مزاعم بشأن حظر مصر للتظاهر في شرم الشيخ خلال “كوب 27” غير صحيحة، مؤكداً أن المدينة تضم منطقة يسمح فيها بالمظاهرات.
وأوضح المسؤول أنه سيتم تخصيص مساحة كبيرة للمدنيين والضيوف لممارسة حقهم في التظاهر، مضيفًا أنه ستكون هناك أيضًا كافيتريات ومطاعم وأماكن للجلوس والتحدث وتناول المشروبات للحفاظ على الصورة الحضارية للبلاد.
ومع ذلك؛ رفض هذا المسؤول الرد على أي أسئلة متعلقة بالأمن، وأحال الموقع إلى مديرية الأمن، التي لم تكن هي الأخرى على استعداد لأي تعليق.
وفي مقابلة تلفزيونية مع مقدم البرامج، المؤيد للحكومة، أحمد موسى، قال فودة إنه استقبل 60 وفدا من السفارات الأجنبية؛ تدور أسئلتهم حول مسألة السماح بالتظاهر، وأضاف أن من يريد التظاهر يمكنه حمل راية خاصة به في المنطقة المخصصة لذلك، ونحن المسؤولون نسمح بذلك، ولكن إذا ارتكبوا أخطاء وخالفوا القانون فلن نتسامح مع هذا الوضع.
أمن لا يرحم
وقال مصدر من القبائل في إحدى أكبر العائلات في جنوب سيناء لموقع “ميدل إيست”، إن قوات الأمن التقت بهم في الأسابيع الأخيرة لتكثيف التعاون وتعزيز المعلومات الاستخباراتية والتصدي لأي مسلحين متسللين من الجبال.
الأمن المصري لا يرحم عندما يتعلق الأمر بتأمين المؤتمرات الدولية، كما يتذكر أفراد من القبائل في منتصف العمر، وعائلاتهم، مدى وحشية النظام عندما قام بقمع المدنيين بعد تفجيرات شرم الشيخ سنة 2005.
وكان رجل القبيلة هذا نفسه، قد احتُجز لمدة سبعة أشهر وتعرض للتعذيب لإجباره على الاعتراف بعلاقته بالمسلحين، ثم أُطلق سراحه في النهاية.
وقال المصدر القبائلي لموقع”ميدل إيست آي”: “يمكن القول أن ما يحدث الآن من عمليات بحث ومضايقات عشوائية، هو عودة إلى ما كان يحدث من قبل”، مضيفًا أن الكثير من القبائل تتعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل منع أي هجمات أو معارضة، لأنهم سيعتبرون كبش فداء إذا وقع أي حادث.
منذ سنة 2011؛ حدثت عدد قليل من العمليات المسلحة إلى جنوب سيناء؛ حيث إن معظم التمرد يدور في شمالها ووسطها. وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء عقب معاهدة السلام سنة 1979، كثّفت المخابرات العسكرية المصرية التعاون والتكامل الاقتصادي مع قبائل جنوب سيناء، على عكس القبائل في الشمال.
المصدر: ميدل إيست آي