يبدو أن العالم على موعد مع سلسلة حروب جديدة خلال السنوات المقبلة، تختلف إلى حد كبير عن الحروب التقليدية التي شهدها القرن الماضي والخاصة بالنفط والمياه، لتصل إلى مستوى أكثر عمقًا وأوسع انتشارًا وأدق حرجًا، فالأمر يتعلق بالمستقبل والبحث عن مكان آمن به في ظل ثنائية الغموض والفوضى التي تخيم على الأجواء بشأن ما هو قادم.
المعادن.. هي الكعكة التي يرجح أن تكون نقطة اشتعال حروب القرن الحاليّ، كونها الضلع الأكبر لاستمرار الحياة فوق هذا الكوكب، والنواة الأساسية للصناعات عالية الدقة التي لن يكون المستقبل من دونها، وفي ظل محدودية تلك المعادن فإن الصراع عليها من المتوقع أن يصل إلى مستويات متقدمة من الصدام، ربما يتجاوز السياقات السلمية إلى ما هو أقسى من ذلك.
الحديث عن صدامات بين القوى بسبب الصراع على المعادن ليس خيالًا أو قراءةً لما هو أبعد، فالإرهاصات الأولية لتلك الصدامات بدأت تلوح في الأفق، وها هي إرهاصاتها الأولى تفرض نفسها على ساحة الحرب الاقتصادية المشتعلة مؤخرًا بين الولايات المتحدة والصين، الأمر ربما يزداد سخونة حال دخول قوى أخرى على الخط خاصة أوروبا التي يبدو أنها ستكون في مأزق حقيقي بسبب ندرة المعادن الإستراتيجية لديها خلال العقدين الماضيين.
في ملف “حروب المعادن” يطوف “نون بوست” في جولة معمقة لاستكشاف المعادن الإستراتيجية التي يصنفها الخبراء والكيانات البحثية المتخصصة كـ”معادن حروب وصراعات”، للوقوف على خريطة تلك المعادن وأهميتها ومعاناة الدول معها مستقبلًا في ظل ندرتها المتوقعة، مع استشراف احتمالات الصدام بشأنها وأطراف ذاك الصدام.
مادتنا الاستهلالية هذه من الملف، نلقي الضوء على الدوافع التي قادت للحديث عن “حروب المعادن” في هذا التوقيت، مع الإشارة إلى قائمة المعادن ذات الأهمية الإستراتيجية المحورية وأهميتها، وتشكيلة السوق العالمي للمعادن الحرجة والقوى المهيمنة، مع الإشارة إلى الأزمات التي أشعلتها المعادن بالفعل بين القوى في الآونة الأخيرة، وذلك كخطوة تمهيدية قبيل التطرق تفصيلًا لكل معدن على حدة.
لماذا المعادن؟
العالم سيواجه تحديات كبيرة في المعادن الضرورية للصناعة عالية الدقة التي يحتاجها للانتقال من الطاقة الملوثة للبيئة إلى الطاقة منخفضة الكربون، خلال السنوات المقبلة، كذلك المعادن الحيوية المستخدمة في الشرائح الإلكترونية اللازمة لبناء تكنولوجيا المستقبل، هكذا خلصت دراسة لمعهد بروكغنز للدراسات في واشنطن.
الدراسة حددت 40 معدنًا أساسيًا اعتبرتهم من أكثر المعادن في الأهمية الإستراتيجية، لافتة إلى أنهم يدخلون ضمن حماية “الأمن القومي الأمريكي”، يتصدرهم المعادن الأرضية النادرة بجانب حزمة أخرى على رأسها النيكل والنحاس والليثيوم والكوبالت وصفائح الألمونيوم، تلك التي تمثل أحد أضلاع صناعات الفضاء والصناعات الدفاعية.
وفي دراسة أخرى أجرتها جامعة لوفان، فإن القارة الأوروبية ستعاني خلال السنوات الـ15 المقبلة من نقص حاد في المعادن الحيوية، خصوصًا الليثيوم والكوبالت والنيكل والنحاس وفلزات الأتربة النادرة، فيما يخشى خبراء من أن هذا النقص ربما يقود إلى نزاعات وربما حروب.
وتحتاج أوروبا على وجه التحديد بعض المعادن التي تقودها إلى مستقبل أكثر أمانًا، تلك التي تدخل في صناعات منخفضة الكربون، منها الكوبالت والنيكل والمنغنيز والليثيوم المستخدمين في صناعة الكهرباء داخل بطاريات السيارات، كذلك فلزات الأتربة النادرة التي تعد عصب الأقراص الصلبة أو المغناطيس الدائم لتوربينات الرياح، هذا بخلاف النحاس والألمنيوم الذين يوصلان الكهرباء بشكل عام، وتساعد تلك المعادن في الاستغناء عن الهيدروكربونات ووقف انبعاثات الغازات الدفيئة التي ترفع درجة حرارة الكوكب.
ووفق التقرير الذي أعدته مجموعة “ماكنزي للاستشارات الإستراتيجية” وتم نشره مطلع العام 2022، فإن المعادن ستكون “في قلب الجهود المبذولة للتخلص من الكربون وكهربة الاقتصاد فيما نبتعد عن الوقود الأحفوري”، وستصبح بأهمية الفحم للمحركات البخارية في القرن التاسع عشر أو النفط في القرن العشرين.
ومن المرجح أن يتزايد الطلب على المعادن الحيوية بنسبة 400% بحلول عام 2040 إذا امتثل العالم لالتزامات اتفاق باريس للمناخ، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، أما تقديرات أوليفييه فيدال من معهد علوم الأرض في غرونوبل الفرنسية، فتشير إلى أنه من الضروري إنتاج معادن أكثر مما أنتجته البشرية عبر تاريخها من الآن حتى العام 2050.
وتتوقع العديد من الدراسات أن الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير/شباط 2022 ستشعل التنافس بين المعسكر الشرقي والغربي على امتلاك مصادر الطاقة وتنويعاتها المختلفة، بجانب النزاع على التكنولوجيا، وهو ما يحتاج إلى المعادن كركن أصيل في تغليب أي من الكفتين، وعليه فإن الإقبال على نوعيات محددة من المعادن الإستراتيجية سيتزايد خلال الفترة المقبلة بعدما تحولت تلك العناصر إلى مسألة “أمن قومي” للرباعي الطموح (أمريكا وروسيا والصين وأوروبا).
المعادن الإستراتيجية.. مسرح الصراعات القادم
يشير الخبراء والباحثون إلى أن هناك نوعية من المعادن ستكون محور الصراعات بين القوى الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وتقسم تلك النوعية إلى قسمين، الأول: المعادن الإستراتيجية ويقصد بها تلك التي تحتل مكانة كبيرة لدى الحكومات كونها أحد مصادر التمويل وإنعاش إيرادات الدول المصدرة لها بشكل مستمر، الثاني: المعادن النادرة، وتلك التي توجد بكميات قليلة رغم أنها عناصر محورية في الصناعات الدقيقية.
معهد المعادن والأتربة النادرة (Rare Earths and Metals) وهو الكيان المتخصص في المعادن بشتى أنواعها، يوضح أن ثمّة حالة من الخلط والمزج بين المعادن الإستراتيجية والنادرة، منوهًا أن هناك تقسيمات أخرى تنبثق عن هذين النوعين، مثل المعادن عالية التقنية ومعادن التكنولوجيا.
وتشمل المعادن الإستراتيجية وفق تصنيف المعهد: الأنتيمون، الزرنيخ، البزموت، الكادميوم، الكالسيوم، الكروم، الكوبالت، الغاليوم، الجرمانيوم، الإنديوم، الليثيوم، المغنيسيوم، الزئبق، الموليبدينوم، النيوبيوم، السيلينيوم، الرينيوم، السيليكون، التنتالوم، التيلوريوم، الإلمنيوميت، التيتانيوم، التنغستنوم.
أما المعادن النادرة فتتضمن 17 عنصرًا رئيسيًا، وتحظى بخصائص مغناطيسية وكهروكيميائية فريدة، وتشمل عناصر الغادولينيوم، اللانثانوم، السيريوم، البروميثيوم، الديسبروسيوم، الإربيوم، الأوروبيوم، الهولميوم، اللوتيتيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم، السماريوم، السكانديوم، التربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم والإيتريوم، وتكتسب أهميتها كونها تدخل في إنتاج عقاقير علاج السرطان والهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة ومصافي تكرير النفط وصناعة الزجاج.
وهناك كذلك معادن عالية التقنية وتمثل مصدرًا مضمونًا للدخول وأحد روافد الاقتصاد للدول المنتجة لها، وأبرزها: الألومنيوم، الأنتيمون، البريليوم، البزموت (البزموت)، الكادميوم، السيزيوم، السيريوم الكوبالت، الديسبروسيوم، سبيكة اليوروبيوم، سبيكة الغاليوم، الجرمانيوم، الذهب، الهولميوم، الإنديوم، الايريديوم، النحاس، النيكل، الأوسيميوم، أوران.
هيمنة صينية.. خلل في توازنات السوق
قد يعتقد البعض أن سوق تجارة المعادن الأرضية النادرة متواضع بالمقارنة بسوق النفط مثلًا، إذ لم يتجاوز حجمه خلال 2019 قرابة 1.15 مليار دولار في كل أنحاء العالم، لكن هذه النظرة ينتابها خلل كبير، فحساب قيمة تلك المعادن لا يتوقف عند حاجز حجم استثماراتها بشكل مباشر، لكن بحجم السلع التي لا يمكن لها أن تُصنع دون تلك المعادن، فعلى سبيل المثال جهاز التليفون المحمول “أيفون” البالغ سعره آلاف الدولارات يحتوي على 8 معادن أرضية نادرة، الأمر كذلك في السيارات الكهربائية والأشعة السينية والصواريخ الموجهة التي لا يمكنها الاستمرار دون تلك العناصر الحيوية التي باتت تشكل عصب تلك الصناعات.
ويعاني سوق المعادن لا سيما النادرة منها من غياب للتوازن، إذ تهيمن الصين على أكثر من 90% من تلك العناصر النادرة والإستراتيجية، لا سيما معدن السيزيوم الحيوي جدًا في الصناعة، فلا يوجد إلا 3 مناجم فقط في العالم لإنتاج هذا العنصر، جميعها تحت سيطرة بكين.
ورغم أن الصين أكبر منتج لتلك المعادن، فإنها في الوقت ذاته أكبر مستورد لها، حيث تلعب دورًا محوريًا في إستراتيجيات الصين وخططها المستقبلية الرامية من خلالها إلى تعزيز صناعاتها التكنولوجية عالية الجودة، بما يخدم تحوّلها نحو اعتماد الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها من الصناعات المتطورة التي تنافس فيها خصمها اللدود، الولايات المتحدة الأمريكية.
تهيمن الصين على أكثر من 90% من تلك العناصر النادرة والإستراتيجية
اللافت أن الصين لا تكتفي فقط بما لديها من كنوز معدنية داخل أراضيها، بل تبنت في الآونة الأخيرة إستراتيجية تعتمد على معادن الدول الأجنبية، حفاظًا على احتياطيها من المعادن، كما هو مع بورما التي تسيطر بكين على الجزء الأكبر من معادنها لخدمة مشاريعها المتنامية، فيما يدور الحديث عن تحركات مشابهة داخل القارة الإفريقية التي تحتل مكانة كبيرة في خريطة إنتاج بعض تلك المعادن، حيث تؤكد التقارير أن الشركات الصينية تسيطر على 40% من سلاسل القيمة للمعادن اللازمة لتصنيع البطاريات داخل القارة السمراء، بما ينعكس بالطبع على المشهد الجيوسياسي للقارة وينذر من الانزلاق نحو مستنقع جديد من الصدامات.
تشير الأرقام الصادرة عن إدارة الجمارك في الصين أنها صدرت خلال عام 2019 قرابة 45 ألفًا و552 طنًا متريًا من المعادن الأرضية النادرة بقيمة 398.8 مليون دولار، احتلت اليابان نصيب الأسد بنسبة بلغت نحو 36% من إجمالي تلك الصادرات، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بحصة بلغت 33.4%، جاء على رأسها عنصر اللانثانوم حيث استورد الأمريكان نحو 19 ألفًا و397 طنًا لتعزيز صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن والهواتف الذكية ومواد أخرى.
وفي تقرير لمعهد المسح الجيولوجي الأمريكي بدايات 2019 فإن إجمالي إنتاج تلك المعادن النادرة يبلغ سنويًا 170 ألف طن، تحتكر الصين منه 120 ألف فيما تنتج أمريكا 20 ألف مقارنة بـ15 ألف طن لأستراليا، أما الجزء الباقي فموزع على بعض الدول الأخرى ميانمار (5000 طن) – روسيا (2600 طن) – الهند (1800 طن) – البرازيل (1000 طن) – بوروندي (1000 طن) – تايلاند (1000 طن) – فيتنام (400 طن) – ماليزيا (200 طن).
أما الاحتياطي العالمي من تلك الكنوز فيبلغ 120 مليون طن كذلك، منها 44 مليون طن للصين والبرازيل (22 مليون طن) وفيتنام (22 مليون طن) وروسيا (12 مليون طن) والهند (6.9 مليون طن) وأستراليا (3.4 مليون طن) والولايات المتحدة (1.4 مليون طن)، دول أخرى (8.3 مليون طن).
ويشارك الصين لاعبون آخرون في السيطرة على بعض العناصر الإسترايتيجة كالكونغو الديمقراطية التي تنتج 70% من عنصر الكوبالت الحيوي، كما تنتج جنوب إفريقيا 37% من إنتاج المنغنيز العالمي وغينيا 22% من البوكسيت (الذي يستخدم في صناعة الألمنيوم)، فيما تعد أستراليا وتشيلي والأرجنتين أكبر منتجي الليثيوم، أما بوليفيا فتمتلك أكبر احتياطات غير مستغلة من هذا المعدن.
تجدر الإشارة إلى أن احتكار الصين لتلك المعادن لا يعني أنها غير متوافرة في بلدان أخرى كأمريكا مثلًا التي تمتلك احتياطيًا مقبولًا من تلك العناصر، غير أن الأزمة هنا تنحصر في افتقار الولايات المتحدة إلى منشآت المعالجة المحلية للأتربة النادرة حسبما نشرته “رويترز”، وعليه كشف الجيش الأمريكي عن عزمه تمويل بناء منشآت لمعالجة المعادن الأرضية النادرة، من أجل تأمين الإمداد المحلي من المعادن المستخدمة في صنع الأسلحة والإلكترونيات العسكرية، مع الوضع في الاعتبار وجود 3 شركات داخل أمريكا لديها مصانع معالجة معادن نادرة تحت الإنشاء أو قيد التخطيط، بحسب ما نقلت الوكالة الإنجليزية عن وثيقة حكومية أمريكية.
حروب المعادن.. إرهاصات وتنبؤات
في 29 مايو/أيار 2019، نشرت بعض وسائل الإعلام الصينية تحذيرات موجهة للخارج تشير إلى استعداد بكين استخدام المعادن النادرة والإستراتيجية كأحد الأسلحة في الحرب الاقتصادية مع الولايات المتحدة، حيث زار الرئيس الصيني شي جين بينغ أحد مصانع المعادن الأرضية النادرة ما اعتبره البعض رسالة تحذير وإنذار لواشنطن التي تلبي 80% من احتياجاتها من المعادن من الصادرات الصينية.
التقارير الصادرة عن الاتحاد الأوروبي تشير إلى حاجته إلى 300 مليون طن من النحاس من أجل التحول إلى الطاقة الخضراء 2040، وفق الإستراتيجية التي تتبناها القارة، وهذا الرقم تقريبًا يساوي كل ما تم استخراجه من هذا المعدن طيلة القرن الماضي، وفي الوقت ذاته فلن تتمكن أوروبا التي تستورد معظم مواردها الحيوية إلا من تغطية 50 -55% فقط من احتياجاتها من المعادن الإستراتيجية بحلول 2030.
وتعاني أوروبا كما الولايات المتحدة من أزمة استخراج للمعادن أكثر من ندرتها، إذ لديها ثروات غير مستغلة من الكوبالت والغاليوم والجرمانيوم والليثيوم، غير أن افتقارها لمعامل التكرير ومنشآت المعالجة المحلية حال دون الاستفادة من تلك المعادن المدفونة، ما دفع بعض القوى الغربية للبحث عن الحصول عليها من البلدان الأخرى التي تتميز بوفرة تلك العناصر وسهولة استخراجها كما هو الحال في وسط وغرب وجنوب إفريقيا التي يبدو أنها ستتحول إلى ساحة صراع كبيرة بين القوى الكبرى خلال المرحلة المقبلة.
وقبل 5 أعوام أصدرت وزارة الداخلية الأمريكية قائمة تضم 35 معدنًا مهمًا ووضعتها ضمن قائمة معادن مهمة للأمن القومي الأمريكي، وقدمت التوصيات الضرورية لتوفير تلك المعادن والحفاظ عليها وتأمينها من أجل مستقبل أقل خطورة وأهدأ في نسب التوتر والصراع، وهو ما دفع واشنطن للبحث عن تلك العناصر في الداخل والخارج.
إفريقيا…العودة للحرب الباردة
تشكل إفريقيا على مر التاريخ ساحة صراع نفوذ أساسية للقوى الكبرى، فعلى مدار قرنين ونصف تقريبًا كانت القارة محط أنظار الكيانات الاستعمارية، من الاستحواذ على موارد القارة، البشرية والطبيعية، فيما ذكرت الكثير من الكتابات التاريخية أن القارة الإفريقية كانت سببًا رئيسيًا لاندلاع الكثير من الحروب الكبيرة في العالم بما فيها الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).
وتمثل الموارد الطبيعية وعلى رأسها الثروات المعدنية واحدة من دوافع إسالة لعاب القوى الاستعمارية، وهو ما يمكن أن يقود نحو مرحلة جديدة مما وصفه البعض بـ”الحرب الباردة” داخل القارة، فوفق المبادرة التي تبناها البنك الدولي تحت عنوان “خريطة المليار دولار” بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، التي تستهدف رسم خريطة حديثة للموارد المعدنية الإفريقية، كشفت عن امتلاك القارة لاحتياطي ضخم لـ17 من أصل 50 معدنًا في العالم، وتبين فيما بعد بحسب الأبحاث أن تلك المعادن هي التي يحتدم التنافس الدولي عليها، باعتبارها ركيزة أساسية في الصناعات التكنولوجيا المتقدمة، أهمها: الكولتان والكوبالت والليثيوم والبوكسيت.
المبادرة كشفت أن احتياطي إفريقيا من البوكسيت يبلغ 30% والبلاتين 85% والكروم 80% والكوبالت 60% والألماس 75%، هذا بجانب المعادن التي يطلق عليها “ذهب القرن الـ21″، التي تمثل عصب إنتاج عقاقير علاج السرطان وعناصر الهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة، فضلًا عن صناعة الأسلحة الدقيقة وعدسات التليسكوب، وفي صناعات الليزر والصواريخ.
وتكشف المبادرة أن عمالقة صناعة التكنولوجيا في العالم يلبون ما بين 60-70% من احتياجاتهم من المعادن الإستراتيجية والنادرة من القارة الإفريقية، لافتة أن ذلك ربما يفتح باب الصراع والتنافس مستقبلًا على تلك الثروات، فوفق التقارير الأممية فإن أكثر من 40% من الصراعات الداخلية المسلحة طيلة العقود الست الماضية كان سببها التنافس على امتلاك الثروة المعدنية والموارد الطبيعية، وعلى سبيل المثال؛ جبل عامر الثري بمعدن الذهب كان سببًا رئيسيًا في حرب دارفور في 2013 وأدى إلى مقتل ألف شخص وتشريد نحو 150 ألف آخرين، الوضع كذلك في الكونغو الديمقراطية في منطقة كيفو الغنية بالكوبالت والكولتان.
استخدام بكين الرقائق الإلكترونية في حربها الأخيرة مع أمريكا، وما يحدث في بورما من هيمنة صينية على ثرواتها المعدنية هناك، بجانب الحديث عن معركة حول المعادن النفيسة في أفغانستان بين الصين والغرب، فضلًا عن المأزق الأوروبي الحاليّ وطرق باب القارة الإفريقية وأمريكا الجنوبية من جديد، يشير إلى أننا أمام عهد جديد من الحروب، لكنها هذه المرة حروب من نوع آخر، صراعات بطلها المعادن، وساحة معركتها تحت الأرض وليس فوقها كما هو المعتاد.