3 سنوات على تولي قيس سيعد رئاسة تونس، وأكثر من سنة و3 أشهر على إحكام سيطرته على كل مقاليد الدولة إثر انقلابه على دستور البلاد، لكن للآن لا تغيير يُذكر نحو الأفضل، بل العكس حصل، إذ امتدت الأزمات إلى كل القطاعات دون استثناء.
أزمات كثيرة يمكن معاينتها ببساطة، مع ذلك يصرّ سعيد على المضي قدمًا في برنامجه السياسي الذي يستند إلى الخطب الشعبوية والقرارات غير المدروسة، مع رفضه القطعي للحوار، وهو ما دفع جبهة الخلاص الوطني – أكبر كتلة معارضة في تونس – إلى إعلان التعبئة السياسية لإخراج البلاد من أزمتها.
التعبئة السياسية
في آخر مظاهرة لها، أعلنت جبهة الخلاص المعارضة أمس الأحد تحركها في جميع أنحاء البلاد، لتحقيق ما أسمته “التعبئة السياسية” من أجل العودة للديمقراطية وحماية الحريات، في ظل ما تشهده البلاد من أزمة عميقة تسبب فيها الرئيس سعيّد.
خلال المظاهرة الاحتجاجية التي نظمت أمس في محافظة قبلي جنوب تونس، قال رئيس الجبهة السياسي الكبير أحمد نجيب الشابي إن أعضاء الجبهة انطلقوا في سلسلة من التحركات في كامل الولايات التونسية “بهدف التعبئة السياسية من أجل العودة إلى الديمقراطية ولحماية الحريات والمؤسسات”.
يُذكر أن جبهة الخلاص الوطني، التي أُعلن عنها في 31 مايو/أيار الماضي، تضم 5 أحزاب هي: حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وحراك تونس الإرادة والأمل، إضافة إلى حملة “مواطنون ضد الانقلاب”، وعدد من البرلمانيين.
وتهدف الجبهة من خلال التعبئة السياسية وفق الشابي إلى “الوقوف مع الشعب التونسي لنقول لا لغلاء الأسعار، وفقدان المواد الأساسية والأدوية من الأسواق، ولنقول كفى لتفكك الزراعة والموت البطيء للصناعة”، وتشهد تونس في الأشهر الأخيرة موجة غلاء كبيرة وندرة في البضائع في المحلات والأسواق.
قبل يومين قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، إن بلاده ستبدأ قريبًا إصلاحات اقتصادية صعبة تأجلت لسنوات
من المنتظر أن تتوجه قيادة جبهة الخلاص إلى جميع القوى السياسية “لجمع الكلمة بهدف إنقاذ تونس، والعودة للديمقراطية”، وفق رئيسها، خاصة أنه لم يعد لقيس سعيد مقومات إبقاء، وهو في عزلة مطبقة حسب قول الشابي.
وتواجه تونس في الأشهر الأخيرة سلسلة أزمات متلاحقة، إذ تعاني البلاد من نقص شديد في بعض المواد الغذائية الأساسية وارتفاع كبير في أسعار العديد منها، كما ارتفعت نسبة التضخم في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 9.1%، وهي نسبة لم تشهد تونس مثيلًا لها منذ نحو ثلاثة عقود كاملة.
كما تشهد البلاد تحركات احتجاجية متواترة في العديد من المناطق للمطالبة بالتنمية والتشغيل، ويخوض نحو 4000 مدرس بديل إضرابًا مفتوحًا منذ بداية العام الدراسي الجديد لأنهم لم يحصلوا على رواتبهم إلى حد الآن، وسط مماطلة من السلطات لتسوية وضعيتهم.
ليس هذا فحسب، مظاهر الأزمة تظهر أيضًا في العدد الكبير من المهاجرين غير النظاميين التونسيين الذين توجهوا إلى دول أوروبا خلال الأشهر الأخيرة، إذ تحصي تقارير غير رسمية وصول نحو 30 ألف تونسي بطريقة غير قانونية إلى أوروبا خلال الأشهر التسع الأولى لهذه السنة.
مسار طويل
يرى المحلل السياسي التونسي سليم الهمامي أن دعوة جبهة الخلاص للتعبئة العامة نتاج حتمي لما تشهده تونس من أزمات عديدة مسّت كل القطاعات وتعنت الرئيس سعيد في الاستجابة لمطالب غالبية التونسيين في العودة إلى المسار الدستوري.
يرى الهمامي في حديثه لنون بوست، أن “المعارضة تبلورت ونضجت إلى حد ما، ويجب الآن على جميع التونسيين على اختلاف انتماءاتهم أن يجتمعوا تحت سقف واحد ويتفقوا على الإصلاحات السياسية والاقتصادية الواجبة والعاجلة”.
يقول محدّثنا إن الوضع في البلاد يحتم “تكليف حكومة إنقاذ وطني تتولى إدارة شؤون البلاد بناء على برنامج متفق عليه وتحضير انتخابات مبكرة لتجديد الشرعية في تونس وعودة البلاد للاستقرار السياسي بعد حالة الفوضى والضعف التدريجي الذي تشهده منذ انقلاب 25 يوليو/تموز الماضي”.
في تقدير الهمامي أن “ما بني على باطل – أي الانقلاب – فهو باطل، وأن كل استتباع لقرار وقع اتخاذه بموجب الأمر الرئاسي 117 ومن ثمّ على دستور 2021 هو باطل شكلًا، كما صرح بذلك زعماء جبهة الخلاص في أكثر من مرة”.
يعتقد محدثنا أن إعلان جبهة الخلاص عن حالة التعبئة السياسية ودعوتها للتكتل والتوحد ضد نظام قيس سعيد، “جاء بعد جلسات بين أعضاء الجبهة وأصحاب مبادرات سياسية ضد إجراءات 25 يوليو والمسار الانقلابي في تونس خاصة بعد انفضاض كثير من مساندي الرئيس من حوله وإعلانهم معارضة المسار الذي وصفوه في أحسن الأحوال بأنه حاد عما جاء به أول الأمر”.
وسبق أن أعلنت جبهة الخلاص أن انقلاب قيس سعيد ماض بمؤسسات الدولة نحو المجهول وأنه يومًا بعد يوم يضعفها ويدمر أسسها، كما أعلنت في أكثر من مرة أن سعيد مغتصب للسلطة وأن لا حوار معه، وسارعت الجبهة إلى عقد وتنظيم عدة تحركات وطنية وجهوية على مدار المدة الفارطة، كان آخرها اجتماع قبلي يوم أمس الأحد.
في ظل تسارع الأحداث واتجاه الوضع السياسي والاجتماعي في تونس نحو مزيد من التأزم ووجود بوادر انفجار اجتماعي قريب، يرى الهمامي، ضرورة “مرافقة المسار السياسي للمسار الاجتماعي قصد إنجاح هدف المعارضة في تقويض أسس النظام الذي يحاول الرئيس تأسيسه وإن بدا هشًا وضعيفًا”.
هل هناك تغيير قريب؟
تبدو مبادرة جبهة الخلاص، ظاهريًا جيدة، حيث تهدف وفق قيادة الجبهة المعارضة إلى التغيير ووضع حد لنظام قيس سعيد الذي امتهن إرباك الوضع في البلاد وركز على فرض برنامجه الأحادي القائم على حكم الفرد الواحد، لكن هل يمكن أن تجد صدى على أرض الواقع؟
يعتقد المحلل السياسي التونسي سعيد عطية أنه لا تغيير في المدى القريب في بلاده للعديد من الأسباب التي سيشرحها في حديثه لنون بوست، ويستبعد عطية التغيير، فـ”المجتمع الدولي يطلب حاليًّا منظومة حكم راضخة لصندوق النقد الدولي لتمرير الإصلاحات المؤلمة”.
تتابع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتخبط النظام وسوء تعامله مع الواقع، من شأنه أن يجعل شتاء تونس ساخنًا
وجد المجتمع الدولي في حكومة نجلاء بودن ونظام قيس سعيد المطلوب، فالنظام استجاب لكل شروط صندوق النقد الدولي “القاسية” بما فيها التخلي عن الدعم وتجميد الأجور ورفع أسعار العديد من المواد، رغم ادعائه حمايته مقدرات الشعب الشرائية.
قبل يومين قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، إن بلاده ستبدأ قريبًا إصلاحات اقتصادية صعبة تأجلت لسنوات، مضيفًا أن السلطات المالية تحاول الحفاظ على استقرار الدينار، ما يعني أن البلاد مقبلة على تطبيق شروط صندوق النقد بحذافيرها.
الوضع الداخلي أيضًا له يد في استبعاد التغيير وفق سعيد عطية، فمن الصعب الرهان على ثورة اجتماعية تطيح بنظام قيس سعيد وفق قوله، نتيجة تراخي الاتحاد العام التونسي للشغل ودخوله بيت الطاعة في الفترة الأخيرة.
كما يؤكد عطية “غياب بديل سياسي مقنع فالمعارضة بشقيها – جبهة الخلاص والدستوري الحر – تقدم كل الدعم للمنظومة الحاليّة للاستمرار في نهجها وفرض توجهها، ذلك أنها لم تنجح في تقديم نفسها كبديل لمنظومة قيس سعيد”.
قال القيادي في جبهة الخلاص رضا بالحاج خلال مشاركته، اليوم الأحد، في اجتماع شعبي بقبلي، إن الجبهة اتبعت مسار المقاومة المدنية السلمية والاتصال بالقواعد والشعب لتحسيسه بمخاطر الوضع الإقتصادي والإجتماعي في تونس وبمخاطر الانزلاق الذي مر به قيس سعيد بالإنقلاب.
— الأحداث التونسية (@Tunisian_events) October 30, 2022
من الأسباب الأخرى التي تؤخّر التغيير وفق محدثنا “تواصل علو صوت الخطاب الشعبوي الذي ينتهجه الرئيس قيس سعيد، ووجود آذان صاغية له لدى التونسيين إلى الآن، فسعيد إلى الآن يعتمد الخطاب الشعبوي لمغازلة قلوب التونسيين”.
ذكر عطية أيضًا، “تدجين الإعلام ودخول أغلب المؤسسات إلى بيت الطاعة إما خوفًا وإما رغبة في امتيازات، فمنذ انقلابه على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية وضع قيس سعيد يده على الإعلام العام والخاص”.
ليس هذا فحسب، فغياب سلطة رقابة حقيقية من شأنه وفق سعيد عطية أن يؤخر التغيير بعض الوقت، إذ لا توجد في تونس في الوقت الحاليّ أي سلطة رقابية لها أن تحدّ من تحركات الرئيس سعيد وتصحح المسار فأغلب المؤسسات تحت سيطرة الرئيس.
تتابع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتخبط النظام وسوء تعامله مع الواقع، من شأنه أن يجعل شتاء تونس ساخنًا، شتاء يحمل معه عدة أحداث ستعيد كتابة التاريخ بتصحيحه أو الإمعان في تركيز دولة الرئيس الأوحد.