يصل رئيس الوزراء الجزائري “عبد المالك سلال” اليوم الخميس إلى العاصمة الفرنسية باريس في زيارة رسمية سيتم خلالها توقيع حوالي عشرين اتفاقية تعاون تهدف إلى توطيد العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى بحث عدم الاستقرار في ساحل البحر الأبيض المتوسط وخاصة في ليبيا.
وسيلتقي سلال مع الرئيس “فرنسوا هولاند” الذي سعى منذ سنة 2012 إلى إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين، كما سيترأس مع نظيره “مانويل فالس”، رئيس الوزراء الفرنسي، اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة بمشاركة عدد من وزراء البلدين.
وبحسب بيان لرئاسة الوزراء الجزائرية، فإن الزيارة تمثل مناسبة لـ “تقييم العلاقات الثنائية التي عرفت تقدمًا كبيرًا”، وستتوج “بالتوقيع على اتفاقيات ترمي إلى تعزيز الشراكة والتبادلات في عدة قطاعات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي على وجه الخصوص”، كما صرح سلال لمجلة “افريك ازي” أن فرص الاستثمار بين البلدين “واعدة جدًا”، وأن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل إيجابي.
ويرى بعض المتابعين للشأن الجزائري في تأدية سلال لهذه الزيارة، ترسيخًا لحكم الرئيس “عبد العزيز بوتفليقة” والتيار الداعم له داخل الدولة الجزائرية، حيث يخوض بوتفليقة، المقعد والذي يعيش حالة صحية حرجة جدًا تجعله غائبًا عن المشهد السياسي وتجعل المقربين منه – مثل سلال وأسماء أخرى داخل الدولة – يخوضون معركة بالنيابة عنه ضد الشق الآخر من الدولة الجزائرية الذي يترأسه “محمد بومدين” صاحب النفوذ القوي داخل أجهزة الدولة والمالك الحصري لجهاز المخابرات الجزائري والمعروف بـ “الجنرال توفيق”.
وتعيش الجزائر منذ أكثر من سنة تجاذبات حادة بين تيار بوتفليقة الذي يعتبر نخبة سياسية، وتيار الجنرال توفيق الذي يعتبر نخبة عسكرية، وإن كان الجنرال توفيق نجح مؤخرًا في إحراج بوتفليقة عبر تظاهرات بعض الشرطيين التي تم توظيفها لتصبح احتجاجات داخل أهم مؤسسة في البلاد ومطالبات باستقالة وزير الداخلية وبمقابلة بوتفليقة الذي يعلمون أنه لا طاقة له على الظهور، فإن معسكر بوتفليقة قد نجح في تسجيل نقاط لصالحه عبر زيارة سلال لفرنسا وكذلك عبر الموقف الذي أعلن عنه الجيش الجزائري مؤخرًا.
الجيش ينحاز لبوتفليقة:
أعلن قائد الجيش الجزائري قبل حوالي أسبوعين، ولاءه للرئيس بوتفليقة بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، مشددًا على التزام الجيش بأداء مهامه في إطار الدستور للدفاع عن الجزائر واستقلالها ووحدتها الشعبية والترابية.
وفي تصريح أدلى به خلال إشرافه على افتتاح ندوة تحت عنوان “جيش التحرير سلاح الإعلام والدبلوماسية”، قال الفريق “أحمد قايد صالح”، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الجزائري إن “الجيش يتحمل مسؤولية حماية البلاد في ظل الحملات المسعورة المتتالية الرامية إلى محاولة تشويه تاريخنا الوطني التي يقوم بها حملة لواء الإرهاب ومحاولات استهداف الأمن واستقرار البلاد”.
ويفسر حديث أحمد قايد صالح عن “حملة لواء الإرهاب” بأنه تلميح إلى الجنرال توفيق الذي يلقب أيضًا بأنه “الصندوق الأسود للإرهاب” وبأنه لعب دورًا جوهريًا في فترة التسعينات (العشرية السوداء في الجزائر)، حيث اتهم الجنرال توفيق من قبل جهات كثيرة (من بينها عسكريون سابقون) بأنه تلاعب بالتنظيمات الإرهابية ودعمها وساهم في تأسيسها حتى يستخدمها لتمرير الانقلاب على العملية السياسية.
المعارضة السياسية مستاءة:
وأما الطرف الثالث في المشهد الجزائري والذي أصبح “هامشيًا” وسط معركة معسكر بوتفليقة ومعسكر الجنرال توفيق، والمتمثلة في الأحزاب السياسية المعارضة، فقد انتقدت تصريحات قائد الجيش ووصفتها بـ “محاولات الزج بالجيش في الشأن السياسي” واعتبرته خروجًا عن موقف الحياد الذي يفترض أن تلتزم به المؤسسة العسكرية.
وجاء في بيان لقادة تكتل تنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي، الذي يضم مجموعة أحزاب وشخصيات معارضة، أنها “ترفض استعمال المؤسسة العسكرية كغطاء لفشل السلطة في تسيير الشأن العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، وقمع الحريات الفردية والجماعية وتعطيل عملية الانتقال الديمقراطي السلمي والهادئ”.
ودعت المعارضة إلى إبعاد الجيش عن أية تجاذبات سياسية، وذكرت في البيان أن “الجيش مؤسسة دستورية مهمتها حماية السيادة الوطنية، ووحدة البلاد والسلامة الترابية، ومن واجب الجميع سلطة ومعارضة الحفاظ على هذه المؤسسة الدستورية، والعمل على تقويتها، ومد السند لها وليس إدخالها في تجاذبات سياسية بين الجزائريين”.