ترجمة حفصة جودة
لا أحد ينكر القوة العسكرية الإسرائيلية والاقتصاد المزدهر، لكن الديمقراطية التي يحتفلون بها ضرب من الخيال، فـ”إسرائيل” تزعم أنها دولة يهودية وديمقراطية، لكنها ليست هذا ولا ذاك، وهي تفخر أنها دولة للشعب اليهودي في كل مكان، بينما يعيش فيها أقل من نصف يهود العالم.
واليوم، تحكم “إسرائيل” أكثر من 15 مليون مواطن بين نهر الأردن والبحر المتوسط، نصفهم ليسوا يهودًا، ومعظمهم لا يستطيعون التصويت فيها.
لا تعترف “إسرائيل” حتى بالإسرائيلية كجنسية وترفض المفهوم الليبرالي الديمقراطي الذي يقول “دول لكل مواطنيها”، بدلًا من ذلك؛ تعترف الدولة اليهودية بطبقتين من الناس: اليهود الذين يحصلون على كامل حقوقهم، والفلسطينيون الذين يجب أن يقنعوا بالقليل من الحقوق أو لا حقوق مطلقًا.
هؤلاء الفلسطينيون مقبولون على مضض كمواطنين درجة ثانية ويخضعون لاحتلال وظلم كرعايا استعماريين، أو يُبعدوا كلاجئين غير مرغوب بهم، وحقهم الأصيل بالعودة قد يدمر الدولة اليهودية.
إذا لم يكن ذلك كافيًا لإثارة دهشتك، فكر في حقيقة أنه لا إجماع في الدولة اليهودية على “من هو اليهودي”، فالأرثوذكس والإصلاحيون والعلمانيون اليهود لديهم تفسيرات مختلفة لليهودية، إنه سؤال ديني يعتمد على سياسات القوة كما يوضح ذلك المخطط الإسرائيلي القديم الساخر تمامًا.
تعقد “إسرائيل” انتخابات مذهلة، وكلما زادت الانتخابات التي تعقدها، صارت أكثر وحشية وانقسامًا
ناهيك بذلك، فالمنطق القانوني والسياسي في “إسرائيل” الاستعمارية العنصرية يمنح الأفضلية لليهود الذي يعيشون في كل الأراضي بين النهر والبحر في كل نواحي الحياة المهمة مثل المواطنة والمسكن وحقوق الأرض واللغة والثقافة والتنقل وغيرهم.
بهذه الطريقة، لا تختلف “إسرائيل”/فلسطين عن الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، حيث ينعم البيض المميزون بدرجة من الديمقراطية المجتمعية، لكن النخبة الغربية المنافقة التي تشير إلى “إسرائيل” بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” لا تتحدث مطلقًا عن “الديمقراطية الوحيدة في إفريقيا”، فهو اختلاف ضئيل غير مهم.
وللتعويض عن الافتقار للديمقراطية الحقيقية، تعقد “إسرائيل” انتخابات مذهلة، وكلما زادت الانتخابات التي تعقدها، صارت أكثر وحشية وانقسامًا، وكما كتبت في آخر انتخابات “الطموح الشخصي يفوز على السياسية والسياسة تفوق الإيدولوجية” في “إسرائيل” اليوم.
هذا الانقسام يمنح البلاد جاذبية للتعددية والتنوع، خاصة على النقيض من أول 3 عقود لتأسيس دولة الاحتلال عندما كان حزب العمل يفوز دائمًا في الانتخابات، لكن في السنوات الأخيرة أصبح اليمين مهيمنًا مثلما هيمن حزب العمل من قبل، لكن مع المزيد من الصراخ والتجاهل والإهانات.
أصبحت الوحشية رياضة “إسرائيل” القومية، في الحقيقة، فسياسة “إسرائيل” هي الأكثر وحشية وفقًا لما يقوله بنيامين نتنياهو، يجب أن يعلم ذلك بالطبع فهو البطل، تأتي هذه القسوة على قسمين: نقد سياسي وعنف عنصري، وكلاهما يشتعلان مثل الألعاب النارية مع كل موسم انتخابات، الذي يأتي كثيرًا مثل الربيع أو الصيف هذه الأيام.
قصفت “إسرائيل” قطاع غزة المحاصر وأغارت على المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة وقتلت وسجنت آلاف المدنيين الفلسطينيين ودمرت الكثير من المنازل وأرهبت الشعب بأكمله بذريعة مكافحة الإرهاب
لا عجب إذًا من تحول الخطاب السياسي في البلاد إلى خطاب مسموم مع قدوم الانتخابات الخامسة خلال 4 أعوام، وعندما يفشل القادة العنصريون الإسرائيليون في الاختلاف السياسي فإنهم يعوضون ذلك بالإهانات الشخصية، فعبارات مثل “حثالة الجنس البشري” و”الكذاب المريض” و”السفاك” و”الفاشي” أقل ما يصفون به بعضهم البعض في المشهد الانتخابي.
حتى اتهامات النازية ومعاداة السامية ظهرت مرة أخرى وتراشقها المتعصبون من المعسكرين الديني والعلماني، هذا هو نوع الاتهامات الذي أطلقه معسكر نتنياهو في منتصف التسعينيات وأدى إلى اغتيال رئيس الوزارء آنذاك إسحق رابين لأنه جرؤ على التقدم في عملية السلام دون أغلبية يهودية واضحة في الكنيست.
أما العنصرية الفظة ضد الفلسطينيين فهي ترافق موسم الانتخابات بلا شك مثل برد الشتاء وحر الصيف، لكن هناك استثناء للقاعدة، إذا خالف الفلسطينيون ضميرهم للحصول على فتات المائدة فإنهم “عرب طيبيون” مثل عبد المنزل ستيفن وارين في فيلم “جانغو الحر”.
وبالمثل نتوقع عنفًا وحشيًا في أثناء موسم الانتخابات مثلما شهدنا في الماضي، في إسقاط شعائري للبجاحة والذكورية، قصفت “إسرائيل” قطاع غزة المحاصر وأغارت على المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة وقتلت وسجنت آلاف المدنيين الفلسطينيين ودمرت الكثير من المنازل وأرهبت الشعب بأكمله بذريعة مكافحة الإرهاب.
وهكذا، بعد عام من تولي أتباع نتنياهو الحكم بعده، أثبتت حكومة تحالفهم أنها سيئة مثله إن لم تكن أسوأ، فنفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان في الماضي اللذان عملا كرؤساء لهيئة الأركان العامة لدى نتنياهو، وجدعون ساعر الذي كان سكرتيرًا للحكومة ويائير لابيد وبيني غانتز اللذان كانا وزيرين في حكومة نتنياهو، كرروا جميعًا جرائم نتنياهو وحماقاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كلما عقدت “إسرائيل” المزيد من الانتخابات، أصبحت أقل ديمقراطية وأكثر استبدادًا تجاه الفلسطينيين
لا يسقط التفاح بعيدًا عن شجرته، فقد قصفت حكومتهم غزة وأغارت على مدن الضفة الغربية وتوسعت في المستوطنات غير الشرعية وسدت الطرق أمام أي مفاوضات للتسوية.
فغانتس المعتدل الذي تباهى بأنه سوّى جميع المنازل السكنية في غزة بالأرض عندما كان رئيس الأركان العامة بالجيش، جاء مرة أخرى في 2021 ليشرف على مزيد من الدمار، لكن هذه المرة كوزير للدفاع، ومؤخرًا عيّن مستوطنًا غير شرعي رئيسًا لهيئة الأركان العامة في الجيش، إذا كان هذا هو الاعتدال فلماذا لا نصوت مباشرة للتطرف، على الأقل سيكون أصيلًا.
لا عجب إذًا أن نتوقع فوز “أمير الظلام والكراهية” بنيامين نتنياهو بولاية سادسة كرئيس للوزراء رغم اتهامه بخرق الثقة وقبول رشاوى والاحتيال، إذا نجح نتنياهو فمن المؤكد أنه سيشكل “حكومة حصانة وطنية” تضمن بقاءه خارج السجن، وتحالف مع الأحزاب اليمنية المتطرفة مثل حزب “القوة اليهودية” بقيادة إيتامار بن غفير قد يُضعف المحكمة العليا والقضاء بإخضاعهما للأغلبية البرلمانية.
أدان رئيس الوزراء السابق إيهود باراك التحالف غير المقدس بين نتنياهو وبن غفير والمتطرفين المسيحيين، ووصفه بأنه تهديد حقيقي للدولة الإسرائيلية، وتنبأ بأن فوزهم سيقود إلى فترة من الظلام، قد يكون ذلك قاسيًا لكنه مستحق.
الأكيد أن نتنياهو أهان باراك مرارًا وتكرارًا وربما أسوأ، ففي سيرته الذاتية البشعة التي نشرها مؤخرًا “Bibi” أهان نتنياهو العديد إن لم يكن معظم أسلافه وخلفائه وشركائه ومحاوريه السابقين، فالكتاب المكون من 736 صفحة يمتلئ بالأكاذيب وأنصاف الحقائق والمغالاة والغرور والوهم الذاتي.
هذا هو وضع الديمقراطية الإسرائيلية المروعة اليوم، فمتعصبو اليمين المتطرف والجنرالات الدمويون يهيمنون على غالبية المقاعدة في البرلمان الإسرائيلي وينافسون على مقاعد اليسار المنكمش، وكلما عقدت “إسرائيل” المزيد من الانتخابات، أصبحت أقل ديمقراطية وأكثر استبدادًا تجاه الفلسطينيين للأسف.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية