ترجمة وتحرير: نون بوست
سألتني في تلك المكالمة: “هل تشاهدين برنامج 60 دقيقة؟”. في الحقيقة، لم أشاهد ذلك البرنامج الإخباري منذ عقود لكنني كنت أعلم أنه يُذاع في ليالي الأحد وليس الخميس. ولكنني كنت أدرك أيضا حالة الارتباك التي تعاني منها حماتي جراء مرض الزهايمر.
قبل مرضها، كانت دائمًا تواكب الأخبار وتتبنى مواقف سياسية قوية – حتى أنها تولت تنظيم حملة لجون ف.كينيدي عندما ترشح للرئاسة في الستينيات. لقد حافظت على نشاط دماغها بشكل جيد في الثمانينيات من عمرها عن طريق حل الكلمات المتقاطعة اليومية في جريدتها المفضلة “لوس أنجلس تايمز” وكانت تحب مناقشة الكتب الجديدة معي.
لكن الزهايمر سلبها تركيزها وكلماتها غالبًا. كنت أعرف كم كان ذلك مؤلمًا بالنسبة لها، وكيف أصبحت محبطة لدرجة أن دموعها كانت تنهمر مثل المطر عندما تعجز عن فهم نفسها وما تريد. وإذا كانت تعتقد أنها تشاهد برنامج 60 دقيقة في ليلة لم يكن يُبثّ فيها، لم أكن أختلف معها على ذلك بتاتا.
فأجبتها على الفور “نعم، أنا أشاهد برنامج 60 دقيقة!” وكانت الإجابة الصحيحة. حينها، قالت بصوت سعيد راضٍ “إنهما زوجان لطيفان، أليس كذلك؟” قلت في نفسي: “زوجان؟ من كان الزوجان؟ هل تقصد مايك والاس ومورلي سايفر؟ أليسا متوفيين؟ لا يهم. فأجبتها “نعم! ثم قالت “حسنًا، سأتركك الآن”، وأنهت المكالمة.
تُوفّيت غريس بعد حوالي شهر من ذلك عن عمر يناهز 85 عامًا. انتقلت من شقتها المكونة من غرفتي نوم في كاليفورنيا إلى مرفق للمعيشة المدعومة قبل ثمانية أشهر فقط، وبالكاد حصلت على فرصة للاستمتاع بصالون تصفيف الشعر والرحلات الميدانية وغيرها من المرافق.
تدهورت صحتها بسرعة، وسرعان ما احتاجت إلى رعاية على مدار 24 ساعة. نقلناها من المستشفى إلى دار رعاية طبية يديرها طبيب روسي عطوف، وعاشت هناك لمدة أسبوع واحد فقط قبل وفاتها.
أشعر كل يوم بالامتنان لأنني لم أعارض ما قالته خلال تلك المكالمة الهاتفية التي أجرتها تلك الليلة. في عالمها كانت تشاهد “زوجين لطيفين” في برنامج 60 دقيقة الذي يعرض ليلة الخميس، وكنت أعرف ما يكفي عن الخرف الذي تعاني منه لأحاول الدخول إلى عالمها.
أنا أؤيّدك
تعرف ديانا واغ مدى صعوبة التحدث إلى شخص فقد قدراته الإدراكية جراء مرض الزهايمر أو خَرَف جسم ليوي أو حالة أخرى. كانت ممرضة مخضرمة وممارسة معتمدة في علاج الخرف. يركز عملها في “استشارية واغ” على تزويد مقدمي الرعاية وأفراد الأسرة بالأدوات اللازمة للتواصل مع أحبائهم الذين يعانون من الخرف.
لكن واغ لم تكن تعرف دائمًا كيفية القيام بذلك. عانت والدتها إيونا كيزر من الخرف وتوفيت سنة 2008 عن عمر يناهز 95 سنة. وبشأنها تقول واغ: “لقد تصرفت بشكل خاطئ تماما، لم أوفّق في التعامل معها”.
منذ ذلك الحين، نشرت واغ كتابًا قصيرًا بعنوان “كنت أفكر: فتح الباب لمحادثات ناجحة مع أحبائنا الذين يعانون من فقدان القدرات الإدراكية”، وتحدثت إلى عدد لا يحصى من مقدمي الرعاية، وأنتجت العديد من مقاطع الفيديو التي تشرح نهجها.
تقول واغ إنها تستطيع تلخيص فلسفتها حول المحادثات معهم في عبارة واحدة: “أنا أؤيدك” بينما تعارض بشدة استخدام كلمة “لا” – قائلة إنه لا ينبغي لمقدمي الرعاية اعتمادها. وتشجع مقدمي الرعاية على تحويل المحادثات التي يحتمل أن تكون مزعجة للتركيز على الذكريات القديمة التي يمكن لأحبائهم مناقشتها بسهولة بدلاً من محاولة اختبار ذاكرتهم بشأن معلومات جديدة لا تستطيع أدمغتهم الوصول إليها.
لن يفسح لها عملها المجال لقضاء الوقت مع والدتها، لكنها ساعدت العديد من الأشخاص الآخرين على القيام بذلك مثل شيلا كوالز التي تعاني والدتها البالغة من العمر 86 عامًا من الخرف، وهي تعمل مع واغ لتساعدها على التواصل بشكل أفضل مع والدتها. تقول كوالز: “أفتقد أمي، لكن ديانا علمتني كيفية الوصول إليها”. وأضافت “لقد أحدثت تقنياتها فرقًا كبيرًا في كيفية تعاملنا مع والدتي وغيرت حياتنا”.
ذاكرة قصيرة المدى فارغة
حسب واغ فإن ذاكرة الشخص العزيز عليك المصاب بالخرف بها “درجان للملفات” – ذاكرة قصيرة المدى وذاكرة طويلة المدى. ولا يزال من الممكن الوصول إلى العناصر الموجودة في الذاكرة طويلة المدى بشكل عام، بينما درج الملفات الذي يجب أن يجمع الذكريات قصيرة المدى بلا قاع ولا يمكن للذكريات ببساطة أن تترسخ فيه.
توضح واغ “لذلك إذا طلبت من [شخص يعاني من فقدان الذاكرة] أن يذهب لتناول الغداء معك غدًا، فإن تلك المعلومة تصنف في الدرج قصير المدى وهذا يعني أنه نسي الأمر”. وعندما تأتي لاصطحابهم ستفاجأ بأنهم ما زالوا يرتدون البيجامات، لذلك على الشخص الذكي أن يقول لهم “لنذهب على أي حال”.
تضيف واغ أن “الشخص المصاب بالخرف لا يمكنه إخبارك بما يشعر به اليوم، لأن ذلك الفعل يندرج ضمن مهام الذاكرة قصيرة المدى. لكن يمكنه إخبارك بماذا أحسّ عندما تعرض لإصابة في ركبته وهو في سن الـ 40”.
استفد من الذاكرة طويلة المدى
لهذا السبب، تشجع واغ مقدمي الرعاية على الاستفادة من الذاكرة طويلة المدى لأحبائهم كلما أمكن ذلك. يحتوي كتيّبها على عدد من صفحات دفتر العمل حيث تشجع الناس على تدوين الذكريات التي يمكنهم استحضارها مع أحبائهم. ماذا يحبون أن يتذوقوا؟ أو الموسيقى التي يستمعون بسماعها؟ أو الأشياء التي يفضلون لمسها؟
تنصح واغ عملاءها أن يكون لديهم دائمًا ثلاث قصص جاهزة من أجل حث الشخص المصاب على الحديث من خلال التطرق لتلك الذكريات القديمة وبالتالي يشجعونهم على الحديث عنها. وتؤكد كوالز إن هذا التكتيك ناجح. وتضيف: “قد لا تتذكر أمي من أنا، ولكن عندما أبدأ الحديث عن طفولتها أو تجارب طفولتي، يمكنها الانخراط في الحديث على الفور”.
قد يكون من المفيد عرض الصور على أحبائك، ولكن تشدد واغ على أهمية “التأكد من أنها صور قديمة”. قد يكون لديه حفيدة جديدة لطيفة، لكن من غير المحتمل أن يكون لدى الشخص المصاب بفقدان معرفي أي فكرة عن هذا الطفل.
صرف الانتباه وإعادة توجيهه
تروي واغ قصة امرأة نقلت والدها المسن من ناشفيل إلى هيوستن وكانت تشعر بالقلق بشأن رغبته في العودة إلى حظيرته السابقة، التي كانت على بعد عدة ولايات. في مثل هذا السيناريو، بدلاً من إخباره بأن حظيرته المحبوبة قد اختفت، توصي واغ بأنه يجب على مقدمي الرعاية استخدام الحظيرة كنقطة انطلاق لحثّه على الحديث عنها. وتقول واغ “قل، ‘كنت أفكر في ذلك الحصان الذي كان لديك. وبمجرد أن يبدأ الحديث، اتركه على راحته”. وقد وجدت كوالز هذه الطريقة فعالة أيضًا.
تضيف كوالز: “علمتني ديانا كيفية الإجابة على الأسئلة عندما تتساءل والدتي عن مكان والدي. تعمل تقنية صرف الانتباه وإعادة التوجيه مثل السحر. علمتني ديانا أن أدخل عالم أمي بدلاً من أن أحاول إدخالها إلى واقع حياتي”.
سحب مفاتيح السيارة
يدرك الكثير من الناس أن أحد أحبائهم بدؤوا يفقدون قدراتهم المعرفية والإدراكية أولاً عندما يدركون أن لم يعد بإمكانهم القيادة بأمان. ولكن كيف تجعلهم يتخلون عن المفاتيح؟ قد يكون عليك الكذب بإخبارهم أن سيارتهم معطلة.
تقول واغ إن هذه الكذبة قد لا تنجح إذا كان الشخص المحبوب يعاني من فقدان إدراكي مبكر لأنه سيتصل بجمعية السيارات الأمريكية لإصلاح السيارة “المعطلة”. بدلاً من ذلك، تقترح واغ إخبارهم عن حادثة مخيفة مررت بها مؤخرًا على الطرق، أو الادعاء بأنك تُهت مؤخرًا أثناء القيادة. قد تكون قادرًا على إقناعهم بأن أحد أفراد العائلة يحتاج إلى استخدام سيارته لفترة من الوقت، فقط لتتمكن من تقديم عذر يفسر لهم سبب عدم قدرتهم على الحصول عليها في الوقت الحاضر.
إليك ما عليك ألا تقوله أبدًا
تشجع واغ مقدمي الرعاية على تجنب كلمة واحدة: وهي “لا”. وتؤكد أن كلمة “لا” لها تأثير سلبي على الشخص المقرب لك، موضحة أن هذه الكلمة تثير غضبه فحسب. إذا كان بإمكانك تحويل المحادثة بدلاً من ذلك، فمن المحتمل أن ينسى الشخص عملية صرف الانتباه التي تعرض لها في غضون خمس دقائق ويمضي قدمًا بسعادة. لكن إذا أثرت غضبه بقول “لا”، سيظل غاضبًا لبقية اليوم”.
تتفهم واغ لماذا قد يميل مقدمو الرعاية المحبطون إلى الرفض. قد يصر أحبائهم على أنهم بحاجة إلى العمل في حين أنهم لايزاولون أي وظيفة منذ سنوات. وبقول “لا”، يأمل مقدم الرعاية إعادة الشخص إلى الواقع من خلال إنكار “تفكيره الخاطئ”. لكن ذلك الشخص المريض يعيش في واقعه الخاص، وسيحتاج مقدم الرعاية إلى الاستمرار في قول “لا” مرارًا وتكرارًا، مما يفرض المزيد من الضغط والتوتر على العلاقة بينهما.
المزيد عن الخرف
إلى جانب تجنب قول كلمة “لا”، تقول واغ إنه ينبغي على مقدمي الرعاية أن لا يقولوا “هل تتذكر؟” فما قد يبدو سؤالا لطيفا يمكن أن يصبح اختبارًا صعبًا لشخص بصدد فقدان ذاكرته. وتوضح واغ “إن الأمر مثل التلويح بعلم أحمر أمام ثور. من المحتمل أن ذلك الشخص لا يتذكر أي شيء، ومطالبته بذلك يضعه تحت ضغط وهو غير قادر على الإجابة على ذلك السؤال”.
ماذا أقول بدلا من ذلك؟
بدلاً من ذلك، تشجع واغ الناس على استخدام عبارة من عنوان كتابها “كنت أفكر …” كبداية مشجعة لهم لاستحضار الذكريات. إذا أخبرك أحد أفراد أسرتك أنه يجب عليه الذهاب إلى العمل على الرغم من أنه لا يعمل منذ سنوات، قل بهدوء “كنت أفكر …” ثم اسرد بعض التفاصيل حول وظيفة زاولها في السابق.
إذا تذكر فجأة أحد أفراد أسرته الذين توفي منذ سنوات، فعليك أن تبدأ بعبارة “كنت أفكر …” ثم تروي ذكرى سعيدة حول مهارات هذا الشخص المحبوب في صنع الفطائر.
قد يكون التواصل الناجح مع أحبائنا المصابين بالخرف صعبًا للغاية، وهذا ما تدركه واغ جيدا. وفي هذا السياق، ذكرت واغ في كتابها: “نحتاج إلى التوقف عن النظر إلى [أحبائنا] على أنهم الأشخاص ذاتهم الذين عهدناهم في السابق. عندما نغير توقعاتنا، يمكننا تقبلهم على طبيعتهم. ويمكننا إجراء محادثات هادفة معهم. وستكون علاقتنا رغم اختلافها جراء المرض أكثر إرضاءً بكثير. وستولد لدينا ذكريات سعيدة حول الفترة الأخيرة من حياتهم”.
المصدر: سي نت