تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية في الفترة من 6 – 19 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27″، الذي من المفترض أن يناقش حزمة من الملفات والقضايا الملحة بعدما تحولت التغيرات المناخية إلى مصدر تهديد حقيقي لمستقبل البشرية دون استثناء.
وقبيل المؤتمر بأيام قليلة أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا متشائمًا حول عدم وجود “طريق موثوق” لإبقاء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، وهو المعدل الذي لو تم تجاوزه سيكون له تأثيرات خطيرة على الناس حول العالم.
ومن المفترض أن يناقش المشاركون في هذا الحدث – المتوقع أن يحضره رؤساء وزعماء وقادة من 197 دولة حول العالم – عددًا من المسائل على رأسها مستقبل الوقود الأحفوري الذي يمثل الضلع الأكبر في منظومة التغير المناخي، كذلك تعويض الدول الفقيرة عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالمناخ، بجانب الحديث عن إصلاح شامل للمؤسسات المالية الدولية حتى تكون على أهبة الاستعداد في مجابهة التحديات الناشئة عن تلك الأزمات.
وتزامنًا مع انعقاد القمة الأممية، نسلط الضوء في ملف “مجرمو المناخ”على أبرز المتسببين في المشاكل البيئية حول العالم، من حكومات وشركات وشخوص، وتركز فلسفة الملف على فرضية رئيسية وهي أنه ليس من العدل أن يدفع السواد الأعظم من البشرية خطايا وكوارث حفنة قليلة من الطامعين في تعزيز نفوذهم وتحقيق أطماعهم على حساب مئات الملايين من سكان الكرة الأرضية، لذا وجب إسقاط القناع عن هؤلاء المجرمين لا سيما أن كثيرًا منهم ينصبون أنفسهم متحدثين باسم الإنسانية والدفاع عن البيئة وحق الجميع في “عالم أخضر”.
إشكالية التعريف
تُعرف الأمم المتحدة تغير المناخ بأنه “التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس”، وتنقسم تلك التحولات إلى قسمين، الأول: تلك الناتجة عن ظواهر طبيعية كالتغيرات في الدورة الشمسية، الثاني: التحولات الناجمة عن العنصر البشري وتلك التي ظهرت منذ القرن التاسع عشر التي ترجع في الأساس إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
وينتج عن حرق الوقود الأحفوري – بحسب الموقع الرسمي للأمم المتحدة – غازات دفيئة تكون بمثابة غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، ما ينجم عنه حبس حرارة الشمس وارتفاع نسبي في درجات الحرارة، ومما يزيد من تأزم الوضع الاستخدامات غير المنطقية للوقود والفحم، سواء في وسائل النقل أم مجالات التدفئة، بجانب حرائق الغابات التي تحولت إلى ظاهرة سنوية في السنوات الأخيرة، حيث ينتج عن ذلك انتشار كثيف لثاني أكسيد الكربون والميثان.
يقول العلماء إن معدلات تركيزات الغازات الدفيئة الصادرة عن حرق الوقود الأحفوري بلغت أعلى مستوياتها منذ مليوني سنة، لذلك أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئًا بمقدار 1.1 درجة مئوية زيادة عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر، فيما كانت السنوات العشرة (2011-2020) الأكثر دفئًا على الإطلاق منذ مئات السنين.
لا تتوقف المسألة عند حدود ارتفاع درجات الحرارة، فهذا بداية سلسلة طويلة من الظواهر التي تغير المناخ بشكل كبير، وتُحدث اضطرابًا كبيرًا في المنظومة الأرضية، مثل ارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي، وما لذلك من تبعات سيتم التطرق إليها لاحقًا في ملف “مجرمو المناخ”.
أسباب كارثية
تتعدد الأسباب التي تؤثر على المناخ بشكل أو بآخر، إلا أن الباحثين المتخصصين في هذا الملف حصروها في 7 دوافع رئيسية تتحمل النسبة الكبرى في هذا الخلل الذي تشهده المنظومة البيئية العالمية خلال السنوات الماضية، أولها: توليد الطاقة والحرارة عن طريق الوقود الأحفوري، واستخدام بعض الوقود الملوث في توليد الكهرباء كحرق الفحم والزيت، ما ينتج عنه انبعاثات خطيرة كثاني أكسيد الكربون والنيتروز، ومن المفارقات أن أقل من 25% فقط من الكهرباء على مستوى العالم يتم توليدها من طاقة الرياح والشمس ومصادر الطاقة النظيفة قليلة الانبعاثات.
ثم تأتي الصناعات التحويلية وما يسفر عنها من غازات في المرتبة الثانية، على رأسها صناعات الأسمنت والحديد والصلب والإلكترونيات والبلاستيك والملابس، كذلك صناعات البناء، وكلها تستخدم في معظمها الفحم والوقود غير النظيف، بجانب أن جزءًا كبيرًا من منتجات تلك الصناعات من مواد كيميائية، ما يزيد من منسوب وحجم الانبعاثات والتلوث.
التغول على البيئة الخضراء عبر قطع الغابات لأجل إنشاء مزارع أو مراعٍ أو مشروعات صناعية، أحد الأسباب الرئيسية وراء تغير المناخ، فتشير التقديرات إلى تدمير ما يقرب من 12 مليون هكتار من الغابات سنويًا، ما يتسبب في زيادة كميات ثاني أكسيد الكربون ويحد من قدرات الطبيعة على إبقاء الانبعاثات خارج الغلاف الجوي.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، قد تنخفض غلة المحاصيل العالمية بنحو 30% بسبب التغيرات التي شهدها المناخ خلال السنوات الماضية، بينما من المتوقع أن يقفز الطلب على الغذاء بنسبة 50% في العقود المقبلة
ومن الأسباب الكارثية التي تزيد من تفاقم الوضع، الاستخدام غير الرشيد لوسائل النقل، إذ تساهم السيارات والشاحنات والسفن والطائرات التي يعمل معظمها بالوقود الأحفوري في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، خاصةً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتشير الإحصاءات الأممية إلى أن النقل مسؤولٌ عما يقارب ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة.
عمليات إنتاج الغذاء، بداية من التمهيد للزراعة واستخدام الأسمدة لزراعة المحاصيل، مرورًا باستخدام الوقود غير النظيف في تشغيل معدات الزراعة، وعمليات الهضم لدى الأبقار والأغنام والمواشي، وصولًا إلى جني المحاصيل وخطوات الحصاد، كلها تساهم بشكل أو بآخر في زيادة الانبعاثات الدافئة، الأمر كذلك في زيادة المباني السكنية الضخمة وتوسيع الرقعة العمرانية بشكل أفقي، حيث تستهلك تلك المباني أكثر من نصف الكهرباء المنتجة في العالم، ومع الاعتماد على الغاز والنفط والفحم في عمليات التدفئة فإن الأمر يزداد صعوبة وترتفع معه كميات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة.
وفي الأخير تأتي الثقافة الاستهلاكية كختام منطقي لمسببات تغير المناخ، رغم أنها تستحق المرتبة الأولى وليست السابعة، فالاستهلاك المبالغ فيه في الغذاء واستخدام الوقود والإنتاج المفرط في الصناعات التحويلية التي تعتمد على الوقود الأحفوري وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة، كل ذلك ينعكس سلبًا على كميات الغازات الدفيئة التي حالت دون وصول أشعة الشمس لتبقي درجة الحرارة مرتفعة فوق سطح الكرة الأرضية، وهو ما يقود في النهاية إلى كوارث هائلة يدفع الإنسان ثمنها.
أثمان باهظة
تنقسم الآثار الناجمة عن التغير المناخي إلى نوعين، الأول: خسائر بشرية تلامس الإنسان بشكل مباشر، وعلى رأسها نقص الغذاء وتهديد سلالات الإمداد، فهذا التغير سينجم عنه بطبيعة الحال تدمير مصايد الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً، كما أن التغيرات المحتملة في الجليد ستؤدي إلى تعطيل الإمدادات الغذائية من مصادر الرعي والصيد، فضلًا عن تسبب الإجهاد الحراري في تقليل المياه والأراضي العشبية الصالحة للرعي، ما يتسبب في انخفاض غلة المحاصيل ويؤثر على الثروة الحيوانية.
وأدى التغير المناخي منذ مطلع الألفية الثالثة إلى زيادة الكوارث الطبيعية بشكل ملح، فقد ارتفعت الفيضانات خلال العقد الأخير بنسبة 134% مقارنة بالعقدين الماضيين، فيما زادت معدلات الجفاف بنسبة 29% خلال الفترة ذاتها، ومع بداية العام الماضي شهدت الحبوب، وهي الجدار الأساسي في منظومة الأمن الغذائي العالمي، قفزات جنونية في الأسعار بسبب الظروف المناخية غير العادية.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، قد تنخفض غلة المحاصيل العالمية بنحو 30% بسبب التغيرات التي شهدها المناخ خلال السنوات الماضية، بينما من المتوقع أن يقفز الطلب على الغذاء بنسبة 50% في العقود المقبلة، علاوة على ذلك فإن مصايد الأسماك وإمدادات المياه باتت مهددة بشكل متزايد.
التغيرات المناخية تحمل بين ثناياها مزيد من المخاطر الصحية للبشرية جمعاء، إذ تؤكد التقارير الواردة عن المنظمات الصحية الدولية أن الانبعاثات الحرارية ومشتقاتها التي من المتوقع أن ينجم عنها تلوث الهواء وزيادة الأمراض، ستؤدي إلى ضغوط صحية عقلية وزيادة جوع وسوء تغذية، فيما تشير الإحصاءات إلى أن تلك التغيرات ربما تهدد حياة ما يقارب 13 مليون شخص.
ومن الكوارث البشرية الناجمة عن تلك الظاهرة، زيادة معدلات الفقر والنزوح، فالفيضانات المدمرة والجفاف وندرة المياه أدت إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص كل عام خلال الفترة من 2010 -2019 وفق تقديرات الأمم المتحدة، وهو ما أدى في النهاية إلى ظهور مفهوم “اللجوء المناخي” كأحد المصطلحات الجديدة في عالم اللجوء الإنساني.
وتعليقًا على تلك الآثار قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، باوبينج شانغ: “الفقراء سوف يتأثرون أكثر بتسعير الكربون. في العديد من البلدان، سيؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة، وهذا هو الوقت الذي يكون فيه الدعم الحكومي أكثر أهمية”، محذرًا من أن “ترك تغير المناخ يأخذ مجراه ستكون له عواقب وخيمة”.
التغيرات المناخية ربما تهدد المنظومة البيولوجية من خلال تهديد بقاء الأنواع والتوازن البيئي، إذ يفقد العالمُ الأنواع بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى
وتشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن الخسائر الكبرى التي يتكبدها قطاع الزراعة والثروة الحيوانية ناجمة عن التغيرات المناخية (34% منها بسبب الجفاف، 19% بسبب الفيضانات والعواصف والحرائق، 13% بسبب انهيار التربة والهزات الأرضية)، وفي المقابل كشف مركز “شاتهام هاوس” البريطاني أن 68.9% من المساحة الزراعية في دول غرب إفريقيا مهددة بالجفاف بحلول 2050، تليها روسيا وأوروبا الشرقية بنسبة 54.3% من مساحتها الزراعية، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 48.4%، ونحو 37.9% في البرازيل، و33.2% في الشرق الأوسط.
أما القسم الثاني من الخسائر الناجمة عن التغير المناخي فيتعلق بالخسائر البيئية الجيولوجية، التي تنعكس بشكل غير مباشر على الإنسان أيضًا، فهي ليست بمعزل عنه، ويتصدرها الارتفاع اللافت في درجات الحرارة، وكما قيل سابقًا فقد شهد العقد الماضي (2011-2020) أكبر ارتفاع في درجات الحرارة في التاريخ، وهو ما سيكون له تبعات على مستويات الجفاف والتصحر بجانب زيادة معدلات العواصف المدمرة التي يتكبد سكان الأرض خسائر جمة بسببها، في الأرواح والممتلكات.
وفي المسار ذاته فإن التغيرات المناخية ربما تهدد المنظومة البيولوجية من خلال تهديد بقاء الأنواع والتوازن البيئي، إذ يفقد العالمُ الأنواع بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون نوع من الكائنات الحية معرضة لخطر الانقراض خلال السنوات القادمة بسبب تلك التغيرات.
وهكذا تحمل تلك التغيرات المناخية التي يتسبب فيها عدد لا يذكر من سكان الكرة الأرضية في تهديد حياة ومستقبل الملايين الآخرين، الغريب أن الرباعي الدولي المصنف على أنه الأكثر إضرارًا بالبيئة (الولايات المتحدة – الصين – الهند – أوروبا) سيلتقي بعد أيام معدودة في مدينة الشرم الشيخ لمناقشة حماية الكوكب من تلك الظاهرة، وهو ما سيتم التطرق إليه تفصيلًا في المادة القادمة من هذا الملف.