ترجمة نون بوست
إذا كان هناك أي دلالة للأحاديث الخاطفة الأسبوع الماضي، فهي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قلق بشأن دعوات التظاهر يوم الجمعة 11 نوفمبر/تشرين الثاني، تتزامن دعوات الاحتجاج مع قمة التغير المناخي للأمم المتحدة 2022، المزمع عقدها من يوم 6 وحتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني في شرم الشيخ.
ورغم أن نظام السيسي سحق كل المظاهرات السابقة وأدان المعارضة العامة، فإن منظمي احتجاجات هذا الشهر يعتقدون أنه لن يستخدم القوة في أثناء هذا المؤتمر الدولي.
في الأسبوع الماضي قضى السيسي 4 ساعات مخاطبًا المصريين في مؤتمر الاقتصاد المصري لعام 2022 الذي عقد بين يومي 23 و25 أكتوبر/تشرين الأول، فقد ألقى خطابين ارتجاليين أحدهما استمر نحو ساعة والآخر ساعتين.
كانت الخطابات مفككة، فقد تذبذب السيسي بين التعبيرات الدفاعية واللوم، ودافع عن نفسه ضد مزاعم الفشل في إخراج مصر من حالتها البائسة، لكنه لام أيضًا الكيانات والأحداث الهائلة على الفشل الذي بدا أنه يعرفه.
فاجأ السيسي المصريين أيضًا بعد المؤتمر باتصاله ببرنامج إخباري على الهواء مباشرة – يذيعه يوسف الحسيني على القناة الأولى المصرية -، واستمرت المداخلة 80 دقيقة.
بعد انقلاب 2013 أسس السيسي نظامًا إعلاميًا شبه استبدادي، ومع تدهور الظروف الاقتصادية للبلاد ظهرت التصدعات على النظام الإعلامي
هذه الخطابات والمداخلات قبل مؤتمر الأمم المتحدة تعكس قلق السيسي الكبير، فتنوع رسائله يشير إلى أن لديه أهدافًا متعددةً أهمها توقف انتقادات السياسة الاقتصادية والتحذير من الاحتجاجات المستقبلية والتأكيد على أنه شخصية بطولية جديرة بالثناء.
وقف الانتقادات
في خطاباته الأخيرة والمداخلة التليفزيونية، كان أهم هدف واضح للسيسي الرد على الانتقادات الحاليّة التي يركز بعضها على الاقتصاد، فبعد انقلاب 2013 أسس السيسي نظامًا إعلاميًا شبه استبدادي، ومع تدهور الظروف الاقتصادية للبلاد ظهرت التصدعات على النظام الإعلامي.
ورغم أن السيسي لا يزال يُعامل بتبجيل، فإن الأخبار المصرية الآن تكشف عن تساؤلات بين الحين والآخر بشأن الاقتصاد، تأثر السيسي كما يبدو بتلك الانتقادات، فقد قال في مداخلته التليفزيونية: “هذه الكلمات الانتقادية التي تتحدثون بها عني مزعجة للغاية”.
وسط الحديث تدخل المذيع يوسف الحسيني مؤكدًا للسيسي أن الناس يتحدثون لأنهم واثقون من قدرته على تحملهم، لكن السيسي قاطعه مرة أخرى مشيرًا إلى أنه لا يستطيع أن يتحمل الحقائق الاقتصادية الاجتماعية الصعبة والانتقادات العلنية لمصر.
فقد قال: “هل يجب أن أتحمل تلك الانتقادات؟ أو أن أتحمل ظروفنا الصعبة؟ أو أن أتحمل فقرنا الشديد؟ أم ماذا؟”، وتحدث السيسي تحديدًا عن المزاعم التي تقول إنه لا يفعل ما فيه الكفاية لرعاية الفقراء قائلًا “إنه حديث خطير”.
تدخل الحسيني مرة أخرى في المداخلة طالبًا من السيسي التغاضي عن الانتقادات الخاطئة، فصاح السيسي بغضب قائلًا: “أكثر مما تغاضيت عنه بالفعل؟”.
في خطابه الثاني، قال السيسي إن وسائل الإعلام لا تقوم بعمل جيد في مساعدة الحكومة على الحد من نسبة المواليد المصريين كل عام ولا التأكد من أن المصريين لديهم توقعات مناسبة بشأن الاقتصاد، وأضاف أن على وسائل الإعلام التواصل مع المصريين وإخبارهم أنه من الصعب تحقيق الأهداف الآن لأن مواردنا محدودة.
تحذير من التظاهر
الهدف الثاني لتصريحات السيسي كان التحذير من التظاهرات، هذا الهدف مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأول، فبالنسبة للسيسي، يمكن للانتقادات أن تلهم الناس للتظاهر، وإشارة كذلك إلى أنه قلق بشأن دعوات الاحتجاج يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
أبدى السيسي أسفه على ثورة 2011 واحتجاجات 2013، وادعى أن هذه الأحداث كلفت مصر 477 مليار دولار، وقال إن هذه الأحداث يمكنها أن تُخضع أي أمة، وأوضح أن مصر لن تتحمل أي احتجاجات، حيث قال في المداخلة التليفزيونية بغضب: “ما هذا ؟ مرة أخرى؟ هل أنتم حالة ميئوس منها؟”.
أشار السيسي عدة مرات في البرمانج إلى أن مصر لا تتحمل النقد، قائلًا: “مصر في وضعها الحاليَ لا يمكن أن تتحمل النقد والأمة لن تتحمل ذلك في الوقت الحاليّ”، وفي خطابات أخرى ربط أحداث 2011 و2013 بالكارثة، حين قال: “أليس كافيًا ما حدث للبلاد؟ لقد تركتم البلاد حتى احترقت ودُمرت”.
اعترف السيسي للحسيني أنه خائف أيضًا حين قال: “هذا الطريق يرعبني، أنا خائف، خائف على الأمة، فالتجربة التي مررنا بها في 2011 و2013 كانت صعبة ولا يمكن تكرارها أبدًا”.
بطل يرشده الله
استغل السيسي خطابات الأسبوع الماضي أيضًا للإشارة إلى نفسه كبطل موصول بالله، وكشف كيف أنه يفهم الواقع جيدًا مقارنة بغيره، ففي خطابه الأول، قال السيسي إن السياسيين في مصر يفتقرون للفهم، وفي خطاب آخر قال إن جماعة الإخوان المسلمين كانوا بحاجة إلى الإزاحة بالقوة من الرئاسة عام 2013 لأنهم لا يفهمون.
وفي حديثه عن الانتقادات الموجهة لعاصمته الإدارية التي كلفت 60 مليار دولار، قال السيسي: “إنكم لا تفهمون معنى الأمة”، مضيفًا أن الاختلاف في الرأي مقبول لكن الاختلاف في الفهم يسبب مشكلة، انتقد السيسي أيضًا الأنظمة المصرية السابقة واستخف بالحلول المقترح في أثناء المؤتمر الاقتصادي.
النظام خائف ويستخدم إجراءات أمنية مشددة، ويبقى أن نرى إذا كان المصريون سينتهكون قانون التظاهر ويخاطرون بمواجهة عنف الأمن والاعتقال
يشير السيسي مرارًا وتكرارًا إلى أن فهمه للدولة المصرية مُرسل من الله، ففي اللقاء التليفزيوني سأل الحسيني: “هل يمكنك أن تقول شيء صعب دون أن تمنح مضيفك فرصة للرد، وقال: “ليس هذا من شأنك فأنت لا تعلم ما أفعله”، وعندما أجاب الحسيني قائلًا: “نفهم ذلك”، رد السيسي “لا، أنتم لا تعلمون، الله وحده يعلم، هو الذي يعلم فقط ويساعدني، إنه الله”.
في نقطة أخرى بخطابه الثاني، قال السيسي إن الناس يسألونه كثيرًا لماذا يتحدث عن الله، فقال: “إنه حبيبي وأنا أقدره”، ثم استشهد بالآية القرآنية “ففهمناها سليمان”، وهذا يعني أن الله منح السيسي الفهم.
في خطابه الثاني، أشار السيسي إلى نفسه بالبطل، وقال إن البطل أكثر من مجرد قائد سياسي، ثم ذكّر المصريين بأنهم وصفوه بالبطل في صيف 2013، وسأل “هل مات البطل أم ماذا؟”.
جماهير يائسة
لاقت دعوات 11 نوفمبر/تشرين الثاني زخمًا واسعًا، فالكثير من المصريين ينشرون مقاطع فيديو عن سبب نزولهم الشوارع هذا اليوم، أما النظام فهو خائف ويستخدم إجراءات أمنية مشددة، ويبقى أن نرى إذا كان المصريون سينتهكون قانون التظاهر ويخاطرون بمواجهة عنف الأمن والاعتقال.
في 2013، قتل السيسي مئات المتظاهرين واعتقل عشرات الآلاف، يتذكر المصريون عنف النظام، لذا فمدى استعدادهم للمخاطرة بأمانهم قد يعتمد على مدى يأسهم، وإذا كان لاعترافات السيسي أي دلالة، فهي أن الكثير من المصريين أصبحوا يائسين بما فيه الكفاية.
المصدر: ميدل إيست آي