ترجمة وتحرير: نون بوست
كان من الصعب ألا نشهد موت الأمل في القدس ليلة الثلاثاء. فأولئك الذين كانوا يأملون أن يقاوم النظام الإسرائيلي التيار اليميني ويظهر بعض التسامح، تبددت آمالهم بعد الانتخابات الإسرائيلية التي كانت فيها الغلبة لليمين المسيحي الفاشي ليبسط بذلك قبضته على النفس اليهودية الإسرائيلية.
تُظهر استطلاعات الرأي أن حزب الصهيونية الدينية المناهض للفلسطينيين حصل على 13 أو 14 مقعدًا في البرلمان، مما يجعله ثالث أكبر كتلة. وعندما يتم الإعلان عن الأصوات الرسمية، من المرجح أن يكون الحزب في وضع يسمح له بإعادة أكبر فائز بالأصوات، ألا وهو بنيامين نتنياهو الذي حصل حزبه اليميني “الليكود” في الانتخابات على 31 مقعدًا، إلى منصب رئيس الوزراء بعد 18 شهرًا من الغياب.
أخبرني صاحب متجر في القدس الشرقية: “ستكون هناك انتفاضة ثالثة”. وقال تاجر “هذه ليلة سيئة للغاية، لا يبدو أن التجمع الوطني الديمقراطي سينجح”، في إشارة إلى الحزب الفلسطيني المناهض للصهيونية الذي لم يتجاوز تمثيله البرلماني عتبة 3.25 في المئة. كما أن حزب ميرتس اليساري الصهيوني متوازن أيضًا في صناديق الاقتراع، ومن المحتمل أن يخسر مقاعده الستة الحالية. ومن المتوقع ألا يقع الإعلان عن أعداد الأصوات الفعلية حتى يوم غد.
أوضح ناخب شاب من حزب ميرتس في مركز اقتراع يقع في المستعمرة الألمانية في القدس الغربية: “كل ما نأمله هو إجراء انتخابات سادسة”. لكن يبدو أن نتنياهو سيعود. يشعر الناخبون الشباب أن اليمين سيجعل حياتهم أكثر أمانًا”. وعندما أخبرته أنني سأغادر البلاد في غضون يومين، أجابني “هذا جيد لك”؛ في حين أرسل لي يوسي غورفيتز، وهو ناخب من حزب التجمع، رسالة نصية من بتاح تكفا: “أنا في حالة صدمة. يبدو وكأننا تتعرضنا لعملية مسح كامل”.
أثناء إجراء جولة في حي الشيخ جراح الفلسطيني قرب منتصف ليلة الانتخابات، سمعت الألعاب النارية وصفارات الإنذار من المستوطنة اليهودية القريبة أثناء احتفالهم بفوز القوة الصهيونية الدينية. وشاهدت لاحقًا مقاطع فيديو لشبان يرشقون الفلسطينيين بالحجارة كحركة تعبيرية عن فرحهم.
وبناء على تصريح لإيتمار بن غفير، أحد قادة الصهيونية الدينية، قال فيه: “هذا بيتنا” والفلسطينيون مجرد ضيوف، كان اليهود اليمينيون الشباب متحمسين لتفوقه اليهودي الذي لا نظير له. وقد تحدّى بن غفير الفلسطينيين من خلال السماح بدخول المصلين اليهود مرارًا وتكرارًا إلى الحرم الشريف في انتهاك للقواعد الدينية.
كانت الرسالة السياسية لبن غفير ونتنياهو أن سياسة وزير الدفاع الحالي بيني غانتس التي راح ضحيتها 260 فلسطينيا هذا العام ردا على المقاومة لينةٌ للغاية. وقد سمعت صدى تلك الرسالة الفاشية يتردد بين اليهود يوم الانتخابات. أخبرتني ناخبة شابة في المستعمرة الألمانية أن “غانتس سحب الجيش من بنيامين وشومرون، واليهود هناك يتعرضون للأذى”، في إشارة إلى الجاليات اليهودية في الأراضي المحتلة – وهو مصطلح ترفضه لأن الضفة الغربية هي “بيتنا” على حد تعبير بن غفير.
صرح سائق سيارة أجرة في بتاح تكفا: “العرب لا يخافون منا، لذلك سيطعنوننا. عليك أن تقتل العربي بالسكين. لا تتحدث معه، اقتله”. وقد صوّت هذا السائق لغانتس ونتنياهو في الانتخابات السابقة لكنه صوت الآن لبن غفير. ويقول غورفيتز: “بن غفير كسب الأصوات التي كانت مؤيدةً لغانتس في السابق”.
قبل ست سنوات، أخبرني زملاؤه آدم هورويتز وسكوت روث أننا سننظر إلى نتنياهو على أنه من السياسيين المسالمين، وكنت أدرك أنهم كانوا مخطئين. ولكن تظهر الليلة الماضية أنهم كانوا على حق.
من شأن هذه الانتخابات أن تخلق أزمةً سياسية للولايات المتحدة والصهاينة الليبراليين – أي كلّ من كان يكذب علينا بشأن الفصل العنصري والديمقراطية ويقول إن “إسرائيل” هي إنجاز مثالي للسيادة اليهودية ويشاركها القيم الأمريكية. إنهم يواجهون تحديات اليوم. ستكون هناك ضغوط رسمية في الأيام القادمة على نتنياهو لعدم تشكيل ائتلاف حاكم مع الصهيونية الدينية.
في هذا السياق، يقول غورفيتز إن السفارة الأمريكية ستضغط على حزب العمل وبيني غانتس للتراجع عن وعوده والانضمام إلى حكومة اتحاد وطني تضم نتنياهو وكتلة أفيغدور ليبرمان اليمينية والأحزاب اليهودية الأرثوذكسية – لاستبعاد الفاشيين و”إنقاذ البلاد”. يضيف غورفيتز أن نتنياهو سيقع في فخ بين قاعدته الشعبية ورغبته في الحفاظ على مكانته الدولية – ولا نيّة له أن يصبح منبوذًا مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
ستتجلى الكثير من الحقائق في الأيام القادمة مع ظهور مجموع الأصوات الفعلية، واستغلال الرئيس الإسرائيلي الجديد نتنياهو، لمحاولة تشكيل حكومة. لهذا السبب، يأمل التجمع الوطني الديمقراطي اليوم أن تحدث مفاجأة في صناديق الاقتراع والحصول على الأصوات المطلوبة.
في غضون ذلك، يتم تبرئة مناهضي الصهيونية. كل ما قلناه عن الحزب اليميني لهذا المجتمع ثبتت صحته أمام أعيننا. إن التصحيح اللاعنفي الذي سعينا إليه منذ فترة طويلة، المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات والأداة المستخدمة ضد جيم كرو في الجنوب الأمريكي ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، هو الحل الوحيد لكبح الكنيست الإسرائيلي. وخلال الليلة الماضية، نشرت الكاتبة الصهيونية الليبرالية سارة يائيل هيرشورن تغريدة أعربت فيها عن استيائها، بقول: “الآن، أكثر من أي وقت مضى، حان الوقت بشكل جماعي لليهوديين والمجتمع الدولي لممارسة ضغوط على بن غفير في الكنيست”.
ردّ سكوت روث عليها: “هل ستكون الضغوط مثل حركة المقاطعة؟”. في الحقيقة، هذا سؤال مناسب. يمكنك أن تكون على يقين من أن الشباب الصهاينة المحبطين في مؤتمر جي ستريت الشهر المقبل سيعربون عن المطالب ذاتها.
في غضون ذلك، أرسل لي صديق في القدس الشرقية رسالة نصية ورد فيها، “لا توجد توقعات جيدة، لذا دعونا نتقبل هذه الحقيقة غير المؤكدة”. خلّفت الانتخابات درسًا مريرًا لا جدال فيه. ولم ينتج عن تحقيق أهداف الصهيونية سوى المزيد من الأسى والإحباط لغير اليهود. واليوم يبدو الوقت مناسبًا لأن يعترف العالم بذلك.
المصدر: موندويس