ترجمة وتحرير: نون بوست
في قلب العاصمة الصومالية مقديشو، تنفّذ الإمارات العربية المتحدة ومصر مبادرةً سريّة لتجنيد وتدريب حوالي 3000 شاب صومالي، وذلك حسب ما أفادت به مصادر متعددة لموقع “ميدل إيست آي”.
في تدريب بدأ منذ أشهر، حصل المجندون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة على وعود بوظائف بأجور جيدة، وأُرسل العديد منهم بالفعل إلى مصر للتدريب العسكري المموّل من قبل الإمارات العربية المتحدة.
من المرجح أن تثير هذه المبادرة ارتياب إثيوبيا خاصة أنها تخوض خلافًا مستمرًا مع القاهرة بشأن مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، وكذلك تركيا وقطر اللتين تتمتعان بنفوذ في الصومال في السنوات الأخيرة.
ومن بين أولئك الذين تم إيوائهم في ثكنة دامانيو في مقديشو شقيق مصطفى عبد الله الأصغر. ويشعر عبد الله بالقلق على شقيقه الأصغر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، وهو سائق عربة ريكشا سابق ويبلغ من العمر 28 سنة. وقد أخبر عبد الله موقع “ميدل إيست آي” بأنه كان غاضبًا من السلطات لأنهم أقنعوا شقيقه الأصغر بالانضمام، وهو يعتقد أنه فعل ذلك من أجل إعالة ابنته الصغيرة.
قال عبد الله: “بصفتي شقيقه الأكبر والشخص الذي ربّاه، لم يخبرني عندما غادر ونحن قلقون عليه. وقد علمنا الآن أنه يعاني في معسكر في مقديشو ومن المتوقع نقله الى مصر للتدريب العسكري”.
أضاف عبد الله، الذي يعيش في مدينة بيدوة جنوب الصومال، أنه “علم أيضًا أن أخاه حصل على وعد بتلقي راتب يبلغ حوالي 500 دولار شهريًا”. وعلى عكس شقيق مصطفى، تمكن مجند آخر يدعى محمد، طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي، من الفرار من المخيم في الساعات الأولى من يوم السبت. وقال محمد، الذي احتُجز مع شقيق مصطفى وصودر هاتفه الذكي عند وصوله، إنه لم يستطع تحمل الظروف القاسية في المخيم بما في ذلك نقص الطعام وغياب المرافق الطبية الكافية.
وفيات داخل المخيمات
قال محمد إن الظروف كانت سيئة للغاية لدرجة أن خمسة من المجندين ماتوا في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر. وأخبر محمد موقع “ميدل إيست آي” بأنه: “تم تجنيد حوالي 120 منا من بيدوة في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر تقريبًا، وتم إبلاغنا بأننا سنُنقل إلى مصر للتدريب. لقد اخترت الانضمام منذ أن قيل لي إن هذا يدر المال. كنا حوالي 2000 مجند في المخيم”.
وأضاف أن مسؤولا أمنيا صوماليا كبيرا أبلغهم أن الإمارات تعيد إحياء وجودها الأمني في الصومال وأنهم سيتوجهون قريبا إلى مصر للتدريب. وقد خضع المجندون الذين معظمهم من عائلات فقيرة لفحوصات طبية وأمنية شاملة قبل تجنيدهم، وقبلوا التسجيل لإعالة أحبائهم في بلد يعيش فيه حوالي سبعة من كل 10 أشخاص في الفقر.
التمويل الإماراتي
تحدّث كبار المسؤولين في الحكومة الصومالية المطلعون على هذا الأمر شريطة عدم الكشف عن هويتهم، وأخبروا موقع “ميدل إيست آي” أن الأفراد يقومون سرًا بالتجنيد في مكتب الرئيس بالتعاون مع قوات الأمن الإماراتية والمصرية.
وقال زعيم سياسي صومالي بارز “لقد جندت أكثر من 50 منهم من عشيرتي، وتم نقلهم جوا إلى العاصمة لمتابعة العملية. ولم تشارك العديد من العشائر في هذه العملية، وأنا أفهم أن هذا مشروع مشترك حيث ستمول الإمارات العربية المتحدة العملية بالكامل بينما ستنفذ مصر المناورات التدريبية”.
أكدت مجموعة من كبار المسؤولين الأمنيين والقادة الإقليميين الحاليين والسابقين، إلى جانب خبراء آخرين، لموقع “ميدل إيست آي” عملية التجنيد التي تشارك فيها الإمارات ومصر.
وقال ضابط أمن صومالي بارز مشارك في عملية التجنيد لموقع “ميدل إيست آي” إن “الإمارات ومصر تجندان بالفعل قوات أمنية، من أفراد العشائر في المناطق الريفية، ووحدات الشرطة والجيش”. وأضاف الضابط، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن التدريبات أجريت في كل من مصر وداخل الصومال، وخاصة مدينة بوصاصو الساحلية التي تمتلك فيها الإمارات منشأة تدريب حيث سبق لها أن أشرفت على تدريب قوة مشاة البحرية التابعة لولاية بونتلاند.
وقالت المصادر إن عددا كبيرا من المجندين سافروا بالفعل إلى مصر. وتُظهر الصور التي حصل عليها موقع “ميدل إيست آي” مجندين شبان حليقي الرؤوس يرتدون ملابس رياضية زرقاء في مصنع حلويات سابق تحول حاليا إلى معسكر تدريب، قبل نقلهم إلى ثكنة دامانيو في مقديشو.
قُتل نحو 10 من المجندين الجدد مطلع الشهر الماضي عندما استهدفهم أعضاء من جماعة الشباب المسلحة في تفجير انتحاري. وبالمقارنة مع الرواتب العسكرية الحكومية، حيث يتقاضى المجندون حوالي 200 دولار شهريًا، يُعتقد أن القوات التي تدربها الإمارات تتلقى ما لا يقل عن 400 دولار شهريًا، وهو حافز قوي لأولئك الذين يقررون الانضمام.
وقد تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع السلطات في أبو ظبي والقاهرة للتعليق على هذه المبادرة لكنه لم يتلق ردًا.
المعايير المزدوجة
على عكس القوات في الصومال التي أشرفت تركيا على تدريبها علنًا، ظل التجنيد من قبل الإمارات ومصر سريًا. وقد تم تحذير المتورطين من تبادل المعلومات حول حملة التجنيد مع أي شخص آخر، على الرغم من حقيقة أن هذا التجنيد السري ليس جديدًا على الصومال.
تعرض محمد عبد الله محمد، المعروف أيضًا باسم فرماجو، والذي كان رئيسًا من سنة 2017 حتى شهر أيار/ مايو من هذه السنة، لانتقادات لإرساله شبابًا سرا إلى إريتريا للتدريب العسكري السنة الماضية. ومن بين الذين انتقدوه خليفته، حسن شيخ محمود، الحليف المقرب للإمارات ومصر الذين يشرفون على عملية التجنيد الحالية. وقال محمود في ذلك الوقت إنه “تم إبلاغ الشبان الذين استثمر آباؤهم فيهم بشكل كبير بأنهم سيُجندون في الجيش حتى يتمكنوا من الحصول على وظيفة، وقد تم إرسالهم إلى إريتريا. ولا أحد لديه معلومات عن مكان تواجدهم. لقد تم إخفاؤهم عن الجمهور، وقد تم بيعهم حرفيا”
من خلال السماح بعملية التجنيد، اتهم منتقدو محمود بإشراك الصومال في الأزمة الإقليمية المستمرة بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، والتي أدت إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا ومصر والسودان.
من جانبه، قال عبد الله كولن، عضو البرلمان الصومالي ورئيس أركان المخابرات السابق في البلاد، إن “مياه النيل تشكل أزمة محتملة في منطقة القرن الأفريقي، وأي تدريب للقوات الصومالية بمشاركة مصر سيضع الصومال في وسط الأزمة، لأن القوات الإثيوبية تسيطر على جزء كبير من بلادنا”.
وأضاف أن “إقامة علاقات وثيقة مع القاهرة وفقدان إثيوبيا لا قيمة له بالنسبة لنا. كما أننا نتفهم أن العالم الإسلامي منقسم إلى حد ما، وإذا كان يُنظر إلى الصومال على أنها منحازة إلى أحد الجوانب، فسيكون لذلك تأثير غير ضروري على بلدنا”.
حتى وصول محمود إلى السلطة في وقت سابق من هذه السنة، كانت العلاقات بين الصومال والإمارات فاترة بعد أن رفضت مقديشو قطع العلاقات مع قطر في أعقاب الخلاف الطويل بين الدوحة وجيرانها الخليجيين الذي انتهى في كانون الثاني/ يناير من السنة الماضية.
صرح ضابط أمن صومالي بارز لموقع “ميدل إيست آي” بأن “مشاركة الإمارات العربية المتحدة ومصر في نظامنا الأمني ليس في مصلحة بلادنا للأسف لأن هدفهما هو أن يكون لهما تأثير كبير داخل الهيكل الأمني الصومالي في حالة تغيير النظام. والأهم من ذلك، أن تدخل القاهرة في العملية سيثير حنق أديس أبابا بالتأكيد لأن هناك خلافًا دبلوماسيًا بين القوتين المتنافستين في نهر النيل”.
وتابع الضابط الأمني حديثه قائلا “نحن نتشارك الكثير من الأشياء مع إثيوبيا بما في ذلك تواجد قواتها في بلادنا، وحدود يبلغ طولها نحو 1600 كيلومتر، وأيضًا المنتديات الإقليمية والقارية مثل الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية”، في إشارة الى الكتلة التجارية الإفريقية المكونة من ثماني دول.
اتصالات القاهرة
بعد أن كانت تربطهما علاقات جيدة، تدهورت العلاقات بين الإمارات والصومال بعد أن رفضت مقديشو دعم التحالف الذي تقوده السعودية ضد قطر، وبدلاً من ذلك اختارت الحياد. وفي نيسان/ أبريل 2018، صادرت الحكومة الصومالية عدة أكياس نقود تحمل قرابة 10 ملايين دولار من طائرة وصلت إلى مطار مقديشو قادمة من أبو ظبي.
ووصفت الحكومة هذه الأموال “بالقذرة” وأنها تهدف إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد. وفي الشهر نفسه، أعلنت وزارة الدفاع الصومالية أنها ستقطع جميع العلاقات العسكرية مع الإمارات، مع تولي الحكومة الصومالية مهام التدريب والتمويل وإعادة توزيع القوات التي كانت تحت تصرف الإمارات.
وقد دفعت هذه الخطوة الإمارات إلى سحب مدربيها العسكريين ومعداتها من مقديشو. ثم سعت الإمارات بعد ذلك إلى إقامة علاقات أقوى مع جمهورية أرض الصومال وبونتلاند – منطقتي الصومال المتمتعة بالحكم الذاتي.
منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، استثمرت موانئ دبي العالمية – المشغل الإماراتي العالمي للموانئ – ما لا يقل عن 442 مليون دولار في تطوير ميناء في بربرة بأرض الصومال. وترى أبو ظبي أن مثل هذا الوجود في القرن الأفريقي يمثل وسيلة لها للمساعدة في السيطرة على التدفقات التجارية عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي، وهو قناة عالمية رئيسية للشحن البحري.
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يكون الاتصال لإعداد التدريب الجديد للمجندين الصوماليين قد جاء من خلال مصر التي تتمتع بعلاقات قوية مع أعضاء بارزين من الدائرة المقربة من محمود، بما في ذلك رئيس المخابرات الجديد، مهد صلاد، الذي درس في القاهرة. ومن المحتمل أن ترى إثيوبيا، التي لديها تحفظات على الحكومة في القاهرة، تدريب القوات الصومالية باعتباره تهديدًا لأمنها القومي.
قال عبد السلام جوليد، المستشار الأمني في شركة إدارة المخاطر “إيغل رينجيس سيرفيسز”، ونائب رئيس المخابرات الصومالية السابق، لموقع “ميدل إيست آي إن “إثيوبيا ستعتبر مشاركة مصر في هذه العملية تهديدا فوريًا للأمن القومي نظرًا للخلاف الدبلوماسي بينهما وكيف كانت الصومال بمثابة الفناء الخلفي لأديس أبابا، ولكن على الصومال استيعاب كليهما والحفاظ على المصالح المتضاربة لكلا الطرفين”.
بطريقة ما، فإن مشاركة الإمارات ومصر مفيدة للبلاد في الحفاظ على الانضباط والرفاهية والإشراف على جودة وإدارة القوات، على عكس القوات التي يقودها القادة الصوماليون والتي ينتهي بها الأمر إلى تصبح مارقة أو حتى مشتتة. وأضاف أن “السؤال الذي يبقى مطروحا هو كيفية استخدام هذه القوات لأن مصر والإمارات لا تنفذان حاليا أي عملية لمكافحة الإرهاب في الصومال”.
مبادرة مناهضة لتركيا
لقد كافح الصومال، الذي يحتفظ بمجموعة متنوعة من القوات التي دربتها دول مختلفة ولا سيما تركيا، لسنوات لجمع مختلف العناصر معًا لتعزيز قتالها ضد مقاتلي حركة الشباب.
يُنظر على نطاق واسع إلى أنقرة، التي دربت الآلاف من القوات على امتداد العقد الماضي ولديها أكبر قاعدة عسكرية خارجية في مقديشو، على أنها استحوذت على قلوب وعقول الصوماليين.
نتيجة لذلك، يرى عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية للقرن الأفريقي، أن حملة التجنيد من قبل الإمارات العربية المتحدة ومصر تهدف إلى تقويض نفوذ تركيا وقطر المتزايد في الصومال.
كما يعتقد عبد الصمد أن الإمارات يمكن أن تستخدم المجندين المدربين حديثًا لتعزيز اهتمامهم بالصومال، لا سيما في المساعدة في إدارة الموانئ التي تديرها موانئ دبي العالمية في بربرة وبوصاصو.
في النهاية، قال عبد الصمد إنه لا يعتقد أن هذه المبادرة في صالح الصومال. وقال عبد الصمد لموقع “ميدل إيست آي” إن “أي ترتيب أمني في الصومال يشمل القاهرة سيخلق توترا ووكلاء، مما قد يقوض استقرار الصومال. ولا أرى أي فكرة نبيلة عن تورط مصر في الهيكل الأمني لمقديشو، لأن مصر وإثيوبيا يختلفان حول مياه النيل ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إثارة التوترات في المنطقة”
المصدر: ميدل إيست آي