نعت جماعة الإخوان المسلمين اليوم الجمعة إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام بالإنابة، والذي توفي عن عمر ناهز الـ 85 عامًا في العاصمة البريطانية لندن، ووصف بيان الحركة الراحل منير أنه من “أبرز رجالات الدعوة، وأحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين”، وهو الشخص العاشر في تسلسل قيادة تنظيم الإخوان المسلمين، إذ استلم هذا المنصب بعد اعتقال المرشد العام السابق، محمود عزت، عام 2020 على يد السلطات المصرية في القاهرة.
اعتقال منذ البداية
وُلد أحمد إبراهيم منير مصطفى في 1 يونيو/ حزيران 1937 في مدينة المنصورة بمحافظة الغربية المصرية، درس في مدارس وثانويات مدينته قبل أن يلتحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وفي وقت مبكر من شبابه تعرّف منير إلى حركة الإخوان المسلمين، ما جعله ينتسب إلى صفوفها ويكون فاعلًا فيها، ليكون حاله حال زملائه من الاعتقال والملاحقة على خلفية انتسابهم للحركة.
تعرّض إبراهيم منير للاعتقال ضمن “تنظيم سيد قطب” عام 1965 وقُدِّم للمحاكمة، وحكمت عليه المحكمة حينها بالسجن لمدة 10 سنوات قضاها في السجن، وقد وجّهت المحكمة في هذه القضية التهم لآلاف من جماعة الإخوان المسلمين بتهمة “محاولة إحياء التنظيم”، وقد تمَّ تحويل القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا وقُسّم المعتقلون إلى 4 مجموعات، أشهرها المجموعة الأولى التي كان على رأسها سيد قطب، أما منير فكان في المجموعة الثانية.
كان الاتهام المباشر لمنير والعشرات من رفاقه في المجموعة الثانية: “حاولوا تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة، بأن ألّفوا من بينهم وآخرين تجمعًا حركيًّا وتنظيمًا سريًّا مسلّحًا لحزب الإخوان المسلمين المنحلّ، يهدف إلي تغيير نظام الحكم القائم بالقوة باغتيال السيد رئيس الجمهورية والقائمين على الحكم في البلاد وتخريب المنشآت العامة وإثارة الفتنة في البلاد، وتزوّدوا في سبيل ذلك بالمال اللازم، وأحرزوا مفرقعات وأسلحة وذخائر، وقاموا بتدريب أعضاء التنظيم على استعمال هذه الأسلحة والمفرقعات”.
عقب السنوات العشر التي قضاها في السجون المصرية أُطلق سراحه، وبعدها قرر أن يترك مصر نهائيًّا، فسافر إلى الكويت ليقيم فيها لمدة 5 سنوات، بعد ذلك حصل على اللجوء في بريطانيا ليغادر إليها ويقيم فيها طيلة حياته، خلال هذه الفترة لم يترك منير العمل ضمن جماعة الإخوان المسلمين، فقد أسّس في لندن عددًا من المراكز الإسلامية، بالتوازي مع عمله الإداري في الجماعة.
في اجتماع مجلس الشورى العام للجماعة المنعقد عام 1995، اُنتخب إبراهيم منير عضوًا بمكتب الإرشاد عن الخارج، كما اُختير كأمين للتنظيم الدولي للإخوان ومتحدث باسمهم في أوروبا، كما كان مشرفًا عامًّا على موقع “رسالة الإخوان”، قبل أن يتمّ اختياره قائمًا بأعمال المرشد العام في أغسطس/ آب 2020.
في عهد حسني مبارك الذي حكم مصر لعقود، قُدِّم منير للمحاكمة في قضية “التنظيم الدولي” عام 2009، وحكمت عليه محكمة الأمن العليا بالسجن لمدة 5 سنوات، لكن بعد الثورة المصرية التي أطاحت بحكم مبارك وأدّت إلى انتخابات فاز فيها الرئيس الراحل محمد مرسي المنحدر من جماعة الإخوان المسلمين، صدر قرار بالعفو عن منير من قبل الرئيس محمد مرسي في أغسطس/ آب 2012.
لكن بعد الانقلاب العسكري على حكم الرئيس مرسي الذي قاده رئيس مصر الحالي عبد الفتاح السيسي، تغيرت الأحوال وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين “إرهابية” حسب ما يصنّفها النظام الحالي، وفي سبتمبر/ أيلول 2021 أحالت النيابة العامة بمصر كل من إبراهيم منير غيابيًّا، وعبد المنعم أبو الفتوح والدكتور محمود عزت و23 متهمًا حضوريًّا إلى محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، وتمَّ اتهامهم بتولي زمام الأمور في “جماعة إرهابية” بين عامَي 1992 و2018، كما تمَّ اتهامهم بـ”استخدام القوة والعنف والتهديد والترويع في الداخل بغرض الإخلال بالنظام العام”.
مشاكل وخلافات
إثر تعيينه في منصب الإرشاد بالإنابة، قال منير: “إن جماعة الإخوان لا تزال بخير وبابها مفتوح لمن يريد العودة إليها”، مُقرًّا بوجود بعض المشاكل لدى أبنائها بالخارج “يتم الاجتهاد في حلها”، مؤكدًا: “لسنا مجتمع ملائكة”.
وفقًا لقناة “الجزيرة“، فإن منير يعتبَر “أحد أكبر دعائم الإخوان المسلمين على الساحة الدولية بعد سنوات القيود والملاحقات الأمنية منذ عام 2013، إذ ظهر في أكثر من مقرّ غربي رسمي مدافعًا وعارضًا وجهة نظر الجماعة وتمسُّكها بالسلمية”.
وكان أحد أبرز تلك المواقف في مجلس العموم البريطاني، قبل عامَين، الذي نظّم ندوة عن فكر الجماعة، حيث كان منير يجيب عن أسئلة 5 من أعضاء مجلس اللوردات، وعدد من الباحثين والسياسيين العرب والأجانب الذين شاركوا بالندوة.
يُعرَف منير ضمن جماعة الإخوان المسلمين بشخصية هادئة قادرة على الإصغاء ولا تميل إلى المعارك والمناكفات، لكن هذه الشخصية الهادئة لم تستطع الحفاظ على تماسك الجماعة في عهده، حيث شهدت العديد من الخلافات البينية التي أدّت إلى زيادة التصدع الذي تعيشه الحركة، خاصة بعد ما حصل معها في مصر منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على الحكم عام 2013، إذ قرر منير إيقاف 6 من قيادات الجماعة وإحالتهم للتحقيق، وذلك استنادًا لما وُصف بـ”مخالفاتهم للّائحة الداخلية”.
وضمّت قائمة القيادات الموقوفة الأمين العام السابق للجماعة وعضو مكتب الإرشاد محمود حسين، ومسؤول رابطة الإخوان المصريين بالخارج محمد عبد الوهاب، ومسؤول مكتب تركيا السابق محمد همام علي يوسف، وأعضاء مجلس الشورى مدحت الحداد وممدوح مبروك ورجب البنا.
بدأت الأزمة الداخلية في هرم الجماعة منذ منتصف سبتمبر/ أيلول 2021، حول انتخابات داخلية أُجريت ولم تعترف بها تلك القيادات الموقوفة بدعوى وجود “مخالفات” تبطلها، غير أن منير ولجنة الانتخابات دفعا بصحة وسلامة موقفها وشرعية نتائج الانتخابات، التي أسفرت عن خسارة شخصيات محسوبة على المجموعة الموقوفة والتي يطلق عليها “مجموعة إسطنبول”، ورفضت المجموعة تسليم الملفات التي بحوزتها لإدارة شؤون الجماعة.
وقد كشفت “مجموعة إسطنبول” في بيان رسمي لها أن “مجلس الشورى بحث الممارسات الفردية والإجراءات غير المؤسسية التي يقوم بها بعض الإخوة، في محاولة لفرض واقع جديد وإنشاء كيانات موازية للكيانات الشرعية بالجماعة”، وأضاف أن “الجماعة تأخرت في الإعلان عن هذه القرارات لإعطاء الفرصة لنجاح مبادرات للحفاظ على وحدة الصف، إلا أنها كسابقاتها لم تجد آذانًا صاغية”.
وتابعت الجبهة أن أي كيان لا يلتزم بقرارات مجلس الشورى فهو غير منتمٍ إلى الجماعة، وتقصد هنا منير، حيث قالت الجبهة إنه “نظرًا إلى قيام إبراهيم منير، عضو المجلس، بعدم الالتزام بقرارات مؤسسات الجماعة الشرعية وتشكيل كيانات موازية بعيدًا عن هذه المؤسسات، فيكون قد أعفى نفسه من جماعة الإخوان المسلمين، وعليه لم يعد يمثّل الجماعة أو يعبّر عنها”.
الوثيقة الداخلية
منذ أسابيع أقرّت جماعة الإخوان المسلمين بقيادة إبراهيم منير نصًّا لوثيقة داخلية بشأن أولوياتها السياسية للتعاطي مع “اللحظة الحرجة من تاريخ مصر”، بالإضافة إلى إقرار تجاوز الصراع على السلطة، نافية في الوقت ذاته حدوث أي “صفقات سياسية مزعومة” مع النظام الحاكم.
وكشفت الجماعة أن لديها 3 أولويات سياسية في المرحلة القادمة، تتمثل في “إنهاء ملف المعتقلين السياسيين، وتحقيق المصالحة المجتمعية، وبناء شراكة وطنية واسعة تتبنّى مطالب الشعب في تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي”.
وبخصوص المسارات التي تعتقد الجماعة أنها ضرورة ملحّة من أجل تحقيق هذه الأولويات، فأشارت إلى أنها “تتمثل في تعزيز العمل الوطني المشترك مع كافة الراغبين في تحقيق إصلاح حقيقي، وتطوير أدوات العمل السياسي والإعلامي والحقوقي، كما أنها تفرض علينا العودة إلى المجتمع لتعزيز روابطه واستعادة تماسكه وإعادة بناء مصادر قوته المدنية”.
يذكر أن منير قال في حوار صحفي إن “الجماعة لن تخوض صراعًا جديدًا على السلطة بعد الإطاحة بها من الحكم قبل 9 أعوام”، مستبعدًا أن تعود الجماعة للتنافس على السلطة من خلال صناديق الاقتراع، وهو أمر لا تستطيع الجماعة القيام به بشكل مباشر بينما لا تزال محظورة، كما قال: “نرفض العنف تمامًا ونعتبره خارج فكر جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط أن نستخدم العنف أو السلاح بل حتى أن يكون هناك صراع على الحكم في مصر بأي صورة من الصور”.
وبعد وفاته اليوم، فمن المتوقع أن تدخل جماعة الإخوان المسلمين مفترقًا جديدًا بعد النكبات التي هزّتها خلال الأعوام الفائتة، ما بين خلافاتها الداخلية والحرب الخارجية عليها، محاولة الصمود لإكمال مسيرة عقود من العمل الحركي في حقل الإسلام السياسي.