ترجمة وتحرير: نون بوست
مع صدور نتائج الانتخابات الإسرائيلية – وهي انتخابات لم يكن لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي رأي فيها – يتضخم الرعب خارج حدود “إسرائيل” بين مؤيديها، وخير دليل على ذلك ردود الفعل من الداعمين لها.
قال السفير الأمريكي لدى “إسرائيل” توم نيدس، وهو دبلوماسي كرّس نفسه لـ “إسرائيل” مثل سلفه ديفيد فريدمان، إنه “من السابق لأوانه التنبؤ بالتشكيلة الدقيقة للائتلاف الحكومي حتى يكتمل فرز الأصوات”، لكنه “ينوي مواصلة العمل مع حكومة إسرائيل بشأن المصالح والقيم المشتركة للبلدين”.
تتجلى تلك المصالح والقيم لدى ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم الجديد لبنيامين نتنياهو، الذي يحرض زعيمه إيتمار بن غفير المعروف بالنزعة المتطرفة على الممارسات العنصرية الصارخة والفاشية الواضحة والعداء الشديد لأفراد مجتمع الميم؛ حتى أنه في سنة 2007 أدين من قبل محكمة إسرائيلية بالتحريض على العنصرية ودعم جماعة إرهابية.
انضم حزب “عوتسما يهوديت” الذي يتزعمه بن غفير إلى كتلة الصهيونية الدينية برئاسة زميله الفاشي بتسلئيل سموتريتش إلى جانب حزب نعوم المناهض للمثليين. وتعتبر معارضة حقوق المثليين على رأس جدول أعمال حزب نعوم. وقد وجد حزب نعوم شريكًا متحمسًا في سموتريتش الذي أطلق على نفسه في سنة 2015 لقب “كاره المثلية”.
تطرح النزعة القومية المتطرفة لكتلة الصهيونية الدينية صعوبات واضحة للحكومات الغربية ومناصري “إسرائيل” في تلك البلدان، وقد أثار ذلك استياء وزارة الخارجية الأمريكية. وخلال حوار صحفي، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس: “نأمل أن يواصل جميع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين مشاركة قيم المجتمع الديمقراطي المنفتح، بما في ذلك التسامح والاحترام لجميع مكونات المجتمع المدني، ولا سيما الأقليات”.
كان بيان برايس مثيرا للصدمة والرعب. فالتعبير عن القلق من أن يكون لـ “إسرائيل” حكومة لا تستطيع حتى الولايات المتحدة التظاهر بأنها ديمقراطية أمرٌ غير وارد تقريبًا بالنسبة لوزارة الخارجية. وليسوا وحدهم الذي يشاركون هذا الموقف.
في أيلول/سبتمبر، حذّر السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي بوب مينينديز نتنياهو من أنه “إذا شكل حكومة بعد انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر تضم متطرفين يمينيين، فقد يضر ذلك بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. وأعرب عن “مخاوف جدية” بشأن وجود أفراد “متطرفين ومستقطبين مثل بن غفير” في تشكيلة الحكومة المستقبلية المحتملة”. ويعتبر مينينديز أحد أكثر الأشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في أيباك في مجلس الشيوخ وبين الأحزاب اليسارية واليمينية.
عندما يتعلق الأمر بالسيطرة الكاملة على الفلسطينيين لا يوجد يسار ويمين ووسط، هناك موقف متطرف واحد يسعى إلى سرقة الأراضي والمنازل والموارد مع ترك أقل ما يمكن لأصحاب الأرض
لمّحت الإدارة الأمريكية إلى أنها قد تقاطع بن غفير. ومع أن هذا يبدو غير مرجح بالنظر إلى التداعيات السياسية الواضحة (فقط تخيّل ما سيفعله إيباك والجمهوريون وحتى العديد من الديمقراطيين إذا أسقطت حكومة الولايات المتحدة كلمة “مقاطعة” المخيفة عن “إسرائيل”)، فمن الممكن بالتأكيد أن تتجنب الولايات المتحدة أي الاتصال ببن غفير، وهي استراتيجية لا يمكنهم اتباعها إلا إذا أعطى نتنياهو لزعيم حزب “غوتسما يهوديت” (القوة اليهودية) وزارة لا شأن لها بالعلاقات مع الدول الأجنبية.
أعربت الكثير من الحكومات الأخرى عن قلقها بشأن كيفية التعامل مع الطبيعة اليمينية المتطرفة للحكومة الإسرائيلية القادمة. وقبل أكثر من أسبوع بقليل، حذّر وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد نتنياهو من أن ضم سموتريتش وبن غفير في حكومة نتنياهو يخاطر بقطع العلاقات مع الإمارات بالإضافة إلى أنه يشكل تهديدا لاتفاقيات إبراهيم على نطاق أوسع، وذلك وفقًا لمسؤول إسرائيلي تحدث إلى صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وحسب ما صرح به دبلوماسي أجنبي رفض الكشف عن هويته لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليومية: “إذا تم تعيين بن غفير وسموتريتش وزيرين في الحكومة المقبلة فلا شك أن نظراءهم سيقطعون الاتصالات معهم ولن يتم التشجيع على أي تعاون جديد مع الوزارات التي سيرأسونها”.
لم تكن الحكومات الوحيدة التي انزعجت بشدة بشأن تشكيلة حكومة “إسرائيل” المقبلة. غرد جيريمي بن عامي، زعيم منظمة “جي ستريت” الصهيونية الليبرالية قائلًا: “بن غفير وزميله القومي المتطرف بتسلئيل سموتريتش يمثلان شبح حكومة على استعداد لتجريد مواطني إسرائيل العرب الفلسطينيين من حقوقهم، وإضعاف القضاء، وتقليل دائرة التهم القانونية الموجهة لنتنياهو، وتعميق التوترات الطائفية وانتهاكات حقوق الفلسطينيين… هذه لحظة الحقيقة والاختيار.. ولاءنا لقيمنا وللمثُل التي تأسست عليها إسرائيل ولرؤيتها لعالم متجذر في المساواة والعدالة”.
في حين أنه من السهل مواجهة “جي ستريت” بشأن ما إذا كانت هذه الرؤية متوافقة مع “دولة يهودية”، فمن الواضح أن بن عامي يدرك التهديد الذي يشكله بن غفير وسموتريتش ورفاقهما على المفهوم الخيالي المتزايد لـ “إسرائيل الليبرالية”.
لم تكن “جي ستريت” وحدها، فقد صرحت منظمة “أمريكيون من أجل السلام” أيضًا بأنهم سيقاطعون الحكومة الجديدة: “لن نلتقي مع بن غفير، ولن نلتقي مع سموتريتش، ولن نلتقي بممثلي الحكومة التي يخدمون فيها. نحن نقول ذلك بصوت عالٍ وواضح، لأنه ليس الوقت المناسب للتظاهر بأن كل شيء على ما يرام وأننا سنتقبّل هذه الحكومة”.
في حين أن العديد من المناصرين لحقوق الفلسطينيين لديهم العديد من التعليقات حول هذه الانتخابات، فإنها كانت إلى حد كبير ذات نبرةٍ مختلفة ولم تكن مصدومة أو حتى غاضبة من النتيجة، ولكنها بدلًا من ذلك استخدمت الانتخابات لإظهار كيف يبدو الفصل العنصري الإسرائيلي.
ربما لخص الشاعر الفلسطيني ريمي كنازي الأمر بشكل أفضل عندما غرد قائلًا: “إسرائيل دولة استيطانية عنيفة. عندما يتعلق الأمر بالسيطرة الكاملة على الفلسطينيين لا يوجد يسار ويمين ووسط، هناك موقف متطرف واحد يسعى إلى سرقة الأراضي والمنازل والموارد مع ترك أقل ما يمكن لأصحاب الأرض”.
لم تُزعج نتيجة الانتخابات جميع الأمريكيين المؤيدين لـ “إسرائيل”، فناهيك عن السفير نيدس، أصدرت الاتحادات الفيدرالية اليهودية في أمريكا الشمالية هذا التعليق: “تحترم الاتحادات الفدرالية اليهودية في أمريكا الشمالية وتحيي العملية الديمقراطية الإسرائيلية النابضة بالحياة، والتي تتيح لجميع الإسرائيليين صوتًا وتصويتًا في تشكيل حكومتهم”.
غردت لجنة الشؤون العامة الأمريكية معلنة دعمها: “الدولة اليهودية هي ديمقراطية متينة تشارك أمريكا مصالحها وقيمها، ونحن نتطلع إلى العمل مع الإدارة الأمريكية والديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس لتقوية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ومع أن الاتحاد الفيدرالي ولجنة الشؤون العامة الأمريكية وبعض المجموعات الأخرى قد تكون مرتاحة للعمل كالمعتاد مع حكومة إسرائيلية لم تعد تهتم حتى بإخفاء عنصريتها العنيفة، إلا أنه من الواضح أن معظم الجماعات المؤيدة لـ “إسرائيل” تدرك أن حكومة نتنياهو الجديدة سوف تتسبب في مشاكل خطيرة لهم.
ليس هناك طريقة لإخفاء حقيقة أن حزب الصهيونية الدينية سيكون ثاني أكبر حزب في ائتلاف نتنياهو، وربما لم يشرح أحد ذلك بشكل أوضح مما كتبه دينيس روس “محامي إسرائيل” السابق مع زميله في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (وهو مركز أبحاث يميني مؤيد لإسرائيل أنشأته لجنة الشؤون العامة الأمريكية)؛ حيث كتبا:”لا يمكننا أن نظل صامتين ونحن نعلم التأثير الهائل الذي ستحدثه كلمات وأفعال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. كوزراء كبار على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فهذه العلاقة ثمينة ومهمة للغاية لكل من البلدين والشرق الأوسط ككل – نظرًا للتهديدات الإيرانية – لدرجة لا يمكن الإضرار بها”.
هنا يتجلى الفزع، فهذه كلمات رجال كسبوا عيشهم وهم يقدمون دولة الفصل العنصري على أنها ديمقراطية ليبرالية، والآن تواجههم هذه العنصرية الصارخة في حكومة هذه الدولة لدرجة أنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون التستر عليها. يعرف روس وماكوفسكي جيداً أن بن غفير وسموتريتش لن يكونا السر المخزي لحكومة نتنياهو اليمينية، بل بوقها الراديكالي المتطرف، بغض النظر عن مدى محاوالتهما الجاهدة لتخفيف حدة ذلك.
وهذا شيء لا نتمناه، حيث سيواجه الفلسطينيون عنفًا أكبر مما كانوا يواجهونه بالفعل من هؤلاء العنصريين الذين لا يرحمون ولا يستحون في مثل هذا الموقف القوي. وهذا يزيد من أهمية أن يستفيد مؤيدو حقوق وحريات الفلسطينيين من الوجه المرئي بشكل متزايد للفصل العنصري الإسرائيلي.
المصدر: موندويس