عدا عن كونها شرايين الحياة لملايين السوريين، شكلت المعابر أداةً رئيسيةً لاقتصاد مناطق الشمال السوري، ولطالما كان اقتصاد المعابر سببًا للصراع بين الفصائل كونها موردًا يمكّنها من تمويل نفسها، وخلال السنوات الماضية كانت المعابر الرئيسية خاصة الحدودية منها محورًا لمعارك فصائلية طاحنة، ما أفرز واقعًا جديدًا.
ينقسم الشمال السوري إلى منطقتين يحكمهما طرفان مختلفان، ولكل منطقة معابرها المعتمدة مع الجانب التركي، فإدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، تدير معبر باب الهوى، أما المناطق المحررة من محافظة حلب التي تديرها الحكومة المؤقتة فيوجد فيها 6 معابر تتقاسم فصائل الجيش الوطني وارداتها.
يعد ملف المعابر من القضايا الشائكة في الشمال السوري، فبالإضافة إلى تلك المعابر الأساسية التي تربط المناطق المحررة بتركيا، توجد:
– معابر بين مناطق النظام والمناطق المحررة.
– معابر بين مناطق سيطرة الوحدات الكردية والمناطق المحررة.
– معابر بين مناطق سيطرة المعارضة (إدلب – ريف حلب الشمالي).
– معابر التهريب.
ولكل معبر موارده وإدارته، في هذا التقرير ضمن ملف “اقتصاد الشمال”، نحاول إلقاء نظرة فاحصة على اقتصاد معابر الشمال السوري.
معبر باب الهوى
يعد معبر باب الهوى المعبر التجاري الوحيد مع تركيا، إضافة إلى أنه المعبر الذي تعتمده الأمم المتحدة من أجل إدخال المساعدات إلى المناطق المحررة.
مرّت على هذا المعبر منذ تحرير المنطقة إدارات عديدة، فقد سيطر الجيش الحر عليه منتصف عام 2012، لكن في الشهر الأول من عام 2013 سيطرت فصائل الجبهة الإسلامية وعلى رأسها حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وصقور الشام عليه.
اهتمت هذه الفصائل بالمعبر وأعادت ترتيبه وتشغيله، ورتبت الأمر مع الجانب التركي، كانت الفصائل حينها بحاجة إلى تمويل نفسها بالتوازي مع الدعم الخارجي، فكان هذا المعبر مورد ممتاز، وفيه افتتح كل فصيل مكتبًا له ووضع عناصره، وكان يتم تقسيم الواردات شهريًا بين التشكيلات الموجودة فيه، بالإضافة إلى تقسيم المال وفق آلية معينة تم الاتفاق عليها.
من أجل إعداد هذا التقرير، اطلع مصدر خاص “نون بوست” على إحصاءات واردات معبر باب الهوى المالية بين أعوام 2013 وأواخر عام 2017، كانت الواردات في بداية الأمر لا تتجاوز 400 ألف دولار شهريًا، يذهب القسم الأكبر منها إلى حركة أحرار الشام، بينما يذهب قسم آخر من أجل دعم المعبر اللوجستي، وفي عام 2015 ازداد رقم الواردات ليصل إلى 750 ألف دولار شهريًا تتقاسمها الفصائل لتمويل نفسها.
في شهر مارس/آذار أكملت قوات “جيش الفتح” المشكل من عدة فصائل بسط سيطرتها على مركز محافظة إدلب، ما ساهم بتوسيع الرقعة الجغرافية للمناطق المحررة، الأمر الذي أدى إلى تطور اقتصاد تلك المناطق يومًا بعد آخر، وهو ما زاد من واردات معبر باب الهوى المالية، فمنذ منتصف 2015 تقول الإحصاءات – التي اطلعنا عليها – إن متوسط الواردات الشهرية من المعبر وصل إلى مليون ونصف دولار كمتوسط يزيد أو ينقص بحسب الوضع العسكري والأمني هناك.
أصبح المعبر يخصص جزءًا من وارداته من أجل إصلاح الطرقات التي تصل بين المدن في المناطق المحررة، لكن بداية من عام 2016 أصبحت تديره بشكل أساسي حركة أحرار الشام التي عملت على إقصاء باقي الفصائل من المشهد في المعبر بحسب المصدر الذي يقول إن واردات عام 2016 الشهرية بلغت أكثر من مليوني دولار شهريًا خاصة أن المعارك هدأت نسبيًا، وهنا بات المعبر في قلب مطامع هيئة تحرير الشام التي عملت على تفكيك الفصائل الواحد تلو الآخر.
مسؤول في المعبر: يُشرف على بوابة باب الهوى إدارة مدنية تعمل على تأمين عبور المسافرين والشحنات التجارية والإغاثية من وإلى تركيا
استتب أمر معبر باب الهوى لهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” بعد أن قضت على وجود حركة أحرار الشام أواخر عام 2017، وقالت الهيئة حينها إنها سلمت المعبر لإدارة مدنية “ستعمل على تطويره وإحالة وارداته إلى تنمية المناطق المحررة”، إلا أن قسمًا كبيرًا من واردات المعبر بات “يذهب لخدمة عناصر الهيئة التي يبلغ عددهم آلاف المقاتلين”، وبات هذا المعبر كما يقول مصدرنا من إدلب “باب الرزق الوحيد للهيئة وعناصرها”.
يقول المصدر المقيم في بلدة سرمدا القريبة من معبر باب الهوى: “المعبر بات رقمًا صعبًا لدى هيئة التحرير ولا يمكن أن تتخلى عنه مهما حصل، لأن وارداته اليوم تجاوزت 10 ملايين دولار شهريًا تزيد أو تنقص، والهيئة تحاول أن ترضي الشعب المسكين بتخصيص بضعة آلاف من الدولارات لتحسين الطرقات والإنارة في بعض المدن”.
في الطرف المقابل، التقينا في “نون بوست” بمازن علوش وهو من إدارة معبر باب الهوى، الذي قال: “يُشرف على بوابة باب الهوى إدارة مدنية تعمل على تأمين عبور المسافرين والشحنات التجارية والإغاثية من وإلى تركيا”، ووفقًا لعلوش “يعمل في معبر باب الهوى كادر من الموظفين القائمين على خدمة المسافرين والتجار، والعمل على تسهيل أمورهم، إضافة إلى تسهيل عبور الشاحنات التجارية والمساعدات الإغاثية المقدمة من الأمم المتحدة والمنظمات والجمعيات الخيرية لأهلنا في المناطق المحررة”، وفي كلام علوش نفي غير مباشر للسيطرة المباشرة لهيئة تحرير الشام على البوابة الحدودية ووارداتها المالية.
لم يحدد علوش رقمًا محددًا لواردات المعبر المالية، لكنه قال: “إدارة المعبر تتقاضى رسومًا جمركيةً رمزيةً على البضائع المستوردة مقارنة بباقي دول العالم”، وأشار إلى أن “كل المواد الإغاثية معفية من هذه الرسوم البسيطة وتدخل بشكل مجاني مهما كانت المادة”، منوهًا إلى أن “يتم صرف قسم من الواردات كرواتب للموظفين، بالإضافة للكلفة التشغيلية للمعبر، وما تبقى منها يتم صرفه على المشاريع الخدمية في المناطق المحررة التي تخدم كل القطاعات الحيوية خاصةً قطاع النقل والمواصلات وقطاع التربية والتعليم وقطاع التعليم والعالي والصحة”، ولم يذكر علوش فيما إذا كان قسم من الأموال يذهب إلى القطاع العسكري في هيئة تحرير الشام.
عدد علوش بعض الخدمات التي يقدمها معبر باب الهوى لمنطقة إدلب بشكل عام، وزعم أن الواردات جميعها تذهب للشؤون المدنية وهي كما يقول – على سبيل المثال لا الحصر -:
• إطلاق حزمة من المشاريع الخدمية والحيوية تشمل كل القطاعات الحيوية
• تعبيد وترميم وتوسعة شبكات الطرق العامة في عدة مناطق.
• تجهيز وتأمين الكلفة التشغيلية لمستشفى إدلب الجامعي.
• تقديم الدعم المادي لجامعة إدلب من تجهيز المباني والمختبرات العلمية، بالإضافة إلى دفع الأقساط عن الطلاب الفقراء.
• تقديم الدعم لبعض المدارس في المناطق المحررة، والعمل على إعادة تأهيل المتضرر منها جراء القصف.
ويوفر معبر باب الهوى عملًا لخمسة آلاف شخص منهم 600 موظف من كل الاختصاصات و1500 شخص ما بين مخلص جمركي وعامل تحميل، إضافة إلى وجود 2800 شاحنة مسجلة مع سائقيها تنقل البضائع المختلفة.
بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المعبر عام 2021، فقد استقبل المعبر خلال العام 93 ألف إرسالية معظمها من مواد البناء نتيجة الحركة العمرانية الكبيرة التي تشهدها المنطقة، إضافةً إلى المواد الغذائية الأساسية، بينما بلغ عدد الشاحنات التي تم تصديرها قرابة 11 ألف إرسالية، وقد كان على رأس المواد المُصدّرة من الداخل الحجر السوري المشغول والمنتجات الزراعية ومنتجات الصناعات الغذائية التي تعتمد على المنتج الزراعي المحلي.
إضافة لمعبر باب الهوى، توجد 6 معابر أخرى في محافظة إدلب باتجاه تركيا وهي: خربة الجوز وحارم ودركوش وأطمة، لكنها إما مغلقة وإما متاحة فقط لعمليات الإجلاء الطبي وتسليم المساعدات الإنسانية، إضافة إلى المعابر العسكرية التي تستخدمها تركيا من أجل عملياتها في المنطقة، وهذه المعابر غير ذات جدوى اقتصادية للمنطقة.
المعابر بين ريف حلب الشمالي وتركيا
يشرف الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، بالإضافة إلى الحكومة السورية المؤقتة على 6 معابر حدودية مع تركيا، وهي: رأس العين وتل أبيض وجرابلس والراعي وباب السلامة والحمام، وفي الظاهر تدير الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن مصطفى هذه المعابر، لكن السيطرة الفعلية لفصائل الجيش الوطني، حيث يسيطر على كل معبر فصيل معين هو من يستفيد من عائداته.
يدار معبر جرابلس من هيئة ثائرون للتحرير بعد أن طُرد تنظيم “داعش” من مدينة جرابلس شمال حلب، في أغسطس/آب 2016 بعملية مشتركة بين القوات التركية والسورية المعارضة، سمح مسؤولو الحدود التركية بالحركة التجارية للبضائع عبر هذا المعبر الذي أصبح من أهم المنافذ التجارية من وإلى تركيا.
يدار معبر باب السلامة من الفيلق الثالث: يقع معبر باب السلامة على الحدود السورية التركية على بعد نحو 5 كيلومترات شمال مدينة أعزاز، واستولت فصائل المعارضة في الشمال على باب السلامة لأول مرة من قوات النظام في عام 2012، وسيطر تنظيم “داعش” على أعزاز والمنطقة الحدودية القريبة الخاضعة لقوات المعارضة في نهاية عام 2013، لكن بحلول عام 2014، استعاد لواء عاصفة الشمال السيطرة على المدينة، ويدار المعبر حاليًّا من الفيلق الثالث الذي يضم عدة فصائل أهمها الجبهة الشامية.
الرسوم الجمركية التي يتم جنيها من هذه المعابر، توضع في حساب الحكومة المؤقتة بأحد البنوك التركية
بالإضافة إلى ما سبق، تدير هيئة ثائرون للتحرير معبر الراعي، كما تدير فرقة الحمزة معبر رأس العين، أما معبر تل أبيض فيديره الفيلق الثالث، وأخيرًا يدار معبر الحمام من حركة التحرير والبناء، لكنه مؤخرًا أصبح تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وأمور السيطرة فيه تبدو ضبابية.
أما عما توفره هذه المعابر من أموال للمنطقة عبر الصادرات والواردات والرسوم المفروضة على السلع، قال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري في حديثه لـ”نون بوست”: “الحكومة تشرف على المعابر الست الحدودية مع تركيا، ولا علاقة لها بالمعابر الداخلية مع مناطق سيطرة النظام وقسد”، مضيفًا أن المنافذ الحدودية موحدة ولها مدير عام واحد للجمارك”.
وأفاد المصري بأن الرسوم الجمركية التي يتم جنيها من هذه المعابر، توضع في حساب الحكومة المؤقتة بأحد البنوك التركية بعد خصم المصاريف التشغيلية للمعابر ورواتب الموظفين.
وأشار الوزير إلى أن “الأرقام تختلف من شهر لآخر بشكل كبير جدًا، فأحيانًا تكون قيمة الواردات 15 مليون ليرة تركية، وأحيانًا 40 مليون، وتوزع هذه الواردات على أربع جهات”، وفي تصريحات صحفية سابقة قال المصري إن 50% تذهب لصالح الجيش الوطني و25% للمجالس المحلية بريف حلب ونبع السلام و15% للحكومة السورية المؤقتة و10% لذوي الشهداء.
ويقول المصري إن مديرية المعابر والجمارك لها دور في تأمين المواد التي تحتاجها المنطقة وكذلك التصدير، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال توافر كل المواد في مناطق سيطرة الجيش الوطني، ومن الممكن أن يتم حماية الصناعة المحلية عبر تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأساسية والاستهلاكية.
صادرات وواردات
منذ أسابيع قدرت وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة حجم التبادل التجاري بين تركيا ومناطق وجودها في النصف الأول من عام 2022 بنحو 600 مليون دولار، عن طريق المعابر الـ6 التي ذكرناها، هذه التقديرات ذُكرت خلال ورشة أقامتها الحكومة المؤقتة من أجل بحث واقع الاستيراد والتصدير مع عدد من التجار والاقتصايين في المنطقة.
وتحدث الاقتصاديون خلال ورشة العمل، عن الصعوبات التي يعاني منها الشمال السوري وتتمثل بشهادة المنشأ، حيث لم يتم الاعتراف دوليًا بشهادة المنشأ الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة إلى الآن، إضافة إلى ضعف الرقابة وضعف الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار موارد الطاقة، والسبب الأبرز هو عدم استقرار الليرة التركية وتذبذب سعر صرفها مقابل الدولار.
الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني أصدرت قرارًا في 2020، بإغلاق جميع المعابر والمنافذ الرسمية مع قوات النظام
كما تم التنويه إلى عدم وجود خطة اقتصادية أو رؤية اقتصادية واضحة لعملية تصدير البضائع المحلية الصنع، وعدم إلمام المصدرين بقوانين الدول المصدرة إليها البضائع، وكل ذلك يأتي في ظل الوضع الأمني غير المستقر والخوف من تجدد العمليات العسكرية في المنطقة.
يشار إلى أن الصادرات التركية إلى الشمال السوري بلغت خلال النصف الأول من العام الحاليّ ما يقرب من 730 مليون دولار، وكل ذلك من المعابر آنفة الذكر، وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى سوريا مليارًا و66 مليون دولار أمريكي بزيادة قدرها 59% عن العام 2020، وتتنوع الصادرات التركية إلى الشمال السوري بين المواد الغذائية والصناعية ومواد البناء والمواد الاستهلاكية، وتضم الملابس الجاهزة والمنسوجات، بالإضافة إلى قطع إلكترونية وكهربائية.
بينما تتركز الصادرات التي يتم توريدها من مناطق الشمال السوري إلى دول مختلفة على الفواكه والخضراوات بالإضافة إلى الألبسة والأحذية وصابون الغار والقطن والشعير والقمح القاسي، إضافة إلى الحجر السوري والبذور الزراعية وزيت الزيتون.
بين النظام والمعارضة
رغم الاعتراضات الشعبية الكبيرة، فإن مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وريف حلب الشمالي ترتبط بمناطق سيطرة النظام عبر ثلاثة معابر هي: معبر “ميزناز- معارة النعسان” في إدلب وهذا المعبر مغلق، لكنه يُستخدم لإدخال المساعدات الإغاثية من الأمم المتحدة التي ترسلها من مستودعاتها الموجودة في مناطق النظام السوري.
بالإضافة إلى معبر “ترنبة- سراقب” في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وهو المعبر الذي تعمل هيئة تحرير الشام على افتتاحه، ما أدى إلى غضب شعبي، وعلى الرغم من عدم افتتاحه رسميًا، فإن هيئة تحرير الشام أزالت السواتر والألغام من الطريق المخصصة له، ويرى خبراء اقتصاديون أن هيئة تحرير الشام محتاجة لهذا المعابر لزيادة مدخولاتها من المال عبر تصدير المواد والسلع إلى مناطق النظام السوري المحاصر اقتصاديًا.
غالبًا ما يتم استخدام المعابر بين مناطق قسد والمعارضة كمعابر وسيطة لتحرك السلع والأفراد من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة أو العكس مرورًا بمناطق قسد
يضاف إلى ما سبق، معبر “أبو الزندين” الواقع شرق مدينة الباب بريف حلب الشرقي، ويعد معبرًا تجاريًا وإنسانيًا يفصل مناطق سيطرة الجيش الوطني عن مناطق النظام السوري، وكانت الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني قد أصدرت قرارًا في 2020، بإغلاق جميع المعابر والمنافذ الرسمية مع قوات النظام، بعد قرار سابق في مارس/آذار 2019 ينص على فتح معبر أبو الزندين أمام الحركة المدنية والتجارية.
بين المعارضة وقسد
تربط مناطق “قسد” عدد من المعابر الشرعية وأخرى غير الشرعية التي تحميها وتستثمرها فصائل “الجيش الوطني السوري”، وأهم هذه المعابر معبر عون الدادت الذي يربط مناطق سيطرة الطرفين في حلب، يعتبر معبر عون الدادات قرب جرابلس المعبر الرسمي لتدفق السلع والأفراد بين مناطق قسد والمعارضة، ويفصل بين مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني ومدينة منبج الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وتدخل عبر المعبر المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وغيرها من السلع المهمة للطرفين، كما توجد معابر تهريب أخرى أقل أهمية وأكثر ضبطًا، كما هو الحال في معبر “أم جلود” وذلك لحساسية الوضع بين الطرفين واتهام كل منهما للآخر بزعزعة الأمن في مناطقه، وتتمتع مناطق قسد بأهمية كبيرة للمعارضة لنقل البضائع من وإلى مناطق النظام وأحيانًا لإقامة علاقات تجارية مع العراق، كما تعد المعابر موردًا مهمًا لقسد، حيث يتم تحصيل رسوم عبور للأفراد والسلع والسيارات.
غالبًا ما يتم استخدام المعابر بين مناطق قسد والمعارضة كمعابر وسيطة لتحرك السلع والأفراد من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة أو العكس مرورًا بمناطق قسد.
معابر التهريب
رغم أن الحكومة المؤقتة والفصائل تدعي أنها تمنع فتح معابر التهريب، فإنها لا تستطيع فعل ذلك، فالكثير من قادة الفصائل منخرطون في أعمال هذه المعابر، يقول مصدر من الجيش الوطني لـ”نون بوست” تحفظ على كشف اسمه: “واردات هذه المعابر الكبيرة تجعل من الصعب العمل على إغلاقها، فمغرياتها كثيرة وبعض قادة الفصائل أصبحوا لا يبالون إن تكلمت عنهم في هذا المجال أم لا، خاصة أن القوات التركية التي تضبط المعابر الرسمية لا تستطيع السيطرة على واردات هذه المعابر التي تذهب إلى جيوب المنتفعين منها دون رقيب”.
يذكر مصدرنا أنه “من الصعب تقدير واردات هذه المعابر”، وتنتشر المعابر هذه على خطوط الرباط العسكرية مع قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ويذكر المصدر أن الواردات والصادرات تتنوع من هذه المعابر، فلا قيود على شيء، ويذكر أهم البضائع التي يتم التعامل معها من هذه المعابر وهي:
– من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة: تهريب الأشخاص الراغبين بالانتقال من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق المحررة إما للاستقرار وإما للمرور إلى تركيا من أجل الهجرة، ويكلف تهريب الشخص 300 إلى 400 دولار في أقل الأحوال، بالإضافة إلى ذلك تبرز الخضراوات والفواكه بين البضائع المهربة.
– من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام: السلع الأساسية التي تختفي من مناطق سيطرة النظام، فمثلًا عندما يصبح هناك أزمة طحين وخبز لدى النظام تجد أن أكثر المواد المهربة هي الطحين، بالإضافة إلى تهريب القمح والشعير عند حصاده، والأرز والسكر وسلع غذائية أخرى، كما يتم تهريب سيارات أوروبية تدخل من تركيا لأن أسعارها رخيصة مقارنة بالموجود، أضف إلى ذلك المواشي من بقر وقطعان الأغنام.
قد يظن القارئ أن معبر التهريب هو طريق ليلي يسير به شخص أو شخصان، هو في الأصل كذلك، لكن معابر التهريب التي نتكلم عنها عبارة عن طرق نظامية واتفاقيات بين ضباط من النظام وقادة فصائل أو منتفعين، وتمر من هذه المعابر أحيانًا قوافل تكون محمية بالعناصر العسكرية، كي لا يتم مهاجمتها أو تفتيشها، والحديث هنا للمصدر التابع للجيش الوطني.
– من مناطق قسد إلى المعارضة: النفط والوقود إضافة إلى الأجهزة الإلكترونية ومزودات الإنترنت والكابلات الكهربائية التي تأتي من أربيل عاصمة إقليم كردستان، ثم إلى مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، ثم تهربها عناصر تابعة للوحدات الكردية إلى الشمال السوري.
– أما من مناطق المعارضة إلى قسد: يتم تهريب الكثير من الأشياء التي تدخل من تركيا إلى الشمال، فالمعابر التي تسيطر عليها القوات الكردية مع تركيا مغلقة بين الطرفين، ويتم تهريب السيارات الأوروبية التي تدخل من تركيا إلى مناطق ريف حلب بالإضافة إلى بعض الغذائيات والأدوية والقمح.
تؤثر معابر التهريب سلبًا على المناطق المحررة، فالمهربون يعملون على تصدير المواد التي يحتاجها النظام ويتركون المنطقة خالية من احتياجاتها
ربما تساهم هذه المعابر بشكل أو بآخر بسد نقص ما في حاجة معينة يستفيد منها أهالي المناطق من الطرفين، لكن الخطير في الأمر بحسب ما يقول مصدرنا، هو معابر تهريب الكبتاغون والمخدرات التي ملأت ريف حلب، بالإضافة إلى بعض مناطق إدلب، فهذ المواد تقضي على الناس وتغرق الأسواق بأرخص الأثمان، وقد ذكر تحقيق لـ”فرانس برس” أن المدعو “أبو وليد العزة” القيادي في فصيل “السلطان مراد” هو أكبر المتعاملين مع قوات الفرقة الرابعة الذين يرسلون إليه الكبتاغون.
لا يقتصر هذا الأمر على ريف حلب ومناطق سيطرة الجيش الوطني، إنما ينتشر في إدلب ولو على نطاق أضيق، ومعابر التهريب التي تفتح بين قوات هيئة تحرير الشام وقوات النظام عبارة عن نقاط عسكرية يتم الاتفاق على دخول مواد معينة بين الطرفين في ساعة محددة بكميات محددة، والمنتفعون من هذا الأمر هم قادة كبار في هيئة تحرير الشام، وهم يعملون بحسب ما تقتضيه المرحلة، بحسب ما كشف لنون بوست ناشط ميداني مقيم في إدلب مطلع مطلع على الموضوع.
تؤثر معابر التهريب سلبًا على المناطق المحررة، فالمهربون يعملون على تصدير المواد التي يحتاجها النظام فيما يُفرغون المنطقة من احتياجات السكان ويتركونهم عرضة لابتكاز التجار المحتكرين، وبهذا يضربون الاكتفاء الذاتي للمنطقة وأكبر مثال على ذلك هو القمح والطحين، إضافة إلى البقر والأغنام، الأمر الذي يزيد من أسعار المنتجات في مناطق الشمال السوري بسبب تناقصها شيئًا فشيئًا.
وقد حذر مسؤولون في مؤسسات المعارضة السورية من كارثة غذائية قد تحدث في شمال غرب سوريا خلال السنوات المقبلة، بسبب عمليات تهريب القمح من المنطقة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية”، نظرًا للفارق في سعر طن القمح بين مناطق السيطرة.
ختامًا، ليس مستغربًا أن تكون هذه القطعة من سوريا مليئة بالمعابر، لكن يبدو أن هذه النوافذ والممرات باتت حكرًا على فصائل معينة عدا عن أنها باتت عبئًا على الاقتصاد المحلي دون أن يستفيد الشعب الذي يقدر عدده بـ5 ملايين نسمة إلا على نطاق ضيق.