انعقد في قصر الأونيسكو بالعاصمة اللبنانية بيروت، السبت 5 نوفمبر/تشرين الثاني، مؤتمر وطني جامع بدعوة ورعاية من سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، في الذكرى الـ33 لإبرام اتفاق الطائف، وذلك بحضور وطني لبناني جامع من مختلف الأطياف والمكونات اللبنانية، وكذلك بحضور أممي مثلته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة يوانا فرونتيسكا، وكذلك الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي تولى الوساطة بين الأطراف اللبنانية وصولًا إلى إبرام اتفاق الطائف.
ما هو اتفاق الطائف؟
لمن لا يعرف ماذا يعني اتفاق الطائف في لبنان، فأصل القضية في اتفاق الطائف أنه الاتفاق الذي وضع حدًا للحرب الأهلية التي عصفت بلبنان على مدار 15 عامًا تقريبًا، من العام 1975 حتى نهاية العام 1989 حين رعت السعودية حوارًا واتفاقًا بين النواب اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية، واستضافتهم في المدينة على مدى بضعة أسابيع متواصلة حتى تمكنوا من إبرام هذا الاتفاق بإشراف الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي كان مكلفًا من الجامعة العربية ومن الأمم المتحدة بهذه الوساطة، وبرعاية عربية ودولية مكنت المتفاوضين في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1989 من التوصل إلى الاتفاق الذي وضع حدًا للحرب الأهلية، وأدخل بعض التعديلات على النظام السياسي الذي كان قائمًا.
ومن أبرز هذه التعديلات أنه جعل السلطة بيد مجلس الوزراء مجتمعًا بعدما كانت بيد رئيس الجمهورية، وأوضح آليات تكوين السلطة من خلال تعديل بعض المواد الدستورية.
باختصار يمكن القول إن اتفاق الطائف نقل لبنان من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية، التي باتت محكومة بنظام سياسي قائم على نسبة كبيرة من التوازن بين المؤسسات من ناحية والمكونات اللبنانية من ناحية ثانية.
غير أن بعض القوى السياسية اللبنانية في حينه رفضت هذا الاتفاق ولم توافق عليه، ويأتي في مقدمة أولئك الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون الذي كان يتولى في عام 1989 رئاسة حكومة عسكرية فضلًا عن قيادة الجيش، ويومها رفض السماح للنواب بالتوقيع على الاتفاق وعده تنازلًا وخسارة للمسيحيين بخسارة صلاحيات واسعة ومطلقة كانت لرئيس الجمهورية المسيحي الماروني لحساب المسلمين، حيث باتت السلطة مجتمعة في مجلس الوزراء ويرأسه مسلم.
كما أن حزب الله في حينه، لم يوافق على اتفاق الطائف ولم يبد رغبةً بتأييده، غير أنه فضل عدم ممارسة العمل السياسي الداخلي والاهتمام بالعمل المقاوم ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تحتل جزءًا كبيرًا من جنوب لبنان.
لماذا مؤتمر الطائف اليوم؟
يعيش لبنان مع كل انتهاء ولاية رئاسية أزمة سياسية حادة، فبعد انتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود عام 2007 دخل لبنان أزمة رئاسية لم يخرج منها إلا بتسوية “الدوحة” بعد أن دخل المسلحون المحسوبون على النظام السوري وحزب الله في مايو/أيار من العام 2008 إلى بيروت الغربية، وحاولوا تغيير المعادلة وفرض واقع جديد انتهى بـ”تسوية الدوحة” التي منحت هذا الفريق ما سُمي في حينه الثلث الضامن أو المُعطِل في مجلس الوزراء، وقضت التسوية بانتخاب قائد الجيش في حينه العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.
وعندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان عام 2014 دخل لبنان أزمة جديدة وشغور موقع الرئاسة الأولى استمر حتى أكتوبر/تشرين الأول 2016 ولم يخرج منها إلا بتسوية أو صفقة قضت بانتخاب الرئيس السابق ميشال عون رئيسًا للجمهورية.
واليوم دخل لبنان حالة الشغور الرئاسي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول وفشل المجلس النيابي حتى الساعة في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ومع كل مرة يدخل فيها لبنان أزمة سياسية تُطرح أفكار لتعديل أو تغيير النظام السياسي والتخلي عن اتفاق الطائف.
الدعوة السويسرية تقف خلفها فكرة فرنسية تجهد من أجل تأمين مصالحها في المنطقة ولو على حساب لبنان واللبنانيين، ومن هنا جاء الجهد الفرنسي السويسري لإطلاق حوار يكون مقدمة للتخلي عن اتفاق الطائف
لقد كانت أول مرة يجري الحديث فيها عن تعديل أو تغيير النظام السياسي بعد حرب يوليو/تموز 2006 عندما طُرح اعتماد صيغة المثالثة في النظام السياسي بدل المناصفة القائمة حاليًّا بين المسلمين والمسيحيين، ولم يُعرف على وجه الدقة في حينه صاحب الفكرة التي تبرأ منها جميع من نُسبت إليهم، كانت الفكرة باختصار تقضي بنسف اتفاق الطائف وإقامة نظام سياسي بديل تكون فيه الغلبة لطرف على حساب بقية الأطراف.
ثم في العام 2012 وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، دعا حزب الله إلى حوار وطني يفضي إلى مؤتمر تأسيسي جديد للكيان اللبناني في غمرة الثورات العربية والتبدلات القائمة والحاصلة في المنطقة في حينه، إلا أن الفكرة رفضها أغلب اللبنانيين جملةً وتفصيلًا، لأن الجميع أدرك أن النظام الذي سيتمخض عن أي حوار أو مؤتمر تأسيسي سيكون انعكاسًا لحجم القوة في الواقع اللبناني، وهذا أمر يرى فيه الكثيرون خللًا لأن السلاح بيد فئة دون بقية الفئات وبغض النظر عن الهدف من وجود السلاح بيد هذه الفئة أو تلك.
اليوم وبعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان مع كيان الاحتلال الإسرائيلي بوساطة ورعاية أمريكية وحضور فرنسي، لفت انتباه اللبنانيين الدعوة التي كانت تعتزم السفارة السويسرية في بيروت تنظيمها لعدد من القوى السياسية اللبنانية بهدف إطلاق حوار لبناني لبناني يبدأ في السفارة ببيروت على هيئة عشاء، ثم ينتقل إلى جنيف للبحث في النظام السياسي اللبناني وإدخال تعديلات جوهرية وأساسية عليه.
واتضح أن الدعوة السويسرية تقف خلفها فكرة فرنسية تجهد من أجل تأمين مصالحها في المنطقة ولو على حساب لبنان واللبنانيين، ومن هنا جاء الجهد الفرنسي السويسري لإطلاق حوار يكون مقدمة للتخلي عن اتفاق الطائف والذهاب نحو صيغة تطيح بالتوازن القائم وربما تدخل لبنان في مجهول جديد من الأزمات.
مؤتمر ذكرى إبرام الطائف
لقد استشعر جزء كبير من اللبنانيين أن الشغور الرئاسي الحاليّ وعدم وجود حكومة أصيلة وانسداد أفق الحلول والأزمة الاقتصادية الخانقة وصفقة ترسيم الحدود كلها أمور قد تفضي إلى الإطاحة باتفاق الطائف لصالح إنتاج نظام سياسي جديد تكون فيه الغلبة لفئة دون غيرها.
وكذلك استشعرت المملكة العربية السعودية، راعية الاتفاق في العام 1989، أن هذا الاتفاق مهدد فعليًا، وأن الصيغة اللبنانية مهددة، لذلك بادرت برعاية هذا المؤتمر الوطني الذي ضم طيفًا واسعًا من المكونات اللبنانية كافة أكدوا جميعًا على التمسك باتفاق الطائف وبكل مندرجاته، ودعوا إلى تطبيق ما لم يُطبق منه وإلى تطوير ما يحتاج إلى تطوير بعد مرور هذا الوقت الطويل، لكنهم جميعًا رفضوا فكرة المؤتمر التأسيسي الذي قد يؤسس لحرب أهلية جديدة لبنان والمنطقة بغنى عنها.