ترجمة وتحرير: نون بوست
في ربيع 2021، قبضت السلطات السعودية على 14 شخصًا على الأقل استخدموا حسابات مجهولة للمعارضة، ولا يزال الكثير منهم في عداد المفقودين، وهذه قصة ثلاثة من “معتقلي شهر أيار/ مايو”.
كيف سيتحدث عنها الناس إذا اختفت فجأة؟ لقد دارت الفكرة في عقل لينا الشريف لعدة أيام، ولكن في كثير من الأحيان كان هناك الكثير في ذهنها، فقد كانت تعمل في مناوبات لمدة تصل إلى 30 ساعة في مستشفى القوات المسلحة بالرياض، حيث كانت طبيبة تبلغ من العمر 33 سنة، وكانت سماعاتها مدسوسة في أذنيها، فيما تناقش السياسات السعودية في غرف الدردشة.
ومن خلال تصحيح الحقائق والأرقام أثناء قيامها بجولاتها – والتي غالبًا ما تكون صحيحة – اكتسبت سمعة باعتبارها شخصًا يمكنه نزع فتيل اللجان الإلكترونية “الذباب الإلكتروني” الموالي للحكومة بسرعة.
وقالت عنود*، التي تعرف لينا منذ أكثر من عقد: “قد يقول شخص ما؛ حسنًا لنتحدث عن نوع الإنجاز الذي حققته الحكومة السعودية مؤخرًا بالأرقام< حينها ستكون لينا متعددة المهام وستقول: “أوه لا، هذا ليس صحيحًا لأن الأرقام الفعلية هي كذا و كذا و كذا”.
سارت الشريف على هذا النحو؛ معبرة عن نفسها دون الكشف عن هويتها – أو هكذا اعتقدت – حتى كان أحد الأيام في أيار/ مايو الماضي؛ ففي غرفة دردشة مع 1000 مستمع، كان هناك نقاش حول المعارضة السعودية وكيفية إسقاطها؛ حيث قال أحد الأصوات إن هناك طبيبة تدّعي أنها بالخارج، لكنها في الواقع تعمل في مستشفى في الرياض وذكر إن “يومها قريب جداً”، وسمعت صديقة لينا المحادثة وحذرتها، فقالت وهي تتجاهل الأمر: “إنهم يقولون هذا دائمًا”.
لكن خلال الأيام القليلة التالية؛ تم تهديدها مرارًا وتكرارًا عبر الإنترنت مع التحذير نفسه: نحن قادمون من أجلك؛ لذلك عينت لينا ممثلًا قانونيًا، وأوعزت إليه؛ إذا حدث لي شيء انشر قصتي واحمني، ووقعت على وثيقة تعيينه رسميًا، وبعد ساعات قليلة، كانت قد اختفت.
تصديق عدم الكشف عن الهوية
الشريف واحدة من 14 سعوديًا على الأقل في العشرينات والثلاثينيات من العمر اختفوا قسريًا في أيار/ مايو ويونيو/ حزيران 2021 بسبب نشاطهم الاجتماعي على الإنترنت، ولقد أصبحوا معروفين باسم “معتقلي أيار/ مايو”، لكن قبل أن يختفوا، لم يكونوا معروفين إطلاقًا، فقد استخدموا أسماء مستعارة وجذبوا القليل من المتابعين، وحتى الأشخاص الذين تحدثوا معهم لأشهر أو حتى سنوات – أحيانًا عن صراعاتهم الأكثر خصوصية – لم يعرفوا هوياتهم الحقيقية.
وقالت حصة، التي كانت على اتصال بأحد المعتقلين: “لدينا هذه الاتفاقية والتفاهم بيننا نحن النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم طرح الكثير من الأسئلة، فأنت لا تعرف أبدًا إلى أين ستذهب هذه الإجابات”.
في عصر القمع غير المسبوق في بلادهم، كان الانخراط عبر الإنترنت أمرًا شافيًا؛ حيث يمكنهم التعبير عن مخاوفهم بشأن الفقر أو البطالة أو العنف المنزلي، والتي عانوا من بعضها بشكل شخصي.
كان القليل منهم وليس الكل أعضاء فيما يُعرف بـ”النحل الإلكتروني”، وهي مبادرة على الإنترنت بدأها الصحفي المغدور جمال خاشقجي والمعارض السعودي عمر عبد العزيز لمكافحة المعلومات المضللة والرسائل الموالية للحكومة.
وكانوا يعرفون أن ما يفعلونه كان محفوفًا بالمخاطر، لكن هناك شعور سائد بأنهم كانوا يسعون إلى مهمة أسمى – تحسين مجتمعهم من خلال استدعاء إخفاقاته، ودعم الفئات الأكثر ضعفًا وبعضهم البعض – والإيمان بأن هناك أمانًا في استخدام الأسماء المستعارة.
لكنهم لم يكونوا آمنين؛ فواحدًا تلو الآخر، على مدى عدة أسابيع في الربيع الماضي، تم القبض عليهم من قبل القوات الخاصة التي تقدم تقاريرها مباشرة إلى الديوان الملكي وأخذتهم بعيدًا، في البداية كان هناك عبد الله جيلان ثم رينا عبد العزيز ثم ياسمين الجفيلي والقائمة تطول.
على الأقل هذا ما حدث للأربعة عشر شخصًا الذين نعرفهم، وهذه قصة ثلاثة منهم – لينا الشريف وأسماء السبيعي وعبدالله جيلان – كما رواها أصدقاؤهم وممثلوهم القانونيون لموقع ميدل إيست آي، والذين يعيشون جميعًا خارج المملكة، بناءً على الاتصالات التي أجرتها الأمم المتحدة والمقدمة لدى الأمم المتحدة.
من الممكن أن يكون هناك المزيد، ويقدر البعض أنهم بالمئات، فلم ترد الحكومة السعودية على طلب ميدل إيست آي للتعليق على هذه القصة، لكن لأنهم كانوا يستخدمون أسماء مستعارة ولأن أصدقائهم وعائلاتهم قد يخشون الانتقام إذا تحدثوا، فلا أحد يعرف حقًا.
العبقرية
لم تكن لينا الشريف تنوي أن تصبح مناظرة افتراضية أو حتى سياسية، لكنها دائمًا ما تساءلت عما يقال لها؛ ولهذا السبب كما تقول عنود، أصبحا أصدقاء.
في سنة 2011؛ كان الشابتان تدرسان في الجامعة، فقد درست لينا الطب ودرست عنود القانون، وقالت العنود: “كنت أتسائل عن القانون وكانت تتساءل عن العلوم”. وأضافت: “في عهد الملك عبد الله، كان الناس يتمتعون بقدر قليل من الحرية للتعبير عن أنفسهم، فكان الناس يتذمرون ويشكون ويشرحون”.
ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي؛ تواصل الشابتان أولًا وسرعان ما علمتا أنهما ليسا في نفس المدينة فحسب، بل كانتا أيضًا في نفس الجامعة، وقالت عنود عن صديقاتها أمثال لينا اللاتي تعرفت عليهن عبر الإنترنت: “لقد كان شيئًا مثيرًا أن تقول “هيا نلتقي في المقهى، أنت لا تعمل معهم ولا تذهب إلى المدرسة معهم، كان لدينا فقط مصالح خالصة، لذلك لا أحكام ولا أقنعة”. وعلى مدى السنوات العشر التالية، حتى مع انتقال عنود إلى الولايات المتحدة، ظلوا أصدقاء واستمروا في دعم بعضهم البعض في نقاط مختلفة من حياتهم.
بعد مقتل جمال خاشقجي – الذي وصفته العنود بـ “فضيحة 2 أكتوبر 2018” – قالت إن شيئًا ما تغير بداخلها، وأضافت: “عندما كان لدي القليل من الأمل، فقدته وكذلك فعل الكثير من السعوديين؛ لقد جعلني ذلك أشعر بأن أرواحنا رخيصة للغاية”.
الأصوات التي تهدد لينا لا يمكن أن تأخذ قدرتها على إدارة الدوائر
في الرياض؛ كانت لينا تعمل في غرفة الطوارئ حيث كانت تعالج ضحايا وحشية الشرطة والعنف المنزلي، أخبرت العنود كيف تقاعست السلطات عن التحقيق في قضاياهم أو محاسبة الأشخاص المجرمين، وكانت لينا مرعوبة؛ لكنها لم تستطع التحدث عن ذلك بشكل علني.
وتابعت العنود قائلة: “أصبحت الأمور مقززة للغاية؛ كان الناس يتصرفون مثل الروبوتات، لقد أصبحت ثقافة التلاعب بالعقول طاغية، وكانت مخنوقة جدًّا في كل مكان، في المنزل، وفي المستشفى”. لذلك وفي خضم جائحة كوفيد، أصبحت عنود ولينا أكثر نشاطًا على وسائل التواصل الاجتماعي ووجدوا سعوديين بنفس تفكير الذين لم يستطيعوا مواجهة الواقع؛ فباتوا يتجادلون بحرية حول اتجاه بلدهم؛ حيث قالت العنود: “كنا نتحدث عن الحقوق المدنية ولماذا لا تسير الأمور كما يفترض”.
في هذه المرحلة من مناقشاتنا؛ أصبحت العنود أكثر حيوية؛ حيث تقلو: “كانت لينا تريدني أن أفهم أنها كانت مناظرة بارزة، حيث يمكنها أن تتذكر الأرقام بسرعة، ولم تكن عاطفية أبدًا”. وقدمت العنود العديد من الأمثلة في محاولة مستمرة لتوصيل تلك النقطة؛ ثم صرخت قائلة: “إنها عبقرية”.
وهذا هو بالضبط سبب اعتقادها بأن لينا لم تعد حرة؛ ففي أواخر أيار/ مايو 2021؛ داهمت قوات من رئاسة أمن الدولة – وهي هيئة تم إنشاؤها في عهد محمد بن سلمان كولي للعهد – منزل عائلتها وأخذتها مكبلة بالأصفاد، قائلة فقط إنها مطلوبة من أجل التحقيقات.
لمدة أربعة أشهر، لم تكن هناك معلومات عامة حول المكان الذي ذهبت إليه، وفي أيلول/ سبتمبر 2021، وردًّا على بلاغ أرسلته مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، كشفت الحكومة السعودية أنها محتجزة في سجن الحائر، وهو منشأة ذات إجراءات أمنية قصوى تبلغ مساحتها 19 مليون قدم مربع تديرها الشرطة السرية السعودية، التي تحتجز عشرات السجناء السياسيين؛ حيث تم اعتقالها بموجب مادتين من قانون مكافحة وتمويل الإرهاب، وهو قانون مثير للجدل تم وضعه أيضًا مع صعود ولي العهد إلى السلطة. منذ ذلك الحين؛ لم يتم الإفصاح عن مزيد من المعلومات عنها.
وتعتقد عنود أن الأصوات التي تهدد لينا لا يمكن أن تأخذ قدرتها على إدارة الدوائر حولها؛ حيث قالت: “لقد كانوا عاطفيين للغاية وكان من الصعب التنافس معها”، وأضافت: “كل هذا من أجل حماية هذه الشخصية الهشة. إنهم يستخدمون جميع أنواع الأمان لحماية عدم أمان شخص ما”.
المدافع عن المدافعين
ولعدة أشهر كانت هاجر تتحدث عبر الإنترنت عن حقوق الإنسان مع شخص تُعرِّفه فقط باسم المستخدم 1.
وعندما رأت هاجر أن الراتب الحكومي الذي كان من المفترض أن يغطي تكاليف المعيشة المتزايدة كان يتناقص كل شهر من راتبها، وأرادت أن تعبّر عن ذلك؛ كان القيام بذلك عبر الإنترنت هو الخيار الوحيد. وبمجرد أن تحدثت، فوجئت برؤية كيف أن المستخدمين الذين لم تلتق بهم أبدًا دافعوا عنها، وعندما سمعت المشاكل والقضايا التي يواجهونها، شعرت بأنها مضطرة للتحدث نيابة عنهم أيضًا؛ حيث تحدثت مع المستخدم 1 على طول الفترة، وتتذكر قائلة: “تحدثنا عن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، لكن الشيء الذي تحدثنا عنه كثيرًا، كنساء ونسويات، كان العنف المنزلي”.
ونشر المستخدم 1 بشكل متكرر دفاعًا عن حقوق المرأة ودعمًا لضحايا العنف المنزلي والمحتجزين، داعيًا إلى عقد محاكماتهم علنًا وانتقد الأحكام الصادرة ضدهم بسبب التعليقات التي أدلوا بها عبر الإنترنت.
لقد كان يومًا فظيعًا؛ كنت أفكر متى ستعتقلني الحكومة؟
وذات يوم، أخبرت هاجر المستخدم 1 عن صراع شخصي كانت تعاني منه – لم تكن لتخبرني ما هو بالضبط – ولكن عندما أخبرت صديقتها على الإنترنت، ردت المستخدم 1: “لدي نفس المشكلة.”
وفي أيار/ مايو 2021؛ طلبت المستخدم 1 معروفًا من هاجر وقالت: “إذا تم اعتقالي، فلتتحدثي عني، ولا تنتظري عائلتي، فلن يرغبوا في التحدث إلى منظمات حقوق الإنسان”.
وحينها حذرت المستخدم 1 على وسائل التواصل الاجتماعي من تعرضها للخيانة من قبل شخص قريب جدًا منها، وكانت تقوم بالتحضيرات، وقالت: “سيأتي إليكِ أحد أصدقائي وسيقدمون لكِ معلوماتي إذا اختفيت”.
عرفت هاجر بسرعة كبيرة عندما تم القبض على صديقتها، فلقد فشلت – بشكل غير معهود – في الظهور في محادثة عبر الإنترنت كانت تساعد عادةً في إجرائها.
اختفت المستخدم 1، وقلقت هاجر وتساءلت: من سيكون التالي؛ حيث قالت: “لقد كان يومًا فظيعًا؛ كنت أفكر متى ستعتقلني الحكومة؟ وكيف ستعتقلني الحكومة؟”، ومع مرور الأيام وبقائها حرة، انتشرت شائعة مفادها أن المستخدم 1 قد تم اعتقالها بمعاونة الشخص الذي غردت عن أنه يخونها، مما أعطى هاجر بعض العزاء، وأنها ربما كانت بأمان (أي أنها لم تكن سببا في اعتقال المستخدم 1 أو أن المستخدم 1 لم تذكر شيئًا عنها).
لكنها تُركت بعد ذلك لتتساءل عن الصديق الغامض الذي كان سيقدم تفاصيل المستخدم 1 الخاص بها؛ ومر أسبوع ثم آخر، ولكن لا شيء، ولا تدري أين ذهبوا. وبعد شهر؛ لاحظت شخصًا ما على وسائل التواصل الاجتماعي يكتب بإسلوب عاطفي عن المستخدم 1، فأرسلت إليه رسالة.
رسالة تلو الأخرى، قام مستخدم تويتر وهاجر بالتحقق من بعضهما البعض، واختبروا قدر المستطاع ما إذا كان الآخر هو الصديق الحقيقي للمستخدم 1 الذي زعمت أنه هو؛ في النهاية بعد الاقتناع تحدثوا، وفي نهاية المطاف؛ كانت امرأة قالت إنها في سوريا وغالبًا ما تكون بدون الإنترنت، وهذا هو السبب في أنها استغرقت بعض الوقت للتواصل مع المستخدم 1؛ حيث قالت: “لقد قابلت المستخدم 1 أثناء لعب بابجي”، وهي لعبة قتالية عبر الإنترنت يمكن أن يلعبها العشرات من جميع أنحاء العالم في وقت واحد. وقالت إن المستخدم 1 كانت في الواقع أسماء السبيعي البالغة من العمر 22 سنة.
نداءات المساعدة في القضبان
تكتشف هاجر أن السبيعي كانت في سنتها الأخيرة في جامعة الأميرة نورة بالرياض.
وفي 1 حزيران/ يونيو، داهمت رئاسة أمن الدولة منزلها وصادرت أجهزتها الإلكترونية وأخذتها بعيدًا. إلى أين؟ لم يعرف مؤيدو هاجر وأسماء، لكن مع الصور والتفاصيل التي تمت مشاركتها من المرأة السورية، التي لم تلتقِ بها أسماء شخصيًا، شرعوا في الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان ومشاركة قصتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكتبوا اسمها على أوراق نقدية بقيمة 500 ريال، مع العلم أن الأوراق النقدية الكبيرة كانت كثيرة بالتداول، حتى لو لم ير أي من أولئك الذين يحملون الأموال في محافظهم اسمها؛ في نهاية المطاف كان يجب على موظف البنك أن يرى ذلك عندما يتم استبدال العملة.
وقالت هاجر: “كنا حريصين جدًّا على معرفة الجميع بأسماء؛ فهي ليست مجرد رقم”.
الرد السعودي على الأمم المتحدة ليس آخر جزء من المعلومات التي كان لدى أصدقاء أسماء عنها
أسماء، مثلها مثل لينا، محتجزة أيضا في سجن الحائر، حسبما كشفت الحكومة السعودية في كانون الثاني/ يناير الماضي ردًّا على رسالة مشتركة أرسلتها عدة مجموعات عمل تابعة للأمم المتحدة ومقررين خاصين أثاروا مخاوف بشأن قضيتها.
وفي رسالتها؛ سلطت السلطات السعودية الضوء على مخاوف الأمم المتحدة من أن أسماء “اعتقلت ردًّا على منشوراتها على تويتر”، وهو ما لا تنفيه، لكنها بينت أنها اعتقلت وفقا لقانون مكافحة وتمويل الإرهاب في المملكة.
وتقول الرسالة إنه تم توجيه تهمة إليها لكنها لا تقول ما هي هذه التهمة، وتضيف أنها مثلت مرتين على الأقل في المحكمة ويمثلها محام ممول من الدولة ومكلف بها، وتقول: “إنها تتمتع بالحق في الزيارات المنتظمة والمكالمات الهاتفية، كما أنها تتلقى الرعاية الطبية اللازمة وهي بصحة جيدة”.
وعلى عكس لينا؛ فإن الرد السعودي على الأمم المتحدة ليس آخر جزء من المعلومات التي كان لدى أصدقاء أسماء عنها؛ ففي حزيران/ يونيو الماضي؛ ظهرت أسماء لعدة ثوان في تقرير إخباري لقناة “إم بي سي MBC” عن سجن الحائر؛ حيث أمكن رؤيتها وهي تغني على خشبة المسرح في حفل موسيقي ترفيهي لأقارب السجناء الزائرين، فيما قال أحد السجناء لمراسل “إم بي سي MBC”: “في البداية؛ كنت أسمع أن السجون ليست سوى زنزانات وحياة مهدرة، ولكن لدينا أشياء لا يتخيلها الناس هنا. من الأنشطة إلى الفعاليات؛ حيث يقومون بإعادة تأهيلنا لنعيش حياتنا خارج السجن”.
هذه الأنواع من التقارير الواردة من السجون السعودية – والتي يُفترض “ملفقة” – ليست فريدة من نوعها لمعتقلي مايو؛ حيث يمكن تذكر الجولة التي أعطاها الأمير السعودي الوليد بن طلال للصحفيين في فندق الريتز خلال حملة تطهير ولي العهد؟ وهناك أيضا لقطات للمغني السعودي ربيع حافظ، الذي تم تصويرها في أيلول/ سبتمبر 2017 خلال موجة مختلفة من الاعتقالات، وهو يغني من سجن دهبان.
وأسماء ليست المعتقلة الوحيدة الذي قد يختفي فقط ليعاود الظهور على شاشة التلفزيون، ففي نيسان/ أبريل، ظهرت ياسمين القفيلي أيضًا في تقرير من سجن بريدة لأمن الدولة.، وكانت الفتاة البالغة من العمر 27 عامًا مدربة شخصية قبل اختفائها قسرًا في أيار/ مايو 2021.
ولم تكن ياسمين تغطي رأسها قبل اعتقالها، لكنها ظهرت منقبة وهي تقوم بجولة لمراسل، وتقول: “لدينا فصل دراسي وقسم لرعاية الأطفال وصالة ألعاب رياضية أعتني بها”، وأضافت: “كانت لديَّ خبرة سابقة في التدريب وشجعتُ السجناء الآخرين على الانضمام إليَّ؛ إنهم متحمسون”.
نمط مألوف
وتتناسب حالات اختفاء المعتقلين الثلاثة في أيار/ مايو في هذه القصة مع نمط من القمع المنهجي الذي يقول المدافعون عن حقوق الإنسان والباحثون إنه مستمر منذ عام 2017.
ففي ذلك الصيف؛ حل محمد بن سلمان محل ابن عمه، محمد بن نايف، وليًّا للعهد، وعندها تم نقل الكثير من سلطة ومسؤولية أمن الدولة من وزارة الداخلية لتتبع مباشرة إلى الديوان الملكي.
وتم إنشاء هيئتين جديدتين؛ رئاسة أمن الدولة والنيابة العامة بموجب مراسيم ملكية، وتبعها بعد عدة أشهر قانون جديد لمكافحة الإرهاب يُعرِّف، من بين أمور أخرى، أي عمل يخل بالنظام العام بأنه إرهاب.
وبالتسلح بالقانون الجديد؛ عملت قوات الأمن الخاصة ومكتب حماية الشعب، الذي يشرف عليه الديوان الملكي، جنبًا إلى جنب مع المحكمة الجنائية المتخصصة على توقيف المئات من منتقدي سياسات ولي العهد في موجات من الاعتقالات والملاحقات القضائية.
وحدد النشطاء والمدافعون عن حقوق الإنسان نمطًا يمكن التعرف عليه: شخص ما يتحدث؛ يحضر عملاء المباحث، وهو جهاز المخابرات السعودي الخاضع لسلطة قوات الأمن الخاصة، إلى منزل، وغالبًا ما يرتدون ملابس مدنية، ويعتقلونهم دون مبرر، ثم يتم نقلهم إلى السجون التي تديرها قوات الأمن الخاصة؛ حيث يتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات وتعذيبهم لانتزاع الاعترافات، ثم يظهر الشخص مرة أخرى، متهمًا بارتكاب جرائم أمنية أو ذات صلة بالإرهاب.
اتخذت هذه الممارسات منعطفًا أكثر قتامة في آب/ أغسطس عندما ظهرت أنباء عن قيام المحكمة الجنائية المتخصصة بإصدار حكم بالسجن لمدة 34 عامًا وحظر سفر لمدة 34 عامًا على سلمى الشهاب
وبعد المحاكمة أمام المحكمة الجنائية المتخصصة؛ التي تُعقد في كثير من الأحيان سرًّا وتنتهك فيها الإجراءات القانونية الواجبة بشكل روتيني؛ تصدر بحقهم أحكام طويلة، وغالبا ما تستند فقط إلى اعترافاتهم بالإكراه.
وفي أيار/ مايو 2020، أطلق فريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاختفاء القسري أجراس الإنذار حول هذا النمط؛ حيث أخبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المنظومة القانونية في السعودية قد فشلت في حماية شعبها من الاختفاء القسري الذي كان يستخدم كأداة للقمع، وكتب الفريق في رسالته للجمعية العامة: “إن التركيز المتزايد للسلطة في يد الملك دون رادع هو الذي قوض استقلال القضاء وساهم في ثقافة الإفلات من العقاب، وقد عززت قواعد وممارسات التحقيق حدوث حالات الاختفاء القسري”.
وخلُصَ مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات التمويلية في سياق مكافحة الإرهاب – في أعقاب زيارة قام بها إلى المملكة العربية السعودية في عام 2017 – إلى أن فشل المملكة في توفير الحد الأدنى من الضمانات ضد التعذيب، وكذلك ممارستها القضائية المتمثلة في استخدام الاعترافات بالإكراه كدليل: “يشير بقوة إلى أن ممارسة التعذيب معتمدة رسميا”.
الأحكام الجائرة
اتخذت هذه الممارسات منعطفًا أكثر قتامة في آب/ أغسطس عندما ظهرت أنباء عن قيام المحكمة الجنائية المتخصصة بإصدار حكم بالسجن لمدة 34 عامًا وحظر سفر لمدة 34 عامًا على سلمى الشهاب، المرشحة لنيل درجة الدكتوراه في ليدز والأم لطفلين، بسبب تغريداتها.
وكانت هذه أطول عقوبة على الإطلاق لمدافعة عن حقوق المرأة، وبعد أسبوع تبين أن امرأة سعودية ثانية- تدعى نورا القحطاني – قد حصلت على 45 عامًا بسبب تغريداتها.
لقد صدمت أحكامهم الطويلة بشكل غير عادي حتى المراقبين المخضرمين في المملكة العربية السعودية، وتصدرت الأحكام عناوين الصحف وصفحات الرأي الدولية؛ حيث كتبت فيونوالا ني أولان، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، أن جريمة شهاب المفترضة “تسخر من أي نوع من الخطاب الجاد حول مكافحة الإرهاب”، وأضافت: “إن المملكة العربية السعودية تسيء بشكل منهجي إلى قوانين مكافحة الإرهاب وتعمل على استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والنساء اللواتي يعبرن عن آرائهن والصحفيين وأي شخص يبدو أنه يخرج عن الخط مهما كانت المخالفة طفيفة”.
وقالت لي ماري لولر، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي أثارت قضية أسماء مع السلطات السعودية، إنها قلقة من أن محتجزي مايو قد يواجهون أحكامًا مثل تلك التي صدرت ضد شهاب والقحطاني، وتابعت قائلة: “المدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية معرضون لخطر حقيقي من إرسالهم إلى السجن لفترات طويلة جدًّا، فهناك الكثيرون ممن يقضون أحكامًا بالسجن لأكثر من عشر سنوات”.
وأضافت: “في حين لا ينبغي أن يكون أي شخص في السجن بسبب عمله السلمي في مجال حقوق الإنسان؛ فإن هذه الأحكام الطويلة قاسية بشكل خاص. لقد رأينا ما تفعله هذه الأحكام الطويلة بالمدافعين وأسرهم ومجتمعاتهم، والتأثير الخانق الذي تحدثه على الآخرين الراغبين في تعزيز حقوق الإنسان”.
وقال أصدقاء محتجزي مايو إن الحكم على النساء جعلهن متوترات للغاية، فبعد يوم من صدور حكم سلمى الشهاب، أخبرني صديق عبد الله جيلان أنه سمع أن إجراءات المحكمة الخاصة بالشاب البالغ من العمر 30 عاما الذي نشأ معه على وشك البدء، وأنه مرعوب.
الخريج الذي أراد المزيد
قال ناصر* إنه كان يعرف “عبد”، كما يسميه جيلان، لفترة طويلة لدرجة أنه لا يتذكر بالضبط متى التقيا، فقد كبرا وتشاركا الشعور بوجود عالم أكبر خارج المملكة العربية السعودية، وقال: “كنا دائما ننظر حولنا حول ما يجري في العالم، وإلى كل تلك الأشياء الفظيعة مثل الحروب في فلسطين واليمن”.
ووصف ناصر صديقه بأنه بسيط؛ وأنه رجل غير معقد، لطيف مع العائلة والأصدقاء، ونباتي ويحب القطط، وقال: “لم تكن حقوق الإنسان فقط؛ لقد كان أيضًا ناشطًا في مجال حقوق الحيوان”.
وقال إن حلم عبدالله هو أن يصبح معلمًا صحيًّا في المملكة، وذهب إلى جامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا في منحة سعودية لدراسة الصحة العامة، وأثناء وجوده هناك، التقى بخطيبته التي كانت تدرس أيضًا في الخارج.
وتفاعل عبد الله مع وعود محمد بن سلمان بالإصلاح؛ حيث قال ناصر: “كان شابًّا وكان يتحدث عن الشباب وعدد الفرص التي سيقدمها والتغيير الذي سيقوم به، وكان هذا نوعًا من الخداع للكثير من الناس. وكان عبد ذكيًّا، لكنه اعتقد، في نهاية المطاف، أنه لا يوجد شيء أفضل من المنزل”.
ولكن عندما عاد إلى المملكة العربية السعودية وتقدم للعمل في وزارة الصحة؛ قيل له إن شهادته لم يتم الاعتراف بها، ولمدة ثلاث سنوات؛ حاول تصحيح ما يعتقد أنه خطأ بيروقراطي بسيط للغاية، حتى أنه ذهب إلى المحكمة، وفي الوقت نفسه عمل كسائق أوبر بينما كان لا يزال يخطط للزواج من خطيبته، وقال ناصر: “لقد جعله هذا يشعر بالسوء والإحباط الشديدين والإحباط الشديد”، ولهذا كان يقول: “أريد أن أذهب إلى وسائل التواصل الاجتماعي وأحاول على الأقل التحدث عنها والسماح لهذه المشاعر بالخروج”؛ لذلك قام بالتغريد دون الكشف عن هويته.
وجه مع اسم
لا يزال من غير الواضح كيف تمكنت السلطات السعودية من ربط عبد الله بحسابه الذي كان لديه حوالي 400 متابع وقت اعتقاله؛ حيث يقول المحامون والمؤيدون إن هذا ينطبق على جميع معتقلي مايو: لا أحد يستطيع أن يقول بالضبط كيف تم التعرف عليهم عندما كان كل ما فعلوه عبر الإنترنت مجهولًَا.
هناك نظريات وشكوك؛ زادت من قوتها إدانة موظف سابق في تويتر في آب/ أغسطس الماضي؛ والذي سرب بيانات 6000 مستخدم إلى السلطات السعودية في عام 2015 مقابل أموال وهدايا باهظة الثمن.
ويعتقد أن هذه التسريبات أدت إلى الاختفاء القسري في آذار/ مارس 2018 لعبد الرحمن السدحان، وهو موظف في الهلال الأحمر كان يغرد دون الكشف عن هويته، والصحفي تركي بن عبد العزيز الجاسر. ومنذ ذلك الحين؛ حُكِمَ على السدحان، الذي تقول عائلته إنه تعرض للتعذيب أثناء احتجازه، بالسجن لمدة 20 عامًا.
بطريقة ما؛ حددت السلطات السعودية عبد، وفي مساء يوم 12 أيار/ مايو 2021؛ اختُطِفَ من منزل والدته في المدينة المنورة من قبل 20 من عملاء قوات الأمن الخاصة كانوا في ثياب مدنية ووصلوا في قافلة من ست سيارات، وفقا لجماعة مينا لحقوق الإنسان.
وأخذوا جميع الأجهزة الإلكترونية في المنزل؛ بما في ذلك هاتف والدته المحمول، بينما شهد واحد على الأقل من شقيقي جيلان الأصغر سنًّا الفوضى، ولقد كان خائفا جدا من العودة إلى المنزل منذ ذلك اليوم.
وبعد الاعتقال؛ أرسلت خطيبة جيلان رسائل نصية إلى والدة جيلان، في محاولة لمعرفة ما حدث له، وتلقت رسالة تقول فيها إن عبد الله “بخير”، وفقًا لجماعة مينا الحقوقية التي وثقت قضيته، ولكن بعد ذلك حذرت الرسائل خطيبتها من أنه سيتم الإبلاغ عنها ومنعها من دخول المملكة العربية السعودية نتيجة لنشاطها على الإنترنت؛ حيث تقول مجموعة مينا الحقوقية إنها تعتقد أن مسؤولي النيابة العامة، وليس والدة جيلان، هم الذين أرسلوا النصوص.
عانى أصدقاء لينا الشريف الذين كانوا داخل المملكة عندما اختفت من تداعيات كبيرة في حياتهم، فقد أخبرني اثنان منهم أنهما فرا من المملكة خلال العام الماضي خوفًا من أن يتم القبض عليهما أيضًا
وعلمت عائلة جيلان أنه محتجز في سجن تديره المباحث في المدينة المنورة؛ حيث تعرض في مناسبتين منفصلتين للتعذيب بقضيب ينبعث منه حوالي 360 فولت من الكهرباء أثناء استجوابه، وتم تقييده ووضعه في الحبس الانفرادي، ثم انتقل لاحقا إلى سجن آخر تديره المباحث في دهبهان.
وردًّا على شكوى مقدمة إلى مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة؛ قالت السلطات السعودية في تموز/ يوليو 2021 إن جيلان اعتقل بموجب قانون مكافحة وتمويل الإرهاب لعام 2017.
وإذا كان اعتقال عبد كان يهدف إلى منع ووقف المعارضة؛ فإنه لم ينجح مع عبد الناصر، والذي قال: “بصراحة؛ قبل اعتقاله كنت مهتمًّا بحقوق الإنسان، لكنني كنت مشغولًا أيضا بحياتي، لكن بعد ذلك انخرطتُ بعمق”.
صانعة المعجزة
وعانى أصدقاء لينا الشريف الذين كانوا داخل المملكة عندما اختفت من تداعيات كبيرة في حياتهم، فقد أخبرني اثنان منهم أنهما فرا من المملكة خلال العام الماضي خوفًا من أن يتم القبض عليهما أيضًا، إما بسبب نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو تأييدهم لقضية لينا.
وقالت حصة* – إحدى هؤلاء الصديقات – قبل وقت طويل من اضطرارها للهروب بسرعة في رحلة ليلية، إن لينا غيرت مسار حياتها.
فبعد أن تعرفت الاثنتان على الإنترنت؛ أسرًّتْ حصة إلى لينا بشأن قضايا الهوية الجنسية التي كانت تواجهها، وقالت: “شعرت بالدعم منها”؛ حيث علمتها لينا كيفية محاربة مجتمعها في مناظرة. ومن سجناء الرأي إلى ضحايا العنف المنزلي؛ كانت دائما مع المظلومين، وكانت ملهمة، فيما أصبحت حصة أكثر صخبا على ال‘نترنت أيضا.
وقالت حصة: “لقد شجعتني على أن أكون شجاعة كما أنا اليوم، لقد شجعتني دائمًا وأخبرتني أنه في يوم من الأيام، سأكون حرة”.
ولقد قلتُ لحصة يجب أن يكون من الصعب، أن الشخص الذي حرركِ بطرق عديدة ليس حرًّا الآن، فصمتت لفترة طويلة ثم سمعت بكاء مكتومًا عبر الهاتف.
كانت حصة في حالة ذهول عندما علمت أن لينا قد تم أخذها بعيدا، بينما كتب مؤيدون آخرون اسم لينا في كتب مكتبة الجامعة أو على الأوراق النقدية، واتهمت هاجر وسائل التواصل الاجتماعي بالتخلي عن لينا.
وقال صديق آخر للينا كان يستمع إلى محادثتنا: “إن حصة صنعت معجزة”؛ فقبل عدة أشهر قالت حصة إنها تلقت رسائل على تويتر تحذرها من التوقف عن الحديث عن لينا الشريف “وإلا”. وبعد ذلك بقليل؛ تم تسريب هويتها الحقيقية، وعنوانها ومدرستها عبر الإنترنت، وعرفت أنها يجب أن تهرب.
* تم تغيير أسماء أصدقاء معتقلي أيار/ مايو الذين تمت مقابلتهم في هذه القصة واسم أحد الأصدقاء الذي تحدث عبر الإنترنت؛ من أجل حمايتهم.
المصدر: ميدل إيست آي