ترجمة وتحرير نون بوست
يرى العديد من المسؤولين في دوائر السياسة في واشنطن، الأقلية العلوية في سوريا على أنها فقاعة متجانسة داخل سوريا، لكن مع ذلك، في الأشهر الأخيرة، كانت هناك علامات على الاقتتال الداخلي داخل العشيرة التي ينتمي إليها الديكتاتور السوري “بشار الأسد”، وعلى استياء متزايد بين العلويين، الذين ينتمي كثير منهم إلي الأجهزة الأمنية والعسكرية للدولة.
في الواقع، يبدو أن العلويين صاروا يريدون أن يروا نهاية قريبة لنظام الأسد، أكثر من خوفهم من فقدان السلطة للمعارضة السنية، يجب على دمشق إذن أن تولي اهتمامًا أكبر للصدوع بين عائلات نظام الأسد الكبرى والمقربين منهم في دمشق، وكذلك إلى المجتمعات المؤيدة والمعادية للأسد من المقيمين في المنطقة الساحلية على طول البحر المتوسط.
ظهرت علامات ازدياد التوتر داخل دوائر الأسد المقربة لأول مرة في أغسطس عندما دعا “دريد الأسد”، ابن عم الديكتاتور السوري، إلى استقالة وزير الدفاع “فهد جاسم الفريج”، بعد إعدام نحو 120 جنديًا سوريًا في قاعدة الطبقة الجوية من قبل تنظيم داعش، ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية، فإن قريب آخر للأسد، هو “حافظ مخلوف”، استقال “طوعًا” من منصبه في رئاسة المخابرات.
وفي نفس الوقت، أطلق نشطاء علويون حملة دعوا فيها فريج بـ “وزير الموت”، محتجين على ارتفاع عدد الوفيات العلوية منذ بدء النزاع، وفي الشهر نفسه اُعتقل محام موال للنظام بعد إطلاقه حملة على تويتر بعنوان #وينن، تدعو لمعرفة أماكن الجنود الـ120 الذين تحتجزهم داعش أسرى، يدعو النشطاء العلويون على نحو متزايد إلى تغيير النظام، كما لوحظ في بيان صدر مؤخرًا عن مجموعة تطلق على نفسها تجمع العلويين السوريين.
أكثر من 8000 من العسكريين الموالين للنظام من منطقة جبله العلوية في الساحل لقوا حتفهم ناهيك عن الآلاف في مناطق العلويين الأخرى الذين قضوا في الحرب كذلك، العوائل المكلومة خرجت إلى شوارع اللاذقية في أغسطس للمطالبة بعودة أبنائهم أو حتى جثثهم، كانوا يهتفون “إن شا الله بنحضر جنازة ابنك” مخاطبين الأسد.
في أوائل أكتوبر، خرج مئات العلويين غاضبين مطالبين بإقصاء المحافظ “طلال البرازي” بعد انفجار سيارة ملغومة قرب مدرسة عكرمة المخزومي الابتدائية؛ ما أسفر عن مقتل 17 معظمهم من الأطفال، محتجون آخرون دعوا إلى إسقاط الأسد من طرطوس، ووفقًا لناشطين على الأرض، فإن الأسر العلوية في اللاذقية تناقش سرًا سيناريوهات استبدال الأسد.
الانقسامات بين الطائفة العلوية ليست جديدة، لكنها هذه المرة تعكس رد فعل عنيف ضد محسوبية الأسد تجاه العشيرة التي ينتمي إليها “الكلاسية”، حيث تم حماية هذه العشيرة من أعباء الحرب، في حين كانت تعيش العائلات الأخرى مثل “الحيدرية” في ضيق شديد بسبب اضطرار أبنائهم للذهاب إلى الخطوط الأمامية لقتال الثوار، هذا الاستياء يبرز التوترات بين العلويين، حيث تعيش عائلات المسؤولين الحكوميين في ترف شديد، بينما يكافح البقية من أجل إطعام أطفالهم، كما أن العلويين الذين يعيشون في العاصمة هم أكثر اتصالاً بكثير من عائلة الأسد، وأكثر احتمالاً للحصول على المزيد من الامتيازات والوصول إلى السلطة.
في المقابل، فإن متوسط دخل المزارع أو التاجر الصغير المقيم في جبال اللاذقية أو حتى في القرداحة، مسقط رأس الأسد، لديهم نفوذ ضئيل إلا إذا كان لديه أحد أفراد الأسرة يعملون لحساب النظام.
ومن المفارقات أن العلويين الذين عاشوا في دمشق لسنوات عديدة يميلون إلى أن يعرفوا أنفسهم كدمشقيين، إلا عندما يكون إبرازهم لأصلهم مفيدًا لبناء علاقة متميزة مع النخب السياسية، هذا التواصل يمنحهم فرص الحصول على خدمات أفضل وحتى حرية أكبر للتهرب من القوانين والقواعد، حتى تلك التي نص عليها الدستور، وغالبًا ما يكون كافيًا لأحدهم أن يتكلم باللهجة العلوية، التي تُعتبر لهجة السلطة، في شوارع دمشق، لتجاوز أي موقف وحتى لإخضاع غير العلويين.
في اللاذقية الجبلية، الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية واضحة للغاية: يمكنك أن تعثر على الفقر المدقع والثراء الفاحش في حي واحد، بما في ذلك في القرداحة، معروف هناك أن أفراد عائلة الأسد وأصدقائهم وحلفائهم يتمرغون في الفيلات الفاخرة والدراجات النارية والسيارات الفارهة، التي غالبًا ما لا تحمل أرقامًا كونها تم تهريبها، تراهم يسيرون بسياراتهم تلك مارين بأطفال حفاة يعيشون مع أهلهم في بيوت صغيرة من الطين بلا كهرباء ولا مياه، تتصرف هذه القلة المحظوظة مثل الملوك، فيما يدفع هؤلاء القرويون البسطاء ثمن الحرب الباهظ عندما تستخدم حكومة الأسد أبناءهم وبناتهم دروعًا بشرية على خطوط النار.
هؤلاء أيضًا هم من يتمردون ضد النظام، لكنهم عاجزون تمامًا، في الواقع، تم تسريب صور للتعذيب في سوريا، حيث أُعطيت خلسة لمتحف ذكرى الهولوكوست من قبل عضو في الجيش السوري يستخدم اسم “قيصر”، هذا الموقف وحده يقدم دليلاً على أن أعضاء الطائفة العلوية هم أيضًا من بين ضحايا وحشية الأسد.
ظهور الانقسام داخل الطائفة العلوية، رغم ذلك، لا يعني أخبارًا جيدة للمعارضة السورية، على سبيل المثال، خلال المظاهرات التي شهدتها طرطوس، دعا المحتجون العلوين لإسقاط المعارضة والنظام على حد سواء، من غير الواضح أيضًا أن يحدث انقلاب عسكري ضد الأسد، فحسبما يفترض البعض، بينما ارتفع الاستياء في دائرة الأسد الضيقة، قام بتدبير عملية اغتيال لخلية الأزمات خاصته، بما في ذلك زوج ابنته “آصف شوكت”.
وعلى الرغم من أن النخبة السياسية العلوية أصبحت مرتبطة أكثر فأكثر بالفساد وإساءة استخدام السلطة، إلا أن بعض المجتمعات العلوية في الريف تبرز بشكل أقل فسادًا وتلوثًا، والد بشار، “حافظ الأسد”، الديكتاتور الذي حكم البلاد من 1970 حتى 2000، لم يكن فقط زعيمًا سياسيًا للعلويين، لكنه كان أيضًا أبًا روحيًا وشخصية دينية، على الرغم من ازدرائه المبكر للتقاليد العلوية؛ ولذلك، فإن الطائفة العلوية الأوسع لن تتمرد على نجل زعيمها المبجل، في عالم مثالي، فإن العلويين والسنة قادرون على تسوية خلافاتهما والتعاون لإسقاط الأسد وهزيمة داعش، لكن الواقع يبقى أن مثل هذا الخيار غير محتمل، هناك نقص هائل في الثقة بين هذين الجانبين، وأيضًا بين السنة والأقليات الأخرى مثل المسيحيين، أو الأكراد السوريين.
انعدام الثقة يأتي من عدم وجود أي عقد اجتماعي يحدد حقوق ومسؤوليات كل مجموعة، ومن فشل المعارضة السورية في مخاطبة العلويين وهذه المجتمعات التي ترنو للسلطة.
كانت الثورة السورية سلمية في أشهرها الستة الأولى، وخلالها تظاهرت جميع شرائح المجتمع ضد ديكتاتورية الأسد، لكنها آلت في النهاية إلى عنف طائفي نتيجة شراكة الأسد مع إيران، وظهور الجهاديين داخل قوة المعارضة، وضع حد للصراع الحالي يتطلب أكثر من إزالة الأسد، فالعمل الشاق مطلوب لإزالة نظامه الاستبدادي بأكمله، استبدال الأسد مع زعيم آخر، حيث إن بعض الأسر العلوية تطالب بذلك، لن يكون كافيًا، والتحول إلى نظام يكون فيه الرئيس منتخب بشكل ديمقراطي ليس سوى الخطوة الأولى لحل الصراع الحالي في سوريا.
للقيام بذلك، بناء الثقة بين جميع الطوائف السورية أمر أساسي، من خلال اتفاقيات تقاسم السلطة ووضع دستور جديد وشامل.
أما الآن، فإن الأسد لايزال يحظى بدعم الأسر العلوية المرتعدة من مجرد التفكير في مصيرهم في ظل سوريا يسيطر عليها الثوار أو المتمردون، لكن لابد من تسليط الضوء على أن الطائفة العلوية ليست متجانسة، وأصبح واضحًا أن الاستياء في الأشهر الأخيرة، يمكن أن يكون بمثابة فرصة حيوية للتوفيق بين مختلف المجموعات الدينية في سوريا،
وعلى واشنطن ألا تحد من حلفائها في سوريا وألا تقتصر فقط على “الثوار المعتدلين”، المعارضة العلوية على ذات القدر من الأهمية.
العليون بحاجة إلى الحق في الاحتجاج ضد الأسد، والمعارضة السورية ينبغي عليها أن تستعد للاستفادة من هذا الوضع كنقطة انطلاق نحو المصالحة.
الدعم السياسي والعسكري من قادة العالم، وخاصة الولايات المتحدة، مطلوب لإنهاء الصراع السوري، لكن هذا الدعم يحتاج إلى التعرّف بدقة أكثر على الانقسام الطائفي في المجتمع السوري، من أجل المساعدة في التخفيف من التناقضات السياسية في سوريا بدلاً من تعزيزها.
المصدر: فورين آفيرز