رحب وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الأربعاء الماضي بأي جهود عسكرية إيرانية “إيجابية” ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد أن أكد البنتاجون قيام القوات الجوية الإيرانية بعدد من الهجمات ضد التنظيم مؤخراً.
لكن طهران نفت قيامها بأي هجمات ضد داعش.
فعلى حد قول المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم: “لم يطرأ أي تغير على سياسة تقديم النصح والدعم للمسؤولين العراقيين في جهودهم ضد التنظيم”.
قال كيري في مؤتمر التحالف ضد تنظيم الدولة المنعقد ببروكسل أن الهجمات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم قد بدأت أخيراً في إيقاف تقدم التنظيم في العراق وسوريا. وأكد أيضاً أن الهزيمة الكاملة للتنظيم قد تحتاج إلى جهود تمتد لسنوات.
وأخبر كيري المسؤولين المجتمعين ببروكسل من أكثر من 60 دولة أن الهجمات البالغة قرابة الألف قد تركت أثراً واضحاً وملموساً على داعش، مستكملاً: “مثل هذا الالتزام لن يمكن الحكم علي نتائجه الحقيقية قبل سنوات، ولذلك على الشركاء جميعاً الاستمرار في المشاركة في هذه الجهود حتى يكتب لها النصر النهائي”.
ولكن في إشارة على شدة تعقد الوضع في المنطقة؛ اتهم الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من قبل إيران الهجمات العربية الأمريكية بأنها عديمة الجدوى. وقال في حوار مع المجلة الفرنسية “باريس ماتش” أن الإرهاب لا يمكن محاربته من خلال هجمات جوية، وأن القوى البرية على الأرض هي العامل الحاسم في مثل هذه المعارك. “ولذلك لا يمكن ملاحظة أي إنجازات حقيقية بعد أكثر من شهرين من هجمات التحالف”
التفاهم مع إيران
نفى كيري تماماً وجود أي نوع من التنسيق العسكري الأمريكي مع إيران بعد أن أعلن البنتاجون عن قيام عدد من طائرات الفانتوم الإيرانية -المتبقية من عهد الشاه- بعدد من الهجمات ضد مقاتلي داعش في مقاطعة ديالى شرقي العراق.
ولكنه في نفس الوقت قد أشار إلى وجود تفاهم بين إيران والولايات المتحدة للحد من الأخطار المشتركة. “فإن قامت إيران باتخاذ بعض الاجراءات ضد داعش في أحد الأماكن؛ فإن تأثير هذه الإجراءات سينطبع بشكل إيجابي على جهود الجميع ضد التنظيم”.
قال مسؤولون بوزارة الدفاع بواشنطون أن الهجمات الإيرانية الأخيرة كانت جزءاً من نمط قسم به المستشارون العسكريون الإيرانيون والأمريكيون العراق إلى مناطق نفوذ منفصلة. وقال أحد مسؤولي الوزارة لوكالة الأنباء الفرنسية أن “هناك اتفاق ضمني بيننا أن لا نعمل في نفس المناطق، وهم لا يتعرضون للقوات الأمريكية بأي شكل”.
وأصدر التحالف بياناً يعلن فيه عن توقف توسع التنظيم في العراق وسوريا، وأن القوات العراقية والكردية قد استطاعت استعادة سيطرتها على عدد من المناطق. وأعلن أيضاً عن اتفاق الأعضاء على استراتيجية متعددة الأوجه لمواجهة داعش؛ تتضمن إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب إلى التنظيم؛ إلى جانب الحد من مصادر تمويله والحد من إنتشار التنظيم وإعلامه عبر الشبكات الاجتماعية.
من المقرر أن يحضر كيري اليوم الخميس اجتماع منظمة الأمن والتعاون في القمة الوزارية الأوروبية في مدينة بيزل السويسرية لمناقشة الأزمة الأوكرانية؛ كما سيلتقي وزراء العدل الأوروبيون في بروكسل على حدة لمناقشة سبل تطوير معركتهم القانونية ضد التنظيم.
التحالفات المتغيرة
أطلقت الولايات المتحدة أولى هجماتها ضد داعش في العراق شهر أغسطس الماضي. وفي نهاية سبتمبر طالت الهجمات أهداف داخل سوريا بالتعاون مع عدد من الحلفاء العرب.
شاركت كلاً من المملكة السعودية والإمارات والأردن والبحرين في الهجمات الجوية داخل سوريا. بينما شاركت أستراليا وبلجيكا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفرنسا وهولندا في الهجمات داخل العراق.
قامت الولايات المتحدة بتنفيذ أغلب الهجمات ضد التنظيم الذي تقول التوقعات بوصول عدد أفراده إلى 33 ألف مقاتل.
تسبب الوضع السوري في خلق مجموعة من التحالفات الاقليمية قصيرة العمر وسريعة التحول. وكان أغربها التحالف الأمريكي مع إيران.
ولطالما كانت القوات الإيرانية شديدة الانتشار في المنطقة؛ مساعدة الميليشيات الشيعية في العراق وقوات الحكومة في بغداد. ولكن كانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها القوات الجوية الإيرانية.
قال الكلونيل ستيفن وارين المتحدث بإسم البنتاجون أن الهجوم كان في ولاية ديالي شرق العراق حيث لا تواجد لأي نشاط جوي أمريكي، وأن هذه هي المرة الأولى التي تلاحظ فيها الولايات المتحدة مثل هذا النشاط.
يعلم الجيش البريطاني الذي يشارك في التحالف بجانب الولايات المتحدة بوجود القوات الإيرانية في العراق؛ على أنها لا تقوم بالتنسيق مع التحالف بأي شكل. أخبر الفريق جوردون ميسنجر نواب البرلمان في لندن أن: “الجيش البريطاني قد علم بانتشار القوات الإيرانية في مناطق من العراق منذ فترة؛ وأن القوات البريطانية قد قامت بالتنسيق معها بالقدر الكافي فقط لعدم حدوث هجمات بالخطأ فحسب”
واستكمل الحديث مشيراً إلى أن “بريطانيا كدولة لا تقوم بالتنسيق مع إيران على أي مستوى؛ أما بالنسبة للهجمات الجوية فأنا لا أستطيع التعليق”.
كما أشارت التقارير إلى توارد السلاح إلى القوات العراقية والكردية من كلاً من واشنطون وطهران.
حلفاء مثيرون للدهشة
يشير الخبراء إلى أن الجهود ضد تنظيم الدولة قد خلقت تحالفات غير متوقعة. إذ تؤكد الدكتورة روزماري هوليز أستاذة السياسات الدولة بجامعة لندن أن الوضع شديد الحساسية؛ “فكون الولايات المتحدة على نفس الجانب من إيران في قتالها لتنظيم مسلم لهو شيء مثير للخجل ولا يمكن الإعلان عنه”.
بينما تحدث دينيس بوشار الباحث بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إلى وكالة الأنباء الفرنسية مشيراً إلى أن تحالف الولايات المتحدة مع إيران ضد داعش شيء شديد التناقض ولكنه واقعي. “وأنه يشير إلى حقيقة كون إيران لاعب رئيسي في كل نزاعات المنطقة”.
وعلى صعيد آخر؛ تستعد إدارة أوباما لاتخاذ موقف الهجوم ضد الكونجرس ذي الأغلبية الجمهورية لمنع تمرير المزيد من العقوبات ضد طهران وبرنامجها النووي؛ بينما تستمر المفاوضات الدولية مع إيران.
المصدر: ميدل إيست آي